الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وصاع «1» من تمر أو شعير كالفطرة، ومدّ وثلثان من القمح إن اقتاتوه عند المالكية، ومدّ من قمح أو نصف صاع من تمر أو شعير عند الشافعية والحنابلة. والطعام: هو غالب قوت البلد. ومن العلماء من يرى إطعام مدّ بمدّ النّبي صلى الله عليه وسلم.
ذلك الترخيص والتسهيل من النقل من تحرير رقبة إلى الصوم والإطعام، وتشريع الكفارة بسبب الظّهار، لتصدقوا بشرع الله وأمره، وتلك حدود الله، فالتزموها وقفوا عندها، وللكافرين المتجاوزين حدود الشرع عذاب مؤلم شديد على كفرهم، وهو نار جهنم، وعذاب في الدنيا، وهذا وعيد وتهديد.
وعيد المعادين لله ورسوله
امتدح الله تعالى بعد آيات الظّهار المؤمنين الواقفين عند حدود الله، ثم أتبعه بوعيد المعادين لأمر الله ورسوله بالإهانة في الدنيا، والعذاب الشديد في الآخرة، إذ لا تخفى على الله خافية منهم، أو حال من أحوالهم في السّر والعلن، وسوف ينبئهم الله بأفعالهم يوم القيامة والحساب، ويجازيهم على ما قدّموا من أعمال. فنزلت هذه الآيات في شأنهم، وهم المنافقون وقوم من اليهود كانوا في المدينة يحتكّون بالنّبي صلى الله عليه وسلم، وينتظرون به وبالمؤمنين الشّر، ويدبّرون المؤامرات، ويتمنون فيهم المكروه، ويتناجون بذلك، نزلت هذه الآيات بهم إلى آخر النجوى:
[سورة المجادلة (58) : الآيات 5 الى 7]
إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ كُبِتُوا كَما كُبِتَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَقَدْ أَنْزَلْنا آياتٍ بَيِّناتٍ وَلِلْكافِرِينَ عَذابٌ مُهِينٌ (5) يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُهُمْ بِما عَمِلُوا أَحْصاهُ اللَّهُ وَنَسُوهُ وَاللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (6) أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ ما يَكُونُ مِنْ نَجْوى ثَلاثَةٍ إِلَاّ هُوَ رابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إِلَاّ هُوَ سادِسُهُمْ وَلا أَدْنى مِنْ ذلِكَ وَلا أَكْثَرَ إِلَاّ هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ ما كانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِما عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (7)
«2» «3» «4» «5» «6»
(1) المدّ: 675 غم، والصّاع: 2751 غم.
(2)
أي يعادون ويشاقون.
(3)
أهينوا وذلّوا.
(4)
أدلة وعلامات واضحات تدلّ على صدق النّبي صلى الله عليه وسلم.
(5)
ذو إهانة وإذلال.
(6)
مطّلع لا يغيب عنه شيء.
«1» [المجادلة: 58/ 5- 7] .
إن الذين يعادون، ويخالفون أوامر الله والرسول، ويعاندون الأحكام والشرع، أذلّوا وأهينوا، كما أذلّ المنافقون السابقون من قبلهم من كفار الأمم الغابرة، بسبب معاداة شرع الله تعالى، وفي ذلك تبشير بنصر المؤمنين على من عاداهم، ووعيد لكل من يهجر شريعة الله، وقد أنزلنا في هذا القرآن للناس آيات واضحات، دالّة على صدق الرسول صلى الله عليه وسلم، لا يخالفها إلا كل كافر معاند، وللجاحدين بتلك الآيات، المستكبرين عن اتّباع شرع الله والانقياد له: عذاب يهين صاحبه ويذلّه، بسبب كفره واستكباره، وذلك العذاب هزيمة وهوان في الدنيا، ونار جهنم في الآخرة.
والمحادّة: أن يكون كل واحد من المتعاديين في حد أو جهة، والآخر في حدّ أو جهة مغايرة أو مخالفة. وكبت الرجل: إذا بقي حزنان يبصر ما يكره، ولا يقدر على دفعه.
اذكر أيها الرسول ذلك اليوم الذي يأتي فيه العذاب، وهو يوم القيامة، تعظيما له، وأخبر بأن لهم عذابا مهينا يوم يحشرهم الله جميعا من الأولين والآخرين في يوم الحساب، مجتمعين في حال واحدة، فيخبرهم بأعمالهم التي عملوها في الدنيا، لإقامة الحجة عليهم، فقد حفظ الله وضبط كل ما صنعوا من خير أو شرّ، والله سبحانه مطّلع على كل شيء، ولا يخفى عليه شيء. وهذا وعيد وإنذار.
ألم تعلم أيها النّبي وكل مخاطب أن علم الله واسع شامل، محيط بكل شيء في
(1) تناجي أو مسارّة. [.....]
الأرض والسماء، بحيث لا يخفى عليه شيء مما فيهما، فما يوجد من تناجي أو تسارر ثلاثة أشخاص إلا كان الله رابعهم، مطّلع عليهم، يسمع كلامهم وسرّهم ونجواهم، ولا خمسة أفراد إلا كان الله سادسهم بالعلم والقدرة والإحاطة، ولا أكثر من هذا العدد مهما بلغ ولو ملايين إلا كان الله معهم، عليم بهم وبأقوالهم وأسرارهم، في أي مكان وأي زمان، ثم يخبرهم الله بكل ما عملوا يوم القيامة، إن الله واسع العلم بكل شيء، وسع علمه وسمعه وبصره السماوات والأرض وما بينهما.
وكلمة نَجْوى إما أن يكون المراد به جمعا من الناس، أي أولو نجوى، ويكون قوله تعالى بعدها: ثَلاثَةٍ على هذا بدلا من نَجْوى أو صفة، أو يكون (النجوى) مصدرا محضا وهو التناجي، فيقدر قبل (أدنى) فعل، تقديره: ولا يكون أدنى.
والسبب في ذكر الثلاثة والخمسة وإهمال ذكر الإثنين والأربعة: هو إما تصوير الحالة الواقعية التي نزلت الآية بسببها، فإنها نزلت في قوم منافقين، اجتمعوا على التّناجي مغايظة للمؤمنين، وكانوا على هذين العددين. وإما أن طبيعة المشاورة تتطلب وجود عدد وتر، فيكون الاثنان أو الأربعة وغيرهما من الأرقام الزوجية يمثلان التنازع، والثالث والخامس كالمتوسط الحكم بينهم، فذكر سبحانه الثلاثة والخمسة تنبيها على الأفراد والمجموعات الباقية.
وقد أجمع المفسّرون على أن المراد بهذه الآية معية علمه تعالى ولا شك في إرادة ذلك.
وقد جمعت هذه الآية بين جميع وسائل العلم، فإنه مع علم الله تعالى وسمعه وبصره بكل شيء هو سبحانه وتعالى مطّلع على جميع أمور خلقه، ومحيط علمه بكل كائن صغير أو كبير، كما جاء في ختام الآية: ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِما عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيامَةِ إِنَّ اللَّهَ