الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تفسير سورة الأحقاف
إثبات وحدانية الله تعالى
إثبات توحيد الله والبعث: هما أساس الخلاف الحادّ مع المشركين، لذا عنيت آيات القرآن الكريم بالرد على مزاعم هؤلاء المشركين حول تعدد الآلهة، وألوهية الأصنام، ونفي البعث، ومحور الرد يعتمد على إثبات القدرة الإلهية، بخلق السماوات والأرض وما بينهما من المخلوقات، وسلب القدرة الخلاقة على الخلق عن الآلهة المزعومة، ونفي إمكان نفعها لعابديها في الدنيا والآخرة، بل تكون أعداء لعابديها، وهذا هو الكلام الفصل في الآيات الآتية في مطلع سورة الأحقاف المكية:
[سورة الأحقاف (46) : الآيات 1 الى 6]
بسم الله الرحمن الرحيم
حم (1) تَنْزِيلُ الْكِتابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (2) ما خَلَقْنَا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما إِلَاّ بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُسَمًّى وَالَّذِينَ كَفَرُوا عَمَّا أُنْذِرُوا مُعْرِضُونَ (3) قُلْ أَرَأَيْتُمْ ما تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَرُونِي ماذا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّماواتِ ائْتُونِي بِكِتابٍ مِنْ قَبْلِ هذا أَوْ أَثارَةٍ مِنْ عِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (4)
وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعائِهِمْ غافِلُونَ (5) وَإِذا حُشِرَ النَّاسُ كانُوا لَهُمْ أَعْداءً وَكانُوا بِعِبادَتِهِمْ كافِرِينَ (6)
«1» «2» [الأحقاف: 46/ 1- 6] .
(1) أي بالواجب الحسن الذي قد حق أن يكون.
(2)
أي بقية ثابتة من علم صحيح. والأثارة: مصدر كالشجاعة والسماحة: وهي البقية من الشيء وكأنها أثره. [.....]
افتتحت السورة بالأحرف المقطعة للتنبيه على ما يأتي في السورة، ولتحدي العرب بالإتيان بمثل القرآن أو آية منه. وتقترن هذه الأحرف غالبا بالتحدث عن القرآن، لإثبات نزوله من عند الله وإعجازه. وتنزيل القرآن الكامل في كل شيء حاصل من الله عز وجل، القوي الغالب لكل من حادّه أو عارضة، المحكم المتقن، الحكيم في تدبيره وصنعه، وأقواله وأفعاله، يضع كل أمر في موضعه المناسب له.
ما أوجدنا أو أبدعنا السماوات العليا، والأراضي السفلى، إلا بما يتفق مع الواجب الحسن، الذي حق أن يكون، وإلى مدة معينة لا تزيد ولا تنقص، وهي يوم القيامة. والذين جحدوا وحدانية الله: معرضون عن الإنذار، وإنزال الكتب، وإرسال الرسل، فهم لاهون عما يراد بهم.
ثم ردّ الله تعالى على عبدة الأوثان، آمرا نبيه أن يقول للمشركين الوثنيين:
أخبروني عما تدعون من غير الله كالأصنام وأهل القبور، بعد التأمل في الكون، وخلق السماوات والأرض وما بينهما، هل تمكّنوا من إبداع أو خلق شيء في الأرض؟ وهل لهم مشاركة في ملك السماوات والتصرف فيها؟ الواقع أنهم عجزة عجزا تاما عن خلق شيء، أحضروا لي دليلا مكتوبا قبل القرآن، مما نزل على الأنبياء كالتوراة والإنجيل، يدل على صحة عبادة الأصنام؟ أو هل لكم بقية من علم الأنبياء السابقين، أو أحد العلماء؟ يرشد إلى صحة هذا المنهج الذي سرتم عليه، ويقتضي عبادة الأصنام، إن كنتم صادقين في ادعائكم ألوهية الأصنام أو الأوثان؟
والمعنى: لا دليل لكم من النقل أو العقل على ذلك، وليس لكم كتاب منزل قبل القرآن، يتضمن عبادة صنم أو وثن.
وقوله تعالى مِنَ الْأَرْضِ من: للتبعيض، لأن كل ما على وجه الأرض من حيوان ونحوه فهو من الأرض.
ثم وبّخ الله تعالى عبدة الأصنام، مبينا أنه لا أحد أضل ممن هذه صفته، بعبادة الأصنام من دون الله، فإنه يدعو من لا يسمع إلى يوم القيامة، والأصنام غافلون عمن دعاهم، لا يسمعون ولا يعقلون، لكونهم جمادات. والمراد: أنه ليس للأصنام قدرة على شيء، ولا علم لديها بشيء، فهي جمادات، وعبادة الجماد: محض الضلال، فهم لا يتأملون ما هم عليه في دعاء من هذه صفته.
وعبر عن الأصنام بقوله: وَهُمْ عَنْ دُعائِهِمْ كخطاب العقلاء، معاملة لها كالعقلاء، في مزاعم أصحابها وعبدتها.
ومما يؤكد نفي العلم الدال على عبادة الأصنام: أنه إذا جمع الناس الكفار، [والأصنام يوم القيامة في موقف الحساب، كانت الأصنام لهم أعداء، تظهر التبري منهم والإنكار عليهم، وتصبّ اللعنة عليهم، وتقول كما حكى القرآن الكريم عنهم:
تَبَرَّأْنا إِلَيْكَ ما كانُوا إِيَّانا يَعْبُدُونَ [القصص: 28/ 63] وكانت الأصنام جاحدين مكذبين بتلك العبادة. وكذلك تتبرأ الملائكة والمسيح عيسى ابن مريم وعزير والشياطين ممن عبدوهم يوم القيامة.
إن العقل الإنساني السوي، وعزة الإنسان وكرامته، يأبى كل ذلك الخضوع الإرادي لصنم أو وثن، لا يضر ولا ينفع، ولا يعقل ولا يسمع، ولا يفهم ولا يستجيب لشيء، ومع كل هذه الأدلة القاطعة والبراهين المحسوسة يظل البدائيون في بعض البلاد الإفريقية وغيرها عاكفين على أصنامهم في القرن العشرين، على الرغم من دراساتهم العلمية في الجامعات الأمريكية والأوربية، بعد عودتهم لبلادهم، كما هو مشاهد ومعروف.