الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
652 -
قال مقاتل بن سليمان: {أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالهُدى} ، وذلك أنّ اليهود وجدوا نعت محمد النبي صلى الله عليه وسلم في التوراة قبل أن يُبْعث، فآمَنُوا به، وظَنُّوا أنه من ولَد إسحاق عليه السلام، فلما بُعِث محمد صلى الله عليه وسلم من العرب من ولد إسماعيل عليه السلام كفروا به حَسَدًا، واشتروا الضلالة بالهدى، يقول: باعوا الهدى الذي كانوا فيه من الإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم قبل أن يُبْعث؛ بالضلالة التي دخلوا فيها بعد ما بُعث؛ من تكذيبهم بمحمد صلى الله عليه وسلم، فبِئْس التجارة، فذلك قوله سبحانه:
{فَما رَبِحَتْ تِجارَتُهُمْ وما كانُوا مُهْتَدِينَ}
من الضلالة
(1)
. (ز)
{فَمَا رَبِحَتْ تِجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ (16)}
653 -
عن قتادة -من طريق سعيد- {فَما رَبِحَتْ تِجارَتُهُمْ وما كانُوا مُهْتَدِينَ} ، قال: قد -والله- رأيْتُموهم، خرجوا من الهدى إلى الضلالة، ومن الجماعة إلى الفرقة، ومن الأمن إلى الخوف، ومن السُّنَّة إلى البدعة
(2)
[72]. (1/ 169)
654 -
قال سفيان الثوري: كلكم تاجر، فلينظر امرؤٌ ما تجارتُه؟ قال الله:{فَما رَبِحَتْ تِجارَتُهُمْ} ، وقال:{هل أدّلكم على تجارة تنجيكم من عذاب أليم} [الصف: 10]
(3)
. (ز)
{مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا}
655 -
عن عبد الله بن مسعود، وناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم -من طريق السدي، عن مرة الهمداني- = (1/ 171)
[72] نقل ابن عطية (1/ 131) في معنى: {وما كانُوا مُهْتَدِينَ} ثلاثة أقوال، فقال:«قيل: المعنى في شرائهم هذا. وقيل: على الإطلاق. وقيل: في سابق علم الله» . ثم علَّق عليها بقوله: «وكل هذا يحتمله اللفظ» .
_________
(1)
تفسير مقاتل بن سليمان 1/ 91.
(2)
أخرجه ابن جرير 1/ 330، وابن أبي حاتم 1/ 50. وعزاه السيوطي إلى عبد بن حميد.
(3)
تفسير الثعلبي 1/ 159.
656 -
وعبد الله بن عباس -من طريق السدي، عن أبي مالك وأبي صالح- في قوله:{مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نارًا} الآية، قال: إنّ أُناسًا دخلوا في الإسلام مَقْدَمَ النبي صلى الله عليه وسلم المدينة، ثم إنهم نافقوا، فكان مَثَلُهم كمَثَل رجل كان في ظُلْمة، فأوقد نارًا، فأضاءت له ما حوله من قَذًى أو أذًى، فأبصره حتى عرف ما يتَّقِي، فبينا هو كذلك إذ طُفِئَت ناره، فأقبل لا يدري ما يَتَّقي من أذى، فكذلك المنافق، كان في ظلمة الشرك، فأسلم فعرف الحلال من الحرام، والخير من الشر، فبينا هو كذلك إذ كفر، فصار لا يعرف الحلال من الحرام، ولا الخير من الشر؛ فهم صُمٌّ بُكْمٌ، فَهُمُ الخُرْس، فهُم لا يرجعون إلى الإسلام، وأما النور فالإيمان بما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم، وكانت الظلمة نفاقهم
(1)
. (ز)
657 -
وعن إسماعيل السدي -من طريق أسباط-، مثله
(2)
. (1/ 172)
658 -
عن عبد الله بن عباس -من طريق علي بن أبي طلحة- في قوله: {مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نارًا} الآية، قال: هذا مَثَلٌ ضربه الله للمنافقين أنّهم كانوا يَعْتَزُّون بالإسلام، فيناكحهم المسلمون، ويوارثونهم، ويقاسمونهم الفَيْء، فلما ماتوا سَلَبَهم الله ذلك العِزَّ، كما سلب صاحب النار ضوءَه، {وتركهم في ظلمات} يقول: في عذاب
(3)
. (1/ 170)
659 -
عن عبد الله بن عباس -من طريق العوفي- في قوله: {مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نارًا} ، قال: ضربه الله مَثَلًا للمنافق. وقوله: {ذهب الله بنورهم} ، قال: أمّا النور فهو إيمانهم الذي يتكلمون به، وأما الظُّلْمَة فهي ضلالتهم وكفرهم الذي يتكلمون به، وهم قوم كانوا على هُدًى، ثم نُزِع منهم، فعَتَوْا بعد ذلك
(4)
. (1/ 172)
660 -
عن عبد الله بن عباس -من طريق ابن إسحاق بسنده- في قوله: {مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نارًا} الآية، قال: ضرب الله مَثَلًا للمنافقين، يُبْصِرون الحق، ويقولون به، حتى إذا خرجوا من ظُلْمَة الكفر أطْفَئُوه بكفرهم ونفاقهم، فتركهم في
(1)
أخرجه ابن جرير 1/ 337 - 338، 348 - 349.
(2)
أخرجه ابن أبي حاتم 1/ 51. وعزاه السيوطي إلى ابن المنذر.
(3)
أخرجه ابن جرير 1/ 337، وابن أبي حاتم 1/ 50، 52. وعزاه السيوطي إلى ابن المنذر، والصابوني في كتاب المائتين.
(4)
أخرجه ابن جرير 1/ 338.
ظلمات الكفر، فهم لا يُبصرون هُدًى، ولا يستقيمون على حق
(1)
[73]. (1/ 173)
661 -
عن سعيد بن جبير =
662 -
ومحمد بن كعب =
663 -
وعطاء: نزلت في اليهود، وانتظارهم خروج النبي صلى الله عليه وسلم، وإيمانهم به، واستفتاحهم به على مشركي العرب، فلمّا خرج كفروا به، وذلك بأنّ قريظة والنضير و [بني] قَيْنُقاع قَدِموا من الشام إلى يثرب، حتى انقطعت النُّبُوَّة من بني إسرائيل، وأَفْضَت إلى العرب، فدخلوا المدينة يشهدون لمحمد صلى الله عليه وسلم بالنبوة، وأنّ أمّته خير الأمم، وكان يغشاهم رجل من بني إسرائيل يُقال له: عبد الله بن هَيْبان -قبل أن يُوحى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم- كلّ سنة، فيَعِظُهم على طاعة الله تعالى، وإقامة التوراة، والإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم رسولًا إذا خرج: فلا تَفَرَّقوا عنه، وانصروه، وقد كنت أطْمَع أن أُدْرِكَه. ثمّ مات قبل خروج النبي صلى الله عليه وسلم، فقَبِلُوا منه، ثم لَمّا خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم كَفَرُوا به، فضرب الله لهم هذا المَثَل
(2)
. (ز)
[73] رجَّح ابنُ تيمية (1/ 162) مستندًا إلى دلالة السُّنَّة، وأقوال السّلف أنّ هذا المَثَل هو لمن كان فيهم آمَنَ ثم كفر، فقال:«وهؤلاء الذين يُعْطَوْن في الآخرة نورًا ثم يطفأ، ولهذا قال: {فهم لا يرجعون} إلى الإسلام في الباطن، وقال قتادة ومقاتل: لا يرجعون عن ضلالهم. وقال السدي: لا يرجعون إلى الإسلام. يعني: في الباطن، وإلا فهم يظهرونه، وهذا المثل إنما يكون في الدنيا» .
وكذا رجَّحه ابنُ كثير (1/ 296).
وما رجَّحاه انتقده ابنُ جرير (1/ 341 - 342) مستندًا إلى الدلالات العقلية، فقال:«لو كان المَثَل لِمَن آمن إيمانًا صحيحًا ثم أعلن بالكفر إعلانًا صحيحًا، لم يكن هناك من القوم خداع ولا استهزاء عند أنفسهم ولا نفاق، وإذ كان القوم لم تكن لهم إلا حالتان: حال إيمان ظاهر، وحال كفر ظاهر، فقد سقط عن القوم اسم النفاق؛ لأنهم في حال إيمانهم الصحيح كانوا مؤمنين، وفي حال كفرهم الصحيح كانوا كافرين، ولا حالة هناك ثالثة كانوا بها منافقين، وفي وصف الله -جلَّ ثناؤُه- إياهم بصفة النفاق ما يُنبِئُ عن أنّ القول غير القول الذي زعمه من زعم: أنّ القوم كانوا مؤمنين، ثم ارتدوا إلى الكفر فأقاموا عليه، إلا أن يكون قائل ذلك أراد أنهم انتقلوا من إيمانهم الذي كانوا عليه إلى الكفر الذي هو نفاق. وذلك قول إن قاله لم تدرك صحته إلا بخبر مستفيض، أو ببعض المعاني الموجبة صحته، فأما في ظاهر الكتاب فلا دلالة على صحته، لاحتماله من التأويل ما هو أولى به منه» . ونقل ابن عطية (1/ 135) قولين آخرين، فقال:«وقالت فرقة: إن إقبال المنافقين إلى المسلمين وكلامهم معهم كالنار، وانصرافهم إلى مردتهم، وارتكاسهم عندهم كذهابها. وقالت فرقة: إن المنافقين كانوا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم والمؤمنين في منزلة بما أظهروه، فلما فضحهم الله، وأعلم بنفاقهم، سقطت المنزلة، فكان ذلك كله بمنزلة النار وانطفائها» .
_________
(1)
أخرجه ابن إسحاق -كما في سيرة ابن هشام 1/ 532 - ، وابن جرير 1/ 336، وابن أبي حاتم 1/ 52.
(2)
تفسير الثعلبي 1/ 160، وتفسير البغوي 1/ 69 مختصرًا عن عطاء، ومحمد بن كعب.
664 -
عن قتادة -من طريق سعيد- في قوله: {مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نارًا} ، قال: هذا مَثَل ضربه الله للمنافق، إنّ المنافق تكلم بـ «لا إله إلا الله» ، فناكَح بها المسلمين، ووارَث بها المسلمين، وعادَّ بها المسلمين، وحَقَن بها دمَه ومالَه، فلمّا كان عند الموت لم يكن لها أصلٌ في قلبه، ولا حقيقة في عمله، فسُلِبها المنافق عند الموت، فتُرِك في ظُلُماتٍ وعمًى، يَتَسَكَّع فيها كما كان أعمى في الدنيا عن حق الله وطاعته
(1)
. (1/ 174)
665 -
عن الضحّاك =
666 -
ومقاتل، نحوه
(2)
. (ز)
667 -
عن الربيع بن أنس -من طريق أبي جعفر- قال: ضَرب مثلَ أهل النفاق، فقال:{مثلهم كمثل الذي استوقد نارًا} ، قال: إنما ضوءُ النار ونورُها ما أوقَدْتَها، فإذا خمدت ذهب نورُها. كذلك المنافق، كلما تكلّم بكلمة الإخلاص أضاءَ له، فإذا شك وقع في الظلمة
(3)
. (ز)
668 -
عن عطاء الخراساني -من طريق أبي شيبة شعيب بن رزيق- في قوله: {مثلهم كمثل الذي استوقد نارا} ، قال: هذا مَثَل المنافق، يُبصِر أحيانًا، ثم يدركه عمى القلب
(4)
. (ز)
669 -
وعن عكرمة =
(1)
أخرجه ابن جرير 1/ 339، وعبد الرزاق 1/ 39 بنحوه من طريق معمر، وكذا ابن جرير 1/ 339، وابن أبي حاتم 1/ 51 مختصرًا. وعزاه السيوطي إلى عبد بن حميد.
(2)
تفسير الثعلبي 1/ 160، وتفسير البغوي 1/ 68.
(3)
أخرجه ابن جرير 1/ 340.
(4)
أخرجه ابن أبي حاتم 1/ 50.
670 -
والحسن، نحوه
(1)
[74]. (ز)
[74] رجَّح ابنُ جرير (1/ 341 - 342) مستندًا إلى الدلالات العقلية الآثارَ الدالَّة على أن المراد بالنور في المثل ما حصل في الدنيا للمنافقين من حقن دمائهم وأموالهم، وسائر وجوه الانتفاع كالمناكحة والموارثة إلخ، مُعَلِّلًا ذلك بقوله: «وذلك أن الله -جلَّ ثناؤُه- إنّما ضرب هذا المَثَل للمنافقين الذين وصف صفتهم بقوله: {ومن الناس من يقول آمنا بالله وباليوم الآخر وما هم بمؤمنين} ، لا للمُعالِنين بالكفر المجاهرين بالشرك، ولو كان المَثَل لمن آمن إيمانًا صحيحًا ثم أعلن بالكفر إعلانًا صحيحا
…
لم يكن هناك من القوم خداع ولا استهزاء عند أنفسهم ولا نفاق
…
وإن كان القوم لم تكن لهم إلا حالتان: حال إيمان ظاهر، وحال كفر ظاهر، فقد سقط عن القوم اسم النفاق».
وما رجَّحه ابنُ جرير انتقده ابنُ تيمية (1/ 162 - 164) مستندًا إلى مخالفته دلالة ألفاظ الآية، فقال بقوله: «وأما قول من قال: المراد بالنور: ما حصل في الدنيا من حقن دمائهم وأموالهم، فلفظ الآية يدل على خلاف ذلك، فإنه قال:{وتَرَكَهُمْ فِي ظُلُماتٍ لاَّ يُبْصِرُونَ صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَرْجِعُونَ} ، ويوم القيامة يكونون في العذاب، كما قال تعالى:{يَوْمَ يَقُولُ المُنافِقُونَ والمُنافِقاتُ لِلَّذِينَ آمَنُوا انظُرُونا نَقْتَبِسْ مِن نُّورِكُمْ} إلى قوله: {ولَكِنَّكُمْ فَتَنتُمْ أنفُسَكُمْ} الآية [الحديد: 13 - 14]، وقد قال غير واحد من السلف: إنّ المنافق يُعْطى يوم القيامة نورًا ثم يُطْفَأ؛ ولهذا قال تعالى: {يَوْمَ لا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ والَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعى بَيْنَ أيْدِيهِمْ وبِأَيْمانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنا أتْمِمْ لَنا نُورَنا واغْفِرْ لَنا} [التحريم: 8]. قال المفسرون: إذا رأى المؤمنون نور المنافقين يطفأ سألوا الله أن يتم لهم نورهم، ويبلغهم به الجنة
…
، فلهذا أُعْطُوا نورًا ثم طَفِئ؛ لأنهم في الدنيا دخلوا في الإيمان ثم خرجوا منه؛ ولهذا ضرب الله لهم المثل بذلك، وهذا المثل هو لمن كان فيهم آمن ثم كفر، وهؤلاء الذين يعطون في الآخرة نورًا ثم يُطْفَأ، ولهذا قال:{فَهُمْ لا يَرْجِعُونَ} ».
_________
(1)
علَّقه ابن أبي حاتم 1/ 50.