الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أن يعقد
(1)
على عائشة رضي الله عنهما، وهاجرت إلى المدينة، فلما كبرت؛ أراد طلاقها، فسألته ألَّا يفعل، وجعلت يومها لعائشة فأمسكها، توفيت آخر خلافة عمر أو زمن معاوية رضي الله عنهما سنة أربع وخمسين بالمدينة، (ليلةً)؛ بالنصب على الظرفية؛ أي: خرجت في ليلة (من الليالي عِشاءً)؛ بكسر العين المهملة، وبالمد والنصب بدل من قوله (ليلة)، والمراد به: ما بعد الغروب وقت العتمة، (وكانت) أي: سودة (امرأة طويلة)؛ أي: فلا تخفى، (فناداها عمر) أي: ابن الخطاب بعد أن عرفها قائلًا في ندائه: (ألَا)؛ بفتح الهمزة وتخفيف اللام: حرف استفتاح، ينبَّه بها على تحقق ما بعده (قد عرفناكِ) بكسر الكاف (يا سودةُ) منادى مفرد معرفة، مبني على الضم؛ (حِرصًا)؛ بكسر الحاء المهملة؛ بالنصب على أنَّه مفعول له، والعامل فيه (فناداها)، (على أن يُنزَل)؛ بضم المثناة التحتية على صيغة المجهول، و (أن) مصدرية، وسقط لفظ (على) للأصيلي، وفي رواية:(أن يَنزِل)؛ بفتح التحتية على صيغة المعلوم، و (أن) مصدرية؛ أي: على نزول (الحجابُ)؛ بالرفع على الروايتين؛ أي: حكم احتجاب النساء عن الرجال، (فأنزل الله آية الحجاب) وفي رواية:(فأنزل الله الحجاب)؛ أي: وتسترهن بالثياب، و (آية الحجاب) يحتمل أن يراد به: الجنس فيتناول الآيات الثلاثة؛ قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لأَزْوَاجِكَ
…
} الآية [الأحزاب: 59]، وقوله تعالى:{وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَاءِ حِجَابٍ} [الأحزاب: 53]، وقوله تعالى: {قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ
…
}
(2)
الآية [النور: 30]، ويحتمل أن يراد بها العهد من واحدة من هذه الثلاث.
وقيل: المراد بـ (الحجاب) في قوله: (حرصًا على الحجاب) استتارهن بالثياب حتى لا يُرَى منهن شيء عند خروجهن، وأمَّا (الحجاب) الثاني؛ فهو إرخاؤهنَّ الحجاب بينهنَّ وبين الناس، انتهى.
وعليه فالمراد بـ (آية الحجاب) : قوله تعالى: {وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا
…
} الآية بخصوصها، لكن الأظهر أن يكون المراد بـ (آية الحجاب) ما في رواية أبي عوانة في «صحيحه» من طريق الزبيدي عن ابن شهاب: (فأنزل الله الحجاب: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ
…
} الآية [الأحزاب: 53])، فهذه الرواية فسرت المراد من آية الحجاب صريحًا، وسيأتي أنَّ سبب نزولها قصة زينب بنت جحش لمَّا أوْلَمَ عليها وتأخر النفر الثلاثة في البيت، واستحى النبي الأعظم عليه السلام أن يأمرهم بالخروج، فنزلت آية الحجاب، وسيأتي أيضًا حديث عمر رضي الله عنه:(قلت: يا رسول الله إن نساءك يدخل عليهنَّ البرُّ والفاجر، فلو أمرتهن أن يحتجبن، فنزلت آية الحجاب)، وروى جرير في «تفسيره» من طريق مجاهد قال:(بينا النبي الأعظم عليه السلام يأكل ومعه بعض أصحابه وعائشة تأكل معهم؛ إذ أصابت يد رجل منهم يدها، فكره النبي الأعظم عليه السلام ذلك، فنزلت آية الحجاب)، وطريق الجمع بين هذه أنَّ أسباب نزول الحجاب قد تعددت، وكانت قصة زينب آخرها للنص على قصتها في الآية، أو المراد بـ (آية الحجاب) في بعضها:{يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلابِيبِهِنَّ} [الأحزاب: 59].
والحجب ثلاثة؛ الأول: هو الأمر بستر وجوههن، يدل عليه قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لأَزْوَاجِكَ
…
} الآية، فالحجاب الذي خص به أمهات المؤمنين هو فرض عليهن بلا خلاف في الوجه والكفين، فلا يجوز لهن كشف ذلك لشهادةٍ ولا غيرها.
الثاني: هو الأمر بإرخاء الحجاب بينهنَّ وبين الناس، يدل عليه قوله تعالى:{وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَاءِ حِجَابٍ} .
الثالث: هو الأمر بمنعهن من الخروج من البيوت إلا لضرورة شرعية، فإذا خرجن لا يظهر شخصهن كما فعلت حفصة يوم مات أبوها سترت شخصها حين خرجت، وزينب عملت لها قبة لما توفيت.
وكان لهن في التستر عند قضاء الحاجة ثلاث حالات؛ الأولى: بالظلمة؛ لأنَّهن كنَّ يخرجن بالليل دون النهار، كما قالت عائشة في هذا الحديث، وسيأتي في حديث عائشة في قصة الإفك: (فخرجت معي أم مسطح قبل المناصع؛ وهو متبرزنا، وكنا لا نخرج إلا ليلًا
…
)؛ الحديث، ثم نزل الحجاب فتسترنَّ بالثياب، لكن ربما كانت أشخاصهنَّ تتميز، ولهذا قال عمر:(قد عرفناك يا سودة)، وهذه هي الحالة الثانية، ثم لمَّا اتُّخذتِ الكنف في البيوت؛ منعنَّ عن الخروج منها وهي الحالة الثالثة، يدل عليه حديث عائشة أيضًا في قصة الإفك فإن فيها:(وذلك قبل أن تتخذ الكنف)، وكانت قصة الإفك قبل نزول الحجاب.
وقال قتادة: الحجاب كان في السنة الخامسة، وقال أبو عبيد: في الثالثة، وقال ابن إسحاق: بعد أم سلمة، وقال ابن معبد: في السنة الرابعة في ذي القعدة، كذا قرره في «عمدة القاري» ، والله تعالى أعلم.
[حديث: قد أذن أن تخرجن في حاجتكن]
147 -
وبه قال: (حدثنا) وفي رواية: (وحدثنا)، وفي أخرى:(حدثني)(زكرياء) هو ابن يحيى بن صالح اللؤلؤ البلخي الحافظ، المتوفى ببغلان، ودفن عند قتيبة بن سعيد سنة ثلاثين ومئتين (قال: حدثنا أبو أسامة) حماد بن أسامة الكوفي، (عن هشام بن عروة عن أبيه) عروة بن الزبير بن العوام، (عن عائشة) رضي الله عنها، (عن النبي) الأعظم صلى الله عليه وسلم قال)؛ أي: بعد نزول الحجاب: (قد أُذن)؛ بضم الهمزة على صيغة المجهول، والآذن هو الله تعالى، وبنى الفعل للمفعول؛ للعلم بالفاعل، وفي رواية إسقاط لفظة (قد) وهذا مقول القول، (أن)؛ أي: بأن (تَخرجن)؛ بفتح الفوقية أوله، فـ (أن) مصدرية، والتقدير: بخروجكنَّ (في حاجتكنَّ) متعلق بـ (تخرجن).
(قال هشام)؛ أي: ابن عروة المذكور، وهذا إما تعليق من المؤلف وإما مقول هشام أو عروة، وما قيل بأنه مقول أبي أسامة؛ فبعيد، كما لا يخفى:(تعني)؛ أي: تقصد عائشة بالحاجة، وفي رواية:(يعني النبي صلى الله عليه وسلم : (البَرازَ)؛ بفتح الموحدة؛ أي: الخروج إلى البراز، وهو بالنصب بقوله:(تعني)، ودلَّ قوله:(قد أذن أن تخرجن) على أنَّه لم يرد هنا حجاب البيوت، فإن ذلك وجه آخر، وإنَّما أراد أن يتسترن بالجلباب حتى لا يبدو منهن إلا العين، قاله الداودي.
وهذا الحديث طرف من حديث يأتي إن شاء الله في (التفسير) بطوله، وحاصله: أنَّ سودة خرجت بعد ما ضرب الحجاب لحاجتها، وكانت عظيمة الجسم، فرآها عمر رضي الله عنه فقال: يا سودة؛ أما والله لا تخفين علينا، فانظري كيف تخرجين، فرجعت فشكت ذلك إلى النبي الأعظم عليه السلام وهو يتعشى، فأوحى الله تعالى إليه فقال:«إنَّه قد أُذِن لكنَّ أن تخرجن لحاجتكنَّ» ؛ أي: لضرورة عدم الأخلية في البيوت، فلمَّا اتُّخِذت فيها الكنف؛ منعهنَّ من الخروج إلا لضرورة شرعية، ففيه والذي قبله فضل عمر، فإنَّه تعالى أيَّد به الدين، وهذه إحدى ما وافق فيها ربَّه، والثانية: في قوله: {عَسَى رَبُّهُ إِن طَلَّقَكُنَّ} [التحريم: 5]، والثالثة قوله:(لو اتخذتَ من مقام إبراهيم مصلًّى)، وهذه الثلاثة ثابتة في «الصحيح» ، والرابعة: موافقته في أسرى بدر، والخامسة: في منع الصلاة على المنافقين، وهاتان في «مسلم» ، والسادسة: موافقته في آية المؤمنين.
وروى أبو داود الطيالسي في «مسنده» من حديث علي بن زيد: وافقت ربي لما نزلت: {ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ} [المؤمنون: 14] فقلت أنا: {تبارك الله أحسن الخالقين} ، فنزلت، والسابعة: موافقته في تحريم الخمر، كما سيأتي في محلِّه، والثامنة: موافقته في قوله: {مَن كَانَ عَدُوًّا لِّلَّهِ وَمَلائِكَتِهِ
…
}؛ الآية [البقرة: 98]، ذكره العلَّامة الزمخشري، وفي «جامع الترمذي» مصحَّحًا عن ابن عمر: ما نزل بالناس أمر قطُّ فقالوا فيه وقال عمر فيه، إلا نزل فيه القرآن على نحو ما قال عمر، وقال ابن العربي: إنَّه وافق ربه تعالى تلاوة ومعنًى في أحد عشرة موضعًا.
وفي الحديث: جواز كلام الرجال مع النساء في الطرق، وجواز وعظ الإنسان أمَّه في البر، وجواز الإغلاظ في القول والعتاب إن كان قصده الخير.
وفيه: التزام النصيحة لله ولرسوله، وجواز تصرف النساء فيما لهن حاجة إليه؛ لأنَّ الله أذن لهنَّ في الخروج إلى البَراز بعد نزول الحجاب، فلما جاز ذلك لهنَّ؛ جاز لهنَّ الخروج إلى غيره من مصالحهنَّ الضرورية، وقد أمر عليه السلام بالخروج إلى العيدين، ولكن في هذا الزمان لما كثر الفساد ولا يؤمن عليهنَّ من الفتنة؛ ينبغي أن يمنعن من الخروج إلا عند الضرورة الشرعية، كذا في «عمدة القاري» .
هذا في زمانه فكيف في زماننا؟! فلا يبعد القول بالوجوب؛ لكثرة الفساد، وأهل الفسق والملاهي، واتباع الشهوات، وعدم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لا سيما من أهله، وقد صار الأمر بالمعروف منكرًا، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، إنَّه على ما يشاء قدير.
(14)
[باب التبرز في البيوت]
هذا (باب التبرز) مصدر (تبرَّز)؛ أي: قضاء الحاجة (في البيوت) أشار بهذه الترجمة إلى [أن] خروج النساء للبراز لم يستمر؛ بل اتُّخِذت بعد ذلك الأخلية والمرتفعات في البيوت، فاستُغنِي عن الخروج إلا لضرورة.
[حديث: ارتقيت فوق ظهر بيت حفصة لبعض حاجتي]
148 -
وبه قال: (حدثنا) بالجمع، وفي رواية: بالإفراد (إبراهيم بن المنذر)؛ بضم الميم، وسكون النُّون، وكسر الذال المعجمة، بلفظ اسم الفاعل من الإنذار، الحراني القرشي (قال: حدثنا أنس بن عِياض)؛ بكسر العين المهملة، أبو ضمرة الليثي المدني، المتوفى سنة مئتين عن ست وتسعين سنة، (عن عبيد الله)؛ بالتصغير، ابن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب أبو عثمان القرشي المدني، المتوفى سنة سبع وأربعين ومئة، (عن محمد بن يحيى بن حَبَّان)؛ بفتح الحاء المهملة وتشديد الموحدة، (عن) عمه (واسع بن حبان) المذكور (عن عبد الله بن عمر)؛ أي: ابن الخطاب رضي الله عنهما، (قال)؛ أي: عبد الله: (ارتقيتُ)؛ أي: صعدت (فوق ظهر بيت حفصة)؛ يعني: أخته كما صرح به مسلم (لبعض حاجتي)، ولفظ:(ظهر) ساقط في رواية، وفي الرواية السابقة:(على ظهر بيتٍلنا)، وفي رواية تأتي:(على ظهر بيتنا)، وطريق الجمع: أن إضافة البيت إليه مجازٌ؛ لكونها أخته، وإضافته إليها باعتبار أنه البيت الذي أسكنها النبي الأعظم عليه السلام فيه - [لا]
(1)
في بيت عمر- يعرف بها، واستمر في يدها إلى أن ماتت فورثه عنها، وإضافته إلى نفسه باعتبار ما آل إليه الحال؛ لأنَّه ورثها دون إخوته؛ لكونها كانت شقيقته، (فرأيت)؛ أي: أبصرت، فلا يقتضي إلا مفعولًا واحدًا (رسول الله صلى الله عليه وسلم حال كونه (يقضي حاجته) فالجملة محلها النصب على الحال، وحال كونه (مستدبر القبلة)؛ أي: جاعلها خلفه؛ أي: بالاستنجاء، كما يدل عليه حديث النهي عن استقبال القبلة واستدبارها، أو كان في مهبِّ الريح فخشي أن يعود عليه أو غير ذلك، وعلى كلِّ؛ فحديث النهي مقدَّم على هذا من وجوه ذكرناها في الباب قبله، (مستقبل الشأم)؛ بالهمز وترْكه؛ أي: جاعلها قدَّامه، لا يقال: شرط الحال أن يكون نكرة؛ لأنَّا نقول: إضافته لفظية لا تفيد التعريف، وفائدة ذكره: التأكيد والتصريح به، وإلا فمستقبل الشام في المدينة مستدبر القبلة قطعًا، وفي الرواية السابقة:(مستقبلًا بيت المقدس)، وكذا في الرواية الآتية، ولا منافاة فإنَّ العبارة مختلفة والمعنى واحد؛ لأنَّهما في جهة واحدة.
[بابٌ]
هذا (بابٌ) بالتنوين، وهو ساقط في رواية، بغير ترجمة.
[حديث ابن عمر: لقد ظهرت ذات يوم على ظهر بيتنا فرأيت]
149 -
وبه قال: (حدثنا يعقوب بن إبراهيم) بن يوسف الدورقي (قال: حدثنا يزيد)؛ أي: ابن هارون -كما صرح به الأصيلي وأبو الوقت- ابن زاذان؛ بالزاي والذال المعجمة، أبو خالد الواسطي الذي كان يحضر مجلسه ببغداد سبعون ألفًا، المتوفى بواسط سنة ست ومئتين عن ثمانٍ وثمانين سنة، (قال: أخبرنا يحيى)؛ أي: ابن سعيد الأنصاري المدني الذي روى عنه مالك هذا الحديث كما سبق، ((عن محمد بن يحيى بن حَبَّان)؛ بفتح الحاء المهملة وتشديد الباء الموحدة:(أن عمه واسع بن حبان) المذكور (أخبره: أن عبد الله بن عمر)؛ أي: ابن الخطاب رضي الله عنهما، (أخبره قال: لقد ظهرت)؛ بالظاء المشالة؛ أي: علوت وارتفعت، مؤكد بـ (قد) واللام، (ذات يوم)؛ أي: يومًا، من إضافة المسمَّى إلى اسمه، أي: ظهرت في زمان هو مسمى لفظ اليوم وصاحبه، ويحتمل أن يكون من إضافة العام إلى الخاص؛ أي: ظهرت نفس اليوم، فيفيد التأكيد؛ أي: اليوم نفسه، وإنَّما لم ينصرف (ذات يوم) و (ذات مرة)؛ لأنَّ إضافتها من قبيل إضافة المسمَّى إلى الاسم كما ذكرنا؛ ولأنَّ (ذات) ليس لها تمكُّن في ظروف الزمان؛ لأنَّه ليس من أسماء الزمان.
وزعم السهيلي: أن (ذات مرة) و (ذات يوم) لا يتصرفان في لغة خثعم ولا غيرها، وحكي عن سيبويه: أنَّه ادَّعى جواز التصرف في لغة خثعم، كذا في «عمدة القاري» .
(على ظهر بيتنا) متعلق بـ (ظهرت)، (فرأيت)؛ أي: أبصرت، فلا يطلب إلا مفعولًا واحدًا (رسول الله صلى الله عليه وسلم حال كونه (قاعدًا على لَبِنتين)؛ بفتح اللام وكسر الموحدة، تثنية: لَبِنة: الطوب النيء (مستقبلَ بيتِ المقدس)؛ بالنصب على الحال، حال بعد حال مترادفة أو متداخلة، واستغنى هنا عن (مستدبر القبلة) كما وقع في الرواية السابقة؛ لأنَّه لازم لمستقبل بيت المقدس بالمدينة، وعبَّر هنا بـ (بيت المقدس)، وفي السابقة بـ (الشام)؛ للتفنن، وإلَّا فالمراد منهما واحد، وقعوده عليه السلام كان إما للاستنجاء، واختاره لكونه خاليًا من الناس؛ لأنَّ كشف العورة له حرام، أو إمَّا للبول أو الغائط؛ حيث كان في مهبِّ الريح، فاختار استدبار القبلة؛ لأنَّه أخفُّ، فإنه لو شرَّق أو غرَّب؛ عاد عليه الخارج بسبب الريح، فارتكب أخفَّ الضررين؛ أحدهما: هذا، والثاني: حرمة استقبال القبلة واستدبارها؛ لأنَّه قول منصوص عليه من النبي الأعظم عليه السلام، وهو أولى من الفعل عند المحققين، وذكرنا بقية الكلام عليه في باب (لا يستقبل القبلة بغائط أو بول)؛ فافهم، والله أعلم.
وفي يوم الاثنين العشرون من ذي الحجة آخر سنة ست وسبعين ومئتين وألف قامت الإسلام على النصارى في ديارنا الشريفة الشامية، فأحرقوا بيوتهم وكنائسهم، وهدموا أماكنهم، ونهبوا أموالهم، وقتلوا بعضهم، ونعوذ بالله من الفتن ما ظهر منها وما بطن، ولا حول ولا قوة إلا بالله تعالى.
(15)
[باب الاستنجاء بالماء]
هذا (باب) حكم (الاستنجاء بالماء) المطلق، (استفعال)؛ أي: طلب الإنجاء، والهمزة للسلب والإزالة؛ كالاستعتاب؛ لطلب الإعتاب لا العتب، وهو إزالة النجو؛ أي: الأذى الباقي في فم المخرج، وأكثر ما يستعمل في الماء، وقد يستعمل في الأحجار، وأصله من النجو؛ وهو القَشْر والإزالة، وقيل: من النجوة؛ لاستتارهم به أو لارتفاعهم وتجافيهم عن الأرض عند ذلك، أو من النجو؛ بمعنى: القطع؛ لأنَّه يقطع عنه الأذى بالماء أو الحجر، والنجو: ما يخرج من البطن، يقال: نجا وأنجى؛ إذا أحدث، وفي اصطلاح الفقهاء: هو إزالة النجو عن أحد المخرجين بالماء أو بالحجر، وظاهره: أن النجاسة تزول بالحجر بالكلية حتى لو دخل الماء القليل لا ينجسه، وهو قول في المذهب كما في «السراج» وغيره، لكن ذكر في «البزازية» و «الخلاصة» وغيرهما: أن حكم النجاسة بعد الحجر باقٍ حتى لو دخل الماء القليل نجَّسه؛ بناء على أنَّ الحجر مخفِّف لا قالع، كما في «فتح القدير» فهما قولان مصحَّحان كما في «منهل الطلاب» .
والفرق بين الاستنجاء والاستبراء والاستنقاء: أنَّ الاستنجاء: استعمال الماء أوالحجر، والاستبراء: نقل الأقدام والركض بها ونحو ذلك حتى يستيقن بزوال أثر البول، والاستنقاء: هو النقاوة؛ وهو أن يدلك بالأحجار حال الاستجمار، أو بالأصابع حال الاستنجاء بالماء حتى تذهب الرائحة الكريهة، هذا هو الأصحُّ في الفرق بينها كما في «المقدمة الغزنوية» .
وأشار المؤلف بهذه الترجمة كما في «عمدة القاري» الرد على من كره الاستنجاء بالماء، وقال: إنه للنساء، وعلى من نفى وقوعه من النبي الأعظم عليه السلام.
[حديث أنس: كان النبي إذا خرج لحاجته أجيء أنا وغلام]
150 -
وبه قال: (حدثنا أبو الوليد هِشام) بكسر الهاء (بن عبد الملك) الطيالسي البصري، (قال: حدثنا شعبة) : هو ابن الحجاج، (عن أبي مُعاذ)؛ بضم الميم وبالذال المعجمة، (واسمه عطاء بن أبي ميمونة) البصري التابعي مولى أنس بن مالك أو عمران بن حصين، المتوفى بعد الطاعون في البصرة، سنة إحدى وثلاثين ومئة، وفي نسخة: الاقتصار على قوله: (عن أبي معاذ)، قيل: إنه يرى القدر، (قال: سمعت أنس بن مالك) رضي الله عنه حال كونه (يقول) فالجملة حال محلها النصب: (كان) أتى بها؛ لأنَّها تشعر في مثل هذا بالتكرار والاستمرار لمدخولها (النبي) الأعظم صلى الله عليه وسلم، وفي رواية:(رسول الله)، وعلى الروايتين فهو مرفوع بـ (كان) على أنَّه اسمها (إذا خرج)؛ أي: من بيته أو من بيت غيره (لحاجته) اللام: للتعليل؛ أي: لأجل قضائها، وهي البول أو الغائط، وجملة قوله:(أجيء أنا وغلام) خبر (كان) حذف منه العائد؛ تقديره: أجيئه أنا وغلام معي، ويدل عليه الرواية الآتية:(تبعته أنا وغلام منَّا)؛ أي: من الأنصار، وكلمة (إذا) للظرف المحض، ويحتمل أن يكون فيها معنى الشرط، وجوابه: قوله: (أجيء) والجملة تكون في محل نصب على أنَّها خبر (كان)، وكلمة (أنا) مرفوع (أبرز)
(2)
؛ ليصح عطف (غلام) على ما قبله؛ لئلَّا يلزم عطف اسم على فعل،
(1)
(لا) : ليس في الأصل، ولعل الصواب إثباتها.
(2)
كذا في الأصل، ولعل الصواب:(أجيء).