الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فقوله تعالى: فَإِذا قَضى أَمْراً يراد به إنفاذ الإيجاد وإظهار المخلوق، وإيجاد الموجودات هو بالقدرة الإلهية، واقتران الأمر بالقدرة: هو عظمة في الملك، وإظهار للقدرة، وتخضيع للمخلوقات. وبه يتبين أن إيجاد المخلوق يعتمد على أمرين: الأمر الالهي بالإيجاد، وتلبّس القدرة الالهية بإيجاده وإظهاره، لا قبل ذلك، ففي حال العدم لا يظهر الشيء إذ لا يوجد الأمر، ولا شي بعد الإيجاد، لأن ما هو كائن، لا يقال له: كن.
جزاء المجادلين بالباطل
الحياة الإنسانية إما أن تزدان وتسمو بمواقف الحق والجرأة والإيمان، وإما أن تهبط وتنحدر بمواقف الباطل والكفر والخذلان، والناس بين هذين الموقفين في مرصد التاريخ، فإن كانوا من أصحاب الموقف الأول، خلّد التاريخ ذكرهم، وكانوا أسوة الأجيال، وإن كانوا من أصحاب الموقف الثاني طواهم التاريخ، ولم يذكروا إلا للعبرة والشماتة، وهكذا كان المعارضون لدعوة النبي صلى الله عليه وآله وسلم ورسالته عبرة للتاريخ، فإنهم جادلوا بالباطل في شأن الرسالة النبوية والكتاب الذي جاء به، وكذبوا بهما، فاستحقوا ويلات العذاب، كما تصف هذه الآيات الشريفة:
[سورة غافر (40) : الآيات 69 الى 78]
أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُجادِلُونَ فِي آياتِ اللَّهِ أَنَّى يُصْرَفُونَ (69) الَّذِينَ كَذَّبُوا بِالْكِتابِ وَبِما أَرْسَلْنا بِهِ رُسُلَنا فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ (70) إِذِ الْأَغْلالُ فِي أَعْناقِهِمْ وَالسَّلاسِلُ يُسْحَبُونَ (71) فِي الْحَمِيمِ ثُمَّ فِي النَّارِ يُسْجَرُونَ (72) ثُمَّ قِيلَ لَهُمْ أَيْنَ ما كُنْتُمْ تُشْرِكُونَ (73)
مِنْ دُونِ اللَّهِ قالُوا ضَلُّوا عَنَّا بَلْ لَمْ نَكُنْ نَدْعُوا مِنْ قَبْلُ شَيْئاً كَذلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ الْكافِرِينَ (74) ذلِكُمْ بِما كُنْتُمْ تَفْرَحُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِما كُنْتُمْ تَمْرَحُونَ (75) ادْخُلُوا أَبْوابَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ (76) فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِلَيْنا يُرْجَعُونَ (77) وَلَقَدْ أَرْسَلْنا رُسُلاً مِنْ قَبْلِكَ مِنْهُمْ مَنْ قَصَصْنا عَلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ وَما كانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلَاّ بِإِذْنِ اللَّهِ فَإِذا جاءَ أَمْرُ اللَّهِ قُضِيَ بِالْحَقِّ وَخَسِرَ هُنالِكَ الْمُبْطِلُونَ (78)
«1» «2» «3»
(1) أي يبعدون عن الإيمان بربهم. [.....]
(2)
أي القيود الموضوعة في الأعناق.
(3)
أي يجرون بعنف بالسلاسل إلى النار ويحرقون فيها
«1» [غافر: 40/ 69- 78] .
هذا موقف المعاندين أهل الباطل، فانظر إلى هؤلاء المجادلين في آيات الله الواضحة والدالة على الإيمان، والإقرار بالوحدانية والبعث، كيف يصرفون عنها ويتركون الهدى إلى الضلال؟
إنهم هم الذين كذّبوا بالقرآن، وبرسالات الرسل الداعية إلى التوحيد، وإخلاص العبادة لله، والشرائع الصالحة لحياة الإنسان، فسوف يعلمون مصائرهم الوخيمة وعواقب السوء المترتبة على مواقفهم.
إنهم سوف يعلمون حين تجعل القيود في أعناقهم، ويسحبون بالسلاسل في الحميم: وهو الماء المتناهي في الحرارة، فيحرقون ظاهرا وباطنا.
ثم يقال لهم من الملائكة توبيخا وتقريعا: أين الأصنام والشركاء التي كنتم تعبدونها من دون الله؟ قالوا مجيبين: لقد غابوا عنا وذهبوا فلم ينفعونا، بل في الواقع تبينا أننا لم نكن نعبد شيئا له قيمة وجدوى أو نفع، ومثل ذلك الضلال، يضل الله الكافرين على ممر الزمان، حيث أوصلتهم إلى النار، بضلالهم وتركهم سادرين في هذا الضلال، وعلى هذا اللون من الاختلاط وبيان فساد الذهن والنظر، وهذا
(1) أي تبطرون وتتكبرون، فالمرح: فرح بعدوان..
الترتيب، بكشف الحقائق ومصادقة الواقع، واضطراب الأقوال، واللجوء إلى الكذب، فيقولون: بل لم نكن نعبد شيئا.
وذلكم العذاب اللاحق بهم، والإضلال بتركهم في ضلالهم، بسبب ما كنتم تظهرون في الدنيا من الفرح بمعاصي الله، والابتهاج بمخالفة الرسل والكتب الإلهية، وبسبب موقف البطر والأشر والتكبر، فهذا جزاء الشرك والوثنية. وجزاؤكم أيها المشركون الإدخال في أبواب جهنم السبعة المقسومة لكم، المؤدية إلى طبقاتها ودركاتها، كما جاء في آية أخرى: لَها سَبْعَةُ أَبْوابٍ لِكُلِّ بابٍ مِنْهُمْ جُزْءٌ مَقْسُومٌ (44)[الحجر: 15/ 44] .
فبئس موضع الإقامة والمأوى الذي فيه الهوان والتعذيب لمن تكبر عن آيات الله وبراهينه القاطعة. ثم آنس الله تعالى نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم ووعده بالنصر بقوله: فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ أي اصبر أيها النبي على تكذيب قومك، فإن وعد الله بالنصر عليهم وإظهار أمرك ودعوتك والانتقام منهم كائن واقع لا محالة، إما في حياتك حيث تراه وتقرّ به عينك، وإما بعد موتك، حيث يصيرون ويرجعون إلى أمرنا وتعذيبنا.
أي إما أن نرينك في حال حياتك بعض ما وعدناهم به من العذاب، كالقتل، والأسر يوم بدر وغيره، وذلك بعض ما يستحقونه، وإما أن نتوفينك قبل إنزال العذاب بهم، فإلينا مصيرهم يوم القيامة. وهذا كما جاء في آية أخرى: فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِكَ فَإِنَّا مِنْهُمْ مُنْتَقِمُونَ (41) أَوْ نُرِيَنَّكَ الَّذِي وَعَدْناهُمْ فَإِنَّا عَلَيْهِمْ مُقْتَدِرُونَ (42) [الزخوف:
43/ 41- 42] .
ثم رد الله على العرب الذين قالوا: إن الله تعالى لا يبعث بشرا رسولا، واستبعدوا ذلك، فلقد أرسلنا رسلا وأنبياء كثيرين، من قبلك أيها النبي الرسول، إلى أقوامهم، منهم من أخبرناك بأخبارهم، وهم أربعة وعشرون، ومنهم من لم