الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تفسير سورة والضحى
نعم الله على نبيه وإرشاده لبعض الخصال
عدّد الله تعالى بعض النعم على النبي المصطفى صلوات الله وسلامه عليه، إظهارا لمكانته في أعين قريش، وردا عليهم فيما زعموا بأن الله تعالى بتأخيره إنزال الوحي على نبيه قد قلاه (أبغضه) ربه وأبعده. وتميزت هذه النعم بأنها في الغالب أخلاقية أدبية، لا مادية أو سلطوية اغترارية، ثم أمر الله نبيه بشكر هذه النعم، وبالإحسان إلى الأيتام والسائلين، ليكون مثلا أعلى للإنسانية، وتسلك أمته سلوكه، وتنتهج نهجه، وذلك في سورة الضحى المكية بالاتفاق:
[سورة الضحى (93) : الآيات 1 الى 11]
بسم الله الرحمن الرحيم
وَالضُّحى (1) وَاللَّيْلِ إِذا سَجى (2) ما وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَما قَلى (3) وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولى (4)
وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضى (5) أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوى (6) وَوَجَدَكَ ضَالاًّ فَهَدى (7) وَوَجَدَكَ عائِلاً فَأَغْنى (8) فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلا تَقْهَرْ (9)
وَأَمَّا السَّائِلَ فَلا تَنْهَرْ (10) وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ (11)
«1» «2» «3» «4» «5» «6» «7» «8» «9» [الضحى: 93/ 1- 11] .
أخرج الشيخان وغيرهما عن جندب قال: اشتكى النبي صلى الله عليه وسلم، فلم يقم ليلة أو ليلتين، فأتته امرأة، فقالت: يا محمد، ما أرى شيطانك إلا قد تركك، فأنزل الله:
وَالضُّحى وَاللَّيْلِ إِذا سَجى ما وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَما قَلى.
وأخرج الحاكم عن زيد
(1) ضوء الشمس الساطع وعظمه في مقتبل النهار أو النهار كله.
(2)
سكن وهدأ.
(3)
تخلى عنك ولا تركك.
(4)
أبغضك. [.....]
(5)
أسكن.
(6)
وفقك لأرشد الأمور.
(7)
فقيرا.
(8)
فلا تذله.
(9)
فلا تزجره.
ابن أرقم قال: مكث رسول الله صلى الله عليه وسلم أياما لا ينزل عليه جبريل، فقالت أم جميل امرأة أبي لهب: ما أرى صاحبك إلا قد ودّعك وقلاك، فأنزل الله: وَالضُّحى..
الآيات.
أقسم بالضحى: وقت ارتفاع الشمس أول النهار، والمراد به النهار، لمقابلته بالليل، وبالليل إذا سكن وغطى بظلمته النهار، ما قطعك ربك قطع المودّع، وما تركك، ولم يقطع عنك الوحي، وما أبغضك وما كرهك.
ثم بشره الله بأن المستقبل أفضل من الماضي، فللدار الآخرة خير لك من هذه الدار، إذا انقطع الوحي وحصل الموت، وكذلك أحوالك الآتية خير لك من الماضية، وأن كل يوم تزداد عزة ومهابة ورفعة وسموا، ونصرا.
أخرج الطبراني في الأوسط عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «عرض علي ما هو مفتوح لأمتي بعدي، فسرّني» فأنزل الله: وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولى
(4)
وإسناده حسن.
ثم بشره الله أيضا بعطاء جزيل، بقوله: وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ.. أي لسوف يمنحك ربك عطاء جزيلا، ونعمة كبيرة في الدنيا والآخرة، أما في الدنيا فهو الفتح في الدين، وانتشار الإسلام، وأما في الآخرة فهو الثواب، والحوض، والشفاعة لأمتك، فترضى به. وهذا دليل على تحقيق السمو في الدارين.
أخرج الحاكم والبيهقي في الدلائل والطبراني وغيرهم، عن ابن عباس قال: عرض على رسول الله صلى الله عليه وسلم ما هو مفتوح على أمته كفرا كفرا- أي قرية قرية- فسرّ به، فأنزل الله: وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضى (5) .
ثم عدّد الله تعالى نعمه على رسوله قبل البعثة كالحال بعدها بقوله: أَلَمْ يَجِدْكَ أي ألم يجدك ربك يتيما لا أب لك، فجعل لك مأوى تأوي إليه، وهو بيت كافلك
جدك عبد المطلب، ثم عمك أبو طالب. حيث مكث بعد وفاة أمه آمنة سنتين عند عبد المطلب، وله من العمر ثمان سنين، ثم كفله عمه أبو طالب إلى أن أتم أربعين سنة حيث بعثه الله نبيا.
ووجدك ربك غافلا (ضالا) عن أحكام الشرائع، حائرا في معرفة أصح العقائد، فهداك لذلك، ووجدك فقيرا ذا عيال لا مال لك، فأغناك بربح التجارة في مال خديجة، وبما منحك الله من البركة والقناعة.
أخرج الشيخان في الصحيحين عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ليس الغنى عن كثرة العرض، ولكن الغنى غنى النفس» .
ثم أمره ربه ببعض الأخلاق الإنسانية المحضة، وطالبه بشكر الله على نعمه، حيث قال: فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلا تَقْهَرْ أي كما كنت يتيما فآواك الله، فلا تستذل اليتيم ولا تتسلط عليه بالظلم لضعفه، بل أدّه حقه، وأحسن إليه، وتلطف به، واذكر يتمك.
فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحسن إلى اليتامى ويبرهم ويوصي بهم خيرا. ويتم النبي صلى الله عليه وسلم لئلا يكون عليه حق لمخلوق، كما قال الإمام جعفر الصادق.
وكما كنت مخطئا في العقيدة، فهداك الله، فلا تنهر السائل المسترشد في العلم والدين أو طلب المال، ولا تزجره، بل أجبه، أو ردّ عليه ردا جميلا، والضلال هنا:
بمعنى الخطأ والمباينة عما آل إليه في حال النبوة والرسالة، وليس بمعنى الكفر والضلال البعيد، فإنه صلى الله عليه وسلم لم يعبد صنما قط.
وتحدث بنعمة ربك عليك، واشكر هذه النعمة العظمى: وهي النبوة والقرآن، ومضامين الآيات. والتحدث بنعمة الله شكر، فكما كنت عائلا فقيرا، فأغناك الله، فتحدث بنعمة الله عليك، والمعنى في النبي صلى الله عليه وسلم: أنه أغنى الأغنياء بالصبر والقناعة، وقد حبّبا إليه.
إن هذه الوصايا الثلاث تتناسب مع النعم الثلاث المذكورة، في كل نعمة وصية مناسبة لها، كما تبين، فيقابل صفة اليتم الوصية باليتيم، ويقابل صفة الخطأ ترك قهر السائل عن العلم والدين، لا سائل المال، ويقابل صفة الفقر شكر النعمة التي أسداها الله عليه.