الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تفسير سورة البروج
قصة أصحاب الأخدود
إن الصراع بين الحق والباطل وبين الإيمان والكفر قديم وعويص وخطير، حتى إنك تجد أهل الباطل يرتكبون أكبر الجرائم وأخطرها في سبيل نصرة باطلهم، ولكنهم في النهاية تكون الخيبة والخسارة والدمار عليهم، وينتصر الحق وأهله، ويندحر الباطل وجنده، هذه حقيقة، والحقيقة الثانية: هي أن الناس لا يعتبرون من هذه الأمثلة البارزة والشواهد التاريخية الساطعة، وهذا مثل غريب وهو قصة أهل الأخدود كما تصورها الآيات الكريمة في مطلع سورة البروج المكية بالإجماع:
[سورة البروج (85) : الآيات 1 الى 11]
بسم الله الرحمن الرحيم
وَالسَّماءِ ذاتِ الْبُرُوجِ (1) وَالْيَوْمِ الْمَوْعُودِ (2) وَشاهِدٍ وَمَشْهُودٍ (3) قُتِلَ أَصْحابُ الْأُخْدُودِ (4)
النَّارِ ذاتِ الْوَقُودِ (5) إِذْ هُمْ عَلَيْها قُعُودٌ (6) وَهُمْ عَلى ما يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ (7) وَما نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَاّ أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ (8) الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (9)
إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذابُ الْحَرِيقِ (10) إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ ذلِكَ الْفَوْزُ الْكَبِيرُ (11)
«1» «2» «3» «4» «5» «6» «7» [البروج: 85/ 1- 11] .
(1) أي منازل الكواكب الاثني عشر، أو النجوم العظام.
(2)
يوم القيامة.
(3)
الشاهد: من يشهد على غيره، والمشهود: الواقعة المشهود بها على المشهود عليه.
(4)
الشق المستطيل في الأرض. [.....]
(5)
حضور على عذاب المؤمنين.
(6)
وما عابوا منهم.
(7)
ابتلوهم بالإحراق، أي أحرقوهم.
يقول الله تعالى: أقسم بالسماء وبروجها: وهي منازل الكواكب أو نجومها العظام، وهي اثنا عشر برجا لاثني عشر كوكبا، وهي التي تقطعها الشمس في سنة، والقمر في ثمانية وعشرين يوما، وهذا القسم بها تنويه بها وتعظيم وتشريف لها.
وأقسم بيوم القيامة الموعود به، وبمن يشهد في ذلك اليوم، وبالمشهود به على المشهود عليه من الوقائع أو الجرائم التي فعلها، كالشهادة على أصحاب الأخدود.
والشاهد: الملائكة الحفظة وغيرهم، والمشهود عليهم: الناس، كما ذكر الترمذي.
لعن أصحاب الأخدود المشتمل على النار ذات الحطب الذي توقد به، وهم قوم من الكفار في نجران اليمن، طلبوا من المؤمنين بالله عز وجل أن يرجعوا عن دينهم وهو توحيد الله، فأبوا عليهم، فحفروا لهم في الأرض أخدودا (شقا مستطيلا) وأوقدوا فيه نارا، وأرادوهم أن يرجعوا عن دينهم، فلم يقبلوا منهم، فقذفوهم فيها، وقوله تعالى: قُتِلَ أَصْحابُ الْأُخْدُودِ (4) هو جواب القسم، أي لعنوا وطردوا من رحمة الله. وقوله: النَّارِ ذاتِ الْوَقُودِ (5) النار: بدل اشتمال، من كلمة (الأخدود) .
كان من قصة هؤلاء: أن الكفار قعدوا على جانب الأخدود، وجمع المؤمنون، فعرض عليهم الدخول في الكفر، فمن أبى رمي في أخدود النار فاحترق، روي أنه احترق في النار عشرون ألفا.
لقد لعن هؤلاء الكفار الذين عذّبوا المؤمنين في النيران، حين أحرقوا بالنار، قاعدين على الكراسي عند الأخدود، وهم الملك وأصحابه، يشاهدون ما يفعل بالمؤمنين الذين هم قعود على النار، يحاولون إرجاعهم إلى دين الوثنية ويشهدون بما فعلوا يوم القيامة، حيث تشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم.
وهذا يدل على أن قلوب الكفرة الذين أقدموا على إحراق أهل الإيمان قاسية، بل
أشد من الحجارة قسوة، تجردوا من الإنسانية والرحمة، وتمكن الكفر والباطل والضلال منهم.
وسبب هذا التعذيب والإحراق بالنار: أن جبابرة أهل الكفر هؤلاء في نجران اليمن، لم ينكروا ولم يعيبوا شيئا على المؤمنين إلا إيمانهم، وتصديقهم بالله تعالى الذي لا يغلب، المحمود على كل حال، مالك السماوات والأرض، وإليه الأمر كله، فهو الحقيق بالإيمان به وبتوحيده، والله شاهد عالم بما فعلوا بالمؤمنين، لا تخفى عليه خافية، وسيجازيهم بالجزاء الأوفى على أفعالهم، وهذا وعيد شديد لأصحاب الأخدود وأمثالهم، ووعد طيب بالخير لمن عذّب من المؤمنين على دينه، فصبر ولم يتراجع في موقف الشدة.
والجزاء يجمع الفريقين، فإن الذين أحرقوا بالنار المؤمنين والمؤمنات بالله ورسله، ولم يتركوهم أحرارا في دينهم، وأجبروهم إما على الإحراق، وإما على الرجوع عن دينهم، ثم لم يتوبوا من قبيح صنيعهم وفحش كفرهم، فلهم في الآخرة عذاب جهنم بسبب كفرهم، ولهم عذاب الاحتراق بالنار، لأن الجزاء من جنس العمل، وعذاب الحريق تأكيد لعذاب جهنم، أو أن جهنم والحريق: طبقتان من النار.
وقوله تعالى: ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا دليل على إصرارهم على الكفر، وأنهم لو تابوا عن سوء فعلهم، وندموا، لغفر الله لهم، ولكنهم لم يفعلوا.
وأما الذين آمنوا وصدقوا بالله ربا واحدا لا شريك له، وبالرسل وباليوم الآخر والملائكة والكتب الإلهية، وعملوا صالح الأعمال باتباع أوامر الله، واجتناب نواهيه، ومنهم الذين صبروا على نار الأخدود، وثبتوا على دينهم، ولم يرتدوا، لهم بهاتين الصفتين: الإيمان والعمل الصالح، جنات تجري من تحت قصورها وأشجارها