الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الكافرين في الآخرة يتمنون الرجوع إلى الدنيا، فيحتقر شأنهم، ولا يبالي بهم أحد من المؤمنين، ويقفون أمام النار ذليلين خائفين، ويلمسون الخسارة المحققة في الأنفس والأهل، ولا أمل لهم في النجاة، فلا يجدون أنصارا يخلصونهم من العذاب، ومن أضله الله بسبب ما اكتسب واختار من الإثم، فلا سبيل لنجاته. وهذه آيات كريمة تصور لنا هذا الموقف المخزي:
[سورة الشورى (42) : الآيات 44 الى 46]
وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَما لَهُ مِنْ وَلِيٍّ مِنْ بَعْدِهِ وَتَرَى الظَّالِمِينَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذابَ يَقُولُونَ هَلْ إِلى مَرَدٍّ مِنْ سَبِيلٍ (44) وَتَراهُمْ يُعْرَضُونَ عَلَيْها خاشِعِينَ مِنَ الذُّلِّ يَنْظُرُونَ مِنْ طَرْفٍ خَفِيٍّ وَقالَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ الْخاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ أَلا إِنَّ الظَّالِمِينَ فِي عَذابٍ مُقِيمٍ (45) وَما كانَ لَهُمْ مِنْ أَوْلِياءَ يَنْصُرُونَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَما لَهُ مِنْ سَبِيلٍ (46)
[الشورى: 42/ 44- 46] .
هذا تبيان حال الكفرة الذين اختاروا الكفر على الإيمان ومالوا إليه، فأضلهم الله تعالى، وتركهم يتيهون في وهاد الضلال، لفقد استعدادهم للإيمان، ومن يضله الله، فما له من أحد يتولى هدايته ونصره، أو إنقاذه إلى طريق الهدى والرشاد. وقوله تعالى:
وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ بيان أنه لا يقع شيء في الكون، من الهدى والضلال وغيرهما إلا بإرادة الله ومشيئته، حتى لا يوصف بالعجز. وليس في هذا القول إجبار على الضلال، وإنما بيان من علم الله أنه يختار الضلال، فيزيده الله ضلالا.
وأحوال هؤلاء الضالين الظالمين في الآخرة معقدة وشائكة وأهمها ستة:
- ترى: الرؤية هنا رؤية عين، أي تبصر أيها الإنسان المشركين الكافرين بالله، المكذبين بالبعث، حين نظروا إلى النار، وعاينوا العذاب، يتمنون الرجوع إلى الدنيا، من أي طريق. وهذه المقالة المعبرة عن بحثهم عن سبيل النجاة: تدل على سوء ما اطلعوا عليه. والمردّ: موضع الرد إلى الدنيا، قاصدين بذلك استدراك العمل والإيمان.
- وتبصرهم أيضا يعرضون على النار، وهم خائفون أذلاء، يسارقون النظر إليها من شدة الخوف، فقوله تعالى: مِنْ طَرْفٍ خَفِيٍّ أي قليل، والطرف هنا مصدر، أي يطرف طرفا خفيا.
- وقال أهل الإيمان يوم القيامة حين رأوا الكافرين على هذه الحال: إن أهل الخسارة الكبرى: هم الذين خسروا أنفسهم وأهليهم، بدخول النار، والخلود فيها، خسروا أنفسهم بصيرورتهم معذبين في النار، وخسروا أهليهم لأنهم تسببوا في تعذيبهم.
- ألا إن الكافرين في عذاب دائم لا ينتهي، ولا يخرجون منه. وهذا إما من قول المؤمنين، حكاه الله تعالى، أو استئناف من قول الله تعالى، وإخبار لمحمد صلى الله عليه وسلم بما يؤول إليه مصير الضالين المكذبين.
- وليس للظالمين أعوان وأنصار من غير الله، ينقذونهم مما هم فيه من العذاب.
ثم أكد الله تعالى اليأس من نجاتهم بقوله: وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَما لَهُ مِنْ سَبِيلٍ والمعنى: ليس للكافرين أعوان وأنصار من غير الله، ينقذونهم مما هم فيه من العذاب، وهذا إنحاء على الأصنام والأوثان التي أظهر الكفار ولايتها، واعتقدوا ذلك دينا، والمراد: فما لهم يوالون هذه التي لا تضر ولا تنفع، ولكن من يضلل الله فماله من سبيل هدى ونجاة، أي من يحجب الله عنه توفيقه إلى الإيمان، بسبب علم الله السابق بما سيختاره ويقترفه من الآثام، فلا طريق له إلى النجاة والجنة. ولا غرابة في وقوع تلك الظواهر، لأنهم قوم ضالون منحرفون عن سبيل الإيمان والحق.
هذا وصف دقيق لسوء أحوال الظالمين الكافرين الذين اختاروا الشرك والوثنية:
قلق وحيرة، وحسرة وندامة، والتماس طريق النجاة باقتراح العودة إلى الدنيا، ويتملكهم الخوف والذعر الشديد، ويلحقهم الذل والهوان والتحقير، ويبحثون عن