الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ورحمة من الله قال: إنا سنرفع عنكم العذاب زمانا قليلا، لكنكم راجعون إلى الشّرك، وقد رجعوا فعلا، وإنكم مؤجّلو العذاب الشديد والانتقام الأشد في يوم القيامة، إننا نعاقب هؤلاء الكفار حينئذ.
قال البخاري في تتمة الحديث السابق: فلما أصابتهم الرفاهية، عادوا إلى حالهم، فأنزل الله: يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرى.. فانتقم الله منهم يوم بدر.
الاعتبار بقوم فرعون
كان القرشيون أشداء مستكبرين، وأباة أسيادا بين العرب، فلفت القرآن الكريم أنظارهم إلى أن الله تعالى أهلك من هو أشد منهم قوة وبأسا، ومنهم قوم فرعون، الذين أغرقهم الله مع مليكهم بسبب جحودهم وإجرامهم وتكذيبهم رسولهم، مما يوجب عليهم الاعتبار والاتعاظ، والإدراك بأن أموال الظالمين وثرواتهم آلت إلى من بعدهم، ونجى الله المؤمنين بحق برسالة موسى عليه السلام، وأنزل التوراة على رسولهم موسى، ليعملوا بأحكامها وشرائعها، ويشكروا نعم الله التي أنعم بها عليهم، وجعلهم مناط ابتلاء أو اختبار، قال الله تعالى واصفا هذه الأحوال:
[سورة الدخان (44) : الآيات 17 الى 33]
وَلَقَدْ فَتَنَّا قَبْلَهُمْ قَوْمَ فِرْعَوْنَ وَجاءَهُمْ رَسُولٌ كَرِيمٌ (17) أَنْ أَدُّوا إِلَيَّ عِبادَ اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (18) وَأَنْ لا تَعْلُوا عَلَى اللَّهِ إِنِّي آتِيكُمْ بِسُلْطانٍ مُبِينٍ (19) وَإِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ أَنْ تَرْجُمُونِ (20) وَإِنْ لَمْ تُؤْمِنُوا لِي فَاعْتَزِلُونِ (21)
فَدَعا رَبَّهُ أَنَّ هؤُلاءِ قَوْمٌ مُجْرِمُونَ (22) فَأَسْرِ بِعِبادِي لَيْلاً إِنَّكُمْ مُتَّبَعُونَ (23) وَاتْرُكِ الْبَحْرَ رَهْواً إِنَّهُمْ جُنْدٌ مُغْرَقُونَ (24) كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (25) وَزُرُوعٍ وَمَقامٍ كَرِيمٍ (26)
وَنَعْمَةٍ كانُوا فِيها فاكِهِينَ (27) كَذلِكَ وَأَوْرَثْناها قَوْماً آخَرِينَ (28) فَما بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّماءُ وَالْأَرْضُ وَما كانُوا مُنْظَرِينَ (29) وَلَقَدْ نَجَّيْنا بَنِي إِسْرائِيلَ مِنَ الْعَذابِ الْمُهِينِ (30) مِنْ فِرْعَوْنَ إِنَّهُ كانَ عالِياً مِنَ الْمُسْرِفِينَ (31)
وَلَقَدِ اخْتَرْناهُمْ عَلى عِلْمٍ عَلَى الْعالَمِينَ (32) وَآتَيْناهُمْ مِنَ الْآياتِ ما فِيهِ بَلؤُا مُبِينٌ (33)
«1» «2» «3» «4»
(1) اختبرنا.
(2)
ترموني بالحجارة أو تؤذوني.
(3)
سر ليلا. [.....]
(4)
أي ساكنا كما هو، مفتوحا.
«1» «2» [الدخان: 44/ 17- 33] .
أي تالله لقد اختبرنا قبل مشركي مكة قوم فرعون (قبط مصر) أرسل الله إليهم، رسولا كريما في نفسه، جامعا لخصال الخير أو المحامد والمنافع، وهو موسى عليه السلام.
وقال موسى لفرعون وقومه: أرسلوا معي عباد الله، وهم بنو إسرائيل، وأطلقوهم من العذاب، فإني رسول مؤتمن على الرسالة، غير متهم.
ولا تتجبروا ولا تتكبروا عن اتباع آيات الله، والانقياد لطاعته ومتابعة رسله، فإني آتيكم ببرهان ساطع دال على صدق رسالتي كالعصا واليد والآيات التسع.
وإني أستعيذ بالله وألتجئ إليه، وأتوكل عليه، مما تتوعدوني به من القتل بالحجارة، أو الإيذاء بالشتم وغيره.
وإن لم تصدقوني في نبوتي وبما جئتكم به من آيات الله وشرائعه من عند الله، فاتركوني، ولا تتعرضوا لي بأذى، إلى أن يحكم الله بيننا.
فلما يئس موسى من إيمانهم، دعا ربه، ووصف قومه بأن هؤلاء قوم مكذبون رسلك، مشركون بك. فأمره الله تعالى بأن يخرج ليلا بعباد الله بني إسرائيل، لأن فرعون وقومه يتّبعونكم، واترك البحر الذي تمر فيه ساكنا مفتوحا كما هو، لا تضربه بعصاك، حتى يعود كما كان، ليدخله فرعون وجنوده، فإنهم قوم مغرقون في البحر، وهذا بشارة بنجاة موسى وقومه، وإهلاك عدوهم.
ولقد خلّف قوم فرعون وراءهم كل ثرواتهم، فكثيرا ما تركوا في مصر وراءهم، من بساتين خضراء، وحدائق غنّاء، وزروع نضرة، ومجالس حسنة مرفّهة، ونعم
(1) ممهلين مؤخرين.
(2)
اختبار ظاهر.
كانوا يتمتعون بها أو ناعمين بها. والفاكه: الطيب النفس. والنّعمة- بفتح النون-:
غضارة العيش، ولذاذة الحياة. والنّعمة بكسر النون: أعم من هذا، وقد تكون الأمراض والآلام والمصائب نعما، ولا يقال فيها نعمة.
كذلك، فكما فعلنا سابقا بالذين كذبوا رسلنا، نفعل بكل من عصانا، وأورثنا تلك البلاد والثروات للإسرائيليين الذي كانوا مستضعفين.
فما تأسّفت عليهم أوساط السماء والأرض، ولم يكونوا ممهلين، بسبب بغيهم وفسادهم، بل عجّلت عقوباتهم، لفرط كفرهم، وشدة عنادهم، ولم يكونوا ممهلين مؤخّرين لتوبة، لأنها غير منتظرة منهم. قوله تعالى: فَما بَكَتْ استعارة تتضمن تحقير أمرهم، وأنه لم يتغير شيء بهلاكهم «1» .
وكان في مقابل النقمة: وجود النعمة، فلقد خلّصنا شعب بني إسرائيل، من العذاب المشتمل على إهانة، بإهلاك عدوهم، ومما كانوا فيه من الاستعباد، حينما كانوا صلحاء غير مفسدين في الأرض، ونجاهم الله من فرعون الطاغية المسرف في ارتكاب المعاصي، المجاوز كل الحدود. واختار الله الإسرائيليين الصالحين على عالمي زمانهم، عن علم سابق من الله فيهم، وأنه سينفذ فيهم، وأعطاهم على يد رسولهم موسى المعجزات الظاهرة الدالة على قدرة الله، وآيات التوراة وغير ذلك مما فيه اختبار ظاهر، وامتحان واضح لمن اهتدى به، وللنظر فيما يعملون. فإذا بدّلوا بالإيمان الكفر، وبالصلاح الفساد كما في عصرنا الحاضر، غضب الله عليهم، ولعنهم، وجعل منهم القردة والخنازير، ويعود العقاب لهم كلما عادوا إلى البغي والفساد والاعتداء على حقوق الآخرين.
(1) وقال جماعة: ترك البكاء: حقيقة، فإن الرجل المؤمن إذا مات، بكى عليه من الأرض موضع عباداته أربعين صباحا، وبكى عليه من السماء موضع صعود عمله.