الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تفسير سورة الحشر
إجلاء بني النّضير من المدينة
كان اليهود بطوائفهم الثلاث في المدينة هم الذين بدؤوا بنقض العهد مع النّبي صلى الله عليه وسلم، وتواطؤوا مع المشركين الوثنيين على مكايدة النّبي والمسلمين ومقاتلتهم، وأظهروا العداوة لهم، فحاصرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم صالحهم على الجلاء من المدينة، وكان حصارهم في ربيع الأول- السنة الرابعة من الهجرة.
أخرج الحاكم وصححه عن عائشة رضي الله عنها قالت: كانت غزوة بني النضير، وهم طائفة من اليهود على رأس ستة أشهر من وقعة بدر، وكان منزلهم ونخلهم في ناحية المدينة، فحاصرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى نزلوا على الجلاء، وعلى أن لهم ما أقلّت الإبل من المتعة والأموال إلا الحلقة وهي السّلاح، فأنزل الله فيهم:
سَبَّحَ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ
مطلع سورة الحشر المدنية بالإجماع، وتسمى سورة بني النضير:
[سورة الحشر (59) : الآيات 1 الى 5]
بسم الله الرحمن الرحيم
سَبَّحَ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (1) هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ مِنْ دِيارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ ما ظَنَنْتُمْ أَنْ يَخْرُجُوا وَظَنُّوا أَنَّهُمْ مانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنَ اللَّهِ فَأَتاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يا أُولِي الْأَبْصارِ (2) وَلَوْلا أَنْ كَتَبَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الْجَلاءَ لَعَذَّبَهُمْ فِي الدُّنْيا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذابُ النَّارِ (3) ذلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَمَنْ يُشَاقِّ اللَّهَ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ (4)
ما قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوها قائِمَةً عَلى أُصُولِها فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيُخْزِيَ الْفاسِقِينَ (5)
«1» «2» «3» «4» «5»
(1) نزّهه وقدّسه.
(2)
في وقت الجمع الأول، والجمع الثاني: إخراجهم من خيبر إلى الشام.
(3)
قلاعهم.
(4)
من حيث لم يخطر لهم ببال.
(5)
ألقي فيها الخوف.
«1» «2» «3» [الحشر: 59/ 1- 5] .
نزّه الله تعالى عن كل نقص جميع الكائنات في السماوات والأرض، وسبّحه إما على الحقيقة وذلك بما يتفق مع طبيعة الجمادات، وإما مجازا، أي ان آثار الصنعة فيها والإيجاد لها كالتسبيح، وهو القوي المنيع الجناب، الغالب القاهر في ملكه، الحكيم في صنعه وقدره وشرعه، يضع الأشياء في موضعها الصحيح.
ومن حكمة الله وقدرته: أنه سبحانه هو الذي قضى بإخراج الذين كفروا من الكتابيين وهم يهود بني النضير، من ديارهم في المدينة المنورة، في الجمع الأول والجلاء والإخراج، فكان أول جلاء من المدينة: هو الذي فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم، والجلاء الآخر أو الثاني من خيبر إلى الشام: هو الذي فعله عمر بن الخطاب رضي الله عنه.
ما توقعتم أيها المسلمون أن يخرج بنو النضير من ديارهم من المدينة، لقوتهم ومنعتهم، وكانوا أهل حصون وقلاع، وعقارات وبساتين نخيل واسعة، وذوو عدد وعدة، فجاءهم أمر الله وبأسه وعقابه من جهة لم تخطر لهم ببال أنهم لن يقدر عليهم، وهو أن الله أمر نبيّه بإجلائهم وقتالهم، وألقى الخوف الذي يملأ الصدر في قلوبهم، فلم تكن آمالكم وظنونكم أنهم يخرجون ويتركون أموالهم لكم.
ولما أيقنوا بالجلاء، أخذوا يهدمون بيوتهم من الداخل، كيلا يستفيد منها المسلمون، كما دمّرها المؤمنون من الخارج، فاتّعظوا أيها العقلاء بما حدث، واعلموا أن الله يفعل مثل ذلك بمن غدر وخالف أمر الله ورسوله.
(1) الخروج الجماعي من الوطن.
(2)
عادوه.
(3)
نخلة.
ولولا أن قضى الله عليهم بالخروج والجلاء من الوطن على هذا النحو، لعذّبهم في الدنيا بالقتل والسّبي، كما فعل ببني قريظة سنة خمس للهجرة، بعد غزوة الخندق، وكما فعل بالمشركين يوم بدر في السنة الثانية، وبيهود بني قينقاع وإجلائهم عن المدينة عقب معركة بدر الكبرى، ولهم في القيامة عذاب شديد في نار جهنم. وسبب إجلاء بني النضير: محاولتهم إلقاء صخرة من فوق سطح على النّبي صلى الله عليه وسلم، مكان جلوسه بجوار جدار، فأطلعه الله تعالى بالوحي على مؤامرتهم، فقام ورجع إلى المدينة، وأمر بالتهيؤ لحربهم وإجلائهم عن المدينة، فحاصرهم ست ليال، وقذف الله في قلوبهم الرعب، فطلبوا الصّلح على الجلاء وتحميل الإبل أموالهم إلا السّلاح.
وإنما فعل الله بهم ذلك وهو الطرد والإجلاء، وتسليط المؤمنين عليهم، لأنهم عادوا الله ورسوله، وكذبوا بما أنزل الله على رسله المتقدمين، من البشارة بمحمد صلى الله عليه وسلم، علما بأنهم يعرفونه كما يعرفون أبناءهم. ومن يعادي الله ورسوله بعدم الطاعة، ويتواطأ مع المشركين، وينقض العهد أو ميثاق الصحيفة على الأمن والسّلام والتعايش الديني والاجتماعي، والاقتصادي، فإن الله يعاقبه أشد العقاب، ويعذبه في الدنيا والآخرة.
وفي أثناء الحصار:
أمر النّبي صلى الله عليه وسلم بقطع نخل بني النضير وإحراقه، حتى لا يبقى لهم تعلّق بأموالهم وأمل بالعودة، ونادوا: يا محمد، قد كنت تنهى عن الفساد، وتعيب من يصنعه، فما بال قطع النخل وتحريقها؟! فنزل قوله تعالى: ما قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوها.. الآية.
أي إن ما قمتم به من قطع النخيل وإحراقه، أو تركه قائما دون قطع، فهو بأمر الله ومشيئته، وقد أذن بذلك، لإعزاز المؤمنين، وإذلال الرافضين للطاعة، وهم اليهود، ولإخزاء الفاسقين، أي الخارجين عن الحدود، الجاحدين بما أنزل الله تعالى على رسله. واللينة: النخلة.