الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ولكن ما ينكر وما يكذب بآيات الله النّيّرة ويبخسها حقّها، ويردّها إلّا أهل الظلم، وهم المعتدون المكابرون المعاندون، الذين يعلمون الحقّ ويحيدون عنه، كما جاء في آية أخرى: إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَتُ رَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ وَلَوْ جاءَتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ حَتَّى يَرَوُا الْعَذابَ الْأَلِيمَ [يونس: 10/ 96- 97] . إن أصول الجدل العلمي الصحيحة، تميّز بها القرآن الكريم، ولم تكن آياته وإرشاداته إلّا منارة للحق، وسبيلا قويما لمعرفة الإيمان الحقّ، واتّباع رسالة الحقّ.
المطالب التعجيزية للمشركين وأشياعهم
آثر المشركون في صدر الدعوة الإسلامية وحين نزول الوحي الإلهي أن يظلّوا على شركهم وعنادهم، فلم يصغوا لنداء المنطق، ولم يستجيبوا بإمعان لدعوة الحق ورسالة الإنقاذ، وآزرهم في هذا الموقف بعض اليهود الذين كانوا يعلّمون قريشا هذه الحجة وهي: لم يأتكم محمد صلى الله عليه وسلم بمثل ما جاء به موسى من العصا وغيرها، فطالبوا بمعجزات مادّية محسوسة، ولم يكتفوا بإنزال القرآن الكريم المعجزة الأبدية الخالدة، وزادوا في غيّهم، فاستعجلوا العذاب الذي أوعدهم به القرآن والنّبي عليه الصلاة والسلام، ولم يدروا أن العذاب الأكبر في نار جهنم سيحيط بهم إحاطة تامّة، قال الله تعالى واصفا هذا الموقف الوثني ومن يؤيّده:
[سورة العنكبوت (29) : الآيات 50 الى 55]
وَقالُوا لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آياتٌ مِنْ رَبِّهِ قُلْ إِنَّمَا الْآياتُ عِنْدَ اللَّهِ وَإِنَّما أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ (50) أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ يُتْلى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (51) قُلْ كَفى بِاللَّهِ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ شَهِيداً يَعْلَمُ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَالَّذِينَ آمَنُوا بِالْباطِلِ وَكَفَرُوا بِاللَّهِ أُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ (52) وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذابِ وَلَوْلا أَجَلٌ مُسَمًّى لَجاءَهُمُ الْعَذابُ وَلَيَأْتِيَنَّهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ (53) يَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذابِ وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكافِرِينَ (54)
يَوْمَ يَغْشاهُمُ الْعَذابُ مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ وَيَقُولُ ذُوقُوا ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (55)
«1» «2» [العنكبوت: 29/ 50- 55] .
قالت قريش وبعض اليهود تعنّتا وتعجيزا: هلا أنزل على محمد آية حسّية مادّية، كآيات الأنبياء المتقدّمين، مثل ناقة صالح، وعصا موسى، ومائدة عيسى عليهم السلام، لإثبات صدقه وأنه رسول الله؟! فأجابهم القرآن الكريم في قوله تعالى آمرا نبيّه عليه الصلاة والسلام أن يعلمهم أن هذا الأمر بيد الله تعالى، لا يستنزله الاقتراح والتّمنّي، وأن النّبي بعث نذيرا، ولم يؤمر بغير ذلك، فليقفوا عند حدود الأدب والطاقة.
أو ليس يكفيهم دليلا على صدق نبوّتك يا محمد إنزال القرآن المجيد عليك، والذي هو أعظم الآيات، وهو المعجز للجنّ والإنس، ويتلى عليهم آناء الليل وأطراف النهار، وفيه أخبار الماضين، وعظة اللاحقين، وإنذار الآتين في المستقبل، وفي ذلك الكتاب من الرحمة والذكرى الكافية للمؤمنين.
حكى الطبري وغيره: أن هذه الآية: أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ.. نزلت بسبب قوم من المؤمنين أتوا النّبي صلى الله عليه وسلم بكتب، قد كتبوا فيها بعض ما يقول اليهود الذين أخبروهم بشيء من التوراة، فأنكر رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك،
قال: «كفى بهذا ضلالة، قوم رغبوا عما أتاهم به نبيّهم، إلى ما أتى به غيره» .
ونزلت الآية بسببه. قال ابن عطية:
والتأويل الأول أجرى مع نسق الآيات، أي إنهم طلبوا آية بحسب مزاجهم، فأجابهم الله بأن القرآن أعظم الآيات.
(1) فجأة.
(2)
يحيط بهم.