الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
28796 -
قال مقاتل بن سليمان: {قالَ} : يا {رَبِّ أرِنِي أنْظُرْ إلَيْكَ قالَ} له ربُّه: إنك {لَنْ تَرانِي ولَكِنِ} اجعل بيني وبينك عَلَمًا هو أقوى منك، يعني: الجبل {انْظُرْ إلى الجَبَلِ فَإنِ اسْتَقَرَّ مَكانَهُ فَسَوْفَ تَرانِي} وإن لم يستقر الجبلُ مكانَه فإنّك لن تطيق رؤيتي
(1)
. (ز)
{فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ}
28797 -
عن ابن عمر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله: {فلما تجلى ربه للجبل جعله دكًا} ، قال:«أخرج خِنصَرَه»
(2)
. (6/ 560)
28798 -
عن أنس بن مالك، أنّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قرأ هذه الآية:{فلما تجلى ربه للجبل جعله دكا} ، قال:«هكذا» . وأشار بإصبعيه، ووضع طرف إبهامه على أُنمُلَةِ الخِنصَرِ، وفي لفظ: على المَفْصِلِ الأعلى مِن الخِنصَرِ «فساخ الجبلُ، وخرَّ موسى صَعِقًا»
(3)
. وفي لفظ: «فساخ الجبلُ في الأرض، فهو يَهْوِي فيها إلى يوم القيامة»
(4)
. (6/ 557)
28799 -
عن أنس -من طريق ثابت- عن النبي صلى الله عليه وسلم، في قوله:{فلما تجلى ربه للجبل} ، قال:«أظْهَرَ مِقدار هذا» . ووضع الإبهام على خِنصَرِ الإصبع الصغرى. فقال حميدٌ: يا أبا محمد، ما تريد إلى هذا؟ فضرب في صدره، وقال: مَن أنت يا حُميدُ، وما أنت يا حُميدُ؟! يُحَدِّثني أنس بن مالك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتقول أنت: ما تريد إلى هذا؟!
(5)
. (6/ 558)
(1)
تفسير مقاتل بن سليمان 2/ 61 - 62.
(2)
أخرجه ابن مردويه -كما في تفسير ابن كثير 3/ 470 - .
قال ابن كثير: «لا يصح» .
(3)
أخرجه أحمد 20/ 411 (13178)، والترمذي 5/ 310 - 311 (3328)، والحاكم 2/ 630 (4104)، وابن جرير 10/ 429، وابن أبي حاتم 5/ 1560 (8940). وأورده الثعلبي 4/ 278.
قال الترمذي: «هذا حديث حسن صحيح غريب، لا نعرفه إلا من حديث حماد بن سلمة» . وقال الحاكم: «هذا حديث صحيح على شرط مسلم، ولم يخرجاه» . وقال ابن كثير في تفسيره 3/ 470: «ورواه أبو محمد الحسن بن محمد الخلاّل
…
وقال: هذا إسناد صحيح، لا عِلَّة فيه».
(4)
أخرجه ابن مردويه -كما في تفسير ابن كثير 3/ 470 - واللفظ له، وابن الأعرابي في معجمه 2/ 490 (924) بنحوه.
(5)
أخرجه أحمد 19/ 281 (12260)، والحاكم 2/ 351 (3249)، وابن جرير 10/ 429، وابن أبي حاتم 5/ 1559 (8936)، 5/ 1560 (8940).
قال الحاكم: «هذا حديث صحيح، على شرط مسلم» . وقال ابن الجوزي في الموضوعات 1/ 122: «وهذا حديث لا يثبت» . وقال السيوطي في اللآلئ المصنوعة 1/ 30: «هذا الحديث صحيح» .
28800 -
قال عبد الله بن سلام =
28801 -
وكعب الأحبار: ما تَجَلّى من عظمة الله للجبل إلا مِثْلُ سَمِّ الخِياط، يعني: صار دَكًّا
(1)
. (ز)
28802 -
عن عبد الله بن عباس -من طريق عكرمة-: أنّ موسى لَمّا كلَّمه ربُّه أحَبَّ أن ينظر إليه، فسأله، فقال:{لن تراني ولكن انظر إلى الجبل} . قال: فحفَّ حولَ الجبل بالملائكة، وحفَّ حول الملائكة بنارٍ، وحفَّ حول النار بالملائكة، وحفَّ حولهم بنار، ثم تجلّى ربُّك للجبل، تَجَلّى منه مثل الخِنصَرِ، فجعل الجبلَ دَكًّا، وخرَّ موسى صَعِقًا، فلم يزل صَعِقًا ما شاء الله
(2)
. (6/ 561)
28803 -
عن عبد الله بن عباس -من طريق عكرمة- {فلما تجلى ربه للجبل} ، قال: ما تجلّى منه إلا قَدْرُ الخِنصَرِ
(3)
.
(6/ 558)
28804 -
حُكي عن سهل بن سعد الساعدي: أنّ الله تعالى أظهر من سبعين ألف حجاب نورًا قَدْرَ الدِّرهم، فجعل الجبلَ دَكًّا، أي: مُسْتَوِيًا بالأرض
(4)
. (ز)
28805 -
عن مجاهد بن جبر -من طريق أبي سعد-: {قال لن تراني ولكن انظر إلى الجبل} ؛ فإنّه أكبرُ منك، وأشدُّ خَلْقًا. قال: فلمّا تجلّى ربُّه للجبل، فنظر إلى الجبل لا يتمالك، وأقبل الجبلُ يَندَكُّ على أوَّلِه، فلمّا رأى موسى ما يصنعُ الجبلُ خرَّ موسى صَعِقًا
(5)
[2620]. (6/ 556)
[2620] عبَّر ابنُ عطية (4/ 41) عن قول مجاهد، فقال:«وقال مجاهد وغيره: إنّ الله عز وجل قال لموسى: {لَنْ تَرانِي}، ولكن سأتجلى للجبل الذي هو أقوى منك وأشد، فإن استَقَرَّ وأطاق الصَّبر لِهَيْبَتِي فسيُمْكِنك أنت رؤيتي» . ثم وجَّهه بقوله: «فعلى هذا إنما جعل الله الجبلَ مثالًا» . ثم نقل عن فرقة أنّ «المعنى: سأَتَبَدّى لك على الجبل، فإن اسْتَقَرَّ لعظمتي فسوف تراني» .
_________
(1)
تفسير الثعلبي 4/ 278، وتفسير البغوي 3/ 277.
(2)
أخرجه ابن جرير 10/ 419، 427، وذكر أوله عن السدي، والحاكم 2/ 576. وعزاه السيوطي إلى ابن مردويه.
(3)
أخرجه ابن جرير 10/ 427، وابن أبي حاتم 5/ 1560. وعزاه السيوطي إلى أبي الشيخ، والبيهقي في الرؤية.
(4)
تفسير البغوي 3/ 278.
(5)
أخرجه ابن جرير 10/ 430. وعزاه السيوطي إلى عبد بن حميد.
28806 -
عن مجاهد بن جبر -من طريق عبد الملك بن أبي سليمان- في قوله: {فلما تجلى ربه للجبل} ، قال: كَشَف بعض الحُجُب
(1)
. (6/ 561)
28807 -
قال الضحاك بن مزاحم: أظهر الله من نور الحُجُب مثلَ منخر ثور
(2)
. (ز)
28808 -
عن إسماعيل السُّدِّيّ -من طريق أسباط- قال: إنّ موسى عليه السلام لَمّا كلَّمه ربُّه أحبَّ أن ينظر إليه، {قالَ رَبِّ أرِنِي أنْظُرْ إلَيْكَ قالَ لَنْ تَرانِي ولَكِنِ انْظُرْ إلى الجَبَلِ فَإنِ اسْتَقَرَّ مَكانَهُ فَسَوْفَ تَرانِي} . فحفَّ حول الجبل، وحفَّ حول الملائكة بنار، وحفَّ حول النار بملائكة، وحفَّ حول الملائكة بنار، ثم تجلّى ربُّه للجبل
(3)
. (ز)
28809 -
عن أبي مَعْشَرٍ، قال: مكث موسى أربعين ليلةً لا يَنظُرُ إليه أحدٌ إلا ماتَ؛ مِن نور ربِّ العالمين، ومصداق ذلك في كتاب الله:{فلما تجلى ربه للجبل جعله دكًا}
(4)
. (6/ 562)
28810 -
قال محمد بن إسحاق، عن بعض أهل العلم الأول بأحاديث أهل الكتاب: أنّهم يجدون في تفسير ما عندهم من خبر موسى حين طلب ذلك إلى ربِّه؛ أنّه كان من كلامه إيّاه حين طمع في رؤيته، وطلب ذلك منه، ورَدَّ عليه ربُّه منه ما رَدَّ: أنّ موسى كان تَطَهَّر، وطَهَّر ثيابه، وصام للقاء ربه، فلمّا أتى طور سيناء ودنا اللهُ له في الغمام فكَلَّمه سَبَّحه، وحمده، وكبَّره، وقدَّسه، معَ تَضَرُّع وبكاء حزين، ثم أخذ في مدحته، فقال: ربِّ، ما أعظمك، وأعظم شأنك كله، من عظمتك أنّه لم يكن شيء قبلك، فأنت الواحدُ القهار، كأنّ عرشك تحت عظمتك نارًا توقد لك، وجعلت سُرادقًا من دونه سرادق من نور، فما أعظمك، ربِّ، وأعظم ملكك، جعلت بينك وبين ملائكتك مسيرة خمسمائة عام، فما أعظمك ربِّ، وأعظم ملكك وسلطانك، فإذا أردت شيئًا تقضيه في جنودك الذين في السماء، أو الذين في الأرض، وجنودك الذين في البحر؛ بعثت الريح من
(1)
أخرجه ابن أبي حاتم 5/ 1560. وعزاه السيوطي إلى أبي الشيخ.
(2)
تفسير الثعلبي 4/ 277، وتفسير البغوي 3/ 277.
(3)
أخرجه ابن جرير 10/ 419.
(4)
عزاه السيوطي إلى أبي الشيخ.
عندك لا يراها شيءٌ من خلقك إلا أنت إن شئت، فدَخَلَتْ في جوف مِن شئت من أنبيائك، فبَلغوا ما أردت من عبادك، وليس أحدٌ من ملائكتك يستطيع شيئًا من عظمتك، ولا من عرشك، ولا يسمع صوتك، فقد أنعمت عَلَيَّ، وأَعْظَمْتَ عَلَيَّ الفضل، وأحسنت إلَيَّ كُلَّ الإحسان، عَظَّمْتَنِي في أمم الأرض، وعَظَّمْتَني عند ملائكتك، وأَسْمَعْتَنِي صوتَك، وبَذَلْتَ لي كلامك، وآتيتني حِكْمَتك، فإنْ أعُدَّ نعماك لا أحصها، وإن أُرد شكرك لا أستطعه. دعوتك -ربِّ- على فرعون بالآيات العظام، والعقوبة الشديدة، فضربت بعصاي التي في يدي البحر، فانفلق لي ولِمَن معي، ودعوتُك حين أجزت البحر، فأغرقتَ عدوَّك وعدوي، وسألتُك الماء لي ولأُمَّتي، فضربتَ بعصاي التي في يدي الحَجَر، فمنه أرويتني وأُمَّتي، وسألتك لِأُمَّتي طعامًا لم يأكله أحدٌ كان قبلهم، فأمرتني أن أدعوك من قِبَل المشرق ومِن قِبَل المغرب، فناديتك من شرقي أمتي، فأعطيتني المَنَّ من مشرقي لنفسي، وآتيتهم السلوى من غَرْبِيِّهم مِن قِبَل البحر، واشتكيت الحرَّ، فناديتُك، فظَلَّلْتَ عليهم الغمام، فما أطيق نعماك عَلَيَّ أن أعدها ولا أحصيها، وإن أردت شكرها لا أستطيعها. فجِئْتُك اليومَ راغبًا طالبًا سائلًا مُتَضَرِّعًا؛ لِتُعْطيني ما مَنَعْتَ غيري، أطلب إليك وأسألك -يا ذا العظمة والعِزَّة والسلطان- أن تريني أنظر إليك، فإنِّي قد أحببتُ أن أرى وجهَك الذي لم يَرَهُ شيءٌ من خلقك. قال له ربُّ العِزَّة: ألا ترى -يا ابن عمران- ما تقول؟! تكلمت بكلام هو أعظم من سائر الخلق، لا يراني أحدٌ فيحيا، أليس في السموات معمري؟! فإنّهُنَّ قد ضعفن أن يحملن عظمتي، أوليس في الأرض معمري؟! فإنها قد ضعفت أن تسع لجندي، فلستُ في مكان واحدٍ فأتَجَلّى لعينٍ تنظر إلي. قال موسى: ربِّ، أن أراك فأموت أحبُّ إلَيَّ مِن أن لا أراك فأحيا. قال له ربُّ العِزَّة: يا ابن عمران، تكلمت بكلام هو أعظم من سائر الخلق، لا يراني أحد فيحيا. قال: ربِّ، تَمِّم عَلَيَّ نعماك، وتَمِّمْ عَلَيَّ فضلك، وتَمِّمْ عَلَيَّ إحسانك بهذا الذي سألتك، ليس لي أن أراك فأقبض، ولكن أحب أن أراك فيطمئن قلبي. قال له: يا ابن عمران، لن يراني أحدٌ فيحيا. قال موسى: ربِّ، تَمِّمْ عَلَيَّ نعماك وفضلك، وتَمِّمْ إلَيَّ إحسانك، بهذا الذي سألتُك، فأموت على إثر ذلك أحب إلَيَّ مِن الحياة. فقال الرحمنُ المُتَرَحِّم على خلقه: قد طلبتَ، يا موسى، وجئت لأُعطيتُك سُؤْلَك إن استطعت أن تنظر إلَيَّ، فاذهب فاتَّخِذْ لَوْحَيْن، ثم انظر إلى الحجر الأكبر في رأس الجبل، فإنّ ما وراءه وما دونه
مضيق لا يسع إلا مجلسك، يا ابن عمران، ثم انظر فإنِّي أهْبِط إليك وجنودي من قليل وكثير. ففعل موسى كما أمره ربُّه، نَحَتَ لوحين، ثم صعد بهما إلى الجبل، فجلس على الحجر، فلمّا استوى عليه أمر الله جنودَه الذين في السماء الدنيا، فقال: ضعِي أكْنافَك حول الجبل. فسَمِعَت السماء ما قال الربُّ، ففعلت أمره، ثم أرسل الله الصواعق والظلمة والضباب على ما كان يلي الجبل الذي عليه موسى؛ أربعة فراسخ من كل ناحية، ثم أمر اللهُ ملائكةَ السماء الدنيا أن يمُرُّوا بموسى، فاعترضوا عليه، فمَرُّوا به كثيران البقر، تنبُع أفواههم بالتَّقْدِيس والتَّسبيح بأصوات عظيمة كصوت الرَّعد الشديد، فقال موسى بن عمران عليه السلام: ربِّ، إنِّي كنتُ عن هذا غَنِيًّا، ما ترى عيناي شيئًا، قد ذهب بصرُهما من شعاع النور المُتَضَعِّفِ على ملائكة ربي. ثم أمر الله ملائكة السماء الثانية: أن اهبطوا على موسى، فاعترضوا عليه. فهبطوا أمثال الأُسْدِ، لهم لَجَبٌ
(1)
بالتسبيح والتقديس، ففزع العبدُ الضعيفُ ابنُ عمران مِمّا رأى ومِمّا سَمِع، فاقْشَعَرَّت كلُّ شعرة في رأسه وفي جلده، ثم قال: ندِمْتُ على مسألتي إيّاك، فهل ينجيني من مكاني الذي أنا فيه شيء؟ فقال له حبر الملائكة ورأسُهم: يا موسى، اصْبِر لِما سألتَ، فقليلٌ من كثير ما رأيتَ. ثم أمر الله ملائكة السماء الثالثة: أن اهبطوا على موسى، فاعْتَرِضُوا عليه. فأقبلوا أمثال النسور لهم قصف ورجف ولجب شديد، وأفواههم تنبع بالتسبيح والتقديس كجلب الجيش العظيم، أو كلهب النار، ففزِع موسى، وأَسِيَتْ
(2)
نفسُه، وأساء ظنَّه، وأَيِس من الحياة، فقال له حبر الملائكة ورأسُهم: مكانَك، يا ابن عمران، حتى ترى ما لا تصبر عليه. ثم أمر الله ملائكة السماء الرابعة: أن اهبطوا، فاعْتَرِضُوا على موسى بن عمران. فأقبلوا، فهبطوا عليه، لا يشبههم شيء من الذين مرُّوا به قبلهم، ألوانهم كلهب النار، وسائر خلقهم كالثلج الأبيض، أصواتهم عالية بالتسبيح والتقديس، لا يقاربهم شيء من أصوات الذين مرُّوا به قبلهم، فاصْطَكَّت ركبتاه، وأَرْعَدَ قلبُه، واشتدَّ بكاؤه، فقال له حبر الملائكة ورأسُهم: يا ابن عمران، اصْبِر لِما سألتَ، فقليل من كثير ما رأيتَ. ثم أمر الله ملائكة السماء الخامسة: أنِ اهبطوا، فاعترِضوا على موسى، فهبطوا عليه سبعة ألوان، فلم يستطع موسى أن يُتْبِعَهم طَرْفَه، لم يرَ مثلهم، ولم يسمع مثل أصواتهم، وامتلأ جوفُه خوفًا، واشْتَدَّ
(1)
اللَّجَبُ: الصوت والغَلَبة مع اختلاط، وكأنه مقلوب الجَلَبة. النهاية (لجب).
(2)
حزنت. لسان العرب (أسي).
حزنه، وكثر بكاؤه، فقال له حبر الملائكة ورأسُهم: يا ابن عمران، مكانَك حتى ترى ما لا تصبر عليه. ثم أمر الله ملائكة السماء السادسة: أنِ اهبطوا على عبدي الذي طلب أن يراني موسى بن عمران، فاعترِضوا عليه. فهبطوا عليه، في يدِ كُلِّ مَلَك مثل النخلة الطويلة نارٌ، أشدّ ضوءًا من الشمس، ولباسهم كلَهَب النار، إذا سَبَّحوا وقدَّسُوا جاوبهم مَن كان قبلهم من ملائكة السموات، كلهم يقولون بشدة أصواتهم: سُبُّوح قُدُّوسٌ ربُّ العِزَّة أبدًا لا يموت. في رأس كل مَلَك منهم أربعة أوجه، فلما رآهم موسى رفع صوته يُسَبِّح معهم حين سَبَّحوا، وهو يبكي، ويقول: ربِّ، اذكرني، ولا تنس عبدك، لا أدري أأنفَلِتُ مِمّا أنا فيه أم لا؟ إن خرجتُ احترقتُ، وإن مَكَثْتُ مِتُّ. فقال له كبيرُ الملائكة ورئيسُهم: قد أوشكتَ -يا ابن عمران- أن يمتلئ جوفك، وينخلع قلبك، ويشتد بكاؤك؛ فاصبر للذي جلست لتنظر إليه يا ابن عمران. وكان جبلُ موسى جبلًا عظيمًا، فأمر الله أن يحمل عرشه، ثم قال: مُرُّوا بي على عبدي ليراني، فقليل من كثير ما رأى. فانفرج الجبلُ مِن عَظَمة الرب، وغشي ضوء عرش الرحمن جبلَ موسى، ورفعت ملائكة السموات أصواتهم جميعًا، فارتجُّ الجبلُ، فاندَكَّ وكلُّ شجرة كانت فيه، وخرَّ العبدُ الضعيف موسى بن عمران صَعِقًا على وجهه، ليس معه روحه، فأرسل الله الحياة برحمته، فتَغَشّاه الروح برحمته، وقلب الحجر الذي كان عليه وجعله كالمَعِدَةِ، كهيئة القُبَّة؛ لِئَلّا يحترق موسى، فأقامه الروح مثل الأم أقامت جنينها حين يصرع، قال: فقام موسى يُسَبِّح الله، ويقول: آمنتُ أنّك ربي، وصدَّقْتُ أنّه لا يراك أحدٌ فيحيا، ومَن نظر إلى ملائكتك انخلع قلبُه، فما أعظمك ربِّ وأعظم ملائكتك، أنت رب الأرباب، وإله الآلهة، وملك الملوك، تأمر الجنود الذين هم عبيدك فيطيعونك، وتأمر السماء وما فيها فتطيعك، لا تستنكف من ذلك، ولا يعدلك شيء، ولا يقوم لك شيء، ربِّ تُبْتُ إليك، الحمد لله الذي لا شريك لك، ما أعظمك وأجلَّك، ربَّ العالمين
(1)
[2621]. (ز)
[2621] انتقد ابنُ كثير (ت: سلامة 3/ 472) هذا الأثر، فقال:«وقد ذكر محمد بن جرير في تفسيره هاهنا أثرًا طويلًا، فيه غرائب وعجائب، عن محمد بن إسحاق بن يسار، وكأنّه تلقاه من الإسرائيليات» .
_________
(1)
أخرجه ابن جرير 10/ 420 - 427. وينظر: تفسير الثعلبي 4/ 276 - 277، وتفسير البغوي 3/ 276، 277. وتقدم في تفسير أول الآية قول ابن إسحاق: وأهل الكتاب يزعمون وأهل التوراة أن قد كان لذلك تفسير وقصة وأمور كثيرة ومراجعة لم تأتنا في كتاب الله، والله أعلم.