الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
نعم الله على لوط ويونس عليهما السلام
الفضل الإلهي ذو معيار ثابت واحد، فكما أنعم الله تعالى في آيات سابقة من سورة الصافات على موسى وهارون وإلياس عليهم السلام، أنعم أيضا على لوط ويونس عليهما السلام، من إنجاء لوط وأهله إلا امرأته من العذاب، وتدمير بقية القوم، وإخراج يونس حيا من بطن الحوت، وحمايته من هضمه، وإنبات شجرة يقطين عليه يحتمي بأوراقها العريضة، وتسخير سبيل إعادة القوة والصحة له، وذلك كله للعظة والعبرة، قال الله تعالى مبينا هذه النعم:
[سورة الصافات (37) : الآيات 133 الى 148]
وَإِنَّ لُوطاً لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (133) إِذْ نَجَّيْناهُ وَأَهْلَهُ أَجْمَعِينَ (134) إِلَاّ عَجُوزاً فِي الْغابِرِينَ (135) ثُمَّ دَمَّرْنَا الْآخَرِينَ (136) وَإِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ مُصْبِحِينَ (137)
وَبِاللَّيْلِ أَفَلا تَعْقِلُونَ (138) وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (139) إِذْ أَبَقَ إِلَى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ (140) فَساهَمَ فَكانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ (141) فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ وَهُوَ مُلِيمٌ (142)
فَلَوْلا أَنَّهُ كانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ (143) لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (144) فَنَبَذْناهُ بِالْعَراءِ وَهُوَ سَقِيمٌ (145) وَأَنْبَتْنا عَلَيْهِ شَجَرَةً مِنْ يَقْطِينٍ (146) وَأَرْسَلْناهُ إِلى مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ (147)
فَآمَنُوا فَمَتَّعْناهُمْ إِلى حِينٍ (148)
«1» «2» «3» [الصافات: 37/ 133- 148] .
إن إيراد بعض قصص الأنبياء السابقين من أجل أن يعتبر بها مشركو العرب وقت نزول الوحي، وكذا كل من كفر وعاند ممن يأتي بعدهم، فإن الذين أمعنوا في الكفر بادوا وهلكوا، وبقي الذين آمنوا. إن لوطا ابن أخي إبراهيم أو ابن أخته أرسله الله من جملة المرسلين إلى أهل سدوم في وادي الأردن، لارتكابهم الفواحش، فنصحهم، فأبوا نصحه، فأهلكهم الله بحاصب من الحجارة المحرقة كالبراكين العاتية، فجعل بلادهم عاليها سافلها، ونجى الله تعالى لوطا عليه السلام وأهله المؤمنين به إلا امرأته
(1) أي الباقين في العذاب.
(2)
هرب بلا إذن إلى السفينة المملوءة.
(3)
أي فاقترع فكان يونس من المغلوبين.
التي كانت كافرة، صارت هالكة باقية في العذاب، ولرضاها بفعل القوم، وتواطئها معهم على كل من يأتي إلى لوط عليه السلام. وكفر امرأة لوط: إما أنها كانت مستترة منه، وإما كانت معلنة، وكان نكاح الوثنيات والإقامة عليهن جائزا.
والغابرون: الباقون، وغبر بمعنى بقي، ومعناه هنا: بقيت في الهلاك.
ثم أهلك الله قوم لوط الذين كذبوا برسالته، وهم أهل الفاحشة الشنيعة (اللواط) . ثم خاطب الله تعالى قريشا بما معناه:
قل لهم يا محمد وإنكم يا أهل مكة لتمرون على منازل قوم لوط التي فيها آثار العذاب وقت الصباح، أي بالنهار ذهابا إلى الشام، وفي الليل أثناء رجوعكم من الشام، أفلا تتدبرون بعقل واع، وتتعظون بما تشاهدونه في ديارهم من آثار التدمير، وعقوبة الله النازلة بهم، فتخافوا من أن يحل بكم نفس العذاب، وتصيروا مثلهم في مصيرهم المشؤوم، لمخالفتهم رسولهم وتكذيبهم به. وهذا توبيخ لمشركي قريش وأمثالهم.
وأشار الله تعالى إلى الصباح والليل، لأن أكثر مشي المسافر على الدواب في الليل وأوائل النهار.
ثم ذكر الله قصة نبي آخر، وهو يونس بن متّى، الذي كان من أنبياء بني إسرائيل، أرسله الله تعالى إلى قومه أهل نينوى بالموصل، ومضمون قصته: واذكر أيها النبي محمد حين هرب يونس من قومه، مغاضبا قومه، إلى سفينة مملوءة بالحمولة، بغير إذن ربه، فتعرضت السفينة للغرق، فاقترع الركاب فيما بينهم تخفيفا من الحمولة الثقيلة على إلقاء بعضهم في البحر، فأصابت القرعة ثلاث مرات يونس عليه السلام، فألقوه في البحر، والفلك المشحون مفرد أو جمع: السفينة الموقرة.
فابتلعه الحوت الذي كان بجوار السفينة على الفور، وهو الذي أتى ما يلام عليه،