الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
نداء الحق، وتستمر الصّلة الإلهية قوية بالبشر، يؤدي كل جيل ما عليه من واجبات الطاعة والاستقامة، وأداء الأعمال الصالحة التي تؤدي إلى مرضاة الله عز وجل، والاستقرار في دار المجد والسلام والخلود وهي دار الجنة. وهذا كله تفضّل من الله تعالى بتوجيه البشر لما فيه خيرهم، وترك ما فيه شرّهم وضررهم، وهذا ما رسمته لنا الآيات بالمبادرة بالهجرة من ديار الكفر إذا تعذّر على المسلم إقامة شعائر دينه، إلى ديار الإسلام، قال الله تعالى:
[سورة العنكبوت (29) : الآيات 56 الى 60]
يا عِبادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ أَرْضِي واسِعَةٌ فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ (56) كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ ثُمَّ إِلَيْنا تُرْجَعُونَ (57) وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَنُبَوِّئَنَّهُمْ مِنَ الْجَنَّةِ غُرَفاً تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها نِعْمَ أَجْرُ الْعامِلِينَ (58) الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (59) وَكَأَيِّنْ مِنْ دَابَّةٍ لا تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللَّهُ يَرْزُقُها وَإِيَّاكُمْ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (60)
«1» «2» «3» [العنكبوت: 29/ 56- 60] .
الآية الأولى: يا عِبادِيَ
نزلت في ضعفاء مسلمي مكة، كانوا في ضيق من إظهار الإسلام بها.
وهي تحرّض المؤمنين الذين كانوا بمكة على الهجرة، فأخبرهم الله تعالى بسعة أرضه، وأن البقاء في أرض فيها أذى الكفار ليس بصواب، بل الصواب أن تلتمس عبادة الله تعالى في أرضه. فيا أيها العباد المصدّقون بالله ورسوله، إن أرض الله واسعة غير ضيّقة، يمكنكم الإقامة في أي موضع منها، فإذا تعذّرت عليكم إقامة شعائر الدين، بسبب أذى الكفار، فهاجروا إلى مكان آخر، تتوافر لكم فيه الحرية والطمأنينة في إقامة شعائر الله، وما عليكم إلّا متابعة عبادة الله وحده دون غيره،
(1) لننزلنّهم.
(2)
منازل رفيعة.
(3)
كثير من الدّوابّ.
وقوله تعالى: فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ
إياي: منصوب بفعل مقدر يدلّ عليه الظاهر، تقديره: فإياي اعبدوا فاعبدون، على الاهتمام أيضا في التقدير.
ولا خوف من الهجرة والانتقال في البلاد، فإن الموت كائن لا محالة لكل نفس، في كل مكان، ثم إلى الله المرجع والمآب، أي إن المكروه لا بد من وقوعه، في داخل الوطن أو خارجه. وهذه الآية كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ.. تحقير لأمر الدنيا ومخاوفها، من أجل أن بعض المؤمنين تخوّف في حال خروجه من وطنه أن يموت أو يجوع ونحو هذا، فحقّر الله تعالى شأن الدنيا، والمراد: أنتم لا محالة ميتون، ومحشورون إلى الله تبارك وتعالى، فالبدار إلى طاعة الله تعالى والهجرة إليه أولى بالامتثال.
ثم وعد الله المؤمنين العاملين بسكنى الجنة، تحريضا منه تعالى، وذكر الجزاء الذي ينالونه، فالذين صدقوا بالله ورسوله، وعملوا صالح الأعمال بالتزام أوامر الله واجتناب نواهيه، لينزلنّهم الله منازل عالية في جنات، تجري الأنهار من تحت أشجارها، على اختلاف أصنافها من ماء وخمر غير مسكرة، وعسل مصفى، ولبن، ماكثين فيها أبدا على الدوام، جزاء لهم على أعمالهم الطيّبة، نعم هذا الجزاء جزاء العاملين المخلصين.
ثم وصف الله تعالى العاملين بالصبر على أداء الطاعات وعن الشهوات، والتوكّل على الله وتفويض الأمور إليه في جميع أحوالهم الدنيوية والأخروية، والصبر والتوكّل يجمعان الخير كله.
والذي يعين على الهجرة ويحرّض عليها ضمان الله أرزاق العباد، لأن بعض المؤمنين فكّر في الفقر والجوع الذي يلحقه في الهجرة، فأبان الله تعالى أن الرزق مكفول بيد الله لكل مخلوق، فكم من دابّة (كل ما يدبّ على الأرض) لا تطيق حمل