الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مِثْل الذَّرِّ
(1)
. (6/ 447)
28115 -
عن عبد الرحمن بن عبد الله بن سابط الجمحي، قال: بين المقام والركن وزمزم قبرُ تسعة وسبعين نبيًّا، وإنّ قبر نوح وهود وشعيب وصالح وإسماعيل في تلك البقعة
(2)
. (6/ 452)
28116 -
عن زيد بن أسلمَ، قال: كان في الزمن الأول تمضي أربعُمائة سنةٍ ولم يُسْمَعْ فيها بجنازةٍ
(3)
. (6/ 450)
28117 -
عن إسحاق بن عبد الله بن أبي فروة، قال: ما يُعلَمُ قبرُ نبيٍّ مِن الأنبياء إلا ثلاثةً: قبر إسماعيل؛ فإنّه تحت المِيزاب بين الركن والبيت، وقبر هودٍ؛ فإنّه في حِقْفٍ، تحت جبل من جبال اليمن، عليه شجرةٌ، وموضعُه أشدُّ الأرض حَرًّا، وقبر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإنّ هذه قبورُهم بحقٍّ
(4)
. (6/ 453)
28118 -
عن عثمان بن أبي العاتكة، قال: قِبلةُ مسجد دمشق قبرُ هود عليه السلام
(5)
. (6/ 453)
الآيات
قصة صالح عليه السلام مع ثمود
28119 -
عن عمرو بن خارجة، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: «كانت ثمودُ قوم صالح أعْمَرهم الله في الدنيا، فأطال أعمارَهم حتى جعل أحدُهم يبني المسكن مِن المَدَرِ
(6)
فينهدِمُ والرجلُ منهم حيٌّ، فلَمّا رأوْا ذلك اتَّخذوا من الجبال بيوتًا، فنحَتوها، وجابوها، وخرَقوها، وكانوا في سَعَةٍ مِن معايشِهم، فقالوا: يا صالحُ، ادع لنا ربَّك يُخْرِجْ لنا آيةً نعلمُ أنّك رسولُ الله. فدعا صالحٌ ربَّه، فأخرَج لهم الناقة، فكان شِرْبُها يومًا، وشِرْبُهم يومًا معلومًا، فإذا كان يومُ شِرْبها خَلَّوا عنها وعن الماء، وحلَبوها لبنًا، ملَئوا كل إناء ووعاء وسِقاء، حتى إذا كان يوم شِرْبِهم صرَفوها عن الماء، فلم تشرَبْ منه شيئًا، فملَئوا كل إناء ووعاء وسقاءٍ، فأوحى الله إلى صالح: إنّ قومَك سيَعِقرون ناقتَك. فقال لهم، فقالوا: ما كُنّا لِنفعل. فقال: إلّا تَعْقِروها أنتم يوشِكُ أن يولدَ فيكم
(1)
أخرجه ابن أبي حاتم 8/ 2792.
(2)
علَّقه ابن عساكر 62/ 288.
(3)
عزاه السيوطي إلى الزبير بن بكار.
(4)
أخرجه ابن سعد 1/ 52. وعزاه السيوطي إلى ابن عساكر.
(5)
علَّقه ابن عساكر 2/ 260.
(6)
المَدَر: الطين المتماسك. النهاية (مدر).
مولودٌ يعقِرُها. قالوا: فما علامة ذلك المولود، فواللهِ، لا نجِدُه إلّا قتَلْناه؟ قال: فإنّه غلامٌ أشقر، أزرق، أصهبُ، أحمرُ. وكان في المدينة شيخان عزيزان منيعان، لأحدهما ابنٌ يُرغَبُ به عن المناكح، وللآخر ابنةٌ لا يَجِدُ لها كُفْئًا، فجَمع بينهما مجلسٌ، فقال أحدهما لصاحبه: ما يمنعُك أن تُزَوِّجَ ابنَك؟ قال: لا أجِدُ له كُفْئًا. قال: فإنّ ابنتي كُفْؤٌ له، فأنا أُزَوِّجُك. فزوَّجه، فوُلِد بينهما ذلك المولودُ، وكان في المدينة ثمانيةُ رهطٍ يُفْسدون في الأرض ولا يُصلِحون، فلمّا قال لهم صالحٌ: إنّما يعقِرُها مولودٌ فيكم. اختاروا ثماني نسوةٍ قوابلَ مِن القرية، وجعلوا مَعَهُنَّ شُرَطًا كانوا يطوفون في القرية، فإذا وجَدوا المرأة تُمْخَضُ نظروا ما ولدُها؛ إن كان غلامًا قلَبْنه، فنظرْن ما هو، وإن كانت جاريةً أعرضْنَ عنها، فلمّا وجَدوا ذلك المولودَ صرَخ النسوةُ، وقُلنَ: هذا الذي يريدُ رسولُ الله صالحٌ. فأراد الشُّرَطُ أن يأخذوه، فحال جَدّاه بينهم وبينه، وقالا: لو أنّ صالحًا أراد هذا قتَلْناه. فكان شرَّ مولودٍ، وكان يَشِبُّ في اليوم شبابَ غيره في الجمعة، ويَشِبُّ في الجمعة شباب غيره في الشهر، ويَشِبُّ في الشهر شباب غيره في السنة، فاجتَمَع الثمانيةُ الذين يُفْسِدون في الأرض ولا يُصْلِحون وفيهم الشيخانِ، فقالوا: استعمل علينا هذا الغلام لمنزلتِه وشرفِ جَدَّيه. فكانوا تسعةً، وكان صالحٌ لا ينامُ معهم في القرية، كان يَبِيتُ في مسجده، فإذا أصبَح أتاهم، فوعَظهم، وذكَّرهم، وإذا أمسى خرَج إلى مسجدِه، فبات فيه». قال حجاجٌ: وقال ابن جريج: لَمّا قال لهم صالحٌ: إنه سيولدُ غلامٌ يكونُ هلاكُكم على يديه. قالوا: فكيف تأمُرُنا؟ قال: آمُرُكم بقتلِهم. فقتلوهم إلا واحدًا، قال: فلما بلغ ذلك المولودُ قالوا: لو كُنّا لم نقتُلْ أولادنا لكان لكلِّ رجلٍ منا مِثلُ هذا، هذا عملُ صالحٍ. فائتمروا بينهم بقتلِه، وقالوا: نَخرُجُ مسافرين، والناسُ يروننا علانيةً، ثم نرجِعُ مِن ليلة كذا مِن شهر كذا وكذا، فنرصُدُه عند مُصلّاه، فنقتُلُه، فلا يحسَبُ الناسُ إلا أنّا مسافرون كما نحن. فأقْبَلوا حتى دخلوا تحت صخرة يرصُدُونه، فأرسل الله عليهم الصخرةَ، فرضَخَتْهم
(1)
، فأصبَحوا رَضْخًا، فانطلق رجالٌ مِمَّن قدِ اطَّلَع على ذلك منهم، فإذا هم رَضْخٌ، فرجَعوا يصيحون في القرية: أيْ عبادَ الله، أما رَضِي صالحٌ أن أمَرهم أن يقتُلوا أولادَهم حتى قتَلهم. فاجْتَمع أهلُ القرية على قتل الناقة أجمعون، وأحجَموا عنها إلا ذلك ابن العاشر. ثم رجَع الحديثُ إلى حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال:
(1)
الرَّضْخُ: كسر الرأس. لسان العرب (رضخ).
«وأرادوا أن يمكُروا بصالحٍ، فمَشَوا حتى أتوا على سَرَبٍ
(1)
على طريق صالح، فاختبأ فيه ثمانيةٌ، وقالوا: إذا خرج علينا قتلْناه، وأتينا أهلَه فبيَّتْناهم. فأمر الله الأرضَ فاسْتَوَتْ عليهم، فاجتمعوا، ومشوا إلى الناقة وهي على حوضِها قائمةٌ، فقال الشقيُّ لأحدِهم: ائْتِها فاعْقِرْها. فأتاها، فتعاظَمه ذلك، فأضرَب عن ذلك، فبعَث آخر، فأعظَمه ذلك، فجعَل لا يبعثُ رجلًا إلّا تعاظَمه أمرُها، حتى مشى إليها، وتطاول، فضرَب عُرْقوبَيْها، فوقَعت تركُضُ، وأتى رجلٌ منهم صالحًا، فقال: أدْرِكِ الناقة؛ فقد عُقِرت. فأقبَل، وخرجوا يتلقَّونه، ويَعْتذرون إليه: يا نبيَّ الله، إنّما عقَرها فلانٌ، إنّه لا ذنبَ لنا. قال: فانظُروا هل تُدْرِكون فصيلَها؟ فإن أدْرَكتُموه فعسى الله أن يرفَعَ عنكم العذاب. فخرَجوا يطلُبونه، ولما رأى الفصيلُ أمَّه تضطربُ أتى جبلًا -يُقال له: القارةُ- قصيرًا، فصَعِد، وذهبوا ليأخذوه، فأوحى الله إلى الجبل، فطال في السماء حتى ما تنالُه الطيرُ، ودخل صالحٌ القرية، فلمّا رآه الفصيلُ بكى حتى سالت دموعُه، ثم استقبَل صالحًا، فرغا رغوةً، ثم رغا أُخرى، ثم رغا أُخرى، فقال صالحٌ لقومه: لكلِّ رغوةٍ أجلُ يوم؛ فتَمَتَّعوا في دارِكم ثلاثة أيام، {ذلك وعدٌ غيرُ مكذوبٍ} [هود: 65]. ألا إنّ آية العذاب أنّ اليوم الأول تُصبحُ وجوهُكم مُصْفَرَّةً، واليوم الثاني محمرَّةً، واليوم الثالث مُسْوَدَّةً، فلمّا أصبَحوا إذا وجوهُهم كأنها قد طُلِيت بالخَلُوقِ
(2)
؛ صغيرُهم وكبيرهم، ذكرُهم وأنثاهم، فلما أمسَوا صاحوا بأجمعِهم: ألا قد مضى يومٌ مِن الأجل، وحضَركم العذابُ. فلمّا أصبحوا اليوم الثاني إذا وجوهُهم مُحْمَرَّةٌ، كأنّها خُضِبت بالدماءِ، فصاحوا، وضجُّوا، وبكَوا، وعرفوا أنّه العذاب، فلمّا أمسَوا صاحوا بأجمعِهم: ألا قد مضى يومان من الأجل، وحضَركم العذابُ. فلمّا أصبحوا اليوم الثالث فإذا وجوههم مُسْوَدَّةٌ، كأنها طُلِيتْ بالقار، فصاحوا جميعًا: ألا قد حضَركم العذاب. فتكفَّنوا، وتحنَّطوا، وكان حنوطهم الصَّبرَ والمَغَرَ
(3)
، وكانت أكفانهم الأنطاعَ
(4)
، ثم ألقوا أنفسَهم بالأرض، فجعلوا يُقَلِّبون أبصارَهم، فينظُرون إلى السماء مرَّة، وإلى الأرض مرَّة، فلا يَدْرون مِن أين يأتيهمُ العذاب؛ مِن فوقهم مِن السماء، أم من تحتِ أرجلِهم
(1)
السَّرَبُ: حَفِير تحت الأرض. لسان العرب (سرب).
(2)
الخلوق: طيب مركب يُتخذ من الزعفران وغيره من أنواع الطيب، وتغلب عليه الحمرة والصفرة. النهاية (خلق).
(3)
المَغَرَةُ والمَغْرَة: طين أحمر يُصبغ به. لسان العرب (مغر).
(4)
النِّطْعُ -بالكسر، وبالفتح، وبالتحريك-: بِساط من الأديم. تاج العروس (نطع).
مِن الأرض، خسفًا أو قَذْفًا، فلما أصبحوا اليوم الرابع أتَتْهم صيحةٌ من السماء، فيها صوتُ كُلِّ صاعقةٍ، وصوتُ كلِّ شيء له صوتٌ في الأرض، فتقطَّعت قلوبُهم في صدورِهم، فأصبحوا في ديارهم جاثمين»
(1)
. (6/ 455)
28120 -
عن إسماعيل السُّدِّيّ -من طريق أسباط- {وإلى ثمود أخاهم صالحا} ، قال: إنّ الله بعَث صالحًا إلى ثمود، فدعاهم، فكذَّبوه، فقال لهم ما ذكر الله في القرآن، فسألوا أن يأتيَهم بآيةٍ، فجاءهم بالناقة لها شِرْبٌ ولهم شِرْبُ يوم معلومٍ، وقال:{ذروها تأكل في أرض الله ولا تمسوها بسوء} . فأقرُّوا بها جميعًا، فذلك قوله:{فهديناهم فاستحبوا العمى على الهدى} [فصلت: 17]. وكانوا قد أقرُّوا به على وجه النفاق والتَّقِيَّة، فكانت الناقةُ لها شِرْبٌ، فيومَ تشرَبُ فيه الماء تمرُّ بين جبلين فيزْحَمانها، ففيهما أثرُها حتى الساعة، ثم تأتي فتقِفُ لهم حتى يَحْتَلِبون الَّلبنَ، فترويهم، ويوم يشرَبون الماء لا تأتيهم، وكان معها فصيلٌ لها، فقال لهم صالحٌ: إنه يولدُ في شهركم هذا مولودٌ يكون هلا كُكم على يدَيْه. فوُلِد لتسعة منهم في ذلك الشهر، فذبَحوا أبناءَهم، ثم وُلِد للعاشر، فأبى أن يذبَحَ ابنه، وكان لم يولَدْ له قبلَه شيءٌ، وكان أبو العاشر أزرق أحمر، فنَبت نباتًا سريعًا، فإذا مرَّ بالتسعة فرأَوْه قالوا: لو كان أبناؤُنا أحياءً كانوا مثلَ هذا. فغَضِب التسعةُ على صالحٍ لأنه أمرهم بذبح أبنائهم، فـ {تقاسموا بالله لنبيتنه وأهله ثم لنقولن لوليه ما شهدنا مهلك أهله وإنا لصادقون} [النمل: 49]. قالوا: نخرج، فيرى النّاسُ أنّا قد خرجنا إلى سفر، فنأتي الغار، فنكون فيه، حتى إذا كان الليلُ وخرج صالحٌ إلى المسجد أتيناه فقتلناه، ثم رجعنا إلى الغار فكُنّا فيه، ثم رجعنا فقلنا:{ما شهدنا مهلك أهله وإنا لصادقون} ، يُصَدِّقوننا يعلمون أنّا قد خرجنا إلى سفر. فانطلقوا، فلما دخلوا الغار أرادوا أن يخرجوا من الليل، فسقط عليهم الغار، فقتلهم، فذلك قوله:{وكان في المدينة تسعة رهط يفسدون في الأرض ولا يصلحون} حتى بلغ ههنا: {فانظر كيف كان عاقبة مكرهم أنا دمرناهم وقومهم أجمعين} [النمل: 48 - 51]. وكبر الغلام ابن العاشر، ونبت
(1)
أخرجه الحاكم 2/ 617 - 618 (4069)، وابن جرير 12/ 458 - 462 واللفظ له، من طريق حجاج المصيصي، عن أبي بكر بن عبد الله، عن شهر بن حوشبٍ، عن عمرو بن خارجة به.
قال الحاكم: «هذا حديث جامِع لذكر هلاك آل ثمود، تفرَّد به شهر بن حوشب، وليس له إسناد غيرها، ولم يستغن عن إخراجه، وله شاهد على سبيل الاختصار بإسناد صحيح دلَّ على صحة الحديث الطويل على شرط مسلم» . وقال الذهبي في التلخيص: «أبو بكر بن عبد الله واهٍ» . وضعفه الشيخ أحمد شاكر في تعليقه على الطبري.
نباتًا عجبًا من السرعة، فجلس مع قوم يصيبون من الشراب، فأرادوا ماء يمزجون به شرابهم، وكان ذلك اليوم يوم شرب الناقة، فوجدوا الماء قد شربته الناقة، فاشتد ذلك عليهم، وقالوا في شأن الناقة: ما نصنع نحن باللبن؟ لو كنا نأخذ هذا الماء الذي تشربه هذه الناقة فنسقيه أنعامَنا وحروثَنا كان خيرًا لنا. فقال الغلام ابن العاشر: هل لكم في أن أعقرها لكم؟ قالوا: نعم. فأظهروا دينهم، فأتاها الغلام، فلما بصرت به شدَّت عليه، فهرب منها، فلما رأى ذلك دخل خلف صخرةٍ على طريقها، فاسْتَتَر بها، فقال: أحيشوها
(1)
عَلَيَّ. فأحاشوها عليه، فلمّا جازَت به نادوه: عليك. فتناولها، فعقرها، فسقطت، فذلك قوله تعالى:{فنادوا صاحبهم فتعاطى فعقر} [القمر: 29]. وأظهروا حينئذ أمرهم، وعقروا الناقة، وعتوا عن أمر ربهم، وقالوا: يا صالح، ائتنا بما تعدنا. وفزع ناس منهم إلى صالح، وأخبروه أنّ الناقة قد عقرت، فقال: عَلَيَّ بالفصيل. فطلبوا الفصيل، فوجدوه على رابية من الأرض، فطلبوه، فارتفعت به حتى حلقت به في السماء، فلم يقدروا عليه، ثم رغا الفصيل إلى الله، فأوحى الله إلى صالح أن مُرْهُم فليتمتعوا في دارهم ثلاثة أيام، فقال لهم صالح:{تمتعوا في داركم ثلاثة أيام} [هود: 65]، وآية ذلك أن تصبح وجوهكم أول يوم مصفرة، والثاني مُحْمَرَّة، واليوم الثالث مُسْوَدَّة، واليوم الرابع فيه العذاب. فلما رأوا العلامات تكفَّنوا، وتَحَنَّطوا، ولطخوا أنفسهم بالمُرِّ
(2)
، ولبسوا الأنطاع، وحفروا الأسراب، فدخلوا فيها ينتظرون الصيحة، حتى جاءهم العذاب، فهلكوا، فذلك قوله: فـ {دمرناهم وقومهم أجمعين} [النمل: 51]
(3)
. (ز)(6/ 463)
28121 -
عن محمد بن إسحاق -من طريق سلمة- قال: لَمّا أهلك الله عادًا وتَقَضّى أمرُها عَمِرَتْ ثمود بعدها، واستُخْلِفوا في الأرض، فنزلوا فيها، وانتشروا، ثم عَتَوْا على الله، فلمّا ظهر فسادهم وعبدوا غير الله بعث إليهم صالحًا، وكانوا قومًا عربًا، وهو من أوسطهم نسبًا، وأفضلهم موضعًا رسولًا. وكانت منازلهم الحِجر إلى قُرْحٍ، وهو وادي القُرى، وبين ذلك ثمانية عشر ميلًا فيما بين الحجاز والشام، فبعث الله إليهم غلامًا شابًّا، فدعاهم إلى الله، حتى شَمِطَ وكَبِرَ، لا يتبعه منهم إلا قليلٌ
(1)
الحَيْشُ: الفزع والنفور. النهاية (حيش).
(2)
المُرُّ: دواء كالصَّبِر، سمي به لمرارته. النهاية (مرر).
(3)
أخرجه ابن جرير 10/ 284، وابن أبي حاتم 5/ 1512 - 1515 مختصرًا. وعزا السيوطي أوَّله إلى أبي الشيخ. وجزء منه أخرجه إسحاق البستي في تفسيره، ص 539.
مستضعفون، فلما ألَحَّ عليهم صالح بالدعاء، وأكثر لهم التحذير، وخوَّفهم من الله العذاب والنقمة؛ سألوه أن يريَهم آيةً تكون مِصْداقًا لِما يقول فيما يدعوهم إليه، فقال لهم: أيَّ آية تريدون؟ قالوا: تخرج معنا إلى عيدنا هذا -وكان لهم عيد يخرجون إليه بأصنامهم وما يعبدون من دون الله، في يوم معلوم من السنة-، فتدعو إلهك، وندعو آلهتنا، فإن استُجِيب لك اتَّبَعْناك، وإن استُجِيب لنا اتَّبَعْتنا. فقال لهم صالح: نعم. فخرجوا بأوثانهم إلى عيدهم ذلك، وخرج صالح معهم إلى الله، فدعوا أوثانهم، وسألوها أن لا يستجاب لصالح في شيء مما يدعو به، ثم قال له جُندَعُ بن عمرو بن جَوّاسِ بن عمرو بن الدُّمَيْلِ -وكان يومئذ سيِّدَ ثمود وعظيمَهم-: يا صالح، أخرج لنا من هذه الصخرة -لِصخرة منفردة في ناحية الحجر يقال لها: الكاثِبةُ- ناقةً مُخْتَرَجَةً جَوْفاءَ وبْراء -والمُخترجَةُ: ما شاكَلَت البُخْتَ
(1)
من الإبل. وقالت ثمودُ لصالح مثل ما قال جُنْدَعُ بن عمرو-، فإن فَعَلْتَ آمنّا بك، وصدَّقْناك، وشهدنا أنّ ما جئت به هو الحقٌّ. وأخذ عليهم صالحٌ مواثيقهم: لَئِن فعلتُ وفَعل اللهُ لَتُصَدِّقُنِّي، ولَتُؤْمِنُنَّ بي؟ قالوا: نعم. فأَعْطَوه على ذلك عهودَهم، فدعا صالحٌ ربَّه بأن يخرجها لهم من تلك الهَضْبةِ كما وصَفوا
(2)
. (ز)
28122 -
عن يعقوب بن عتبة بن المغيرة بن الأخنس -من طريق ابن إسحاق- أنه حدّث: أنّهم نظروا إلى الهَضَبَة حين دعا اللهَ صالحٌ بما دَعا به، تَتَمَخَّض بالناقة تَمَخُّض النَّتُوجُ
(3)
بولدها، فتحركت الهضبة، ثم انتَفَضَت بالناقة، فانصَدَعَتْ عن ناقةٍ -كما وصفوا- جَوْفاء وبْراء نَتُوجًا، ما بين جنبيها لا يعلمه إلا الله عِظَمًا، فآمن به جُندَعُ بن عمرو ومَن كان معه على أمره مِن رَهْطِه، وأراد أشرافُ ثمود أن يؤمنوا به ويُصَدِّقوا، فنهاهم ذُؤابُ بن عمرو بن لبيد، والحُبابُ صاحب أوثانهم، ورَبابُ بن صَمْعَرِ بن جَلْهسٍ، وكانوا من أشراف ثمود، فردُّوا أشرافَها عن الإسلام، والدخول فيما دعاهم إليه صالح من الرحمة والنجاة. وكان لجُندَعٍ ابنُ عمٍّ يُقال له: شهاب بن خليفة بن مخلاةَ بن لبيد بن جَوّاسٍ، فأراد أن يُسْلِم، فنهاه أولئك الرهط عن ذلك، فأطاعهم، وكان من أشراف ثمود وأفاضلها، فقال رجل من ثمود يُقال له: مهْرَشُ بنُ غَنمةَ بنِ الدُّمَيلِ، وكان مسلمًا:
(1)
البُخْت: جمال طِوال الأعناق. النهاية (بخت).
(2)
أخرجه ابن جرير 10/ 286، وابن أبي حاتم 9/ 2800 مختصرًا.
(3)
النَّتُوجُ من الخيل وجميع الحافر: الحامل. لسان العرب (نتج).
وكانت عُصبة من آل عمرو
…
إلى دين النبيِّ دعوا شهابا
عزيز ثمود كلهم جميعًا
…
فهَمَّ بأن يُجِيب ولو أجابا
لأصبح صالحًا فينا عزيزًا
…
وما عدلوا بصاحبهم ذُؤابا
ولكن الغُواةَ مِنَ الِ حُجْرٍ
…
تولوا بعد رشدهم ذئابا
فمكثت الناقة التي أخرجها الله لهم معها سَقْبُها
(1)
في أرض ثمود، ترعى الشجر، وتشرب الماء، فقال لهم صالح عليه السلام:{هذه ناقة الله لكم آية فذروها تأكل في أرض الله ولا تمسوها بسوء فيأخذكم عذاب أليم} . وقال الله لصالح: إنّ الماء {قسمة بينهم كل شرب محتضر} [القمر: 28]. أي: أنّ الماء نصفان: لهم يوم، ولها يوم، وهي مُحْتَضَرَة، فيومها لا تَدَعُ شُرْبَها. وقال:{لها شرب ولكم شرب يوم معلوم} [الشعراء: 155]. فكانَتْ -فيما بلغني، والله أعلم- إذا ورَدَتْ -وكانت تَرِدُ غِبًّا- وضَعَتْ رأسها في بئر في الحِجْر، يُقال لها: بئر الناقة، فيزعمون أنّها منها كانت تشرب، إذا وردت تضع رأسها فيها، فما ترفعه حتى تشرب كُلَّ قطرةِ ماءٍ في الوادي، ثم ترفع رأسها فتفشَّحُ -يعني: تَفَحَّجُ
(2)
لهم-، فيحتلبون ما شاءوا من لبن، فيشربون، ويَدَّخِرون، حتى يملئوا كُلَّ آنيتهم، ثم تصدر مِن غير الفجِّ الذي منه ورَدْت، لا تقدر على أن تصدر من حيث تَرِد؛ يضيق عنها، فلا ترجع منه، حتى إذا كان الغدُ كان يومهم، فيشربون ما شاءوا من الماء، ويدَّخرون ما شاءوا ليوم الناقة، فهم من ذلك في سَعَة. وكانت الناقة -فيما يذكرون- تصيفُ إذا كان الحرُّ ظهرَ الوادي، فتهرب منها المواشي؛ أغنامهم وأبقارهم وإبلهم، فتهبط إلى بطن الوادي في حرِّه وجَدْبِه، وذلك أنّ المواشي تنفر منها إذا رأتها، وتشتو في بطن الوادي إذا كان الشتاء، فتهرب مواشيهم إلى ظهر الوادي في البرد والجدب، فأضرَّ ذلك بمواشيهم؛ للبلاء والاختبار. وكانت مراتِعُها -فيما يزعمون- الجَنابَ وحِسْمى، كل ذلك ترعى مع وادي الحِجْر، فكَبُر ذلك عليهم، فعَتَوْا عن أمر ربهم، وأجمعوا في عَقْرِ الناقة رأيَهم. وكانت امرأةٌ من ثمود يُقال لها: عُنَيزةُ بنت غُنمٍ بن مِجْلَزِ، تُكنى بأم غُنمٍ، وهي من بني عبيد بن المهلِ أخي زُمَيلِ بن المهلِ، وكانت امرأة ذُؤابِ بن عمرو، وكانت عجوزًا مُسِنَّة، وكانت ذات بنات حِسان، وكانت ذات مال مِن إبل وبقر
(1)
السَّقْب: ولدُ الناقة. لسان العرب (سقب).
(2)
تفشَّح وتَفَحَّج: تُفَرِّج ما بين رِجلَيها. التاج (فشح، فحج).
وغنم، وامرأة أخرى يُقال لها: صَدُوفُ بنتُ المحيّا بن زهير بن المحيّا سيد بني عبيد وصاحب أوثانهم في الزمن الأول، وكان الوادي يُقال له: وادي المحيّا، وهو المحيّا الأكبر جد المحيّا الأصغر أبي صَدُوفَ. وكانت صَدُوفُ مِن أحسن الناس، وكانت غنيةً ذات مال من إبل وغنم وبقر، وكانتا مِن أشد امرأتين في ثمود عداوةً لصالحٍ، وأعظمه به كُفْرًا، وكانتا تحتالان أن تُعقر الناقة مع كفرهما به لِما أضَرَّت به من مواشيهما. وكانت صَدُوفُ عند ابنِ خالٍ لها يُقال له: صنيمُ بن هراوةَ بن سعد بن الغطريفِ من بني هليلٍ، فأسلم، فحسُن إسلامُه، وكانت صَدُوفُ قد فَوَّضت إليه مالَها، فأنفقه على من أسلم معه مِن أصحاب صالح حتى رَقَّ المالُ، فاطَّلعت على ذلك من إسلامه صَدُوفُ، فعاتبته على ذلك، فأظهر لها دينه، ودعاها إلى الله وإلى الإسلام، فأَبَتْ عليه، وسَبَّتْ له، فأخذت بنيه وبناته منه، فغيَّبَتْهم في بني عبيد؛ بطنها الذي هي منه، وكان صنيم زوجها من بني هليلٍ، وكان ابنَ خالها، فقال لها: رُدِّي عَلَيَّ ولدي. فقالت: حتى أُنافِرَك إلى بني صنعان بن عبيد أو إلى بني جُندَعِ بن عبيد. فقال لها صنيمٌ: بل أنا أقول إلى بني مِرْداس بن عبيد. وذلك أن بني مِرْداس بن عبيد كانوا قد سارعوا في الإسلام، وأبطأ عنه الآخرون، فقالت: لا أُنافِرُك إلّا إلى مَن دعوتُك إليه. فقال بنو مِرْداس: واللهِ، لَتُعْطِيَنَّه ولده طائعةً أو كارهة، فلمّا رَأَتْ ذلك أعْطَتْهُ إياهم. ثم إن صَدوف وعُنيزة محَلتا في عقر الناقة للشَّقاء الذي نزل، فدعت صَدُوفُ رجلًا من ثمود يُقال له: الحبابُ، لِعَقْر الناقة، وعرضت عليه نفسَها بذلك إن هو فعل، فأبى عليها، فدعت ابنَ عمٍّ لها يُقال [له]: مِصْدَعُ بن مَهْرَجِ بن المحيّا، وجعلت له نفسَها على أن يعقر الناقة، وكانت من أحسن الناس، وكانت غنِيَّةً كثيرة المال، فأجابها إلى ذلك. ودعت عُنَيزةُ بنتُ غُنْمٍ قُدارَ بن سالفِ بن جُنْدَعِ؛ رجلًا من أهل قُرْحَ، وكان قُدارُ رجلًا أحمر أزرق قصيرًا، يزعمون أنّه كان لِزَنْيَةٍ مِن رجل يُقال له: صهيادُ، ولم يكن لأبيه سالف الذي يُدعى إليه، ولكنه قد وُلِد على فراش سالف، وكان يُدعى له، ويُنسَب إليه، فقالت: أعطيك أيَّ بناتي شئت على أن تعقر الناقة. وكانت عُنَيزةُ شريفة من نساء ثمود، وكان زوجها ذؤاب بن عمرو من أشراف رجال ثمود، وكان قُدار عزيزًا منيعًا في قومه، فانطلق قُدار بن سالف ومِصْدَعُ بن مَهْرَجٍ، فاستنفرا غُواةً من ثمود، فاتَّبعهما سبعة نفر، فكانوا تسعة نفر، أحد النفر الذين اتبعوهما رجل يُقال له: هويلُ بن ميلغٍ خال قدار بن سالف، أخو أُمِّه لأبيها وأمها، وكان عزيزًا من أهل حِجْرٍ، ودُعَيرُ بن
غنم بن داعر، وهو من بني حلاوة بن المهل، ودأب بن مَهْرَجٍ أخو مِصْدَعِ بن مَهْرَجٍ، وخمسة لم تُحْفَظ لنا أسماؤهم. فرصدوا الناقة حين صَدَرت عن الماء، وقد كمَن لها قدار في أصل صخرة على طريقها، وكمَن لها مِصْدَعٌ في أصلِ أخرى، فمَرَّت على مصدع فرماها بسهم، فانتظم به عضلة ساقها، وخرجت أم غُنْمٍ؛ عُنَيزة، وأمرت ابنتها، وكانتْ مِن أحسن الناس وجهًا، فأسفرت عنه لقُدار، وأَرَتْه إيّاه، ثم ذمَّرَتْه
(1)
، فشدَّ على الناقة بالسيف، فكسف عرقوبها، فخرَّت، ورغت رغاة واحدة تحذر سَقْبَها. ثم طعن في لُبَّتها فنحرها، وانطلق سقبها حتى أتى جبلًا منيعًا، ثم أتى صخرة في رأس الجبل فرَغا، ولاذ بها، واسم الجبل فيما يزعمون: صور، فأتاهم صالح، فلما رأى الناقة قد عقرت قال: انتهكتم حرمة الله، فأبشِروا بعذاب الله تبارك وتعالى ونقمته. فاتبع السَّقْبَ أربعةُ نفر من التسعة الذين عقروا الناقة، وفيهم مِصْدَعُ بن مَهْرَجٍ، فرماه مِصْدَعٌ بسهم، فانتظَمَ قلبه، ثم جَرَّ برجله فأنزله، ثم ألقوا لحمه مع لحم أمه. فلمّا قال لهم صالح: أبشروا بعذاب الله ونقمته؛ قالوا له وهم يهزءون به: ومتى ذلك يا صالح؟ وما آية ذلك؟ وكانوا يسمون الأيام فيهم: الأحد: أول، والاثنين: أهون، والثلاثاء: دُبار، والأربعاء: جُبارَ، والخميس: مُؤْنِسَ، والجمعة: العروبة، والسبت: شِيارَ، وكانوا عقروا الناقة يوم الأربعاء، فقال لهم صالح حين قالوا ذلك: تصبحون غداة يوم مُؤْنِسَ -يعني: يوم الخميس- وجوهكم مُصْفَرَّة، ثم تصبحون يوم العروبة -يعني: يوم الجمعة- ووجوهكم مُحْمَرَّة، ثم تصبحون يوم شيار -يعني: يوم السبت- ووجوهكم مُسْوَدَّة، ثم يُصَبِّحُكم العذاب يوم الأول -يعني: يوم الأحد-. فلما قال لهم صالح ذلك، قال التسعة الذين عقروا الناقة: هلُمُّوا فلْنَقْتُلْ صالحًا؛ إن كان صادقًا عَجَّلْناه قبلنا، وإن كان كاذبًا يكون قد ألحقناه بناقته. فأتوه ليلًا لِيُبَيِّتُوه في أهله، فدَمَغَتْهم الملائكةُ بالحجارة، فلمّا أبْطَئُوا على أصحابهم أتوا منزل صالح، فوجدوهم مُشَدَّخِين، قد رُضِخوا بالحجارة، فقالوا لصالح: أنت قتلتهم. ثم هَمُّوا به، فقامت عشيرتُه دونه، ولبسوا السلاح، وقالوا لهم: واللهِ، لا تقتلونه أبدًا، فقد وعدكم أنّ العذاب نازِلٌ بكم في ثلاث، فإن كان صادقًا لم تزيدوا ربَّكم عليكم إلا غضبًا، وإن كان كاذبًا فأنتم من وراء ما تريدون. فانصرفوا عنهم ليلتهم تلك، والنفر الذين رضختهم الملائكة بالحجارة التسعة الذين ذكرهم الله تعالى في القرآن بقوله تعالى: {وكان في المدينة تسعة رهط يفسدون في
(1)
أي: تُشَجِّعه وتحضه. النهاية (ذمر).
الأرض ولا يصلحون} إلى قوله: {لآية لقوم يعلمون} [النمل: 48 - 52]، فأصبحوا من تلك الليلة التي انصرفوا فيها عن صالح وجوههم مصفرة، فأيقنوا بالعذاب، وعرفوا أنّ صالحًا قد صَدَقَهم، فطلبوه ليقتلوه، وخرج صالح هاربًا منهم حتى لجأ إلى بطنٍ من ثمود يُقال لهم: بنو غنم، فنزل على سيِّدهم؛ رجل منهم يُقال له: نفيل، يكنى بأبي هُدْبٍ، وهو مشرك، فغَيَّبَه، فلم يقدروا عليه، فغدوا على أصحاب صالح، فعذَّبوهم لِيَدُلُّوهم عليه، فقال رجل من أصحاب صالح -يقال له: ميدعُ بن هرمٍ-: يا نبيَّ الله، إنّهم لَيُعَذِّبوننا لِنَدُلَّهم عليك، أفَنَدُلُّهم عليك؟ قال: نعم. فدلهم عليه ميدع بن هرم، فلما علموا بمكان صالح أتَوا أبا هدب، فكلَّموه، فقال لهم: عندي صالح، وليس لكم إليه سبيل. فأعرضوا عنه، وتركوه، وشغلهم عنه ما أنزل الله بهم من عذابه، فجعل بعضهم يُخْبِر بعضًا بما يرون في وجوههم حين أصبحوا من يوم الخميس، وذلك أنّ وجوههم أصبحت مصفرة، ثم أصبحوا يوم الجمعة ووجوههم محمرة، ثم أصبحوا يوم السبت ووجوههم مسودة، حتى إذا كان ليلة الأحد خرج صالح من بين أظهرهم ومَن أسلم معه إلى الشام، فنزل رملةَ فلسطين، وتخلَّف رجل من أصحابه يُقال له: ميدعُ بن هرمٍ، فنزل [قُرْحًا]، وهي وادي القرى، وبين القُرْحِ وبين الحِجْر ثمانية عشر ميلًا، فنزل على سيِّدهم؛ رجل يقال له: عمرو بن غُنْمٍ، وقد كان أكل من لحم الناقة، ولم يَشْرَكْ في قتلها، فقال له ميدعُ بن هرمٍ: يا عمرو بن غُنْمٍ، اخرُجْ من هذا البلد، فإن صالحًا قال: من أقام فيه هلك، ومن خرج منه نجا. فقال عمرو: ما شَرِكتُ في عَقْرِها، وما رَضِيتُ ما صُنِع بها. فلمّا كانت صبيحة الأحد أخذتهم الصيحة، فلم يبق منهم صغير ولا كبير إلا هلك، إلا جارية مُقْعَدَة يُقال لها: الزُّريْعة، وهي الكلبةُ ابنةُ السِّلْقِ، كانت كافرةً شديدة العداوة لصالح، فأطلق الله لها رجليها بعدما عاينت العذاب أجمع، فخرجت كأسرع ما يُرى شيء قط، حتى أتت أهل قُرْحَ، فأخبرتهم بما عاينت من العذاب، وما أصاب ثمود منه، ثم استسقت من الماء فسُقيت، فلما شَرِبَت ماتت
(1)
[2566]. (ز)
[2566] ذكر ابنُ عطية (3/ 600) اختلافًا في أمر الناقة: أجاء بها صالح عليه السلام من تلقاء نفسه؟ أم كانت مقترحة عليه؟
ثم رجّح مستندًا إلى آثار السلف أنها كانت مقترحة بقوله: «وهذا ألْيَق بما ورد في الآثار من أمرهم» .
_________
(1)
أخرجه ابن جرير 10/ 287 - 295، وابن أبي حاتم 5/ 1512، 9/ 2803 مختصرًا. وذكره ابن كثير في تفسيره 3/ 436 - 439.