الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عباس وغيره. وقال الخليل بن أحمد: هي عبارة عن حرصها عليهم، واستدنائها لهم، وما توقعه من عذابها.
والواقع أن غضب الله وسخطه يحيط بجهنم وأهلها، وكل ما فيها وما حولها عذاب في عذاب، وشقاء في شقاء، أعاذنا الله تعالى منها ومن الاقتراب من حرّها.
طبع الإنسان وعلاجه
على الرغم من أهوال القيامة الموحية بأشد ألوان العذاب، يجمح بالإنسان طبعه وميله إلى الشرّ، بسبب أوصاف الهلع والجزع والمنع التي تؤدي به إلى السوء، لكن تعديل الغرائز وترقية الطباع أمر متحمل. ويمكن ترويض هذه الأخلاق وعلاجها بالحكمة والمجاهدة، وفي ضوء تقدير المخاطر، ومن أجل النجاة من المخاوف التي تحيط بالإنسان في آخرته. والقرآن الكريم نبّه إلى طرق العلاج لطبيعة الإنسان بأسلوب معقول وواضح، كما يتبين من هذه الآيات:
[سورة المعارج (70) : الآيات 19 الى 35]
إِنَّ الْإِنْسانَ خُلِقَ هَلُوعاً (19) إِذا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً (20) وَإِذا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً (21) إِلَاّ الْمُصَلِّينَ (22) الَّذِينَ هُمْ عَلى صَلاتِهِمْ دائِمُونَ (23)
وَالَّذِينَ فِي أَمْوالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ (24) لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ (25) وَالَّذِينَ يُصَدِّقُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ (26) وَالَّذِينَ هُمْ مِنْ عَذابِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ (27) إِنَّ عَذابَ رَبِّهِمْ غَيْرُ مَأْمُونٍ (28)
وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ (29) إِلَاّ عَلى أَزْواجِهِمْ أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ (30) فَمَنِ ابْتَغى وَراءَ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ العادُونَ (31) وَالَّذِينَ هُمْ لِأَماناتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ راعُونَ (32) وَالَّذِينَ هُمْ بِشَهاداتِهِمْ قائِمُونَ (33)
وَالَّذِينَ هُمْ عَلى صَلاتِهِمْ يُحافِظُونَ (34) أُولئِكَ فِي جَنَّاتٍ مُكْرَمُونَ (35)
«1» «2» «3» «4» «5» «6» «7» [المعارج: 70/ 19- 35] .
(1) سريع الحزن، شديد الحرص، قليل الصبر.
(2)
كثير الجزع، أي إنه يئوس قنوط، والجزع: الحزن.
(3)
كثير المنع.
(4)
المتعرّض للسؤال، والمتعفف فيحرم. [.....]
(5)
خائفون.
(6)
من طلب غير هذا فهم المتجاوزون الحدود.
(7)
يؤدّون الشهادة ولا يكتمونها.
إن الإنسان (اسم جنس يفيد العموم) مجبول على الضجر والهلع: وهو شدة الحرص، وقلة الصبر، فإذا أصابه شرّ من فقر أو مرض مثلا، فهو كثير الجزع، أو الحزن، والشكوى، وإذا أصابه خير من غنى أو منصب وجاه، أو قوة وصحة ونحو ذلك، فهو كثير المنع والبخل. والهلع بعبارة أخرى: فزع واضطراب يعتري الإنسان عند المخاوف وعند المطامع.
أخرج الإمام أحمد وأبو داود عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «شرّ ما في الرجل: شحّ هالع، وجبن خالع» .
ثم استثنى الله تعالى من اتصف بصفات عشر وهي:
- هؤلاء الناس يتّصفون بصفات الذّم، إلا المصلّين الذين يؤدّون صلاتهم، ويحافظون على أوقاتها وواجباتها، ويداومون عليها، وهاتان الصفتان: أداء الصلاة والمواظبة عليها، تساعدان على التخلّص من صفات الهلع والجزع والمنع، أي إن هذا المعنى يقل فيهم، لأنهم يجاهدون أنفسهم بالتقوى، ويؤثرون الآخرة على الدنيا.
- والذين يكون في أموالهم نصيب مقرر لذوي الحاجات والبائسين، سواء سألوا الناس أو تعفّفوا، والسائل: الفقير الذي يتكفّف فيعطى، والمحروم: الذين يتعفّف فيحرم. والحق المعلوم: هو الزكاة المفروضة في رأي. وفي رأي آخر أصح هي في الحقوق التي سوى الزكاة، وهي ما ندبت الشريعة إليه من المواساة. وقد قال ابن عمر والثعلبي ومجاهد وكثير من أهل العلم: إن في المال حقّا سوى الزكاة.
- والذين يوقنون بوجود يوم القيامة يوم الحساب والجزاء، لا يشكون فيه ولا يجحدونه، فهم يعملون عمل من يرجو الثواب، ويخشى العقاب. وسمي يوم القيامة بيوم الدين، لأنه يوم المجازاة، والدين: الجزاء.
- والذين هم خائفون من عذاب الله، إذا تركوا الواجبات، واقترفوا المنكرات، فيكون العذاب واقعا بهم إلا بعفو من الله تعالى.
- والذين يكفّون فروجهم عن الحرام، ويمنعونها أن توضع في غير ما أذن الله فيه، وهو الزوجة وملك اليمين الذي هو الإماء، حين كان الرّق قائما، فلا لوم في الاستمتاع المشروع بهما، فمن قصد المتعة بغير هذين السبيلين: الزواج والتمتع بملك اليمين، فهم المتجاوزون الحدود، المعتدون الضارّون.
وقوله: غَيْرُ مَلُومِينَ معناه أنهم غير ملومين على أزواجهم وما ملكت أيمانهم.
وابْتَغى معناه: طلب، وقوله: وَراءَ ذلِكَ معناه سوى ما ذكر.
- والذين يؤدّون الأمانات التي يؤتمنون عليها إلى أهلها، ويوفون بالمعاهدات والاتفاقات والعقود المبرمة، ولا ينقضون البيع ولا شيئا من الشروط المتفق عليها.
فإذا اؤتمنوا لم يخونوا، وإذا عاهدوا لم يغدروا، وإذا حدّثوا لم يكذبوا. وهذه صفات المؤمنين، وأضدادها صفات المنافقين. والأمانات: هي في الأموال والأسرار، وفيما بين العبد وربّه تعالى، فيما أمره به ونهاه عنه. قال الحسن: الدّين كله أمانة. والعهد:
كل ما تقلّده الإنسان من قول أو فعل أو مودّة. أخرج البخاري في كتاب الأدب:
«حسن العهد من الإيمان» . وراعُونَ جمع راع، أي حافظ.
- والذين يؤدّون الشهادة على الحقوق والمنازعات في محاكم القضاء بحق، ويحافظون عليها دون زيادة ولا نقصان، ودون مجاملة لقريب أو بعيد، أو رفيع أو ذي منصب وجاه، ولا يكتمونها ولا يغيرونها. ولا يكون أداء الشهادة في حقوق العباد إلا بعد طلب لأداء الشهادة، أما في حقوق الله تعالى كمنع منكر وقمع مخالفة فتؤدي حسبة من دون طلب.
- والذين يحافظون على مواقيت الصلاة وأدائها بأركانها وواجباتها ومندوباتها، لا يخلّون بشيء منها، ولا يتشاغلون بشاغل عنها، ولا يفعلون بعدها ما يتناقض معها، فيبطل ثوابها، وتضيع ثمرتها. وذلك بالدخول فيها في حماس ورغبة بها،