الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[سورة محمد (47) : الآيات 20 الى 23]
وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا لَوْلا نُزِّلَتْ سُورَةٌ فَإِذا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ مُحْكَمَةٌ وَذُكِرَ فِيهَا الْقِتالُ رَأَيْتَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ نَظَرَ الْمَغْشِيِّ عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ فَأَوْلى لَهُمْ (20) طاعَةٌ وَقَوْلٌ مَعْرُوفٌ فَإِذا عَزَمَ الْأَمْرُ فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ لَكانَ خَيْراً لَهُمْ (21) فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحامَكُمْ (22) أُولئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمى أَبْصارَهُمْ (23)
«1» «2» «3» [محمد: 47/ 20- 23] .
يتمنى المؤمنون المخلصون تشريع الجهاد، حرصا على ثوابه، ونيل درجات المجاهدين، وللدفاع عن أنفسهم وأموالهم، وإظهار عزتهم ورفعتهم، فيقولون: هلا أنزلت سورة يأمرنا فيها ربنا بقتال الأعداء، فإذا أنزلت سورة محكمة، أي دائمة المشروعية، لا يقع فيها نسخ، يأمر الله فيها بالقتال، وصيرورته فرضا على المسلمين، فرح بها المؤمنون، وشق على المنافقين، ورأيت الذين في قلوبهم شك ومرض «4» وهو النفاق، ينظرون إليك أيها النبي- بسبب الجبن والخوف من لقاء الأعداء- نظر المحتضر الذي شخص بصره إلى السماء عند الموت، أو المغمى عليه، خوفا من قتال الأعداء، فالويل أي الهلاك لهم. وفي هذا تهديد للمنافقين، ووعيد بقرب هلاكهم، وافتضاح شأنهم.
فلعلكم إن توليتم عن الطاعة والجهاد، وأعرضتم عن القتال وتنفيذ أحكامه، أن تعودوا إلى سيرة الجاهلية، فتسفكوا الدماء وتفسدوا في الأرض بالبغي والنهب، وارتكاب المعاصي، وتقطعوا أرحامكم بالقتل والعقوق، ووأد البنات، ومقارفة سائر مفاسد الجاهلية. وكلمة (عسى) للتوقع، وهي من الله تفيد التحقق.
(1) أي المغمى عليه خوفا من الموت.
(2)
أي فالويل لهم والهلاك لهم، ابتداء وخبر، معناه الزجر والتوعد.
(3)
مبتدأ، وخبره محذوف أي أمثل. وحسن الابتداء بالنكرة لأنها مخصّصة، أو خبر لمبتدأ محذوف، تقديره: الأمر طاعة.
(4)
استعارة لفساد المعتقد.
لكن طاعة وقول معروف: أحسن أو أمثل، فذلك هو الأمر المرضي لله تعالى، فإذا جدّ الحال ووجب، أي وفرض القتال، فلو صدقوا في ذلك القول، وفي القتال، وأطاعوا الله تعالى، وأخلصوا له النية، لكان إظهار الإيمان والطاعة خيرا لهم من المعصية والمخالفة. ثم وبخهم الله تعالى على تقصيرهم، فلعلكم إن توليتم عن الطاعة والجهاد، وأعرضتم عن الإسلام أو عن القتال وتنفيذ أحكامه، أن تعودوا إلى ما كنتم عليه في الجاهلية، فتسفكوا الدماء، وتفسدوا في الأرض بالبغي والظلم، والنهب والسلب وسائر المعاصي، وتقطّعوا أرحامكم بالقتل والعقوق ووأد البنات وارتكاب سائر مفاسد الجاهلية، وبعبارة أخرى: فهل عسى أن تفعلوا إن توليتم غير أن تفسدوا في الأرض، وتقطّعوا أرحامكم؟
ثم صب الله عليهم اللعنة، فقال: أولئك الظالمون، وسفاكو الدماء بغير حق:
هم الذين أبعدهم الله من رحمته، وطردهم عنها، فأصمهم في الدنيا عن استماع الحق، وأعمى أبصارهم عن رؤية الحق «1» ، وعن النظر في أدلة الكون الدالة على عدالة نظام الله تعالى، وشرعه في عباده، من تحريم الدماء والأموال بغير حق، وهذا نهي عن الإفساد في الأرض عموما، وعن قطع الأرحام خصوصا، ويتضمن الأمر بالإصلاح في الأرض، وصلة الأرحام، وهو الإحسان إلى الأقارب.
أخرج البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: وخلق الله تعالى الخلق، فلما فرغ منه، قامت الرحم، فأخذت بحقوي «2» الرحمن عز وجل، فقال: مه، فقالت: هذا مقام العائذ بك من القطيعة، فقال تعالى: ألا ترضين أن أصل من وصلك، وأقطع من قطعك؟ قالت: بلى، قال: فذاك لك»
قال أبو هريرة
(1) هذا استعارة، لعدم فهمهم، فكأنهم عمي وصمّ.
(2)
الحقو: الإزار أو الخصر، والمراد هنا: أنه مجاز عن شدة التعلق واللجوء إلى الله والاستعانة به.