الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
{مِنَ الصَّوَاعِقِ}
760 -
عن الشَّعْبِيِّ، قال: كتب ابن عباس إلى أبي الجَلْد [جَيْلان بن فَرْوَة] يسأله عن الصواعق. فكتب إليه: أنّ الصواعق: مخاريق يُزْجَر بها السحاب
(1)
. (ز)
الآية
761 -
عن عبد الله بن مسعود، وناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم -من طريق السدي، عن مرة الهمداني- =
762 -
وعبد الله بن عباس -من طريق السدي، عن أبي مالك وأبي صالح- في قوله:{أوْ كَصَيِّبٍ} الآية، قال: كان رجلان من المنافقين من أهل المدينة هَرَبا من رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المشركين، فأصابهما هذا المطر الذي ذكر الله، فيه رعدٌ شديد وصواعقُ وبرقٌ، فجعلا كُلَّما أصابتهما الصواعقُ يجعلان أصابعهما في آذانهما من الفَرَق
(2)
أن تدخل الصواعق في مسامعهما فتقتلهما، وإذا لَمَع البرقُ مَشَيا في ضوئه، وإذا لم يلمع لم يُبْصِرا؛ قاما مكانهما لا يمشيان، فجعلا يقولان: ليتنا قد أصبحنا، فنأتي محمدًا، فنضع أيديَنا في يده. فأصبحا، فأتياه، فأسلما، ووضعا أيديهما في يده، وحسُن إسلامهما، فضرب الله شأن هَذَيْن المنافقَيْن الخارجَيْن مثلًا للمنافقين الذين بالمدينة، وكان المنافقون إذا حضروا مجلس النبي صلى الله عليه وسلم جعلوا أصابعهم في آذانهم فَرَقًا من كلام النبي صلى الله عليه وسلم أن ينزل فيهم شيء، أو يُذْكروا بشيء فيُقْتَلوا، كما كان ذانك المنافقان الخارجان يجعلان أصابعهما في آذانهما، وإذا أضاء لهم مَشَوْا فيه، فإذا كَثُرَتْ أموالهم وأولادهم وأصابوا غنيمة وفتحًا مَشَوْا فيه، وقالوا: إنّ دين محمد حينئذ صدق. واستقاموا عليه، كما كان ذانك المنافقان يمشيان إذا أضاء بهما البرق، وإذا أظلم عليهم قاموا، فكانوا إذا هلكت أموالهم وأولادهم وأصابهم البلاء قالوا: هذا من أجل دين محمد. فارْتَدُّوا كُفّارًا، كما كان ذانك المنافقان حين أظلم البرق عليهما
(3)
[82]. (1/ 171)
[82] انتَقَد ابنُ جرير (1/ 375) هذا الأثر بقوله: «وقد ذكرنا الخبرَ الذي روي عن ابن مسعود وابن عباس
…
فإن كان ذلك صحيحًا -ولست أعلمه صحيحًا، إذ كنت بإسناده مُرتابًا- فإنّ القولَ الذي رُوي عنهما هو القول، وإن يكن غيرَ صحيح فأَوْلى بتأويل الآية ما قلنا».
_________
(1)
أخرجه ابن أبي حاتم 1/ 56.
(2)
الفَرَق: الخوف. لسان العرب (فرق).
(3)
أخرجه ابن جرير 1/ 368.
763 -
عن عبد الله بن عباس -من طريق العوفي- في قوله: {أو كصيب من السماء} قال: كمطر، {فيه ظلمات ورعد وبرق} إلى آخر الآية: هو مَثَل المنافق في ضوء ما تكلم بما معه من كتاب الله، وعَمِل مُراءاةً للناس، فإذا خلا وحده عَمِل بغيره، فهو في ظُلْمَةٍ ما أقام على ذلك، وأما الظلمات فالضلالة، وأما البرق فالإيمان، وهم أهل الكتاب، {وإذا أظلم عليهم} فهو رجل يأخذ بطرف الحق، لا يستطيع أن يجاوزه
(1)
. (1/ 172)
764 -
عن عبد الله بن عباس -من طريق ابن إسحاق بسنده- في قوله: {أو كصيب} الآية، يقول: أي: هم من ظلمات ما هم فيه من الكفر، والحَذَر من القتل، على الذي هم عليه من الخلاف والتخويف منكم؛ على مثل ما وُصِف مَن الذي هو في ظُلْمَة الصَّيِّب، فجعل أصابعه في أذنيه من الصواعق حذر الموت
(2)
. (1/ 173)
765 -
عن مجاهد -من طريق ابن أبي نَجِيح- {مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نارًا فَلَمّا أضاءَتْ ما حَوْلَهُ} ، قال: أما إضاءة النار فإقبالهم إلى المؤمنين والهدى، وذهاب نورهم إقبالهم إلى الكافرين والضلالة، وإضاءة البرق وإظلامه على نحو ذلك المثل
(3)
. (1/ 174)
766 -
عن عطاء بن أبي رباح -من طريق ابن جُرَيْج- في قوله: {أو كصَيِّب من السماء فيه ظلمات ورعد وبرق} ، قال: مَثَل ضُرِبَ للكافرين
(4)
. (ز)
767 -
عن قتادة -من طريق سعيد- {أو كصيب من السماء فيه ظلمات ورعد وبرق يجعلون أصابعهم في آذانهم من الصواعق حذر الموت} ، قال: هذا مَثَل ضربه الله للمنافق لجُبْنِه، لا يسمع صوتًا إلا ظَنَّ أنه قد أُتِي، ولا يسمع صِياحًا إلا ظَنَّ أنه ميِّتٌ، أجْبَنُ قوم، وأَخْذَلُه للحق، وقال الله في آية أخرى:{يحسبون كل صيحة عليهم}
(1)
أخرجه ابن جرير 1/ 352، 369.
(2)
أخرجه ابن إسحاق -كما في سيرة ابن هشام 1/ 533 - ، وابن جرير 1/ 367، وابن أبي حاتم 1/ 54.
(3)
أخرجه ابن جرير 1/ 340، 370، وابن أبي حاتم 1/ 51. وعزاه السيوطي إلى عبد بن حميد.
(4)
أخرجه ابن جرير 1/ 373.
[المنافقون: 4]
(1)
[83].
768 -
عن قتادة -من طريق مَعْمَر- {فيه ظلمات ورعد وبرق} ، يقول: أجْبَنُ قوم، لا يسمعون شيئًا إلا إذا ظَنُّوا أنهم هالكون فيه حَذرًا من الموت، {والله مُحيطٌ بالكافرين}
(2)
. (ز)
769 -
عن إسماعيل السدي -من طريق أسباط- قال: كان المنافقون إذا حضروا مجلس النبي صلى الله عليه وسلم جعلوا أصابعهم في آذانهم فَرَقًا من كلام النبي صلى الله عليه وسلم أن ينزل فيهم شيء، أو يُذكَروا بشيء فيُقْتَلُوا
(3)
. (ز)
770 -
عن الربيع بن أنس -من طريق أبي جعفر- {فيه ظلمات ورعد وبرق} ، قال: مَثَلُهم كمَثَل قوم ساروا في ليلة مُظْلِمة، ولها مطر ورعد وبرق على جادَّة
(4)
، فلما أبرقت أبْصَرُوا الجادَّة، فمَضَوْا فيها، وإذا ذهب البرق تَحَيَّروا. وكذلك المنافق، كُلَّما تكلم بكلمة الإخلاص أضاء له، فإذا شكَّ تَحَيَّر ووَقَع في الظُّلْمة، فكذلك قوله:{كلما أضاء لهم مشوا فيه وإذا أظلم عليهم قاموا} . ثم قال في أسماعهم وأبصارهم التي عاشوا بها في الناس: {ولو شاء الله لذهب بسمعهم وأبصارهم}
(5)
. (ز)
771 -
قال مقاتل بن سليمان: مَثَل المطر مَثَل القرآن، كَما أنّ المطر حياةُ الناس
[83] انتقد ابنُ جرير (1/ 377 بتصرّف) أثرَ قتادة وأثر ابن جريج [الآتي] مُسْتَنِدًا إلى مخالفته الواقع المشاهَد، فقال:«وكان قتادة وابن جريج يَتَأَوَّلان قوله: {يجعلون أصابعهم في آذانهم من الصواعق حذر الموت} أنّ ذلك من الله -جَلَّ ثناؤُه- صفةٌ للمنافقين بالهَلَع، وضعفِ القلوب، وكراهةِ الموت، ويتأولان في ذلك قوله: {يحسبون كل صيحة عليهم} [المنافقون: 4]. وليس الأمر في ذلك عندي كالذي قالا، وذلك أنّه قد كان فيهم مَن لا تُنكر شجاعته، ولا تُدفع بسالته، وإنما كانت كراهتهم شهودَ المشاهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم لأنهم لم يكونوا في أديانهم مُسْتَبْصِرين، ولا برسول الله صلى الله عليه وسلم مُصَدِّقين، فكانوا للحضور معه مشاهدَه كارهين، إلا بالتخذيل عنه. ولكن ذلك وصفٌ من الله -جَلَّ ثناؤه- لهم بالإشفاق من حُلُول عقوبة الله بهم على نفاقهم، إمّا عاجلًا وإما آجلًا» . وأثر ابن جُرَيْج المنتقد هنا سيأتي عند تفسير قوله تعالى: {حَذَرَ المَوْتِ} .
_________
(1)
أخرجه ابن جرير 1/ 371.
(2)
أخرجه عبد الرزاق 1/ 40، وابن جرير 1/ 371.
(3)
أخرجه ابن أبي حاتم 1/ 56.
(4)
جادّة: طريق. لسان العرب (جدد).
(5)
أخرجه ابن جرير 1/ 372. وعلَّقه ابن أبي حاتم 1/ 59.
فكذلك القرآن حياةٌ لِمَن آمَن به، ومثل الظلمات يعني: الكافر بالقرآن، يعني: الضلالة التي هُمْ فيها، ومَثَل الرعد ما خُوِّفوا به من الوعيد فِي القرآن، ومَثَل البرق الذي في المطر مثل الإيمان، وهو النور الذي في القرآن، {يَجْعَلُونَ أصابِعَهُمْ فِي آذانِهِمْ مِنَ الصَّواعِقِ} يقول: مَثَل المنافق إذا سَمِع القرآن فصَمَّ أُذُنَيْه كراهية للقرآن كمَثَل الَّذِي جعل إصبعيه في أُذُنَيْه من شِدَّة الصواعق
(1)
. (ز)
772 -
قال ابن جُرَيْج -من طريق حجاج-: ليس في الأرض شيء يسمعه المنافق إلا ظَنَّ أنه يُراد به، وأنه الموت؛ كراهيةً له، والمنافق أكْرَهُ خلق الله للموت، كما إذا كانوا بالبراري في المطر فَرُّوا من الصواعق
(2)
. (ز)
773 -
عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم -من طريق ابن وهْب- في قوله: {فيه ظلمات ورعد وبرق} ، فقرأ حتى بلغ:{إن الله على كل شيء قدير} ، قال: هذا أيضًا مَثَل ضربه الله للمنافقين، كانوا قد استناروا بالإسلام، كما استنار هذا بنور هذا البَرْق
(3)
[84]. (ز)
[84] كلام المفسرين في هذا المَثَل يندرج تحت مقامين: المقام الأول: معنى المَثل: قال ابنُ جرير (1/ 373 - 374) بعد أن سرد الآثار السالفة الذكر، وسرد غيرها مما سيأتي:«وهذه الأقوال التي ذكرنا عمَّن رويناها عنه، فإنها -وإن اختلفت فيها ألفاظ قائليها- متقاربات المعاني؛ لأنها جميعًا تُنبِئ عن أنّ الله ضَرَب الصَّيِّب لظاهرِ إيمان المنافق مثلًا، ومَثَّل ما فيه من ظُلُماتٍ بضلالته، وما فيه من ضياءِ برقٍ بنور إيمانه، واتِّقاءه من الصواعق بتصيير أصابعه في أذنيه لِضَعْف جَنانِه ونخْب فؤاده من حُلول عقوبة الله بساحته، ومَشْيِه في ضوء البرق باستقامته على نور إيمانه، وقيامه في الظلام بحيرته في ضلالته وارتكاسه في عَمَهِه» . وذَكَر أيضًا: أنّ الرعدَ والصواعق ضُرِبَت مثلًا "لِما هم عليه من الوَجَل من وعيد الله إياهم
…
إما في العاجل وإما في الآجل، أن يحلّ بهم،
…
فَهُم من وجلهم أن يَكون ذلك حَقًّا يَتَّقُونه بالإقرار بما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم بألسنتهم، مخافةً على أنفسهم من الهلاك».
ووافقه ابنُ كثير (1/ 301)، واستدل بالقرآنِ على أنّ من شأن المنافقين الخوف والفزع، في قوله تعالى:{يحسبون كل صيحة عليهم} [المنافقون: 4]، وقوله:{ولَكِنَّهُمْ قَوْمٌ يَفْرَقُونَ * لَوْ يَجِدُونَ مَلْجَأً أوْ مَغاراتٍ أوْ مُدَّخَلًا لَوَلَّوْا إلَيْهِ وهُمْ يَجْمَحُونَ} [التوبة: 56 - 57].
وقريب منهما صنيعُ ابنِ عطية (1/ 140)، إلا أنّه ذكر أنّ قول الجمهور تفسير نزول الصيب بنزول القرآن، وفسر الظلمات بالعمى عن آياته، وفسر البرق بنور القرآن وحُجَجه، وزاد في تفسير الصواعق أنها تكاليف الشرع التي يكرهونها، ثم عقَّب عليه بقوله:«وكله بيِّنٌ صحيح» . ثم ذكر ما رُوِي عن ابن مسعود سالفًا من أنه قال: إن رجلين من المنافقين هربا إلخ، وكذا أنّ المنافقين كانوا يضعون أصابعهم في آذانهم في مجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم عقَّب بقوله:«وهذا وِفاقٌ لقول الجمهور» .المقام الثاني: في كون هذا المَثَل وسابقه لصنف واحد، أو كل منهما لصنف: فقد رجَّح ابنُ جرير (1/ 354 - 356) مُسْتَنِدًا إلى لغة العرب أنّهما لصنف واحد، مُسْتَدِلًّا بكون {أو} في الآية بمعنى الواو، واستشهد على ذلك بأبيات من الشعر.
وانتقده ابنُ عطية (1/ 137 - 138) بقوله: «وقال ابن جرير {أو} بمعنى الواو، وهذه عُجْمة» .
ورجَّح ابنُ تيمية (1/ 164 - 165 بتصرّف) مستندًا إلى لغة العرب، والدّلالات العقليّة كونهما مَثَلَيْن بقوله:«فإنّ المفسرين اختلفوا: هل المثلان مضروبان لهم كلهم، أو هذا المثل لبعضهم؟ على قولين، والثاني هو الصواب» . واستدل على ذلك بـ 1) دلالة {أو} ، وأنه إنما يثبت بها أحد الأمرين، وانتقد من قال إنها في الآية للتخيير، أو بمعنى الواو. 2) بالمقابلة بين المَثَلَيْن، وبيان الفروق بينهما، فقد قال تعالى في المثل الأول:{صم بكم عمي} ، وقال في المثل الثاني:{يجعلون أصابعهم في آذانهم من الصواعق حذر الموت والله محيط بالكافرين يكاد البرق يخطف أبصارهم كلما أضاء لهم مشوا فيه وإذا أظلم عليهم قاموا ولو شاء الله لذهب بسمعهم وأبصارهم إن الله على كل شيء قدير} فبيَّن في المثل الثاني أنهم يسمعون ويبصرون {ولو شاء الله لذهب بسمعهم وأبصارهم} ، وفي الأول كانوا يبصرون ثم صاروا {في ظلمات لا يبصرون صم بكم عمي} ، وفي الثاني {كلما أضاء لهم} البرق {مشوا فيه وإذا أظلم عليهم قاموا} ، فلهم حالان: حال ضياء، وحال ظلام، والأولون بقوا في الظلمة. فالأول حال مَن كان في ضوء فصار في ظلمة، والثاني حال من لم يستقر لا في ضوء ولا في ظلمة، بل تختلف عليه الأحوال التي تُوجِب مقامه واسترابته. 3) أنه قد يكون المنافق والكافر تارة مُتَّصِفًا بهذا الوصف، وتارة مُتَّصِفًا بهذا الوصف، فيكون التقسيم في المَثَلَيْن لتنوع الأشخاص، ولتنوع أحوالهم
…
وكذلك المنافق يضرب لَه المثل بمن أبصر ثم عمي، أو هو مضطرب يسمع ويبصر ما لا ينتفع به".
وبنحوه قال ابن كثير (1/ 303، 304، 306).
_________
(1)
تفسير مقاتل بن سليمان 1/ 92.
(2)
أخرجه ابن جرير 1/ 373.
(3)
أخرجه ابن جرير 2/ 371.