الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تفسير سورة الأحزاب
أحكام إسلامية صرفة
الشريعة الإسلامية في أحكامها الفرعية مستقلة عن الشرائع الأخرى، سواء كانت وضعية أو سماوية، لأنها شريعة خاتمة، تقرر أحكاما عامة ودائمة، لا تتغير ولا تتبدل، وتتميز بعلاجها لمشكلات وقضايا تعايش معها المجتمع العربي الجاهلي، ولكنها ليست صالحة للاستمرار، على خلاف بعض العادات النافعة، مثل التعاون في تحمل دية القتل الخطأ، والاعتدال في الحياة، كالسخاء والشجاعة، وولاية الولي على القاصر والولاية على المرأة في عقد زواجها، أما الذي لم يرتضه الإسلام فمثل العصيان، والنفاق، والظهار، والتبني، وادعاء تعدد القلب لدى الإنسان، وهذا ما أوضحته سورة الأحزاب في مطلعها حيث قال الله تعالى:
[سورة الأحزاب (33) : الآيات 1 الى 5]
بسم الله الرحمن الرحيم
يا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ وَلا تُطِعِ الْكافِرِينَ وَالْمُنافِقِينَ إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلِيماً حَكِيماً (1) وَاتَّبِعْ ما يُوحى إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ إِنَّ اللَّهَ كانَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً (2) وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفى بِاللَّهِ وَكِيلاً (3) ما جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ وَما جَعَلَ أَزْواجَكُمُ اللَاّئِي تُظاهِرُونَ مِنْهُنَّ أُمَّهاتِكُمْ وَما جَعَلَ أَدْعِياءَكُمْ أَبْناءَكُمْ ذلِكُمْ قَوْلُكُمْ بِأَفْواهِكُمْ وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ (4)
ادْعُوهُمْ لِآبائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آباءَهُمْ فَإِخْوانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوالِيكُمْ وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ فِيما أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلكِنْ ما تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً (5)
«1»
(1) أدعياء جمع دعي: وهو من يدعي لغير أبيه على أنه ابنه، وهو في الواقع ابن غيره.
«1» [الأحزاب: 33/ 1- 5] .
ما أروع مطلع هذه الآية وتأثيرها العميق والبعيد في تربية القيادة الإسلامية والإصرار على المبدأ، والثبات على العقيدة.
وسبب نزولها: ما
أخرجه ابن جرير الطبري عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: إن أهل مكة، ومنهم الوليد بن المغيرة، وشيبة بن ربيعة دعوا النبي صلى الله عليه وسلم أن يرجع عن قوله، على أن يعطوه شطر أموالهم، وخوّفه المنافقون واليهود في المدينة إن لم يرجع قتلوه، فنزلت الآيات.
أمر الله النبي صلى الله عليه وسلم بالتقوى: ومعناه المداومة على التقوى، ومتى أمر أحد بشيء هو به قائم، فمعناه المداومة، وحذره تعالى من طاعة الكافرين، والمنافقين وهم المظهرون للإيمان، وهم لا يبطنونه. والمعنى: يا أيها النبي اتق الله، أي دوام على التقوى بإطاعة أوامر الله، واجتناب محارمه، ولا تطع أهل الكفر والنفاق في شيء، واحذرهم، إن الله كان وما يزال تام العلم بعواقب الأمور، حكيما في أقواله وأفعاله، فهو أحق باتباع أوامره وطاعته.
واتبع الوحي المنزل إليك من ربك، فإن الله لا تخفى عليه خافية، يعلم السر وأخفى، والظاهر والباطن، ثم يجازيكم على أعمالكم. وفوض جميع أمورك وأحوالك إلى الله تعالى، وكفى بالله وكيلا لمن توكل عليه وأناب إليه، فذلك كاف مقنع، والوكيل: القائم بالأمر، المغني فيه عن كل شيء.
وللإنسان قلب واحد، ولم يخلق الله فيه قلبين، ولا يجتمع في القلب الواحد
(1) أي أنصاركم وبنو عمومتكم.
الخوف من الله والخوف من غيره، فإذا كان الإنسان مؤمنا بالله ورسوله فلن يكون كافرا أو منافقا، والمعنى: لا يجتمع في قلب واحد اعتقادان، أو اتجاهان متضادان، يأمر أحدهما بشيء والآخر بضده.
ولم يجعل الله الزوجات المظاهر منهن كالأمهات في الحرمة، بأن يشبه الرجل امرأته بإحدى محارمه، كأن يقول: أنت علي كظهر أمي، فذلك منكر من القول وزور. ولم يجعل الله أيضا الأدعياء المدعى بنوتهم بالتبني أبناء في الحقيقة، فالولد منسوب لأبيه الحقيقي، لا لمن يدعيه ابنا له، والتبني حرام، لمنافاته الحق والعدل، وهذه الآية لإبطال التبني.
إن المذكور كله في الآية من الأمور الثلاثة: ادعاء القلبين، واجتماع الزوجية مع الظهار، والتبني مع النسب: هو مجرد قول باللسان، لا يغير من الحقيقة، فلا يكون هناك قلبان لأحد، ولا تصبح الزوجة بالظهار أما، ولا يصبح الولد المتبنى ابنا في الحقيقة، والله تعالى هو الذي يقرر الحق الثابت والصدق والعدل والواقع، ويرشد إلى السبيل الأقوم الصحيح.
وعليكم أن تنسبوا الأولاد الذين تبنيتموهم إلى آبائهم الحقيقيين، فذلك أعدل في حكم الله وشرعه، وأصوب من نسبة الابن لغير أبيه، فإن جهلتم آباء الأدعياء، فهم إخوة في الدين وأنصار لكم وبنو عمومتكم، ولا إثم عليكم بنسبة بعض الأولاد لغير آبائهم خطأ، أي نسيانا في الماضي قبل النهي، وإنما الإثم يحصل بتعمد نسبة الابن لغير أبيه، وهو يدري أنه ابن غيره، وكان الله واسع المغفرة، شامل الرحمة لمن تاب وأناب، أي لما مضى من فعلهم في ذلك، والمغفرة والرحمة صفتان مطّردتان في كل شيء. والخطأ في الآية: بمعنى النسيان، وليس مقابل العمد.