الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فقيل له: ادخل الجنة، لاستشهادك في سبيل إعلاء كلمة الحق، فدخلها، فلما عاين نعيمها، قال محبا لإنقاذ قومه: يا ليت قومي يعلمون بمآلي وحسن حالي، فيؤمنوا بالله مثل إيماني.
ثم خاطب الله نبيه متوعدا لقريش: لم نحتج في تعذيب القوم إلى جند من جنود الله كالحجارة والغرق والريح وغير ذلك، بل كانت صيحة واحدة من أحد الملائكة، دمرتهم، لأنهم كانوا أيسر وأهون من ذلك، فصاروا بهذه الصيحة موتى هامدين.
بعض أدلة القدرة الإلهية
عني القرآن الكريم عناية شديدة بإثبات البعث (اليوم الآخر) بإيراد مظاهر أو أدلة على القدرة الإلهية الفائقة، إما بإهلاك الظالمين هلاكا استئصاليا، من الأقوام الغابرين، ثم يحضرهم الله للحساب، وإما بإحياء الأرض الميتة بالمطر وإيجاد البساتين اليانعة وتفجير الأنهار فيها، وإما بسلخ النهار من الليل، أو بتسيير الشمس والقمر في مدارهما، أو بحمل الآباء والذرية في السفن، حفاظا على الوجود الإنساني، وغير ذلك، قال الله تعالى موضحا هذه الأدلة:
[سورة يس (36) : الآيات 30 الى 44]
يا حَسْرَةً عَلَى الْعِبادِ ما يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَاّ كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ (30) أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ مِنَ الْقُرُونِ أَنَّهُمْ إِلَيْهِمْ لا يَرْجِعُونَ (31) وَإِنْ كُلٌّ لَمَّا جَمِيعٌ لَدَيْنا مُحْضَرُونَ (32) وَآيَةٌ لَهُمُ الْأَرْضُ الْمَيْتَةُ أَحْيَيْناها وَأَخْرَجْنا مِنْها حَبًّا فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ (33) وَجَعَلْنا فِيها جَنَّاتٍ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنابٍ وَفَجَّرْنا فِيها مِنَ الْعُيُونِ (34)
لِيَأْكُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ وَما عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ أَفَلا يَشْكُرُونَ (35) سُبْحانَ الَّذِي خَلَقَ الْأَزْواجَ كُلَّها مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ وَمِنْ أَنْفُسِهِمْ وَمِمَّا لا يَعْلَمُونَ (36) وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهارَ فَإِذا هُمْ مُظْلِمُونَ (37) وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَها ذلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (38) وَالْقَمَرَ قَدَّرْناهُ مَنازِلَ حَتَّى عادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ (39)
لا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَها أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلا اللَّيْلُ سابِقُ النَّهارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ (40) وَآيَةٌ لَهُمْ أَنَّا حَمَلْنا ذُرِّيَّتَهُمْ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ (41) وَخَلَقْنا لَهُمْ مِنْ مِثْلِهِ ما يَرْكَبُونَ (42) وَإِنْ نَشَأْ نُغْرِقْهُمْ فَلا صَرِيخَ لَهُمْ وَلا هُمْ يُنْقَذُونَ (43) إِلَاّ رَحْمَةً مِنَّا وَمَتاعاً إِلى حِينٍ (44)
«1» [يس: 36/ 30- 44] .
يا حسرة: المنادي محذوف، أي يا جماعة تحسروا حسرة على هؤلاء، أو المنادي:
الحسرة نفسها، أي هذا أوانك فاحضري.
والمعنى: يا حسرة العباد على أنفسهم بسبب تكذيبهم الرسل، فلم يأتهم رسول من عند الله، لدعوتهم إلى التوحيد والحق والخير لأنفسهم، إلا استهزءوا به وكذّبوه، وجحدوا ما أرسل به من الحق. وقوله: يا حَسْرَةً نداء للحسرة بقصد الندبة والتحسر، بمعنى: هذا وقت حضورك وظهورك، والمراد التلهف على العباد والإشفاق عليهم، حين يزج بهم في العذاب. وهذا تمثيل لفعل قريش. ثم عناهم الله تعالى بقوله: أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنا.. أي ألم يتعظوا بمن أهلك الله قبلهم من المكذبين للرسل كعاد وثمود، وأنهم لا رجعة لهم إلى الدنيا، خلافا لمزاعم الدهرية أنهم يعودون إلى الدنيا كما كانوا قبلهم. ثم أعلمهم الله تعالى بوجود الحساب وعقاب الآخرة بعد عذاب الدنيا، فإن جميع الأمم الماضية والحاضرة والمستقبلية سيتم إحضارهم للحساب يوم القيامة، بين يدي الله عز وجل، فيجازيهم بأعمالهم كلها خيرها وشرها، وهذا يدل على أن من أهلكه الله في الدنيا له حساب وعقاب آخر في الآخرة.
ومن الآيات أو العلامات الدالة على قدرة الله تعالى على البعث وغيره:
(1) الشمراخ المعوج، عود النخل.
- إحياء الأرض الهامدة التي لا نبات فيها، بإنزال الماء عليها، وتحركها بالنبات المختلف، وإخراج الحب الذي هو رزق للناس ودوابهم، وهو معظم ما يؤكل.
- ومن الآيات: إيجاد البساتين المشجرة في الأرض، من نخيل وعنب وغيرها، وتفجير الأنهار فيها في مواضع مختلفة، والقصد من ذلك: أن يأكل الناس من ثمار النخيل والأعناب، ويأكلوا مما صنعته أيديهم من نتاج الثمر والزرع أو الحب، كالعصير والدبس والمربيات ونحوها، فهلا يشكرونه على ما أنعم الله به عليهم من هذه النعم الكثيرة!! وهو أمر بالشكر من طريق إنكار تركه.
تنزيها لله تعالى عن الشريك الذي لا يخلق شيئا، والله وحده هو الذي خلق الأصناف كلها من مختلف الأنواع، من الزروع والثمار والنبات، وخلق من النفوس الذكور والإناث، وخلق أشياء لا يعرفونها، كما جاء في آية أخرى: وَيَخْلُقُ ما لا تَعْلَمُونَ [النحل: 16/ 8] .
- ومن آيات قدرته تعالى وهي آية عظيمة لهم: خلق الليل والنهار، وتعاقبهما، وانسلاخ النهار من الليل، فيأتي بالضوء، وتتبدد الظلمة. ونسلخ: نكشط ونقشر، فهي استعارة، ومُظْلِمُونَ داخلون في الظلام فجأة.
ومن الآيات: دوران الشمس في فلكها حول نفسها في مدارها، ومستقرها: كناية عن غيوبها أو آخر مطالعها. ذلك تقدير من الله القاهر الغالب كل شيء، المحيط علمه بكل شيء. وجعل الله للقمر منازل يسير فيها سيرا آخر، وهي ثمانية وعشرون منزلا، ينزل في كل ليلة في واحد منها بمعدل 13 درجة في اليوم، ثم يستتر ليلتين إن كان الشهر ثلاثين، وليلة واحدة إن كان تسعة وعشرين، فإذا انتهى الشهر يدق ويصغر حتى يصير كغصن النخلة الأصفر اليابس. ولا يتأتى للشمس أن تدرك القمر، ولا