الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الواعين والمهديين، أو نعقل عقل من يميز وينظر وينتفع، لم نكن من أهل النار، ولم نكن من الكافرين بالله. فأقرّوا معترفين بما صدر عنهم من ذنوب: وهو الكفر وتكذيب الأنبياء، فبعدا لهم من الله ومن رحمته، فهم أصحاب النار الملتهبة. إنهم اعترفوا بذنبهم في وقت لا ينفع فيه الاعتراف.
وعد المؤمنين ووعيد الكافرين
لا تظهر ثمرة الإيمان إلا بخشية الله تعالى، ولا تتحقق الخشية إلا برقابة الله في السرّ والعلن، ولا ينفصل الدين عن العمل للدنيا، والعمل للدنيا أمر مطلوب للتعرّض لرزق الله تعالى، فإن الرزق مرتبط بالسّعي. وكيف يأمن الكافرون عذاب الله تعالى في الدنيا كالخسف والزلزال، أو إرسال الحاصب وهي الريح الشديدة التي فيها حصباء لرجم العصاة؟ ألم يعتبر هؤلاء بمن كذب من الأمم الماضية فعوقبوا عقابا منكرا عظيما؟ ولم لم يتأمّلوا بمخلوقات الله العجيبة ومنها الطيور سابحات في الفضاء، بإمساك الله وتدبيره؟ كما هو واضح مما يأتي من الآيات:
[سورة الملك (67) : الآيات 12 الى 19]
إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ (12) وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ (13) أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ (14) هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولاً فَامْشُوا فِي مَناكِبِها وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ (15) أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّماءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ فَإِذا هِيَ تَمُورُ (16)
أَمْ أَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّماءِ أَنْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حاصِباً فَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ نَذِيرِ (17) وَلَقَدْ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَكَيْفَ كانَ نَكِيرِ (18) أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صافَّاتٍ وَيَقْبِضْنَ ما يُمْسِكُهُنَّ إِلَاّ الرَّحْمنُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ بَصِيرٌ (19)
«1» «2» «3» «4» «5» «6» «7» «8» «9»
(1) صاحبة الصدور، أي خواطر النفوس.
(2)
المطّلع على دقائق الأمور.
(3)
مذلّلة منقادة سهلة.
(4)
نواحيها.
(5)
الخروج من القبور.
(6)
يغوّر أو يغيّب بكم الأرض.
(7)
تضطرب بشدة.
(8)
ريحا شديدة تحمل الحصباء، أي الحجارة الصغيرة.
(9)
إنكاري أي عذابي الشديد. [.....]
«1» [الملك: 67/ 12- 19] .
يصف الله المؤمنين، وهم: إن الذين يخافون ربّهم بالغيب، أي في خلواتهم، غائبين عن أعين الناس، حيث لا يراهم أحد إلا الله تعالى، أو بالغيب الذي أخبروا به من الحشر والنّشر، والصّراط والميزان، والجنة والنار، فآمنوا بذلك وخشوا ربّهم فيه، لهم مغفرة واسعة لذنوبهم، ولهم ثواب جزيل، وهو الجنة.
والله مطّلع على كل شيء، فسواء أخفيتم كلامكم أو جهرتم به، فالله عليم به، يعلم كل ما في الصدور، أي خواطر النفوس والضمائر. والآية خطاب عامّ لجميع الخلق في جميع الأعمال.
قال ابن عباس: نزلت في المشركين، كانوا ينالون من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فخبّره جبريل عليه السلام بما قالوا فيه، ونالوا منه، فيقول بعضهم لبعض: أسرّوا قولكم، لئلا يسمع إله محمد، فنزلت هذه الآية.
وأدلة سعة علم الله تعالى كثيرة، ألا يعلم الخالق خلقه فهو الذي خلق الإنسان، وأوجد السرّ ومضمرات القلوب؟ فالله أعلم بمن خلقه، لأن الصانع أعلم من غيره بالمصنوع، وهو سبحانه العليم بدقائق الأمور وما في القلوب، والخبير بما تسرّه أو تضمره من الأمور، لا تخفى عليه من ذلك خافية.
وقوله: مَنْ خَلَقَ من: فاعل لفعل (يعلم) كأنه تعالى قال: ألا يعلم الخالق خلقه؟ فالمفعول على هذا محذوف. أو منصوب بفعل (يعلم) كأنه تعالى قال: ألا يعلم الله من خلق؟
وأدلة قدرة الله تعالى كثيرة، منها أنه هو الذي سخّر لكم الأرض، وذلّلها لكم،
(1) باسطات أجنحتها ثم قابضات لها.
أي جعلها مذلولة سهلة، لينة، قابلة للاستقرار والحياة عليها، فسيروا في نواحيها وجوانبها، وكلوا مما رزقكم الله وخلقه لكم في الأرض، ومكّنكم من الانتفاع بها، وإليه النشور، أي البعث من قبوركم إلى الله، لا إلى غيره. والآية دليل على قدرة الله ومزيد إنعامه على خلقه، وعلى أن السّعي واتّخاذ الأسباب لا ينافي التوكّل على الله، وعلى أن الاتّجار والتّكسب مندوب إليه. أخرج الحكيم الترمذي عن معاوية بن قرّة قال: مرّ عمر بن الخطاب رضي الله عنه بقوم، فقال: من أنتم؟ فقالوا: المتوكّلون، قال: بل أنتم المتأكلون، إنما المتوكّل رجل ألقى حبّه في بطن الأرض، وتوكّل على الله عز وجل.
أتأمنون أن يخسف، أي يغوّر ويقلع الله بكم الأرض؟ كما خسف بقارون، بعد ما جعلها لكم ذلولا تمشون أو تسعون في جوانبها وطرقها، فإذا هي تضطرب وتتحرك بشدة. والمراد بهذا الاستفهام الوعيد والإخبار بقدرة الله على تعذيب من كفر بالله أو أشرك مع الله إلها آخر.
بل هل أمنتم ربّكم الله الذي هو في السماء كما تزعمون، وهل أمنتم قدرة الله على أن يرسل عليكم ريحا شديدة مصحوبة بالحصى أو الحجارة الصغيرة؟ وحينئذ إذا عاينتم العذاب تعلمون كيف كان إنذاري وعقابي لمن خالف وكذب به.
ولقد كذب الكفار الذين كانوا قبلهم، كذبوا الرّسل، فكيف كان إنكاري عليهم بما سلّطت عليهم من العذاب الشديد؟! أو لم ينظروا إلى الطير فوقهم في الأجواء العليا، وهنّ باسطات أجنحتها تارة، وقابضات لها تارة أخرى؟ ما يمسكهنّ في الهواء إلا الله الرّحمن القادر على كل شيء، إنه تعالى عليم بصير بما يصلح كل شيء من مخلوقاته، لا يخفى عليه شيء من دقائق الأمور وعظائمها.