الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ترك الضلال والإضلال، فالداعي إلى الضلال يقلع عن مساعيه الشريرة في إضلال الآخرة، والمدعو للضلال يتخلص من تأثيرات المضلين، ويبتعد عن أقوالهم وأفعالهم وجميع إغراءاتهم وأضاليلهم، فإذا فعلوا ذلك في الدنيا دار التكليف والاختبار، نجّوا أنفسهم من سوء العذاب وسوء المصير.
تحريم الإيذاء وأداء الأمانات
لقد زخر القرآن العظيم بتوجيهات المؤمنين إلى أقوم السبل، مبتدئا من التخلي عن الحرام، وذلك بتحريم الإيذاء، ثم تقويم النفوس على هدي الله وتقواه بالتزام الأوامر واجتناب النواهي، ثم تحريض كل إنسان على أداء أمانة التكليف الإلهي على أقوم الوجوه وأسلم الطرق، فيؤول أمر الناس أو يصير إلى إثابة المؤمنين المستقيمين على درب الطاعة، وتعذيب الكافرين والمنافقين والمشركين الوثنيين. وهذه عملية إفراز وعزل، يتميز بها كل فريق عن الآخر، بالمزايا أو الصفات التي تؤهله إلى مصير معين: حسن كريم، أو سيّئ مشؤوم، قال الله تعالى:
[سورة الأحزاب (33) : الآيات 69 الى 73]
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسى فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قالُوا وَكانَ عِنْدَ اللَّهِ وَجِيهاً (69) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فازَ فَوْزاً عَظِيماً (71) إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمانَةَ عَلَى السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَها وَأَشْفَقْنَ مِنْها وَحَمَلَهَا الْإِنْسانُ إِنَّهُ كانَ ظَلُوماً جَهُولاً (72) لِيُعَذِّبَ اللَّهُ الْمُنافِقِينَ وَالْمُنافِقاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكاتِ وَيَتُوبَ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ وَكانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً (73)
[الأحزاب: 33/ 69- 73] .
تميزت هذه الآيات بأدب الخطاب الإلهي، لابتدائها بوصف المخاطبين بالإيمان، فيا أيها المصدقون بالله ورسوله، لا تؤذوا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالقول أو العمل، مما
يكرهه، فتكونوا كالذين آذوا موسى، وهم قوم من بني إسرائيل، فبرأه الله من اتهامهم الباطل، وكان موسى عليه السلام وجيها عند الله، أي مكرم الوجه.
وإيذاء موسى: هو ما تضمنه
حديث النبي صلى الله عليه وسلم المشهور، الذي أخرجه البخاري، ومسلم بمعناه، قال: «كان بنو إسرائيل يغتسلون عراة، وكان موسى عليه السلام يتستر كثيرا، ويخفي بدنه، فقال قوم: هو آدر (منتفخ الخصية) أو أبرص (والبرص:
بياض يظهر في الجسد لعلّة) أو به آفة (والآفة: كل ما يصيب شيئا فيفسده، من عاهة أو مرض أو قحط) فاغتسل موسى يوما وحده، وجعل ثيابه على حجر، ففرّ الحجر بثيابه واتّبعه موسى يقول: ثوبي حجر، ثوبي حجر (أي اترك ثوبي يا حجر) فمرّ في أتباعه في ملأ من بني إسرائيل فرأوه سليما مما ظنّ به» . فبرأه الله مما قالوا.
هذا هو التوجيه الأول: وهو نهي المؤمنين عن إيذاء الرسول، والتوجيه الثاني هو: الأمر بالتقوى، فيا أيها المؤمنون بالله ورسوله، اتقوا الله في كل الأمور باجتناب معاصيه، والتزام أوامره، وقولوا القول السديد، أي الصواب والحق في كل أموركم، فإذا فعلتم ذلك أصلح الله لكم أعمالكم، وهو قبولها وإثابتكم بالجنة دار الخلود، وغفر لكم ذنوبكم الماضية. وهذا وعد من الله تعالى بأنه يجازي على القول السّداد، بإصلاح الأعمال، وغفران الذنوب، ثم حرّض الله تعالى على الطاعة، فمن يطع أوامر الله والرسول، ويجتنب النواهي، فقد نجا من النار، وفاز أعظم فوز بالجنة.
ومما لا شك فيه أن المسؤولية عن التكاليف حساسة وخطيرة وثقيلة، فقد عرض الله الأمانة، أي التكاليف الإلهية كلها من فرائض وطاعات ومنهيات على أرجاء السماوات والأرض، فأعرضت عن حمل مسئوليتها، خوفا من حملها، وتحملها الإنسان مع ضعفه، ولكنه لم يقدّر ذلك الحمل، فكان ظلوما لنفسه، جهولا بقدر ما
يحمله. والإنسان هو ابن آدم، كما قال جماعة كابن عباس والضحاك وغيرهما.
والأمانة: كل شيء يؤتمن الإنسان عليه، من أمر ونهي، وشأن دين ودنيا، فالشرع كله أمانة. ولام لِيُعَذِّبَ اللَّهُ هي لام العاقبة أو الصيرورة. لأن الإنسان لم يحمل الأمانة ليقع في العذاب، ولكن حمل ذلك فصار الأمر وآل إلى أن يعذّب من نافق أو أشرك، وأن يتوب على من آمن.
وكان من عاقبة التكليف والرضا به هو انقسام الناس إلى فريقين: طائعين وكافرين، فيعذب الله فريق المنافقين والمنافقات، والمشركين والمشركات، لخيانتهم الأمانة وتكذيب الرسل، ونقض الميثاق، ويثيب الله المؤمنين والمؤمنات بالله ورسله وكتبه واليوم الآخر، العاملين بطاعة الله، وكان الله تعالى وما يزال واسع المغفرة للمقصرين التائبين، كثير الرحمة لخلقه إذا أقبلوا على ربهم، واستدركوا أخطاءهم.