الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
افترائهم هو كثرة الذنوب والخطايا التي حجبت قلوبهم عن الإيمان بالقرآن، والتي غطّاها الله، ومنع عنها نفاذ الحق والخير والنور إليها، فأعماها عن رؤية الحقيقة. ثم إنهم في الواقع محجوبون عن ربهم يوم القيامة، لا ينظرون إليه كما ينظر المؤمنون.
ويقال لهم على جهة التقريع والتوبيخ من زبانية جهنم: هذا هو العذاب الذي كنتم تكذبون به في الدنيا، فانظروه وذو قوه.
ديوان الخير وأهله
في سورة المطففين إخبار عن سجل أو سجّين أو ديوان الشر للكفار والفجار، وعن ديوان الخير للأبرار، وكل ديوان مليء بأعمال أهله، أما ديوان الشر فدليل على عذاب صاحبه وهو في سجل ضخم، فيه سوءات الفجار، وأما ديوان الخير فيدل على نجاة أهله، وهو في سجل ضخم، فيه عمل الأبرار والصالحين من الثقلين، وأصحابه في نعيم، مترع بألوان النعم المادية والمعنوية، ويقتص أهل البر المؤمنون في الآخرة باستهزائهم من الكفار الذين كانوا يستهزئون منهم في عالم الدنيا، وذلك صريح في الآيات الآتية:
[سورة المطففين (83) : الآيات 18 الى 36]
كَلَاّ إِنَّ كِتابَ الْأَبْرارِ لَفِي عِلِّيِّينَ (18) وَما أَدْراكَ ما عِلِّيُّونَ (19) كِتابٌ مَرْقُومٌ (20) يَشْهَدُهُ الْمُقَرَّبُونَ (21) إِنَّ الْأَبْرارَ لَفِي نَعِيمٍ (22)
عَلَى الْأَرائِكِ يَنْظُرُونَ (23) تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ (24) يُسْقَوْنَ مِنْ رَحِيقٍ مَخْتُومٍ (25) خِتامُهُ مِسْكٌ وَفِي ذلِكَ فَلْيَتَنافَسِ الْمُتَنافِسُونَ (26) وَمِزاجُهُ مِنْ تَسْنِيمٍ (27)
عَيْناً يَشْرَبُ بِهَا الْمُقَرَّبُونَ (28) إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كانُوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ (29) وَإِذا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغامَزُونَ (30) وَإِذَا انْقَلَبُوا إِلى أَهْلِهِمُ انْقَلَبُوا فَكِهِينَ (31) وَإِذا رَأَوْهُمْ قالُوا إِنَّ هؤُلاءِ لَضالُّونَ (32)
وَما أُرْسِلُوا عَلَيْهِمْ حافِظِينَ (33) فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آمَنُوا مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ (34) عَلَى الْأَرائِكِ يَنْظُرُونَ (35) هَلْ ثُوِّبَ الْكُفَّارُ ما كانُوا يَفْعَلُونَ (36)
«1» «2» «3» «4» «5» «6» «7» «8»
(1) جمع برّ، وهو ضد الفاجر والأبرار أصحاب اليمين.
(2)
ديوان ضخم لتسجيل عمل الأبرار والصالحين.
(3)
الأسرة المكللة المغطاة بالكلّة.
(4)
بهجة النعيم.
(5)
الرحيق: أجود الخمر غير المسكرة، مختوم أوانيها.
(6)
ما يخلط به. [.....]
(7)
عين عالية.
(8)
هم السابقون كالأنبياء ونحوهم.
«1» «2» «3» «4» «5» [المطففين: 83/ 18- 36] .
ارتدعوا أيها الكفار عن نظرتكم للأبرار، إن كتاب الأبرار وهم المؤمنون المخلصون العاملون المطيعون في ديوان ضخم مخصص لهم، وموجود في مكان عال، وما أعلمك يا محمد أي شيء هو علّيون؟ وهو تعظيم لشأنه، إنه كتاب مسطور، سطرت فيه أسماؤهم وأعمالهم، وهو السجل الكبير، الذي تحضره الملائكة وتحفظه، كما يحفظ اللوح المحفوظ.
- إن أهل الطاعة والإيمان لفي نعيم عظيم يوم القيامة، وفي جنان الخلد على الأسرّة التي في الحجال (جمع حجلة وهي الكلّة) ينظرون إلى ما أعده الله لهم من أنواع النعيم في الجنة، وإلى ما لهم من الكرامات المادية والمعنوية.
إذا رأيتهم عرفت فيهم آثار النعمة والترف، والسرور، في وجوههم، التي تتلألأ بالنور والحسن والبياض.
يسقون من الخمر التي لا غش فيها، ولا يشوبها شيء من الفساد الذي يفسدها، وقد ختم إناؤها بالمسك، فلا يفكّه إلا الأبرار، وآخر طعمه ريح المسك، وفي ذلك فليرغب الراغبون، وليتسابق المتسابقون بالمبادرة إلى طاعة الله، باتباع أوامره، واجتناب نواهيه. ويخلط ذلك الشراب بماء عين تسمى التسنيم ذات مكان عال، وهي التي يشرب منها الأبرار المقربون صرفا، وتمزج لأصحاب اليمين مزجا،
(1) يغمز استهزاء بعضهم بعضا.
(2)
فرحين استهزاء بهم.
(3)
منحرفون عن الطريق السوي.
(4)
لأعمالهم شاهدين عليها.
(5)
جوزوا على عملهم الدنيوي.
والمقربون في هذا الموضع: الملائكة المقرّبون عند الله تعالى، أهل كل سماء، كما قال ابن عباس. وكلمة (عينا) إما منصوب على المدح، أو حال من (تسنيم) أو (يسقون) .
ثم وصف الله تعالى أهل الشرك بصفات أربع، وهم أكابر المشركين كأبي جهل، والوليد بن المغيرة، والعاص بن وائل السهمي، كانوا يضحكون من عمار، وصهيب وبلال وغيرهم من فقراء المسلمين ويستهزئون بهم.
هذه الصفات: هي أنهم أي كفار قريش وأمثالهم كانوا في الدنيا يستهزئون من المؤمنين، ويسخرون منهم. وإذا مرّ الكفار بالمؤمنين تغامزوا عليهم، محتقرين إياهم، يعيرونهم بالإسلام، ويعيبونهم به، ويتخذونهم هزوا. روي- كما تقدم- أن هذه القصة نزلت في صناديد قريش، وضعفة المؤمنين، أو في علي وجماعة معه من المؤمنين مرّوا بجمع من الكفار في مكة، فضحكوا منهم، واستخفّوا بهم عبثا ونقصان عقل، فنزلت الآية في ذلك.
- ومن صفاتهم: أنه إذا رجع الكفار إلى أهلهم في منازلهم من مجالسهم في السوق رجعوا معجبين بما هم فيه، متلذذين به، يتفكهون بما فعلوا بالمؤمنين، وبما قاموا به من طعن فيهم، واستهزاء بهم.
- وإذا رأى المشركون المؤمنين، وصفوهم بالضلال، لكونهم على غير دينهم وعقائدهم الموروثة، ولاتباعهم محمدا، وتمسكهم بما جاء به، وتركهم التنعم الحاضر بسبب طلب ثواب، لا يدرى: لا يدرى: أله وجود أم لا؟ فرد الله تعالى على مواقفهم: بأنه لم يرسل هؤلاء المجرمون من قبل الله، رقباء على المؤمنين، يحفظون عليهم أحوالهم وأعمالهم وأقوالهم، ولا كلفوا بهم، وإنما كلفوا بالنظر في شؤون أنفسهم.
واقتصاصا منهم ومعاملة لهم بالمثل، في يوم القيامة يضحك أو يهزأ المؤمنون من
الكفار حين يرونهم أذلاء مغلوبين، قد نزل بهم ما نزل من العذاب، كما ضحك الكفار منهم في الدنيا، معاملة بالمثل، وبيانا أن الكفار الجاحدين هم في الواقع سفهاء العقول والأحلام، خسروا الدنيا والآخرة.
وينظر المؤمنون إلى أعداء الله، وهم يعذبون في النار، والمؤمنون يتنعمون على الأرائك، وهذا وضع دائم خالد، لا يعادله شيء من المؤقت الفاني.
هل جوزي الكفار على ما كانوا يقابلون به المؤمنين، من الاستهزاء والطعن والتعيير والتنقيص أو لا؟ حقا، لقد جوزي الكفار أتم الجزاء بما كان يقع منهم في الدنيا من الهزء بالمؤمنين والاستخفاف بهم. وهذا تقرير وتوقيف لمحمد صلى الله عليه وسلم وأمته.