الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تعالى بنفسه، ثم ثنَّى بملائكته، وثلَّث بأهل العلم؛ لكفى.
وفي الحديث: «العلماء ورثة الأنبياء» ، وغاية العلم العمل، والعالم بلا عمل كالشجرة بلا ثمر، فمن عمل به سَعِدَ في الدنيا والآخرة.
(2)
[باب من سئل علمًا وهو مشتغل في حديثه]
هذا (باب) مضاف إلى (مَن) الموصولة (سُئِل) على صيغة المجهول؛ بضم السين وكسر الهمزة: جملة من الفعل والمفعول النائب عن الفاعل، صلةٌ لها (عِلمًا) بالنصب مفعولٌ ثان، (وهو مشتغلٌ في حديثه) جملة وقعت حالًا من الضمير، (فأتمَّ الحديثَ، ثُمَّ أجاب السائل) عطفه بـ (ثم)؛ لأنَّ السؤال حصل عقيب الاشتغال بالحديث، والجوابُ بعد الفراغ منه.
[حديث: إذا وسد الأمر إلى غير أهله فانتظر الساعة]
59 -
وبه قال: (حدثنا محمد بن سِنان)؛ بكسر السين المهملة وبالنونين: أبو بكر الباهلي البصري، المتوفى سنة ثلاث وعشرين ومئتين (قال: حدثنا فُلَيح)؛ بضم الفاء، وفتح اللام، وسكون المثناة التحتية، آخره حاء مهملة، وهو لقبه، واسمه عبد الملك، وكنيته أبو يحيى، ابن سليمان الخزاعي المدني، المتوفى سنة ثمان وستين ومئة.
(ح) للتحويل، قال المؤلف:(وحدثني) بالإفراد، وفي رواية:(قال: وحدثنا)(إبراهيم بن المنذر) القرشي الحزامي المدني، أبو إسحاق، المتوفى سنة ست أو خمس وثلاثين بالمدينة (قال: حدثنا محمد بن فليح) المذكور، المتوفى سنة سبع وتسعين ومئة (قال: حدثني) بالإفراد، وفي رواية:(حدثنا)(أبي) هو فُليح المذكور (قال: حدثني) بالإفراد (هلال بن علي) ويقال له: هلال بن أبي ميمون، وهلال بن أبي هلال، وهلال ابن أسامة؛ نسبة إلى جده، وقد يُظَنُّ أنَّهم أربعة، والكلُّ واحدٌ، الفهري القرشي المدني، المتوفى في آخر خلافة هشام، كذا في «عمدة القاري» ، (عن عطاء بن يسار) مولى ميمونة بنت الحارث، (عن أبي هريرة) عبد الرحمن بن صخر رضي الله عنه أنه (قال: بينما) أصله (بين) فزيدت عليه (ما)، وهو ظرف زمان بمعنى المفاجأة (النبي) الأعظم صلى الله عليه وسلم في مجلس) حال كونه (يحدِّث القوم) الجملة من الفعل والفاعل والمفعول خبر عن المبتدأ؛ وهو (النبي)، و (القوم) : الرجال دون النساء وتدخلن تَبَعًا، وجمعه: أقوام، وجمع الجمع: أقاوم، والمفعول الثاني محذوف؛ أي: الحديث؛ (جاءه)؛ أي: النبي عليه السلام (أعرابي) منسوب إلى الأعراب؛ بفتح الهمزة: سكَّان البادية، لا واحد له من لفظه، قال في «عمدة القاري» : ولم يُعرف اسم هذا الأعرابي، قلت: قيل: إنَّ اسمه رُفيع؛ فتأمَّل، وفيه استعمال (بينما) بدون (إذ) و (إذا)؛ وهو فصيح، انتهى، (فقال: متى الساعة؟) استفهام عن الوقت التي تقوم فيه القيامة، وسميت بذلك؛ لأنَّها تَفْجَأ الناس في ساعة، فيموت
(1)
الخلق كلهم بصيحة واحدة، و (الساعة) : القيامة، وأصلها (سوعة)، قلبت الواو ألفًا؛ لتحركها وانفتاح ما قبلها.
(فمضى) أي: اشتغل (رسول الله صلى الله عليه وسلم يحدِّث)؛ أي: القوم، وفي رواية:(يحدثه) بالهاء؛ أي: يحدث القوم الحديث الذي كان فيه، فلا يعود الضمير المنصوب على الأعرابي، وفي رواية:(بحديثه)، (فقال بعض القوم: سمع) عليه السلام (ما) أي: الذي (قال)؛ أي: قاله الأعرابي، (فكره) عليه السلام (ما) أي: الذي (قال)؛ أي: قاله الأعرابي، فحذف العائد، والجملة مفعول (سمع)، ويجوز أن تكون (ما) مصدرية؛ أي: سمع قوله، (وقال بعضهم: بل لم يسمع) النبي عليه السلام قوله، و (بل) حرف للإضراب، وَلِيَها هنا جملة؛ أعني قوله:(لم يسمع)؛ فكان الإضراب بمعنى الإبطال، والجملة اعتراض بين (فمضى) وبين قوله:(حتى إذا قضى)؛ أي: كمَّل وتمَّم عليه السلام (حديثَه)، وقوله:(حتى إذا) يتعلَّق بقوله: (فمضى يحدِّث) لا بقوله: (لم يسمع)، وإنَّما لم يجبه عليه السلام؛ لأنَّه كان يكره السؤال عن هذه المسألة بخصوصها، أو كان ينتظر الوحي، أو كان مشغولًا بجواب سائل آخر، ويؤخذ منه أنه ينبغي للعالم، أو القاضي، أو المفتي رعاية تقدم الأسبق فالأسبق في السؤال.
(قال) عليه السلام: (أين أُراه)؛ بضمِّ الهمزة؛ أي: أظن أنَّه قال: أين (السائل)؛ بالرفع مبتدأ مؤخر، خبره (أين) مقدمًا، و (أُراه) معترضة بين المبتدأ وخبره، وقول ابن حجر: إنَّه مرفوع على الحكاية، خطَّأه في «عمدة القاري» ؛ فليحفظ، (عن الساعة)؛ أي: عن زمانها، والشكُّ من محمد بن فُليح، و (أين) سؤال عن المكان، بُنِيَ؛ لتضمُّنه حرف الاستفهام، (قال) الأعرابي:(ها أنا) السائل (يا رسول الله)، فالسائل المقدر خبر المبتدأ الذي هو (أنا)، و (ها) بالمد: حرف تنبيه، (قال) عليه السلام:(إذا ضُيِّعت الأمانة)(إذا) تتضمن معنى الشرط، ولذا جاء جوابها بالفاء وهو قوله:(فانتظر الساعة، قال) الأعرابي: (كيف إضاعتُها)؛ أي: الأمانة يا رسول الله؟ (قال) عليه السلام مجيبًا له: (إذا وُسِّد)؛ بضم الواو مع تشديد السين؛ أي: فُوِّض وأُسْنِد (الأمرُ) المتعلِّق بالدين كالخلافة، والقضاء، والإفتاء (إلى غير أهله)؛ أي: بولاية غير أهل الدين والأمانات؛ لغلبة الجهل وضعف أهل الحق عن القيام به؛ (فانتظر الساعة)(الفاء) للتفريع أو جواب شرط محذوف؛ أي: إذا كان الأمر كذلك؛ فانتظر الساعة، وليست هي جواب (إذا) التي في قوله:(إذا وُسِّد)؛ لأنَّها لا تتضمَّن ههنا معنى الشرط، وإنَّما قال:(إلى غير أهله) ولم يقل: لغير أهله؛ ليدل على معنى تضمين الإسناد.
وفيه أنَّ الأئمة إذا قَلَّدوا الأمر لغير أهل الدين؛ فقد ضيَّعوا الأمانات؛ لأنَّ الله ائتمنهم على عباده وفرض عليهم النصح، وفيه أنَّ الساعة لا تقوم حتى يؤتمن الخائن، وفيه وجوب تعليم السائل ومراجعة العالم عند عدم فهم السائل، والله تعالى أعلم.
(3)
[باب من رفع صوته بالعلم]
هذا (باب) مضاف إلى (مَن) الموصولة (رَفَعَ صوتَه بالعلم) جملة، صلتها؛ أي: من رفع صوته بكلام يدل على العلم، فهو من باب إطلاق اسم المدلول على الدال، وإلَّا فالعلم صفة معنوية لا يتصور رفع الصوت به، أفاده في «عمدة القاري» ؛ فافهم.
[حديث: تخلف عنَّا النبي في سفرة سافرناها فأدركنا]
60 -
وبه قال: (حدثنا أبو النعمان عارم بن الفضل) واسمه محمد، وعارم لقبه، السدوسي البصري، المتوفى سنة ثلاث أو أربع وعشرين ومئتين، وسقط في رواية:(عارم بن الفضل)، وعليها شَرَحَ إمامُنا الشيخ بدر الدين العيني (قال: حدثنا أبو عَوانة)؛ بفتح العين المهملة: الوضاح اليشكري، (عن أبي بِشْر)؛ بكسر الموحدة وسكون المعجمة: جعفر بن إياس اليشكري المعروف بابن أبي وحشية، الواسطي، وقيل: البصري، المتوفى سنة أربع وعشرين ومئة، (عن يوسف)؛ بتثليث السين المهملة مع الهمز وتركه، (بن ماهَك)؛ بفتح الهاء، غير منصرف؛ للعلمية والعجمة، لأنَّه بالفارسية تصغير (ماه)؛ وهو القمر بالعربي، وقاعدتهم إذا صغروا الاسم؛ جعلوا في آخره الكاف، وفي رواية بالصرف، فلوحظ فيه معنى الصفة؛ لأنَّ التصغير من الصفات، فيصير الاسم بعلَّة واحدة؛ وهي غير مانعة، ورُوي بكسر الهاء مصروفًا، اسم فاعل من (مهكتَ الشيء مهكًا)؛ إذا بالغتَ في سحقه، وعلى قول الدارقطني: إن ماهك اسم أمه، يتعيَّن عدم صرفه؛ للعلمية والتأنيث، لكن الأكثرون على خلافه، وأنَّ اسمها مُسيكة ابنة بُهْز؛ بضم الموحدة، وسكون الهاء، وبالزاي، الفارسي المكي، المتوفى سنة ثلاث عشرة ومئة، وتمامه في «عمدة القاري» ؛ فليحفظ.
(عن عبد الله بن عَمرو)؛ بفتح العين؛ هو ابن العاصي رضي الله عنهما (قال: تخلَّف)؛ بتشديد اللام؛ أي: تأخَّر خلفنا (النبي) الأعظم، وفي رواية:(تخلَّف عنا النبي) الأعظم صلى الله عليه وسلم في سَفرة) بفتح السين المهملة (سافرناها) من مكة إلى المدينة؛ كما في «مسلم» ، (فأدركَنا)؛ بفتح الكاف؛ أي: لحق بنا النبي عليه السلام، (وقد أرهقتنا) بتأنيث الفعل؛ أي: غشيتنا (الصلاةُ) وقتها، أو حملتنا الصلاة أدائها، أو أعجلتنا لضيق وقتها، و (الصلاة) بالرفع فاعل، وروي:(أَرْهَقْنا) بالتذكير وسكون القاف؛ لأنَّ تأنيث (الصلاة) غير حقيقي، و (الصلاةَ) بالنصب مفعول؛ أي: أخرناها، و (نا) ضمير رفع، وفي الرواية الأولى: ضمير نصب، وهذه الصلاة هي صلاة العصر؛ كما في «مسلم» ، ى (ونحن نتوضأ) جملة اسمية وقعت حالًا، (فجعلنا) من أفعال المقاربة، ويستعمل استعمال (كاد)؛ أي: كِدْنا (نمسح)؛ أي: نغسل غسلًا خفيفًا؛ أي: مبقعًا حتى يُرى كأنَّه مسح؛ كذا حققه في «عمدة القاري» ، (على أرجلنا) جمع رِجل؛ لمقابلة الجمع، وإلَّا فليس لكلٍّ إلَّا رجلان، لا يقال: إنَّه يلزم أن يكون لكلِّ واحدٍ رجلٌ واحدة؛ لأنَّ المراد جنس الرِّجْل سواء كانت واحدة أو ثنتين، (فنادى) عليه السلام (بأعلى صوته: ويلٌ) بالرفع على الابتداء؛ وهي كلمة عذاب وهلاك، وقيل: إنه اسمُ وادٍ في جهنم، وقيل: صديد أهل النار، والتحقيق الأول؛ فليحفظ (للأعقاب) جمع عقب؛ وهو المستأخر الذي يُمسك شِراكَ النعل؛ أي: ويل لأصحاب الأعقاب المقصِّرين في غسلها، أو العقب هي المخصوصة بالعقوبة، وتمامه في «عمدة القاري» (من النار) قالها (مرتين أو ثلاثًا) شكٌّ من ابن عَمرو، و (أل) للعهد، والمراد: الأعقاب التي رآها لم ينلها المطهر، أو للجنس، فيكون المراد: كلَّ عقب لم يعمها الماء.
وإنَّما أخَّرت الصحابة الصلاة عن الوقت المستحب؛ محافظةً وطمعًا أن يصلُّوها مع النبي عليه السلام، وفيه دليل على وجوب غسل الرجلين في الوضوء، وفيه وجوب تعميم الأعضاء بالمطهر، وأن الجسد يعذب، وجواز رفع الصوت في المناظرة بالعلم، وفيه أن العالم ينكر ما يرى من التضييع للفرائض والسنن ويغلظ القول في ذلك، ويرفع صوته للإنكار، وغير ذلك مما سيأتي بيانه إن شاء الله تعالى، اللهم إنِّي أسألك علمًا نافعًا، ورزقًا واسعًا، وعملًا متقبلًا، وعمرًا طويلًا، وأولادًا كثيرة، يا أرحم الراحمين.
(1)
في الأصل (فتموت)، ولعل المثبت هو الصواب.
(4)
[باب قول المحدث حدثنا أو أخبرنا
وأنبأنا]
هذا (باب قول المحدِّث) اللغوي؛ وهو الذي يحدِّث غيرَه، لا الاصطلاحي؛ وهو الذي يشتغل بالحديث النبوي:(حدثنا أو أخبرنا) وفي رواية: (وأخبرنا)، (وأنبأنا)، هل فيه فرقٌ أم الكلُّ واحد؟ وفي رواية: إسقاط (وأنبأنا)، وفي أخرى: إسقاط (وأخبرنا).
(وقال) لنا (الحُمَيْدِي)؛ بضم الحاء المهملة، وفتح الميم، فياءُ تصغير، وياء نسبة: أبو بكر عبد الله بن الزبير، القرشي الأسدي المكي:(كان ابن عُيَيْنَة)؛ بضم العين المهملة، ومثناتين تحتيتين الأولى مفتوحة والثانية ساكنة، وفتحِ النون: سفيان، وفي رواية:(وقال لنا الحميدي) : («حدثنا» و «أخبرنا» و «أنبأنا» و «سمعتُ» واحدًا)؛ أي: بمعنًى واحد، لا فرقَ بين هذه الألفاظ الأربعة عند المؤلف، زاد القاضي عِياض:(وقال لنا فلان، وذكر لنا فلان، وأنه لا خلاف [في] ذلك) وإليه مال الإمام الحافظ أبو جعفر الطحاوي، وصححه ابن الحاجب، وقال الحاكم: إنه مذهب الأئمة الأربعة، والزهري، ويحيى القطان وغيرهم، وقيل: بالمنع في القراءة على الشيخ إلَّا مقيَّدًا؛ مثل: حدثنا فلان قراءةً عليه، وأخبرنا قراءةً عليه، وقيل: بالمنع في (حدثنا)، وبالجواز في (أخبرنا)، وبه قال الشافعي، ومسلم، وابن جريج، والأوزاعي، والنسائي، وهذا اصطلاح بينهم أرادوا به التمييز بين النوعين، وخصُّوا قراءةَ الشيخ بـ (حدثنا).
وفصَّل المتأخِّرون أنَّه متى سمع وحدَه من الشيخ؛ أفرد فقال: حدثني، أو أخبرني، أو سمعتُ، ومتى سمع مع غيره؛ جَمَعَ فقال: حدثنا أو أخبرنا، ومتى قرأ بنفسه على الشيخ؛ أفرد فقال: أخبرني، وخصُّوا الإنباء بالإجازة التي يشافه بها الشيخ مَن يخبره، وكله مستحسن، وليس بواجبٍ عندَهم، وتمامه في «عمدة القاري» .
(وقال ابن مسعود) عبد الله رضي الله عنه: (حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو الصادق) في نفس الأمر (المصدوق) بالنسبة إلى الله تعالى، أو إلى الناس، أو بالنسبة إلى ما قاله غيره -أي: جبريل- له، وهذا طرف من حديث وصله المؤلف في (القدر).
(وقال شَقيق)؛ بفتح المعجمة: أبو وائل بن مسلمة الأسدي الكوفي التابعي، (عن عبد الله)؛ أي: ابن مسعود، وإذا أُطلق كان هو المراد من بين العبادلة، كما أنه إذا أُطلق الإمام الأعظم؛ كان المراد به أبا حنيفة النعمان التابعي الجليل، وكذا إذا أُطلق إمام الأئمة كان هو المراد أيضًا، رضي الله عنه؛ فليحفظ.
وقيل لمالك: إمام الأئمة؛ أي: أئمة مذهبه لا إمام المجتهدين؛ لأنَّ إمام المجتهدين على الإطلاق ورئيسهم بلا نزاع إمامنا الأعظم، التابعي الجليل؛ لأنَّه شيخ مالك، ومالك شيخ الشافعي، والشافعي شيخ أحمد ابن حنبل؛ فليحفظ، ولا تغترَّ بقول بعض الناس؛ فإنَّه ناشئ عن تعصبهم وتعنتهم، وإنَّما هذا هو التحقيق؛ فليحفظ.
(سمعتُ النبي) الأعظم، وفي رواية:(سمعت من النبي) الأعظم صلى الله عليه وسلم كلمة) وهذا وصله المؤلف في (الجنائز).
(وقال حذيفة) بن اليمان صاحب سِرِّ رسول الله عليه السلام في المنافقين، العبسي الأنصاري، واسم اليمان حِسْل؛ بكسر الحاء وسكون السين المهملتين، المتوفى بالمدائن سنة ست وثلاثين بعد قتل عثمان رضي الله عنه بأربعين ليلة، ومقول قوله:(حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثين)، وهذا وصله المؤلف في (الرقاق).
فاستدل المؤلف بهذه التعاليق الثلاثة؛ حيث إن الصحابي تارة يقول: حدثنا، وتارة يقول: سمعت، على عدم الفرق بينهما، ثم عطف عليها ثلاثة أخرى فقال:(وقال أبو العالية)؛ بالمهملة والمثناة التحتية: رُفيع؛ بضم الراء وفتح الفاء: ابن مهران؛ بكسر الميم، الرياحي؛ بالمثناة التحتية والحاء المهملة، أسلم بعد موت النبي الأعظم عليه السلام بسنتين، وتوفي سنة تسعين، كذا قاله الكرماني، وتبعه ابن حجر والقسطلاني، وردَّه الشيخ الإمام بدر الدين العيني، وقال: إنه البرَّاء؛ بتشديد الراء، واسمه زياد بن فيروز البصري القرشي، المتوفى سنة تسعين؛ فافهم، (عن ابن عباس) عبد الله رضي الله عنهما، (عن النبي) الأعظم صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه عز وجل، وهذا وصله المؤلف في (التوحيد).
(وقال أنس) بن مالك رضي الله عنه، (عن النبي) الأعظم صلى الله عليه وسلم يرويه عن ربه عز وجل، وفي رواية:(فيما يرويه عن ربه)، وفي أخرى: تبارك وتعالى بدلًا عن قوله: عز وجل، وهذا وصله المؤلف في (التوحيد) أيضًا.
(وقال أبو هريرة) عبد الرحمن بن صخر رضي الله عنه، (عن النبي) الأعظم صلى الله عليه وسلم يرويه عن ربكم عز وجل؛ بكاف الخطاب مع ميم الجمع، وهذا وصله المؤلف في (التوحيد) أيضًا.
واستدل المؤلف بهذه التعاليق الثلاثة على حكم المعنعن، وأن حكمه الوصل عند ثبوت السلامة واللُّقِي، وهو مذهب جمهور المحدِّثين وغيرهم، وردَّه مسلمٌ ولم يشترط ذلك، وعلى أنَّ رواية النبي الأعظم عليه السلام إنَّما هي عن ربه سواء صرح بذلك الصحابي أم لا؛ لأنَّ ابن عباس روى عنه حديثه المذكور في موضع آخر، ولم يذكر فيه عن ربه، ولفظُ الرواية شاملٌ لجميع الأقسام المذكورة، وكذا لفظ العنعنة؛ لاحتماله كلًّا من هذه الألفاظ الثلاثة.
[حديث: إن من الشجر شجرةً لا يسقط ورقها]
61 -
وبه قال: (حدثنا قتيبة)، وفي رواية:(ابن سعيد)(قال: حدثنا إسماعيل بن جعفر) هو ابن أبي كثير الأنصاري، (عن عبد الله بن دينار) القرشي العدوي المدني مولى ابن عمر، (عن ابن عمر) عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنه (قال: قال رسول الله الله صلى الله عليه وسلم: إنَّ مِنَ الشَّجر)؛ بفتح المعجمة؛ وهو ما كان على ساق من نبات الأرض، والمراد: مِن جنسه (شجرةً) بالنصب اسم (إنَّ)، وخبرها الجار والمجرور، و (مِن) للتبعيض، وقوله:(لا يسقط ورقها) في محل نصب صفة لـ (شجرة)، وهي صفة سلبية تبين أن موصوفها مختصٌّ بها دون غيرها، (وإنَّها)؛ بكسر الهمزة عطف على (إنَّ) الأولى (مَثَلُ المسلم)؛ بفتح الميم والثاء المثلثة معًا، وفي رواية: بكسر الميم وسكون الثاء؛ كـ (شَبَه) و (شِبْه) لفظًا ومعنًى، واستعير (المثل) هنا كاستعارة (الأسد) لـ (المقدام) للحال العجيبة أو الصفة الغريبة، كأنَّه قال: حال المسلم العجيب الشأن كحال النخلة، أو صفته الغريبة كصفتها، فـ (المسلم) هو المشبَّه و (النخلة) هي المشبَّه بها، وقوله:(فحدِّثوني) فعل أمر؛ أي: إنْ عرفتموها؛ فحدِّثوني (ما هي) مبتدأ وخبر، والجملة سدتْ مسدَّ مفعولي التحديث، (فوقع الناس في شجر البوادي) جمع بادية؛ خلاف الحاضرة؛ أي: ذهبت أفكارهم إلى شجر البوادي، وجعل كل منهم يفسرها بنوع من الأنواع، وذهلوا عن النخلة، وفي رواية:(البواد) بحذف المثناة التحتية، وهي لغة.
(قال عبد الله) بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما: (ووقع في نفسي) أي: فكري (أنَّها) أي: الشجرة المسؤول عنها (النخلةُ)؛ بالرفع خبر (أن)، وبفتح الهمزة؛ لأنَّها فاعل (وقع)؛ (فاستحييت)، زاد في رواية:(فأردتُ أن أقول: هي النخلة، فإذا أنا أصغر القوم)، وفي أخرى:(فإذا أنا عاشرُ عشرة أنا أحدثهم)، وفي أخرى:(ورأيتُ أبا بكر وعمرَ لا يتكلَّمان، فكرهت أن أتكلم)، وفي أخرى:(قال عبد الله: فحدثتُ أبي بما وقع في نفسي فقال: لإنْ كنتَ قلتَها؛ أحبُّ إليَّ من أن يكون لي كذا وكذا)، زاد في أخرى:(أحسبه قال: حمر النعم).
(ثم قالوا: حدِّثْنا) بكسر الدال المهملة وسكون المثلثة (ما هي يا رسول الله، قال) عليه السلام: (هي النخلة) مبتدأ وخبر، والجملة وقعت مقول القول؛ واحدة النخل، والنخل والنخيل بمعنى واحد، الواحدة: نخلة.
وفي (التفسير) : (قال عبد الله: كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أخبروني بشجرة كالرجل المسلم لا يتحات ورقها، ولا ولا ولا)، ذكر النفي ثلاث مرات على الاكتفاء، وتفسيرُه؛ أي: ولا ينقطع ثمرها، ولا يعدم فيؤها، ولا يبطل نفعها.
وأما وجه الشبه؛ فقد اختلف فيه: فقيل: وجه الشبه: أن النخلة إذا قَطَعتَ رأسها؛ ماتت، بخلاف باقي الشجر، وقيل: لأنها لا تحمل حتى تلقح، وقيل: لأنَّها تموت إذا غرقت أو فسد ما هو كالقلب لها، وقيل: لأنَّ لطلعها رائحة المني، وقيل: لأنَّها تعشق كالإنسان، والصحيح: هو كثرة خيرها، ودوام ظلها، وطيب ثمرها، ووجودها على الدوام، فإنَّه من حين يطلع ثمرها لا يزال يؤكل منه حتى ييبس، وبعد اليُبس يتخذ منها منافع كثيرة من خشبها، وورقها، وأغصانها، فيستعمل جذوعًا، وحطبًا، وعصيًّا، وحصرًا، وحبالًا، وأواني، وغير ذلك، ثم آخرها نواها ينتفع به علفًا للإبل، ثم جمال ثباتها وحسن ثمرتها، وكلها منافع، وكذلك المؤمن خيرٌ كله؛ من كثرة الطاعات، ومكارم الأخلاق، ومواظبته على صلاته، وصيامه، وذكره، والصدقة، وسائر الطاعات، وإنما كان هذا هو الصحيح؛ لأنَّ التشبيه إنَّما وقع بالمسلم، والأقوال السابقة تشمل المسلم والكافر؛ فهي ضعيفة، والمعتمد هذا، كذا في «عمدة القاري» ؛ فليحفظ.
(5)
[باب طرح الإمام المسألة على أصحابه ليختبر ما عندهم من العلم]
هذا (باب طرحِ)؛ بالجر للإضافة؛ أي: إلقاء (الإمام المسألةَ) بالنصب مفعول المصدر (على أصحابه؛ ليختبر) أي: ليمتحن (ما) أي: الذي (عندهم) من الاختبار؛ وهو الامتحان (من العلم)(من) بيانية.
[حديث: إن من الشجر شجرة لا يسقط ورقها]
62 -
وبالسند إليه قال: