الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ليست إلى النبي صلى الله عليه وسلم ولا بيده، وإنما ذلك إلى الله تعالى، وذلكم الحاكم بهذا الحكم:
هو الله الرب لكل الخلائق، يتوكل عليه النبي في جميع أموره، ولا يعتمد على غيره، ويرجع إليه وحده منيبا طائعا.
وأسباب الإنابة إلى الله وحده لا غيره: أمور أهمها: أنه خالق السماوات والأرض ومبدعهما من العدم، وخالق الأزواج للرجال من جنسهم، ليسكنوا إليهم، ويتحقق التكاثر والتوالد، وخالق الأنعام جنسين ذكرا وأنثى، والله هو الذي يكون سببا للتكاثر وبقاء النوع الإنساني، بخلق نسل بعد نسل، وليس لله تعالى شبيه ولا نظير، وهو تام السمع لأدق المسموعات ومختلف الأصوات وكامل البصر، يبصر الأشياء كلها صغيرها وكبيرها، ظاهرها وخفيها، وبيده مفاتيح الخزائن في السماوات والأرض، أي إن كل شيء يقع بقدرته، يوسّع الرزق لمن يشاء من خلقه، ويضيقه على من يشاء بحسب علمه وحكمته، وهو تام العلم بكل شيء يحدث في هذا الوجود، من إغناء وإفقار وغير ذلك.
وحدة الرسالات الإلهية
مهمة الأنبياء والرسل واحدة، قديما وختما بالرسالة المحمدية، وهي تنحصر في الدعوة إلى وحدة الله تعالى، وإقامة الدين والمحافظة عليه، وإطاعة الله، والإيمان برسله وكتبه واليوم الآخر، ولكن يصعب أو يشق على المشركين ترك الوثنية والانضمام لمبدأ توحيد الإله، ولم يختلف جميع المدعوين إلى الإسلام من وثنيين وأهل كتاب من اليهود والنصارى إلا بعد إقامة الحجة عليهم، ولولا سبق القضاء الإلهي بتأخير العذاب عنهم، لعجلت لهم العقوبات في الدنيا، قال الله تعالى مبينا هذا:
[سورة الشورى (42) : الآيات 13 الى 14]
شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ ما وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ وَما وَصَّيْنا بِهِ إِبْراهِيمَ وَمُوسى وَعِيسى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ ما تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ (13) وَما تَفَرَّقُوا إِلَاّ مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ وَلَوْلا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ أُورِثُوا الْكِتابَ مِنْ بَعْدِهِمْ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مُرِيبٍ (14)
[الشورى: 42/ 13- 14] .
هذا خطاب توحيدي لجميع الأمم في الدين، فإن الله تعالى شرع وأبان لكم أيها المسلمون من المعتقدات وأصول التوحيد ما أمر به نوحا وإبراهيم وموسى وعيسى:
أن حافظوا على الدين (وهو توحيد الله، وإطاعة رسله) ولا تختلفوا في شرائع الله، من الحلال والحرام، وإياكم من الوقوع في المهالك بتفرق الآراء والمذاهب. وهذا في أصول الاعتقاد وأصول الشرائع والأخلاق، فإنه لا خلاف فيها، أما الأحكام الفرعية فيمكن وقوع الخلاف فيها بين الشرائع، كما تبين في قوله تعالى: لِكُلٍّ جَعَلْنا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهاجاً [المائدة: 5/ 48] .
ثم أخبر الله تعالى نبيه عليه الصلاة والسلام بصعوبة إقامة الدين ووحدته على المشركين بالله تعالى، العابدين للأصنام، قال قتادة: كبر على المشركين: لا إله إلا الله، وأبى الله تعالى إلا نصرها وإظهارها، أي شق على أهل الشرك الوثنيين القائلين بتعدد الآلهة هذه الدعوة إلى وحدة الدين، وهجر عبادة الأصنام والأوثان، وأنكروا مبدأ الوحدانية، واشتد عليهم مقولة: لا إله إلا الله وحده، وأبى الله إلا أن ينصرها، ويخذل ضدها.
والله يختار لتوحيده والدخول في دينه من يشاء من عباده، ويوفق لدينه وعبادته من يرجع إلى طاعته، ويقبل على عبادته، وينيب تائبا إلى ربه، ويثوب إلى رشده.
وهذا يدل على مزيد فضل الله على عباده المؤمنين: أنه هداهم لدينه، بعد أن أمرهم بالتمسك بمبدإ الدين الواحد الذي اتفقت عليه الرسل كلهم.
وسبب التفرق في الدين، ليس بسبب الدين ذاته، فإن أتباع الأديان لم يتفرقوا في اتباع الحق إلا بعد قيام الحجة عليهم، وبعد أن علموا أن الفرقة ضلالة، وبعد العلم الذي جاءهم: وهو ما كان حصل في نفوسهم من علم كتب الله تعالى، فبغى بعضهم على بعض حبا في الزعامة والرئاسة، وانحيازا للعصبية وشدة الحمية، وحفاظا على مراكز القوة والنفوذ والزعامة، والمكاسب المادية، وبغيا وحسدا، وليس بسبب الرسالات والحجج.
ولولا القضاء السابق من ربك بتأخير مجازاتهم إلى الآخرة لعجل لهم الله العقوبة في الدنيا، ولفصل بينهم في الدنيا، وغلب المحق على المبطل، وهؤلاء المتفرقون: هم كل مدعو إلى الإسلام من كفار العرب، واليهود والنصارى وغيرهم. أما العرب:
فكانوا يتمنون بعثة نبي لهم، فلما أرسل الله تعالى لهم محمدا صلى الله عليه وسلم كفروا به، كما جاء في آية أخرى: وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ لَئِنْ جاءَهُمْ نَذِيرٌ لَيَكُونُنَّ أَهْدى مِنْ إِحْدَى الْأُمَمِ فَلَمَّا جاءَهُمْ نَذِيرٌ ما زادَهُمْ إِلَّا نُفُوراً (42)[فاطر: 35/ 42] .
وأما أهل الكتاب: فعبرت آية أخرى أيضا عن سبب تفرقهم وهي: وَما تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّنَةُ (4)[البينة: 98/ 4] .
وإن ورثة الكتاب الإلهي المعاصرين لمحمد صلى الله عليه وسلم من اليهود والنصارى لفي شك موقع في الريبة والقلق من كتابهم، لأنهم لم يتبعوا الحق، وإنما قلّدوا رؤساء الدين، واتبعوا الأسلاف والآباء بلا دليل ولا حجة وبرهان، وهم في حيرة من أمرهم، فلم يؤمنوا برسالة خاتم النبيين، ووصف الشك بالمريب: مبالغة فيه.
هذه دعوة صريحة لأهل الأديان وغيرهم إلى وحدة الدين الإلهي، ونبذ الفرقة والخلاف، والالتقاء في مظلة واحدة تسعد البشرية جمعاء، وتنشر المحبة والود والإخاء في أنحاء الأرض قاطبة.