الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ثم دعوا ربّهم أن يعوّضهم خيرا عما حلّ بهم قائلين: لعل الله ربّنا أن يعطينا بدلا خيرا من جنّتنا، فإنّا متضرّعون متّجهون إليه، راجون العفو والخير منه.
ثم هناك ابتداء مخاطبة للنّبي صلى الله عليه وسلم في أمر قريش في قوله تعالى: كَذلِكَ الْعَذابُ أي مثل ذلك العذاب الذي نزل بالجنّة: العذاب الذي ينزل بقريش بغتة، وهو عذاب كل من خالف أمر الله، وعذاب الآخرة أشد وأعظم من عذاب الدنيا، فلو كان المشركون يعلمون ذلك، لعادوا إلى رشدهم، وبادروا إلى الإيمان برسالة النّبي محمد صلى الله عليه وسلم. وهذا دليل على غفلتهم وجهلهم. قال كثير من المفسّرين: العذاب النازل بقريش المماثل لأمر الجنة: هو الجدب الذي أصابهم سبع سنين، حتى رأوا الدخان، وأكلوا الجراد.
انتفاء المساواة بين الطائعين والعصاة
حذر القرآن الكريم الكافرين من عذاب الدنيا والآخرة، ووعد الله المتقين بجنات النعيم، والجزاء حق وعدل للفريقين، ولا يعقل بل ولا تقرّ العدالة التساوي بين طائع وعاص، ومؤمن ومجرم، وكيف يحكم عاقل بالمساواة بينهما، من غير منطق، ولا كتاب إلهي، ولا وعد من الله تعالى، ولا من الشركاء المزعومين الذين لا وجود لهم، وهذا ما قررته الآيات الآتية:
[سورة القلم (68) : الآيات 34 الى 43]
إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ (34) أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ (35) ما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ (36) أَمْ لَكُمْ كِتابٌ فِيهِ تَدْرُسُونَ (37) إِنَّ لَكُمْ فِيهِ لَما تَخَيَّرُونَ (38)
أَمْ لَكُمْ أَيْمانٌ عَلَيْنا بالِغَةٌ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ إِنَّ لَكُمْ لَما تَحْكُمُونَ (39) سَلْهُمْ أَيُّهُمْ بِذلِكَ زَعِيمٌ (40) أَمْ لَهُمْ شُرَكاءُ فَلْيَأْتُوا بِشُرَكائِهِمْ إِنْ كانُوا صادِقِينَ (41) يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ ساقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلا يَسْتَطِيعُونَ (42) خاشِعَةً أَبْصارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ وَقَدْ كانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ وَهُمْ سالِمُونَ (43)
«1» «2» «3» «4»
(1) كيف نجعل المسلمين كالمجرمين في الدرجة والمنزلة في الجنان؟
(2)
تقرؤون بعناية.
(3)
مغلظة مؤكدة.
(4)
كفيل وضامن.
«1» «2» [القلم: 68/ 34- 43] .
أخبر الله تعالى أن المتقين لهم عند ربّهم جنات النعيم، فروي أنه لما نزلت هذه الآية، قالت قريش: إن كان ثمّ جنات نعيم، فلنا فيها أكبر الحظ، فنزلت آية:
أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ (35) . وهذا على جهة الاطلاع والتوبيخ.
والمعنى: إن لكل من اتّقى الله وأطاعه، في الآخرة، جنات فيها النعيم الخالص الذي لا يزول ولا ينقضي. وحينما زعم المشركون المكّيون أن لهم الأفضلية في الآخرة، لأفضليتهم في الثروة والنفوذ، أو على الأقل المساواة مع المسلمين، أجابهم الله تعالى بقوله: أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ
…
أي كيف يعقل أن نسوّي بين الفريقين في الجزاء، فنجعل من يلتزم الطاعة كمن هو فاجر مجرم لا يبالي بمعصيته؟ كلا، فلا مساواة بين المطيع والعاصي.
ثم نفى الله تعالى وجود أي دليل عقلي أو نقلي على هذا الزعم فيما يلي:
- كيف تظنون ذلك، وكيف تحكمون هذا الحكم الأعوج، كأن قانون الجزاء مفوض إليكم؟ إن أبسط مبادئ العقل وصحة الرأي يمنع مثل هذا الظن أو الحكم، وهذا نفي للدليل العقلي على المساواة.
أم (بل وألف الاستفهام) أي بل ألكم كتاب منزل من السماء تدرسونه وتحفظونه وتتداولونه، يتضمن حكما مؤكدا كما تدّعون؟ ومفاد الحكم التسوية بين المطيع والعاصي، وهل في ذلك الكتاب أن لكم في الآخرة ما تختارون وتشتهون؟ وهذا نفي الدليل النقلي.
(1) يوم يشتد الأمر، وهذا مجاز. [.....]
(2)
تلحقهم ذلّة ومهانة.
- بل ألكم من الله عهد موثق، وأيمان مغلظة مؤكدة، قائمة إلى يوم القيامة، في أن الله تعالى يدخلكم الجنة، ويحقّق لكم رغائبكم كما تريدون وتشتهون؟ وأن لكم إنفاذ الحكم الذي تصدرونه؟ كأنه تعالى يقول: هل أقسمنا لكم قسما فهو عهد لكم بأن ننعّمكم يوم القيامة وما بعده؟
اطلب منهم يا محمد موبّخا ومقرّعا وقل لهم: من المتضمن المتكفل بهذا، أو أيهم كفيل لهم بذلك، بأن لهم في الآخرة ما للمسلمين فيها؟! - بل ألهم شركاء لله بزعمهم كالأصنام والأنداد قادرون على أن يجعلوهم مثل المسلمين في الآخرة؟ فإن كان لهم شركاء، فليأتوا بهم لمناصرتهم، إن كانوا صادقين في دعواهم. وهذا نفي التقليد وإبطال اعتقاد المشركين.
ثم تحدّاهم الله بالإتيان بالشركاء يوم القيامة حيث يشتدّ الأمر، وذلك وقت أن يكشف عن الساق، أي يوم اشتداد الأمر، وعظم الخطب في القيامة، وحين يدعى هؤلاء المشركون وأنصارهم من الكفار والمنافقين، إلى السجود، توبيخا لهم على تركه في الدنيا، فلا يتمكنون من السجود، لأن ظهورهم تيبس، وتصبح شيئا واحدا، فلا تلين للسجود. قال مجاهد في قوله: يَوْمَ يُكْشَفُ هي أول ساعة من القيامة، وهي أفظعها.
وتكون أبصارهم خاشعة ذليلة منكسرة، تعمّهم الذّلة الشديدة، والحسرة والندامة، وقد كانوا في الدنيا مدعوين إلى الصلاة والسجود لله تعالى، فامتنعوا وتمرّدوا، وكانوا سالمين أصحاء، متمكنين من الفعل، ولا يوجد مانع يمنعهم من السجود. قال النخعي والشعبي: المراد بالسجود: الصلوات المفروضة. والواقع أنهم لا يدعون إلى السجود تعبّدا، وإنما توبيخا وتعنيفا على تركهم السجود في الدنيا. وبما أنهم تكبروا عن السجود في الدنيا، مع صحتهم وسلامتهم، عوقبوا بنقيض ما كانوا