الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
صدق الوحي والنبوة
تصدى القرآن الكريم للرد المفحم على قول قريش في تكذيبهم بنبوة محمد صلى الله عليه وسلم وزعمهم: إنه ساحر وكاهن ونحو ذلك، وتكذيبه يؤدي لتكذيب الوحي الإلهي والقرآن المنزل، على الرغم من إعجاز القرآن وعجز العرب عن محاولة إبطاله أو تفنيده أو محاكاته، مما يدل على أنه كلام الله عز وجل، نزل به الروح الأمين جبريل عليه السلام، على قلب محمد صلى الله عليه وسلم، فصار هو قوله المنقول عن رب العزة، ليكون من المنذرين، بلسان عربي مبين، وهنا إبطال من جانب آخر لكلام العرب ومزاعمهم في شأن القرآن من طريق قسم الله تعالى بالنجوم والكواكب السيارة، وبالليل، وبالصبح، على أن القرآن هو كلام الله الموحى به بوساطة جبريل عليه السلام، كما يتضح من الآيات الآتية:
[سورة التكوير (81) : الآيات 15 الى 29]
فَلا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ (15) الْجَوارِ الْكُنَّسِ (16) وَاللَّيْلِ إِذا عَسْعَسَ (17) وَالصُّبْحِ إِذا تَنَفَّسَ (18) إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ (19)
ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ (20) مُطاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ (21) وَما صاحِبُكُمْ بِمَجْنُونٍ (22) وَلَقَدْ رَآهُ بِالْأُفُقِ الْمُبِينِ (23) وَما هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ (24)
وَما هُوَ بِقَوْلِ شَيْطانٍ رَجِيمٍ (25) فَأَيْنَ تَذْهَبُونَ (26) إِنْ هُوَ إِلَاّ ذِكْرٌ لِلْعالَمِينَ (27) لِمَنْ شاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ (28) وَما تَشاؤُنَ إِلَاّ أَنْ يَشاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعالَمِينَ (29)
«1» «2» «3» «4» «5» «6» «7» «8» «9» «10» «11» «12» [التكوير: 81/ 15- 29] .
لا أقسم، أي أقسم، على عادة العرب في كلامهم أنهم إذا أقسموا على إثبات أمر
(1) الكواكب الرواجع أو المستترة وهي جميع الكواكب.
(2)
التي تجري وهي السيارة والتي تستتر في أبراجها تحت ضوء الشمس، وتظهر في أفلاكها للعين ليلا. [.....]
(3)
أقبل بظلامه.
(4)
ظهر وامتد.
(5)
صاحب قوة شديدة.
(6)
هذا القرآن قول منقول بواسطة جبريل.
(7)
صاحب عزة ومكانة عند الله.
(8)
هو الرسول عليه السلام.
(9)
رأى محمد صلى الله عليه وسلم جبريل بصورته الحقيقية.
(10)
ببخيل مقصر في التعليم.
(11)
مرجوم ملعون مطرود من رحمة الله.
(12)
عظة وعبرة.
واضح قالوا: لا أقسم، أي لا يحتاج إلى قسم، وقيل: إن الإتيان ب (لا) في القسم لتعظيم المقسم به.
والمعنى هنا أقسم بالكواكب جميعها التي تخنس، أي تختفي بالنهار تحت ضوء الشمس، وتكنس بالليل، أي تظهر بالليل في أماكنها، كما تظهر الظباء من كنسها، أي بيوتها، والمراد بها: الكواكب السيّارة السبعة: وهي الشمس، والقمر، وزحل وعطارد، والمرّيخ، والزّهرة، والمشتري. وهو رأي الجمهور.
وأقسم بالليل إذا أقبل بظلامه، لما فيه من الرهبة، والصبح إذا أقبل وامتد وظهر وأضاء بنوره الأفق. وجواب القسم هو:
إن هذا القرآن هو تبليغ ونقل رسول كريم عند الله، وهو جبريل عليه السلام، في قول جمهور الناس، ولجبريل صفات أربع: أنه شديد القوى في الحفظ التام والتبليغ الكامل، وذو رفعة عالية، ومكانة سامية عند الله سبحانه، ومطاع بين الملائكة، يرجعون إليه ويطيعونه، مؤتمن على الوحي والرسالة من ربه، وعلى غير ذلك.
وقوله: ثَمَّ أي عند الله تعالى. وقوله: عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ متعلق بقوله: ذِي قُوَّةٍ أو متعلق بقوله مَكِينٍ ومعناه: له مكانة ورفعة. ومُطاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ (21) معناه:
مقبول القول، مصدّق فيما يقوله، مؤتمن على ما يرسل به ويؤديه من وحي وامتثال أمر.
وليس محمد صلى الله عليه وسلم صاحبكم يا أهل مكة بمجنون، كما تزعمون. وقوله تعالى: وَما صاحِبُكُمْ وصف بالصحبة للإشعار بأنهم عالمون بأمره، وبأنه أعقل الناس وأكملهم.
وتالله، لقد رأى محمد صلى الله عليه وسلم جبريل عليه السلام على صورته الأصلية، له ست مائة جناح، في مطلع أو أفق الشمس الأعلى من قبل المشرق، بحيث حصل له علم بدهي بأنه ملك مقرّب، يطمأن لنزوله بالوحي عليه، لا شيطان رجيم.
وليس محمد صلى الله عليه وسلم على ما أنزله الله عليه، من الوحي وخبر السماء، ببخيل مقصر
في التعليم والتبليغ، ثم نفى الله تعالى عن القرآن أن يكون كلام شيطان، حيث ردّ الله على ما قالت قريش: إن محمدا كاهن. أي وليس القرآن بقول شيطان يسترق السمع، مبعد مرجوم بالكواكب واللعنة وغير ذلك، لأن القرآن ليس بشعر ولا كهانة، كما قالت قريش.
فأيّ طريق تسلكون أبين من هذه الطريقة التي قد بينت لكم؟ وأين تذهب عقولكم في تكذيبكم بهذا القرآن، مع ظهوره ووضوحه، وبيان كونه حقا من عند الله تعالى؟ فهذا تقرير وتوقيف، على معنى: أين المذهب (مقر الذهاب) لأحد عن هذه الحقائق؟! ما القرآن إلا موعظة للخلق أجمعين، وتذكير لهم بما ينفعهم، وتحذير لهم مما يضرهم، لمن أراد من البشر أن يستقيم على الحق والإيمان والطاعة، فمن أراد الهداية، فعليه بهذا القرآن، فإنه مناجاة له وهداية، ولا هداية فيما سواه. والذكر هنا: مصدر بمعنى التذكرة. وخصص الله تعالى من شاء الاستقامة بالذكر، تشريفا وتنبيها وبيانا لتكسبهم أفعال الاستقامة.
ثم بيّن الله تعالى أن تكسّب المرء على العموم، في استقامة وغيرها: إنما يكون مع خلق الله تعالى، واختراعه الإيمان في صدر المرء، فقال: وَما تَشاؤُنَ.. أي وما تريدون الاستقامة، ولا تقدرون على ذلك إلا بمشيئة الله وتوفيقه، فليست المشيئة موكولة إليكم، فمن شاء الله اهتدى، ومن شاء ضل، بل كل ذلك تابع لمشيئة الله تعالى رب الإنس والجن والعالم كله. آمنا بالله وبما يشاء.
روي أنه لما نزل قوله تعالى: لِمَنْ شاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ (28) قال أبو جهل: هذا أمر قد وكل إلينا، فإن شئنا استقمنا، وإن لم نشأ لم نستقم، فنزلت: وَما تَشاؤُنَ إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ «1» .
(1) أخرجه ابن جرير وابن أبي حاتم عن سليمان بن موسى.