الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أعمال البر وإلى ترك المعاصي.
أخرج الإمام أحمد عن عائشة رضي الله عنها، عن النّبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:«أتدرون من السابقون إلى ظلّ الله يوم القيامة؟ قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: الذين إذا أعطوا الحق قبلوه، وإذا سئلوا بذلوه، وحكموا للناس كحكمهم لأنفسهم» .
نعيم السابقين المقرّبين
السابقون السابقون: هم الذين سبقوا في الدنيا إلى أعمال البر وإلى ترك المعاصي، وهم المقرّبون عند الله في أعلى منازل البشر في الآخرة، كما تقدم، وهؤلاء الصفوة المتميزة العليا من أهل الجنة، ومن مختلف الأمم إلى يوم القيامة، يتمتعون بأكمل أنواع النعيم المادي والمعنوي في الآخرة، وقد ذكر الله تعالى ألوان نعيمهم في الآيات الآتية من سورة الواقعة:
[سورة الواقعة (56) : الآيات 13 الى 26]
ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ (13) وَقَلِيلٌ مِنَ الْآخِرِينَ (14) عَلى سُرُرٍ مَوْضُونَةٍ (15) مُتَّكِئِينَ عَلَيْها مُتَقابِلِينَ (16) يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدانٌ مُخَلَّدُونَ (17)
بِأَكْوابٍ وَأَبارِيقَ وَكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ (18) لا يُصَدَّعُونَ عَنْها وَلا يُنْزِفُونَ (19) وَفاكِهَةٍ مِمَّا يَتَخَيَّرُونَ (20) وَلَحْمِ طَيْرٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ (21) وَحُورٌ عِينٌ (22)
كَأَمْثالِ اللُّؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ (23) جَزاءً بِما كانُوا يَعْمَلُونَ (24) لا يَسْمَعُونَ فِيها لَغْواً وَلا تَأْثِيماً (25) إِلَاّ قِيلاً سَلاماً سَلاماً (26)
«1» «2» «3» «4» «5» «6» «7» «8» [الواقعة: 56/ 13- 26] .
السابقون المقرّبون: جماعة كثيرة لا يحصى عددهم، من الأمم، وهم من الأولين
(1) الثّلة: الجماعة والفرقة.
(2)
منسوجة بإحكام.
(3)
غلمان باقون على حالتهم لا يهرمون.
(4)
الأكواب: الآنية التي لا مقبض لها ولا خرطوم، والأباريق: الأواني التي لها مقبض وخراطيم.
والكأس: إناء الخمر فإن خلا من الخمر فهو قدح. والمعين: نهر جار لا ينقطع.
(5)
لا يحصل لهم صداع ولا تذهب عقولهم.
(6)
واسعات الأعين حسانها.
(7)
المستور.
(8)
ما يؤثم.
أكثر من الآخرين الذين عبّر عنهم بالقليل، والأولون: هم في رأي مكي وغيره الأنبياء الذين كانوا في صدر الدنيا أكثر عددا. أو هم في رأي الحسن وغيره السابقون من الأمم، والسابقون من هذه الأمة (أتباع النّبي صلى الله عليه وسلم .
أخرج أحمد وابن المنذر، وابن أبي حاتم بسند فيه من لا يعرف عن أبي هريرة قال: لما نزلت: ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ (13) وَقَلِيلٌ مِنَ الْآخِرِينَ (14) شقّ ذلك على المسلمين، فنزلت: وَثُلَّةٌ مِنَ الْآخِرِينَ (40) .
ولا أرى تعارضا بين هذه الآيات، فهي في السابقين المقرّبين، وآية: ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ (39) وَثُلَّةٌ مِنَ الْآخِرِينَ (40) فهي في أصحاب اليمين.
وروي عن عائشة رضي الله عنها أنها تأوّلت أن الفريقين في أمة كل نبي: هي في الصّدر ثلة، وفي آخر الأمة قليل.
وروى سفيان الثوري عن أبان عن سعيد بن جبير عن ابن عباس عن النّبي صلى الله عليه وسلم: «الثّلّتان جميعا من أمّتي» .
وحال هؤلاء المقرّبين: هم في الجنة متكئون على أسرّة منسوجة بخيوط الذهب، مشبكة بالدّر والياقوت والزّبرجد، في حال التقابل، لا ينظر بعضهم إلى قفا بعض، وهم في حبور وسرور، وصفاء واطمئنان.
- يدور عليهم للخدمة غلمان باقون على صفة واحدة، لا يهرمون ولا يتغيرون، ولا يبعد أن يكونوا كالحور العين مخلوقين في الجنة، للقيام بهذه الخدمة.
- يطوفون على أهل الجنة السابقين بأكواب لا عرى لها ولا خراطيم، وبأباريق لها العرى والخراطيم، وبكؤوس مترعة من خمر الجنة الجارية من الينابيع والعيون، ولا تعصر عصرا كخمر الدنيا، فهي صافية نقية من الكحول المسكر، لا تتصدّع رؤوسهم من شربها، ولا يسكرون منها، فتذهب عقولهم.
- ومعهم ما يختارونه من ثمار الفاكهة، وأنواع لحوم الطيور التي يشتهونها، مما لذّ وطاب، ومن المعلوم أن لحوم الطيور أيسر هضما وأعذب طعما.
- ولهم نساء حوريات بيض، مع شدة سواد العين، وشدة بياضها، واسعات الأعين حسانها، كأنواع اللآلى والدّرر المستورة التي لم تمسها الأيدي صفاء وبهجة، وبياضا ومتعة، وجمالا من أحسن الألوان، يفعل بهم ذلك كله، مجازاة لهم على ما أحسنوا من العمل.
- وفي الجنة لا يسمعون كلاما لاغيا لا معنى له، واللغو: الفاحش من القول، ولا كلاما فيه ما يوقع في الإثم من سبّ أو شتم أو ساقط الكلام. ولكن يسمعون أطيب الكلام، ويتبادلون فيما بينهم التحية وأكرم السّلام، كما في آية أخرى:
تَحِيَّتُهُمْ فِيها سَلامٌ [إبراهيم: 14/ 23] . والمراد أن هذا النعيم ليس مصحوبا بألم، كنعيم الدنيا، وإنما هو خال من الكدر والهمّ، واللغو، والقبح. وحكمة تأخير بيان ذلك عن ذكر الجزاء، مع أنه من النّعم العظيمة: أنه من أتم النّعم، فجعله المولى من باب الزيادة والتمييز، لأنه نعمة اجتماعية تدلّ على نظافة أو طهر الوسط الاجتماعي، بعد تبيان النّعم الشخصية.
وقوله تعالى: جَزاءً بِما كانُوا يَعْمَلُونَ دليل على أن هذه الرّتب والنّعم هي بحسب أعمالهم، لأنه روي أن المنازل والقسم في الجنة هي مقسّمة على قدر الأعمال. وأما دخول الجنة نفسه: فهو برحمة الله تبارك وتعالى وفضله، لا بعمل عامل، كما جاء في حديث صحيح،
أخرجه البخاري ومسلم وابن ماجه والدارمي وأحمد، ولفظ البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لن ينجّي أحدا منكم عمله، قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟ قال: ولا أنا إلا أن يتغمدني الله