الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
منضّد متراكم بعضه فوق بعض، ليكون مصدر رزق وقوت للعباد، وأحيينا بالمطر كل أرض أو بلدة ميتة لا حراك فيها، وإن الخروج من القبور عند البعث كمثل هذا الإحياء.
وهذه الآيات كلها إنما هي أمثلة وأدلة على البعث. والخروج: هو الخروج من القبور.
سيرة المكذبين الأول وتدوين أقوال الإنسان
ذكّر الله تعالى بما صدر عن الأمم السابقة من تكذيب الأنبياء، مثل قول نوح وأصحاب الرّس (البئر العظيمة باليمامة) وثمود، وعاد، وفرعون، وقوم لوط، وأصحاب الأيكة (الغيضة الكثيفة قوم شعيب) وقوم تبّع (الملك الحميري باليمن) وذكّر المولى عز وجل بأنه يعلم كل ما يصدر عن الإنسان من أقوال وأفعال ووساوس النفس، وأخبر بتسجيل الملكين عن اليمين وعن الشمال كل قول أو فعل للإنسان، كما تصوّر الآيات الآتية:
[سورة ق (50) : الآيات 12 الى 18]
كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَأَصْحابُ الرَّسِّ وَثَمُودُ (12) وَعادٌ وَفِرْعَوْنُ وَإِخْوانُ لُوطٍ (13) وَأَصْحابُ الْأَيْكَةِ وَقَوْمُ تُبَّعٍ كُلٌّ كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ وَعِيدِ (14) أَفَعَيِينا بِالْخَلْقِ الْأَوَّلِ بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مِنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ (15) وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ وَنَعْلَمُ ما تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ (16)
إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمالِ قَعِيدٌ (17) ما يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَاّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ (18)
«1» «2» «3» «4» [ق: 50/ 12- 18] .
(1) الرس: البئر العظيمة، وكل ما لم يطو من بئر أو معدن أو نحوه فهو رسّ.
(2)
أفعجزنا بالإبداع الأول؟
بدء الخلق.
(3)
بل هم في شك وحيرة من البعث.
(4)
الرقيب: الملك الذي يرقب قوله وعمله، ويكتبه ويحفظه، والعتيد، الحاضر المهيأ لكتابة الخير والشر، ملك الخير عن اليمين، وملك الشر عن الشمال.
هدّد الله كفار قريش بأن يعاقبهم بمثل ما عاقب به الأمم السابقة قبلهم، الذين كذّبوا الرسل، فعذبهم بالطوفان كقوم نوح عليه السلام، أو بالغرق في البحر كفرعون وقومه، أو بريح شديد عاتية كعاد قوم هود عليه السلام، أو بالريح الحصباء وخسف الأرض، كقوم لوط عليه السلام، أو بالصيحة الواحدة من جبريل عليه السلام: وهم ثمود قوم صالح عليه السلام، وأهل مدين قوم شعيب، وأصحاب الرسّ باليمامة، وأصحاب الأيكة، قوم شعيب عليه السلام، أو بخسف الأرض وهو قارون وأصحابه، أو بالإحراق بالنار وهم حمير قوم تبّع، وتبّع: اسم لكل من ملك حمير باليمن، مثل كسرى في الفرس، وقيصر في الروم.
كل هؤلاء كذبوا رسلهم الذين أرسلوا إليهم، فوجب عليهم الوعيد، وحقت عليهم كلمة العذاب على التكذيب.
وكان تبّع (أسعد أبو كرب) أحد التبابعة رجلا صالحا، صحب حبرين، فتعلّم منهما دين موسى عليه السلام، فأنكر قومه عليه ذلك، فندبهم إلى محاجّة الحبرين، فوقعت بينهما محاجّة عظيمة، واتفقوا على أن يدخل جميعهم النار التي في القربان، فمن أكلته النار فهو المبطل، فدخلوا فاحترق قوم تبّع، وخرج الحبران تعرق جباههما، فهلك القوم المخالفون، وآمن سائر قوم تبّع بدين الحبرين «1» .
وذكر الطبري عن سهل بن سعد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا تلعنوا تبّعا فإنه كان قد أسلم» .
والدليل على إمكان البعث: أفعجزنا بالخلق المبتدأ الأول (بدء الخلق) حين خلقناهم ولم يكونوا شيئا، فكيف نعجز عن بعثهم وإعادتهم مرة أخرى؟ بل هم في
(1) المحرر الوجيز لابن عطية 13/ 537 وقال: وفي الحديث اختلاف كثير أثبتّ أصح ذلك على ما في سير ابن هشام.
الواقع في شك وحيرة من خلق مبتدأ جديد أو مستأنف بين مصدق ومكذب، وهو بعث الأموات من القبور.
وكما أن قدرة الله على البعث وغيره تامة، علم الله شامل، وتالله لقد أوجدنا الإنسان (اسم جنس) ونعلم بجميع أموره، ونحن أقرب إليه من حبل وريده، فكيف يخفى علينا شيء مما في قلبه؟ إن الله تعالى يعلم كل ما يصدر عن الإنسان، حتى ما يجول في خاطره، وحتى حديث النفس، وإن كان لا عقاب على حديث النفس، لما رواه أصحاب الكتب الستة عن أبي هريرة:«إن الله تعالى تجاوز لأمتي عما حدّثت به أنفسها، ما لم تتكلم به أو تعمل به» .
وقوله وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ عبارة عن قدرة الله تعالى على العبد، وكون العبد في قبضة القدرة والعلم، قد أحيط به. والآية حجة على منكري البعث والجزاء، والله تعالى وكل بكل إنسان ملكين يكتبان ويحفظان عليه عمله، إحقاقا للحق وإقامة العدل، وإلزاما للحجة.
والله أقرب شيء للإنسان حين يتلقى الملكان الحفيظان ما يتلفظ به وما يعمل به، فيأخذان ذلك ويثبّتانه، عن اليمين قعيد، وعن الشمال قعيد، والقعيد: من يقعد معك، فملك اليمين يكتب الحسنات، وملك الشمال يكتب السيئات.
ويحتمل أن يكون العامل في قوله تعالى: إِذْ يَتَلَقَّى فعلا مضمرا تقديره: اذكر إذ يتلقى. والمتلقيان: الملكان الموكلان بكل إنسان.
والقرب المراد في الآية: بالقدرة والملك. ويكون هناك إخبارات متوالية: الإخبار بعلم ما في نفس الإنسان، والإخبار بتدوين الملكين ما يصدر عن الإنسان، ثم خبر مجيء سكرة الموت، والنفخ في الصور، ومجيء كل نفس معها السائق والشهيد (أي ملكان أحدهما يسوقه إلى المحشر والآخر يشهد عليه) .