الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ
وفي هذا إعلام لمن يتناجون بالسوء والمكر، على سبيل التوبيخ لهم والتبكيت وإلزام الحجة.
قال الإمام أحمد: افتتح الله الآية بالعلم، واختتمها بالعلم. ومن المعلوم أن العالم بالأسرار والقدير على اتخاذ القرار يفعل ما يشاء بالناس، مما يقتضي الحذر والالتزام بمرضاة العالم.
آداب المناجاة
تابع الله تعالى في كلامه عن النّجوى أو المسارّة بين الأفراد بيان حال الذين نهوا عن النّجوى وهم اليهود والمنافقون، ثم عودتهم إلى المنهي عنه، وتحيتهم بالسوء للنبي صلى الله عليه وسلم قائلين له: السّام عليك، أي الموت، مما أوجب تهديدهم بدخول جهنم.
وناسب ذلك التعريف بآداب المناجاة الاجتماعية، من الامتناع عن التناجي بالإثم والعدوان، والإلزام بالتناجي بالبر والتقوى، أي بالخير، وفعل كل ما يقي الإنسان عذاب النار، من فعل الطاعات وترك المعاصي والمنكرات، فقال الله تعالى:
[سورة المجادلة (58) : الآيات 8 الى 10]
أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نُهُوا عَنِ النَّجْوى ثُمَّ يَعُودُونَ لِما نُهُوا عَنْهُ وَيَتَناجَوْنَ بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ وَمَعْصِيَةِ الرَّسُولِ وَإِذا جاؤُكَ حَيَّوْكَ بِما لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ اللَّهُ وَيَقُولُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ لَوْلا يُعَذِّبُنَا اللَّهُ بِما نَقُولُ حَسْبُهُمْ جَهَنَّمُ يَصْلَوْنَها فَبِئْسَ الْمَصِيرُ (8) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا تَناجَيْتُمْ فَلا تَتَناجَوْا بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ وَمَعْصِيَةِ الرَّسُولِ وَتَناجَوْا بِالْبِرِّ وَالتَّقْوى وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (9) إِنَّمَا النَّجْوى مِنَ الشَّيْطانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيْسَ بِضارِّهِمْ شَيْئاً إِلَاّ بِإِذْنِ اللَّهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (10)
«1» «2» «3» «4» «5» [المجادلة: 58/ 8- 10] .
(1) الإثم: بالمعصية، والعدوان: الاعتداء على الآخرين.
(2)
خاطبوك بالتحية، وهي الدعاء له بالحياة، ومنه التحيات لله: البقاء.
(3)
كافيهم عذاب جهنم.
(4)
يدخلونها ويصطلون بحرّها.
(5)
تجمعون للجزاء.
الآية الأولى نزلت في قوم من اليهود، نهاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم عن التّناجي بحضرة المؤمنين، وإظهار ما فيه ريبة من ذلك، فلم ينتهوا، فنزلت هذه الآية.
أخرج ابن أبي حاتم عن مقاتل بن حيّان قال: كان بين النّبي صلى الله عليه وسلم وبين اليهود موادعة، فكانوا إذا مرّ بهم رجل من الصحابة، جلسوا يتناجون بينهم، حتى يظنّ المؤمن أنهم يتناجون بقتله، أو بما يكرهه، فنهاهم النبي صلى الله عليه وسلم عن النجوى، فلم ينتهوا، فأنزل الله: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نُهُوا عَنِ النَّجْوى الآية.
وقال ابن عباس: نزلت في اليهود والمنافقين.
والمعنى: ألم تعلم وتنظر إلى الذين نهيتهم عن التّناجي والمسارّة بالسوء، ثم عودتهم إلى ما نهيتهم عنه، وهم اليهود والمنافقون، كما ذكر في سبب النزول. ويتسارّون فيما بينهم بما هو معصية وذنب كالكذب، واعتداء وظلم للآخرين، وعدوان على المؤمنين، وتواص بمخالفة النبي صلى الله عليه وسلم.
وإذا أتى إليك بعض اليهود حيّوك بتحية سوء، لم يحيّك بها الله مطلقا، فيقولون:
السّام عليكم يا محمد، والسّام: الموت، يريدون بذلك السّلام في الظاهر، وإنما يعنون الموت في الباطن،
فيجيبهم النّبي صلى الله عليه وسلم بقوله: وعليكم، فسمعتهم عائشة رضي الله عنها يوما، فيما رواه البخاري ومسلم وغيرهما، فقالت: بل عليكم السّام واللعنة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: مهلا يا عائشة، إن الله يكره الفحش والتّفحش، قالت: أما سمعت ما قالوا؟ قال: أما سمعت ما قلت لهم؟ إني قلت: وعليكم.
ثم كشف الله تعالى خبث طويتهم والحجة التي إليها يستريحون، وذلك أنهم كانوا يقولون، أي المنافقون وبعض اليهود الذين تخلّقوا بخلقهم،: نحن الآن نلقى محمدا بهذه الأمور التي تسوؤه ولا يصيبنان سوء، ولا يعاقبنا الله تعالى بذلك، ولو كان نبيّا لهلكنا بهذه الأقوال، وجهلوا أن أمرهم مؤخر إلى عذاب جهنم، فأخبر الله تعالى بذلك، وأنها كافيتهم، أي إنهم قالوا ذلك المقال، فجاوبهم الله: بأن جهنم تكفيهم، يدخلونها، فبئس المرجع والمآل: وهو جهنم.