الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أو لنعاملنكم معاملة المختبر، ومنها الجهاد في سبيل الله، حتى نتبين أو نعلم علم ظهور وانكشاف المجاهدين في سبيل الله بحق، والصابرين على دينه ومشاق التكليف، ونظهر أخباركم ونكشفها للناس، ليعرف الطائع من العاصي. وعلم الله تعالى بالمجاهدين قديم أزلي. وإنما المراد إظهار جهادهم إلى الوجود، وتبيان تكسبهم الذي يتعلق به ثوابهم.
إن الذين كفروا بالله ووحدانيته، وصدّوا الناس عن دينه وطريق الحق، بمنعهم من الإسلام واتباع الرسول صلى الله عليه وسلم، ومخالفتهم إياه، فكانوا في شق أو جانب والنبي صلى الله عليه وسلم في شق، بعد أن تبينوا معالم الهدى عند الداعي إليه، لن يلحقوا أي ضرر بالله، وسيبطل الله أعمالهم، ويبدد مكرهم، ولا يثيبهم على أعمالهم يوم القيامة.
نزلت في قوم من بني إسرائيل فعلوا هذه الأفاعيل، بعد تبيّنهم أمر محمد صلى الله عليه وسلم من التوراة. وقيل: نزلت في قوم من المنافقين، وقال ابن عباس: نزلت في المطعمين في سفرة بدر.
إطاعة الله والرسول
لم يترك القرآن الكريم شيئا من أمور الدين إلا بيّنه، فإن الله تعالى أمر المؤمنين بطاعته وطاعة رسوله، وأوضح حكم من مات من الكفار على كفرهم، وأنهم لا يعفون من العقاب، ونهى المؤمنين عن الدعوة إلى السلم أو المسالمة في حال القوة والتفوق، وحرّضهم على الجهاد بالنفس والمال، ورغبّهم في الإنفاق في سبيل الله، وحذّرهم من التقصير بإبدالهم أقواما آخرين، هم أفضل لإقامة الدين، ونصرة الإسلام، وكل ذلك ظاهر في الآيات الآتية:
[سورة محمد (47) : الآيات 33 الى 38]
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلا تُبْطِلُوا أَعْمالَكُمْ (33) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ ماتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ (34) فَلا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ وَاللَّهُ مَعَكُمْ وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمالَكُمْ (35) إِنَّمَا الْحَياةُ الدُّنْيا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا يُؤْتِكُمْ أُجُورَكُمْ وَلا يَسْئَلْكُمْ أَمْوالَكُمْ (36) إِنْ يَسْئَلْكُمُوها فَيُحْفِكُمْ تَبْخَلُوا وَيُخْرِجْ أَضْغانَكُمْ (37)
ها أَنْتُمْ هؤُلاءِ تُدْعَوْنَ لِتُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَمِنْكُمْ مَنْ يَبْخَلُ وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّما يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَراءُ وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثالَكُمْ (38)
«1» «2» «3» [محمد: 47/ 33- 38] .
أخرج النسائي والبزار وابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما: أن هذه الآية (إطاعة الله والرسول) نزلت في بني أسد من العرب، وذلك أنهم أسلموا وقالوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم: نحن قد آثرناك على كل شيء، وجئناك بنفوسنا وأهلينا، كأنهم منّوا بذلك، فنزل فيهم يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا.. الآية [الحجرات: 49/ 17] ،
ونزلت فيهم هذه الآية.
المعنى: يا أيها الذين صدقوا بالله ورسوله، أطيعوا الله وأطيعوا رسوله، بامتثال الأوامر واجتناب النواهي، ولا تبطلوا حسناتكم بالردة، أو بالمعاصي الكبائر، أو بالرياء والسمعة، والمن والأذى، أو بالشك والنفاق، أو بالعجب والتكبر.
وإذا بطلت أعمال المكلف، ففضل الله باق، يغفر له إن شاء، ما لم يمت على الكفر، فإن الذين جحدوا وحدانية الله، ومنعوا أنفسهم والناس عن دين الله، ثم ماتوا وهم كفار، فلا غفران لذنوبهم، بل يعاقبهم الله تعالى.
قال مقاتل: نزلت في رجل سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن والده، وقال: إنه كان محسنا في حال كفره.
أخرج مسلم: أن هذه الآية نزلت بسبب أن عديّ بن حاتم قال: يا رسول الله، إن حاتما كانت له أفعال برّ، فما حاله؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هو في
(1) لن ينقصكم ولن يضيع عليكم شيئا من أعمالكم.
(2)
يبالغ في طلبكم.
(3)
أحقادكم.
النار، فبكى عدي رضي الله عنه وولّى، فدعاه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال له: أبي وأبوك
وأبو إبراهيم خليل الرحمن في النار، ونزلت هذه الآية في ذلك، وظاهر الآية العموم في كل ما تناولته الصفة. ونظيرها آية: إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ [النساء: 4/ 48] .
ثم أمر الله تعالى المؤمنين بترك مسالمة الأعداء، وهم في حال قوة، فلا تضعفوا عن القتال أيها المؤمنون، ولا تدعوا الكفار إلى الصلح والمسالمة ابتداء منكم، وإظهارا للعجز والضعف، ولا مانع من قبول السلم إذا مال إليه الأعداء، أما في حال كونكم أنتم الغالبون القاهرون، فلا تبدؤوهم بطلب الصلح، والله معكم، بالنصر والمعونة عليهم، ولن ينقصكم شيئا من ثواب أعمالكم أو جزائها. وقوله تعالى: وَاللَّهُ مَعَكُمْ فيه بشارة بالنصر على الأعداء. فأما إن كان الكفار أقوى من المسلمين، ورأى الإمام في المهادنة والمعاهدة مصلحة، فله أن يفعل ذلك، كما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم حين صدّه كفار قريش عن مكة. وعملا بقوله تعالى: وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَها [الأنفال: 8/ 61] . فقوله: وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ في موضع الحال، أي وأنتم الغالبون والظاهرون.
واحرصوا أيها المؤمنون على جهاد الأعداء، واسترخصوا الحياة الدنيا واطلبوا الآخرة، توهب لكم الحياة، فإن حياة الدنيا لعب ولهو، أي باطل وغرور، لا ثبات له ولا قيمة له، وهذا تحقير لأمر الدنيا، أي فلا تهنوا في الجهاد بسببها. وإن تؤمنوا بالله ورسوله حق الإيمان، وتتقوا ربكم حق التقوى، بأداء فرائضه، واجتناب نواهيه، يؤتكم ثواب أعمالكم وطاعاتكم في الآخرة، ولا يطالبكم بالتصدق أو الزكاة بجميع أموالكم، بل يطالبكم بإخراج القليل منها.
وسبب الحرص على الدنيا: أن ربكم إن يطلب أموالكم كلها، ويلح في الطلب عليكم، تشحوا وتبخلوا، وتمتنعوا من الامتثال.
وها أنتم أيها المؤمنون المخاطبون: مدعوون للإنفاق في سبيل الله، أي في الجهاد والزكاة ونحوهما، فبعضكم يبخل باليسير من المال، ولا يجيب لدعوة الإنفاق، ومن يبخل في هذا الجانب، فإنما يمنع نفسه من الأجر والثواب بفعله، ويعود عليه وبال أعماله، والله هو الغني عن كل ما سواه، وكل شيء فقير إليه. وإن تعرضوا عن الإيمان والتقوى، وعن طاعة الله واتباع شرعه، يستبدل قوما آخرين أطوع لله منكم، وليسوا أمثالكم في التولي عن الإيمان والتقوى، وفي البخل بالإنفاق في سبيل الله.
أخرج سعيد بن منصور، وابن جرير عن أبي هريرة رضي الله عنه:«أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن هذا، وكان سلمان إلى جنبه، فوضع يده على فخذه، وقال: قوم هذا، ولو كان الدين في الثريا، لناله رجال من أهل فارس» .