الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[سورة الذاريات (51) : الآيات 38 الى 46]
وَفِي مُوسى إِذْ أَرْسَلْناهُ إِلى فِرْعَوْنَ بِسُلْطانٍ مُبِينٍ (38) فَتَوَلَّى بِرُكْنِهِ وَقالَ ساحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ (39) فَأَخَذْناهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْناهُمْ فِي الْيَمِّ وَهُوَ مُلِيمٌ (40) وَفِي عادٍ إِذْ أَرْسَلْنا عَلَيْهِمُ الرِّيحَ الْعَقِيمَ (41) ما تَذَرُ مِنْ شَيْءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ إِلَاّ جَعَلَتْهُ كَالرَّمِيمِ (42)
وَفِي ثَمُودَ إِذْ قِيلَ لَهُمْ تَمَتَّعُوا حَتَّى حِينٍ (43) فَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ وَهُمْ يَنْظُرُونَ (44) فَمَا اسْتَطاعُوا مِنْ قِيامٍ وَما كانُوا مُنْتَصِرِينَ (45) وَقَوْمَ نُوحٍ مِنْ قَبْلُ إِنَّهُمْ كانُوا قَوْماً فاسِقِينَ (46)
«1» «2» «3» «4» «5» «6» «7» «8» «9» [الذاريات: 51/ 38- 46] .
لقد جعلنا في قصة موسى عليه السلام آية وعبرة، حين أرسلناه إلى الطاغية فرعون الجبار بشيرا ونذيرا، بحجة واضحة هي المعجزات كالعصا واليد وغيرهما.
فأعرض استكبارا ونأى أو تولى بجانبه تفاخرا بجنده، وقال محقّرا شأن موسى: هو إما ساحر أو مجنون، فكان جزاؤه: أنّا أخذناه مع جنوده أخذ عزيز مقتدر فألقيناهم في البحر، وفرعون آت بما يلام عليه من الكفر والطغيان وادعاء الربوبية.
وجعلنا أيضا في قصة عاد عظة وعبرة، حين أرسلنا عليهم ريحا صرصرا عاتية، لا خير فيها ولا بركة، لا تلقح شجرا، ولا تحمل مطرا، إنما هي ريح الإهلاك والعذاب، فلا تترك شيئا مرّت عليه من النفوس والأنعام والأموال إلا جعلته كالشيء الهالك البالي.
وجعلنا في قصة ثمود كذلك آية وعظة، حين قلنا لهم: عيشوا متمّتعين في الدنيا إلى وقت الهلاك. فتكبروا عن امتثال أوامر الله تعالى، فنزلت بهم صاعقة نار من السماء أبادتهم. والصاعقة: الصيحة العظيمة، وهي التي تكون معها النار، وذلك أنهم
(1) أي وجعلنا في قصة موسى آية.
(2)
بحجة واضحة.
(3)
أي نأى بجانبه.
(4)
في البحر.
(5)
آت بما يلام عليه.
(6)
التي لا تأتي بخير.
(7)
كالشيء البالي.
(8)
استكبروا عن امتثال أوامره.
(9)
نار من السماء نازلة.
انتظروا العذاب ثلاثة أيام، فجاءهم في صبيحة اليوم الرابع، في غدوة النهار، وهم يعاينون مشاهد الدمار، جزاء لما اقترفوه من كفر ومعاص.
فلم يقدروا على القيام من مصارعهم، والهرب من تلك الصرعة القاضية، بل أصبحوا في دارهم هلكى جاثمين، ولم يكونوا ممتنعين من عذاب الله، ولم يجدوا نصيرا ينصرهم ويدفع عنهم العذاب.
وأهلكنا بالطوفان قوم نوح، من قبل هؤلاء، لتقدم زمنهم على زمن فرعون وعاد وثمود، لأنهم كانوا قوما خارجين عن طاعة الله، متجاوزين حدوده.
هذه هي نهاية قوم عتاة طغاة، ظلموا وبغوا، وكذبوا رسلهم وافتروا، وأصروا على الكفر والضلال، وعاندوا وعارضوا كل هداية من الله تعالى، وليتهم أشفقوا على أنفسهم، واتعظوا بأحداث السابقين قبلهم، ولكنهم لم يفعلوا، والقضية سهلة، والتكليف يسير، لا يحتاجون إلى أكثر من إعلان الإيمان بالله تعالى، وأن يستقيموا على أوامره، ويجتنبوا نواهيه، ويصدقوا برسالات الرسل الكرام الذين لا همّ لهم إلا الإصلاح- إصلاح العقيدة والتصور والعبادة والمعاملة، ولكن قتل الإنسان ما أكفره! إن عبادة الأصنام التي كانت سائدة بين هؤلاء الأقوام، لا تحقق لعابديها نفعا أو خيرا، ولا تمنع عنهم ضررا، أو تحميهم من الشر، وغريب أنهم إن انحدر فيهم الفكر على هذا النحو من الطعن والمساس بكرامتهم، ألم يبق أمامهم حقل التجربة والاختبار؟! وأما توحيد الله تعالى فمصدر كل خير ونفع، والمانع من كل شر وضرر، أفلا يجدر بأصحاب العقول الواعية أن يبادروا إلى الإيمان بوحدانية الله تعالى؟! إن ألوان العذاب في إهلاك الأقوام الوثنيين السابقين، تدل على أن الله تعالى قادر على أن