الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تفسير سورة الانشقاق
أهوال القيامة وأحوال الناس فيها
سورة الانشقاق المكية اتفاقا كسورتي التكوير والانفطار قبلها تصف أهوال القيامة وأحوال الناس فيها، وانقسامهم فريقين: أهل اليمين، وأهل الشمال. وتلك الأهوال الكبرى تثير الرعب والهلع، وتبين مدى ضعف الإنسان، وعجزه، وفقره، في مواجهة المشكلات، حيث لا ينفعه إلا الإيمان والعمل الصالح، فترى هؤلاء الأتقياء في أتم السرور، وترى الأشقياء في أشنع الأحوال وأتم الحزن والكآبة وانتظار الهلاك المتكرر. وذلك واضح في مطلع سورة الانشقاق:
[سورة الانشقاق (84) : الآيات 1 الى 15]
بسم الله الرحمن الرحيم
إِذَا السَّماءُ انْشَقَّتْ (1) وَأَذِنَتْ لِرَبِّها وَحُقَّتْ (2) وَإِذَا الْأَرْضُ مُدَّتْ (3) وَأَلْقَتْ ما فِيها وَتَخَلَّتْ (4)
وَأَذِنَتْ لِرَبِّها وَحُقَّتْ (5) يا أَيُّهَا الْإِنْسانُ إِنَّكَ كادِحٌ إِلى رَبِّكَ كَدْحاً فَمُلاقِيهِ (6) فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ (7) فَسَوْفَ يُحاسَبُ حِساباً يَسِيراً (8) وَيَنْقَلِبُ إِلى أَهْلِهِ مَسْرُوراً (9)
وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ وَراءَ ظَهْرِهِ (10) فَسَوْفَ يَدْعُوا ثُبُوراً (11) وَيَصْلى سَعِيراً (12) إِنَّهُ كانَ فِي أَهْلِهِ مَسْرُوراً (13) إِنَّهُ ظَنَّ أَنْ لَنْ يَحُورَ (14)
بَلى إِنَّ رَبَّهُ كانَ بِهِ بَصِيراً (15)
«1» «2» «3» «4» «5» «6» «7» «8» «9» «10» «11» [الانشقاق: 84/ 1- 15] .
(1) امتثلت واستمعت له.
(2)
أي وحق لها أن تمتثل.
(3)
بسطت واتسعت رقعتها بزوال الجبال.
(4)
لم يبق في باطنها شيء.
(5)
مجاهد ومجدّ في عملك.
(6)
سهلا.
(7)
هلاكا وموتا. [.....]
(8)
يصطلي حر جهنم.
(9)
فرحا فرح بطر وتكبر وترف.
(10)
يرجع إلى الله.
(11)
جواب بعد النفي، أي بلى يرجع.
إذا تصدعت السماء وتشققت، مؤذنة بخراب العالم، وأطاعت ربها وامتثلت له فيما أمر ونهى، وحق لها أن تطيع أمره وتنقاد وتسمع.
وإذا الأرض بسطت وسويت واتسعت بزوال الجبال والآكام، ولفظت وأخرجت ما فيها من الأموات والكنوز، وطرحتهم على سطحها، وتخلت على كل ما فيها، ولم يبق في باطنها شيء.
واستمعت وأطاعت أوامر بها ونواهيه، وحق لها أن تستمع لما يريد الله منها، لأنها في قبضة القدرة الإلهية، وكررت الجملة للتأكيد.
وجواب (إذا) محذوف، لإرادة التهويل على الناس، تقديره: إذا حدث ما حدث، رأيتم أعمالكم من خير أو شر.
يا أيها الإنسان- والمراد به الجنس الذي يشمل المؤمن والكافر- إنك عامل في هذه الحياة، ومجاهد ومجدّ في عملك، جهادا وجدا قويا، لتلقى ربك، وتلقى ما عملت من خير أو شر. والكدح: جهد النفس في العمل حتى تأثرت.
وقوله: فَمُلاقِيهِ عائد في رأي الجمهور على الرب تبارك وتعالى، فالفاء على هذا عاطفة (ملاق) على (كادح) .
ثم ذكر الله تعالى أحوال الناس وانقسامهم إلى فريقين يوم القيامة:
الفريق الأول- المؤمنون الموصوفون بقوله: فأما من أعطي كتاب أعماله بيمينه، وهم المؤمنون، فإنه يحاسب حسابا سهلا، بأن تعرض عليه سيئاته، ثم يغفرها الله، ويتجاوز عنها، من غير أن يناقشه الحساب، فذلك الحساب اليسير، أخذا بمفهوم الحديث الذي
أخرجه أحمد والشيخان وغيرهم عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من نوقش الحساب عذّب، قالت، فقلت: أفليس الله تعالى قال:
فَسَوْفَ يُحاسَبُ حِساباً يَسِيراً (8) ؟ قال: ليس ذاك بالحساب، ولكن ذلك العرض، ومن نوقش الحساب يوم القيامة عذّب» .
وهذا الذي يحاسب حسابا يسيرا بالعرض، يرجع إلى أهله وعشيرته في الجنة مغتبطا، فرحا مسرورا، بما أعطاه الله عز وجل، وما أوتي من الخير والكرامة.
الفريق الثاني- الكافرون الموصوفون بقوله: وأما من أعطي كتاب أو صحيفة أعماله بشماله، أي من وراء ظهره، حيث تثنى يديه من خلفه، ويعطى كتابه بها، وتكون يمينه مغلولة إلى عنقه، فإذا قرأ كتابه، نادى: يا ثبوراه، أي بالهلاك والخسار، ثم يدخل جهنم، ويصلى حر نارها وشدتها.
يتبين من هذا أن الكافر يؤتى كتابه من ورائه، لأن يديه مغلولتان، وروي أن يده تدخل من صدره، حتى تخرج من وراء ظهره، فيأخذ كتابه بها.
ويقال: إن هاتين الآيتين نزلتا في أبي سلمة بن عبد الأسد، وفي أخيه الأسود، وكان أبو سلمة من أفضل المسلمين، وأخوه من عتاة الكافرين. وقوله: يَدْعُوا ثُبُوراً معناه: يصيح منتحبا: وا ثبوراه وا حزناه، ونحو هذا مما معناه: هذا وقتك وأوانك، أي احضرني. والثبور: اسم جامع للمكاره، كالويل.
ثم ذكر الله تعالى سببين لعذاب الكافر وهما:
- إنه كان في الدنيا فرحا بطرا، لا يفكر في العواقب، ولا يخاف مما أمامه، وإنما يتبع هواه، ويركب شهواته، تكبرا، لأنه لا يؤمن في الواقع بالآخرة، كما بان في السبب الثاني.
- إن سبب ذلك السرور والبطر: ظنه بأنه لا يرجع إلى الله تعالى، ولا يبعث للحساب والعقاب، ولا يعاد بعد الموت.