الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
على رسلهم، أو إلى صحف أعمالهم، وفي يوم القيامة: يجزيكم الله بما عملتم في الدنيا من خير وشر، تجازون فيها، من غير زيادة ولا نقص.
وهذه صحف الأعمال التي أمر الله الملائكة الحفظة بكتابتها، تشهد عليكم، وتذكر جميع أعمالكم، من غير زيادة ولا نقص، إن الله كان يأمر الحفظة أن تكتب أعمال الناس عليهم، وتثبّتها وتحفظها عليهم، ثم تصعد بها إلى السماء، فيقابلون الملائكة الذين هم في ديوان الأعمال على ما بأيدي الكتبة، أي إن الله عن طريق ملائكة يقيد كل ما عمل الناس، ويحدث تطابق ومراجعة بين ما دوّنته الحفظة، من اللوح المحفوظ، وبين ما يفعله العباد، ثم يمسكونه عندهم، فتأتي أفعال العباد على نحو ذلك، وهذا هو الاستنساخ المذكور في الآية (29) .
أحوال المؤمنين والكافرين في الآخرة
أخبر القرآن الكريم عن أحوال المؤمنين وجزائهم الحسن، وأحوال الكافرين وسوء عقابهم، للمقارنة أو الموازنة بين مصير الفريقين، فإن الأشياء تتبين بأضدادها، فيبين الأمر في نفس السامع، ومن أسباب عقاب الكفار: إنكار القيامة، واستبعادهم لها، وتوهم وجودها من غير تحقق ولا تيقن، واستهزاؤهم بها، واغترارهم بالدنيا، وترك استعدادهم للآخرة، بالإيمان والعمل الصالح، مع أن الله تعالى مالك الدنيا والآخرة، لأنه يملك السماوات والأرض وما بينهما، وهو رب العالمين جميعا، وهو صاحب العزة والكبرياء، فلا يغالبه أحد، هذا ما وصف القرآن لنا:
[سورة الجاثية (45) : الآيات 30 الى 37]
فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَيُدْخِلُهُمْ رَبُّهُمْ فِي رَحْمَتِهِ ذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْمُبِينُ (30) وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا أَفَلَمْ تَكُنْ آياتِي تُتْلى عَلَيْكُمْ فَاسْتَكْبَرْتُمْ وَكُنْتُمْ قَوْماً مُجْرِمِينَ (31) وَإِذا قِيلَ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَالسَّاعَةُ لا رَيْبَ فِيها قُلْتُمْ ما نَدْرِي مَا السَّاعَةُ إِنْ نَظُنُّ إِلَاّ ظَنًّا وَما نَحْنُ بِمُسْتَيْقِنِينَ (32) وَبَدا لَهُمْ سَيِّئاتُ ما عَمِلُوا وَحاقَ بِهِمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ (33) وَقِيلَ الْيَوْمَ نَنْساكُمْ كَما نَسِيتُمْ لِقاءَ يَوْمِكُمْ هذا وَمَأْواكُمُ النَّارُ وَما لَكُمْ مِنْ ناصِرِينَ (34)
ذلِكُمْ بِأَنَّكُمُ اتَّخَذْتُمْ آياتِ اللَّهِ هُزُواً وَغَرَّتْكُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا فَالْيَوْمَ لا يُخْرَجُونَ مِنْها وَلا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ (35) فَلِلَّهِ الْحَمْدُ رَبِّ السَّماواتِ وَرَبِّ الْأَرْضِ رَبِّ الْعالَمِينَ (36) وَلَهُ الْكِبْرِياءُ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (37)
«1»
(1) الفوز: نيل البغية.
«1» «2» «3» [الجاثية: 45/ 30- 37] .
ذكر الله تعالى حال الفريقين من المؤمنين والكافرين، ليتبين الأمر للمخاطب في نفسه، ويعتبر من المقارنة بين الحالين، من طريق المقابلة وذكر الأضداد. فأما الذين صدقوا بالله وكتبه ورسله واليوم الآخر، وعملوا صالح الأعمال، بأداء الفرائض أو التكاليف، فيدخلهم ربهم الجنة، وذلك الإدخال محقق لنيل البغية والظفر بالمطلوب.
وأما الذين أنكروا وحدانية الله والبعث، فيقال لهم على سبيل التوبيخ: ألم تكن آياتي الكونية والقرآنية تتلى على مسامعكم، فاستكبرتم وأبيتم الإيمان بها، وكنتم قوما مجرمين في أفعالكم، بارتكاب الآثام والمعاصي.
وإذا قيل لهؤلاء الكفار: إن وعد الله بالبعث والحساب حق ثابت، والقيامة حتمية لا شك في وقوعها، فآمنوا بذلك، أجبتم: لا نعرف ما القيامة؟ إن نتوهم بوقوعها إلا توهما ضعيفا، ولسنا بمتحققين أن القيامة آتية، أي إن نظن بعد قبول خبركم إلا ظنا ضعيفا، ولا يعطينا يقينا.
وظهر لهم حال يوم القيامة وقبائح أعمالهم، وأحاط ونزل بهم جزاء أعمالهم
(1) أي لا شك في نفسه وذاته.
(2)
أحاط بهم ونزل.
(3)
لا يطلب منهم العتبى بإرضاء ربهم بالتوبة والطاعة، لفوات الأوان.
بدخولهم النار، وعوقبوا بما هزئوا به في دار الدنيا: وهو العذاب والنكال. وقوله:
ما كانُوا على حذف مضاف، تقديره: جزاء ما كانوا، أي عقاب كونهم يستهزئون.
والنجاة ميئوس منها،. فيقال لهم: اليوم نعاملكم معاملة الناسي لكم، فنترككم في العذاب، كما تركتم العمل لهذا اليوم، وتجاهلتم ما نزل في القرآن، ومستقركم الذي تأوون إليه هو النار، وليس لكم من أنصار، ينصرونكم ويمنعون عنكم العذاب، وبعبارة أخرى: نترككم كما تركتم لقاء يومكم هنا، فلم تستعدوا ولم تتأهبوا له، فسميت العقوبة في هذه الآية باسم الذنب.
والمأوى: الموضع الذي يسكنه الإنسان، ويكون فيه عامة أوقاته.
وأسباب هذا العقاب: أنكم اتخذتم القرآن هزوا ولعبا، وخدعتكم الدنيا بزخارفها وزينتها، فاطمأننتم إليها، فاليوم لا يخرجون من النار، ولا يطلب منهم العتبى، بالرجوع إلى طاعة الله، واسترضائه، لأنه يوم لا تقبل فيه التوبة، ولا تنفع فيه المعذرة، لفوات الأوان، والله وحده هو القادر على البعث، فله الحمد الخالص على النعم الكثيرة لله خالق السماوات والأرض ومالكهما، ومالك ما فيهما من إنس وجن وحيوان، وأجسام وأرواح، وذوات وصفات.
ولله العظمة والجلال في أرجاء السماوات والأرض، وهو سبحانه القوي الغالب القاهر في سلطانه، فلا يغالبه أحد، الحكيم في أقواله وأفعاله. وهذا تحميد لله تعالى، وتحقيق لألوهيته، وإبطال لألوهية الأصنام، جاء في الحديث الثابت الذي
أخرجه أحمد ومسلم وأبو داود وابن ماجه عن أبي هريرة وأبي سعيد الخدري، عن النبي صلى الله عليه وسلم:«يقول الله تعالى: العظمة إزاري والكبرياء ردائي، فمن نازعني واحدا منهما، أسكنته ناري»
وفي لفظ (قصمته) .
الله تعالى هو الجدير بالعبادة، لأنه شامل الملك في السماوات والأرض، وكامل الذات والوجود والأوصاف، والمتنزه عن كل نقص، وله وحده الكبرياء والعظمة، الظاهر آثارهما في السموات والأرض، العزيز الذي لا يغلب، القادر الذي لا يعجز، الحكيم في كل ما قضى وقدر، فاحمدوه وحده أيها العباد، واعبدوه ولا تشركوا به شيئا، وأطيعوا كل ما أمر. هذه خاتمة سورة الجاثية وهي خاتمة رائعة، والقرآن كله ينطق بالحق والعدل.