الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قال الحسن البصري: الحفظة (من الملائكة) أربعة: اثنان بالنهار، واثنان بالليل، ويؤيد ذلك الحديث الذي
أخرجه البخاري ومسلم والنسائي وأحمد عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل، وملائكة بالنهار، ويجتمعون في صلاة الفجر وصلاة العصر، ثم يعرج الذين باتوا فيكم، فيسألهم وهو أعلم بهم: كيف تركتم عبادي، فيقولون: تركناهم يصلون، وأتيناهم وهم يصلون» .
ويروى أن ملك اليمين الذي يكتب الحسنات أمير على ملك الشمال، وأن العبد إذا أذنب يقول ملك اليمين للآخر: تثبّت لعله يتوب.
سكرة الموت وأحوال العذاب الأخروي
الانتقال عن عالم الدنيا يكتنفه مصاعب وأهوال ومخاطر كثيرة، أولها سكرات الموت: وهي ما يعتري الإنسان عند نزعه، والناس فيها مختلفة أحوالهم، لكن لكل واحد سكرة،
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول- فيما أخرجه البخاري والترمذي والنسائي وابن ماجه وابن أبي شيبة عن عائشة رضي الله عنها: «.. لا إله إلا الله، إن للموت سكرات» .
ثم يعقب ذلك أهوال، منها: نفخ الصور، ومجيء كل نفس معها سائق يسوقها إلى المحشر وآخر يشهد عليها، وعند الوقوف بين يدي الرحمن للحساب ومعاينة الحقائق يكشف الغطاء عن الإنسان، فيرى ببصيرته أو بصر عينه ما غفل عنه في الدنيا، ويقوم الحوار بين الكافر وقرينه الشيطان يوم القيامة، ويكون القرار الحاسم إما بالزج في جهنم وإما بدخول الجنة، وهذا ما تذكره الآيات الآتية:
[سورة ق (50) : الآيات 19 الى 35]
وَجاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذلِكَ ما كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ (19) وَنُفِخَ فِي الصُّورِ ذلِكَ يَوْمُ الْوَعِيدِ (20) وَجاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَها سائِقٌ وَشَهِيدٌ (21) لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هذا فَكَشَفْنا عَنْكَ غِطاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ (22) وَقالَ قَرِينُهُ هذا ما لَدَيَّ عَتِيدٌ (23)
أَلْقِيا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ (24) مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ مُرِيبٍ (25) الَّذِي جَعَلَ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ فَأَلْقِياهُ فِي الْعَذابِ الشَّدِيدِ (26) قالَ قَرِينُهُ رَبَّنا ما أَطْغَيْتُهُ وَلكِنْ كانَ فِي ضَلالٍ بَعِيدٍ (27) قالَ لا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُمْ بِالْوَعِيدِ (28)
ما يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ وَما أَنَا بِظَلَاّمٍ لِلْعَبِيدِ (29) يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلَأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ (30) وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ (31) هذا ما تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ (32) مَنْ خَشِيَ الرَّحْمنَ بِالْغَيْبِ وَجاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ (33)
ادْخُلُوها بِسَلامٍ ذلِكَ يَوْمُ الْخُلُودِ (34) لَهُمْ ما يَشاؤُنَ فِيها وَلَدَيْنا مَزِيدٌ (35)
«1» «2» «3» «4» «5» «6» «7» «8» «9» [ق: 50/ 19- 35] .
أيها الإنسان، جاءتك في نهاية العمر شدة الموت وغمرته التي تغشى الإنسان، وتبين لك بالموت الحق يقينا، والمراد بقوله: بِالْحَقِّ بلقاء الله تعالى وفقد الحياة الدنيا، ذلك الموت الذي كنت تميل عنه وتفر منه.
ونفخ في الصور نفخة البعث، ذلك الوقت الذي يكون عظيم الأهوال هو يوم الوعيد الذي أوعد الله به الكفار بعذاب الآخرة.
وأتت كل نفس من البشر، بالبدن والروح، معها ملك يسوقها إلى المحشر، وملك يشهد عليها أو لها بالأعمال من خير أو شر.
ويقال للإنسان الكافر أو كل واحد بر أو فاجر حينئذ في المحشر: لقد كنت في الدنيا غافلا عن هذا المصير أو هذا اليوم، فرفعنا عنك حجاب الغفلة والانهماك في لذائذ الدنيا، فاحتدت بصيرتك أو بصر العين، فصرت ترى ميزانك وغير ذلك من أهوال القيامة، وأدركت ما أنكرته في الدنيا.
(1) ملكان: أحدهما يسوقه إلى المحشر والآخر يشهد عليه.
(2)
الغطاء الحاجب لأمور المعاد: وهو الغفلة.
(3)
مهيأ لجهنم.
(4)
شاك في الله وفي أخباره.
(5)
أوقعته في الضلال والطغيان.
(6)
قربت.
(7)
كثير الرجوع إلى الله، كثير الحفظ لحدود الله.
(8)
مقبل على الطاعة.
(9)
زيادة. [.....]
ويقدّم القرين السائق للإنسان: وهو الملك الموكل به أو قرينة من ربانية جهنم:
هذا ما عندي مهيأ معدّ لجهنم، أو هذا العذاب الذي لهذا الإنسان الكافر حاضر عتيد، أو هذا الذي أحصيته من الأعمال عتيد لدي، وموجب عذابه.
وقال الزهراوي: قرينه: شيطانه، قال ابن عطية: وهذا ضعيف، وإنما أوقع فيه أن القرين في قوله: رَبَّنا ما أَطْغَيْتُهُ هو شيطانه في الدنيا ومغويه بلا خلاف. والواقع أن القرين في الآيتين مختلف. فالقرين الذي في هذه الآية غير القرين الذي في قوله تعالى: قالَ قَرِينُهُ رَبَّنا ما أَطْغَيْتُهُ إذ المقارنة تكون على أنواع.
ويقول الله تعالى للسائق والشهيد: اطرحا في جهنم كل من كفر بالله أو أشرك به شريكا آخر، كثير المنع للخير كالزكاة، معتد ظالم بالأذى والفحش، شاكّ في الله وفي أخباره، الذي جعل مع الله شريكا إلها آخر، فألقياه في النار ذات العذاب الشديد.
ويحدث حوار بين الكافر وقرينه الشيطان الذي كان معه في الدنيا، فيقول: القرين الشيطان عن الكافر المقارن له، والمتبرئ منه: يا ربنا ما أضللته أو أوقعته في الطغيان، بل كان هو في نفسه ضالا، مؤثرا الباطل، معاندا للحق، فدعوته فاستجاب لي، فهو الذي كان في ضلال بعيد الغور، يستحق معه هذا العقاب.
قال الله عز وجل للكافر وقرينه الشيطان: لا تتخاصموا ولا تتجادلوا عندي في موقف الحساب، فإني تقدمت إليكم في الدنيا بوعيدي وإنذاري ولقد قضيت ما أنا قاض، ولا يغير حكمي وقضائي، ولا خلف لوعدي، بل هو كائن لا محالة، ولست بظالم أحدا بغير جرم اقترفه أو ذنب ارتكبه، بعد قيام الحجة.
والعذاب قائم، فاذكر أيها الرسول لقومك حين يقول الله لجهنم: هل امتلأت، من الإنس والجن، فتنطق قائلة: هل من زيادة تزيدونني بها؟ غيظا على العصاة. وهذا حقيقة في الراجح، وأنها قالت ذلك وهي غير ملأى. والنعيم محقق، حيث قربت الجنّة، لأهل التقوى تقريبا غير بعيد، أو في مكان غير بعيد، بل هي بمرأى منهم.