الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ثم ذكر الله تعالى: ومن يعمل حسنة، نزد له فيها حسنا، أي أجرا وثوابا، وإن الله يغفر الكثير من السيئات، ويكثّر القليل من الحسنات، ويضاعف الثواب للمحسن.
بل أيقولون: افترى محمد على الله كذبا بادعاء النبوة ونزول القرآن، وهذا إفك مفترى، يرد الله عليه بأنك يا محمد لو افتريت على الله كذبا، لطبع على قلبك، فيمحو الله الباطل، ويثبّت أو يحق الحق بكلماته ويؤيده. إنه سبحانه عليم بما تكنه الصدور من حديث النفس ووساوس القلب.
وللترغيب في الصلاح: أن الله يقبل من عباده التوبة عن الذنوب، ويعفو عن السيئات، ويعلم ما تفعلون من خير أو شر. ويستجيب الله للذين آمنوا، وأطاعوا ربهم، ويزيدهم من فضله ونعمته على ما طلبوه منه، وأما الذين كفروا بالله وبنعمته فلهم عذاب شديد مؤلم.
قسمة الأرزاق
لا تغيب العناية والرعاية الإلهية عن المخلوقات طرفة عين، فالله تعالى يقسم الأرزاق بحسب علمه وحكمته، وبتصريف قدرته، فينزل الغيث وينشر رحمته، ويرسل الرياح فتسوق السحب إلى مواضع نزول القطر، ويبث الدواب البرية والبحرية والجوية في أنحاء السماوات والأرض، ويسيّر الفلك أو البواخر بمشيئته وتوفيقه، ويعلم المجادلين في آيات الله، علما بأن متاع الدنيا فان، والآخرة خير وأبقى، فلا يغتر أحد بالدنيا، وإنما يعمل بما يسعده في الآخرة، مفوّضا أمر النتائج لله عز وجل، وهذه سنة الله في مدده وعطائه، كما تصورها هذه الآيات الشريفة:
[سورة الشورى (42) : الآيات 27 الى 36]
وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ وَلكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ ما يَشاءُ إِنَّهُ بِعِبادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ (27) وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ ما قَنَطُوا وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ (28) وَمِنْ آياتِهِ خَلْقُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَثَّ فِيهِما مِنْ دابَّةٍ وَهُوَ عَلى جَمْعِهِمْ إِذا يَشاءُ قَدِيرٌ (29) وَما أَصابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ (30) وَما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَما لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ (31)
وَمِنْ آياتِهِ الْجَوارِ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلامِ (32) إِنْ يَشَأْ يُسْكِنِ الرِّيحَ فَيَظْلَلْنَ رَواكِدَ عَلى ظَهْرِهِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ (33) أَوْ يُوبِقْهُنَّ بِما كَسَبُوا وَيَعْفُ عَنْ كَثِيرٍ (34) وَيَعْلَمَ الَّذِينَ يُجادِلُونَ فِي آياتِنا ما لَهُمْ مِنْ مَحِيصٍ (35) فَما أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا وَما عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقى لِلَّذِينَ آمَنُوا وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (36)
[الشورى: 42/ 27- 36] .
نزلت آية وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ فيما
أخرجه الحاكم وصححه عن علي: في أصحاب الصّفّة، وذلك أنهم قالوا: لو أن لنا، فتمنوا الدنيا والغنى، وقال خبّاب ابن الأرتّ: فينا نزلت هذه الآية- أي في أهل الصفة- وذلك أنا نظرنا إلى أموال بني قريظة والنضير وبني قينقاع، فتمنيناها.
المعنى: لو وسّع الله الرزق على عباده، ومنحهم فوق حاجتهم، لحملهم ذلك على البغي والطغيان، وعصوا في الأرض، كما حدث من قارون وفرعون، ولكنه تعالى ينزّل الرزق لعباده بتقدير معين، على حسب مشيئته، وبمقتضى حكمته، إنه سبحانه خبير بأحوال عباده، بصير بما يصلحهم من توسيع الرزق وتضييقه.
هذا إعلام من الله تعالى: أنه لو جاء الرزق على اختيار البشر واقتراحهم، لكان سبب بغيهم وفسادهم، ولكنه عز وجل أعلم بالمصلحة في لكل إنسان، وله بعبيده خبرة وبصر بأخلاقهم ومصالحهم، فرب إنسان لا يصلح إلا بالفقر، وآخر بالغنى.
والغيث سبب الرزق، فينزل الله المطر بعد يأس الناس في وقت حاجتهم إليه، وينشر رحمته، أي المطر على الأراضي، وهو المتولي أمور أو شؤون عباده بالإحسان إليهم، وجلب النفع لهم، ودفع الشر عنهم، وهو المحمود على نعمه الكثيرة.
وكل ذلك يتم بمعيار دقيق من الإله الحكيم القدير، ومن دلائل عظمة الله وقدرته وسلطانه: خلق السماوات والأرض على هذا النحو البديع، وما نشر وفرّق في السماوات والأرض من الدواب المتحركة، ويشمل ذلك الملائكة والإنس والجن، وسائر أنواع الحيوان، والله تام القدرة على جمعهم في صعيد واحد، وحشرهم يوم القيامة.
وقد يحتجب الرزق بسبب المعاصي، وما أصابكم أيها الناس من المصائب، كالآلام والأسقام، والقحط والغرق، والصواعق والزلازل ونحوها، فإنما هي بسبب سيئات اقترفتموها، ومعاص ارتكبتموها، فهي عقوبات الذنوب وكفاراتها في الدنيا، ويعفو الله عن كثير من المعاصي، فلا يعاقب عليها.
جاء في الحديث الذي أخرجه سعيد بن منصور وابن المنذر وغيرهما عن الحسن البصري: «لا يصيب ابن آدم خدش عود أو عثرة قدم ولا اختلاج عرق إلا بذنب، وما يعفو عنه أكثر» .
ولستم أنتم أيها المذنبون الكافرون بمعجزين الله حيثما كنتم، ولا تتمكنون من الإفلات من العقاب، فبنو آدم عجزة قاصرون ضعفاء، وهم في قبضة القدرة الإلهية، ولا يمكنهم الفرار من طلب ربهم.
ومن آيات قدرة الله وسلطانه: إجراء السفن السائرة في البحار كالجبال، سواء أكانت شراعية أم بخارية أم كهربائية أم ذرية، وإن يرد الله إيقاف السفن الجارية، يجعل الرياح ساكنة، والطاقة متعطلة، فتصبح السفن ثوابت رواكد على ظهر البحر، لا تسير ولا تتحرك، إن في أمر إجراء السفن في أعالي الموج والماء لدلالة عظيمة على قدرته تعالى، لمن كان كثير الصبر على الشدائد وعلى طاعة الله، كثير الشكر على النعمة. وإن يشأ الله يهلك أو يتلف السفن بالغرق بما كسب ركابها من البشر، أي