الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إن هذه الطائفة من الأخبار السّتة عن الجنّ تضمنت أصل العقيدة: وأولها الإيمان بالقرآن الكريم وبمواعظه الهادية إلى أرشد الأمور، والإيمان بوحدانية الله وتنزيهه عن الشّرك، وعن اتّخاذ الصاحبة والولد. ثم تضمّنت معلومات عن إبليس والجنّ قبل إسلامهم من الكذب وتجاوز الحدّ في الظلم، ومعلومات أخرى عن الإنس والجنّ، حيث كان يستعيذ بعض الإنس السّذج ببعض الجنّ في القفار والوديان ليحموهم من شرّ أشرار الجنّ، وحيث يصدر الكذب عن بعض الإنس والجنّ في اتّخاذ الله صاحبة وولدا، ويظن بعض الفريقين أن لا بعث ولا آخرة، ولا جزاء ولا حساب، وهذا ضلال وخطأ بيّن. فما على كفار قريش إلا الاتّعاظ بصنيع الجنّ، وأن يبادروا إلى الإيمان الحق كما آمن الجنّ بالقرآن والله والرسول.
النوع الثاني من أخبار الجنّ
هذه هي الطائفة الثانية من أخبار الجنّ، وهي سبعة أخبار، ذكرها القرآن الكريم، تحكي أحوال الجنّ في محاولاتهم استراق السمع لأخبار السماء، قبل البعثة النبوية، ثم منعوا منها بعدها، دون أن يدروا سبب المنع وإقامة الحراسة على السماء، ومن أخبارهم: أن الجن فريقان كالإنس، فمنهم المؤمن والصالح ومنهم الكافر والفاسق، وأنهم علموا بقدرة الله الحاكمة عليهم، دون التمكن من الإفلات منها، وأنهم أدركوا عظمة القرآن وهدايته، فآمنوا به، وكل ذلك يدل على أن طبيعة الجن كطبيعة الإنس، وأنهم مكلفون بدعوة الحق والنبي، كما يتضح من هذه الآيات:
[سورة الجن (72) : الآيات 8 الى 17]
وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّماءَ فَوَجَدْناها مُلِئَتْ حَرَساً شَدِيداً وَشُهُباً (8) وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْها مَقاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَنْ يَسْتَمِعِ الْآنَ يَجِدْ لَهُ شِهاباً رَصَداً (9) وَأَنَّا لا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الْأَرْضِ أَمْ أَرادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَداً (10) وَأَنَّا مِنَّا الصَّالِحُونَ وَمِنَّا دُونَ ذلِكَ كُنَّا طَرائِقَ قِدَداً (11) وَأَنَّا ظَنَنَّا أَنْ لَنْ نُعْجِزَ اللَّهَ فِي الْأَرْضِ وَلَنْ نُعْجِزَهُ هَرَباً (12)
وَأَنَّا لَمَّا سَمِعْنَا الْهُدى آمَنَّا بِهِ فَمَنْ يُؤْمِنْ بِرَبِّهِ فَلا يَخافُ بَخْساً وَلا رَهَقاً (13) وَأَنَّا مِنَّا الْمُسْلِمُونَ وَمِنَّا الْقاسِطُونَ فَمَنْ أَسْلَمَ فَأُولئِكَ تَحَرَّوْا رَشَداً (14) وَأَمَّا الْقاسِطُونَ فَكانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَباً (15) وَأَنْ لَوِ اسْتَقامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْناهُمْ ماءً غَدَقاً (16) لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَمَنْ يُعْرِضْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِ يَسْلُكْهُ عَذاباً صَعَداً (17)
«1» «2»
(1) حرّاسا من الملائكة شدادا.
(2)
جمع شهاب: وهو الشعلة من نار ساطعة. [.....]
«1» «2» «3» «4» «5» «6» «7» «8» [الجنّ: 72/ 8- 17] .
هذه أخبار الجن الثابتة بحكاية القرآن الكريم لها وهي هنا سبعة كما يلي:
- لما بعث النّبي صلى الله عليه وسلم وأنزل عليه القرآن، طلبنا خبر السماء، كما جرت به عادتنا، فوجدناها ملئت حراسا أقوياء من الملائكة يحرسونها عن استراق السمع، ووجدنا أيضا نيرانا منقضة من الكواكب تحرق وتمنع من أراد استراق السمع كما كنا نفعل.
- وأننا كنا نقعد في السماء مقاعد لاستراق السمع، وسماع أخبار السماء من الملائكة لإلقائها إلى الكهنة (مدعي الغيب ومعرفة الأسرار في المستقبل) فحرسها الله تعالى عند بعثة رسول الله صلى الله عليه وسلم بالشهب المحرقة، فمن حاول الإصغاء لأخبار السماء أو استراق السمع، يجد له الآن شهابا (شعلة نار) مرصدا له، يحرقه ويهلكه.
- ولا نعلم بسبب هذه الحراسة للسماء، أشرّ أو عذاب أراد الله أن ينزله على أهل الأرض، أم أراد بهم ربّهم خيرا وصلاحا، بإرسال نبي مصلح.
- وأخبر الله تعالى عما قال الجن عن أنفسهم، لما دعوا أصحابهم إلى الإيمان
(1) الاستماع: الإصغاء.
(2)
يرصده ويرقبه للانقضاض عليه.
(3)
خيرا ورحمة.
(4)
ذوي مذاهب متفرقة مختلفة.
(5)
انتقاصا من حقّه في الثواب.
(6)
لا يخاف ظلما.
(7)
الظالمون الجائرون.
(8)
طلبوا الأحرى والأهدى من الطريقتين.
برسالة النّبي صلى الله عليه وسلم: كنا قبل استماع القرآن، منا المؤمنون الأبرار الصالحون، ومنا دون ذلك، أي غير صالحين أو كافرين، كنا جماعات متفرقة، وذوي سير أو مذاهب مختلفة، أي إنهم أقسام، فمنهم المؤمن، ومنهم الفاسق، ومنهم الكافر، كحال الإنس تماما.
و (الطرائق) ، السّير المختلفة، و (القدد) كذلك هي الأشياء المختلفة، كأنه قد قدّ بعضها من بعض، وفصل. وقال ابن عباس وعكرمة وقتادة: طَرائِقَ قِدَداً أهواء مختلفة.
وأننا علمنا أن قدرة الله حاكمة علينا، وأنا لا نفلت من قدرة الله ولا نفوته إن طلبنا وأراد بنا أمرا، سواء كنا كائنين في الأرض أو هاربين منه إلى السماء، فإنه علينا قادر، لا يعجزه أحد منا. والظن في الآية: بمعنى العلم.
- وأننا لما سمعنا الهدى وهو القرآن، صدّقنا أنه من عند الله، ولم نكذب به، كما كذبت به كفرة الإنس، فمن يصدق بربّه وبما أنزله على رسله، فلا يخاف نقصانا من حسناته، ولا عدوانا وظلما وطغيانا بالزيادة في سيئاته. والبخس: النقص نقص الحسنات. والرّهق: الزيادة في السيئات.
وأن بعضنا مؤمنون مطيعون لربّهم، يعملون الصالحات، وبعضنا جائرون ظالمون حادوا عن طريق الحق والخير ومنهج الإيمان الواجب. فمن آمن بالله، وأسلم وجهه لله بطاعة شريعته، فأولئك طلبوا باجتهادهم طريق الرشاد والسعادة، وطلبوا لأنفسهم النجاة من العذاب، وهذا ثواب المؤمنين. وأما الجائرون الحائدون عن منهج الإسلام، فكانوا وقودا للنار، توقد أو تسعّر، كما توقد بكفرة الإنس.
ويلاحظ الفرق بين الكلمتين، فالقاسط: الجائر عن الحق، الظالم، أما المقسط: فهو القائم بالعدل، من أقسط، أي عدل.
ثم أوحى الله لنبيّه أنه لو استقام الجنّ والإنس على طريقة الإسلام، لأسقيناهم ماء كثيرا، ولآتيناهم خيرا كثيرا واسعا، لنعاملهم معاملة المختبر، فنعلم كيف شكرهم