الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحي إذا لم يكن مستجمرًا بالأحجار) انتهى.
قلت: واعتراضه مردود عليه، فإن قوله:(لا تقول بنجاسة البئر) ممنوع؛ فإن ابن عباس، وابن الزبير، وغيرهما أفتوا بنزح الماء الذي في بئر زمزم حين وقع فيه زنجي ومات، كما هو مبسوط في محله، وليس هذا إلا لنجاسته بالموت؛ إذ لو خرج حيًّا؛ لم ينزح الماء.
وقوله: (وأما في حمل المصلي
…
) إلخ هذا كلام متناقض؛ فافهم؛ لما وافقوه
(1)
في عدم صحة صلاة حامله؛ يلزمهم القول بنجاسته، وتعليلهم بأنه (لما في جوفه) متناقض؛ لأنَّ الحي كذلك ممتلئ جوفه من النجاسة؛ فيلزم على قولهم: إن الحي لا تجوز صلاة حامله وهو ممنوع بالإجماع.
وقوله: (بخلاف الحي
…
) إلخ هذا تناقض؛ لأنَّ قوله: (لما في جوفه) كذلك الحي، فإن جوفه مملوء، ألا ترى أن الشافعي قال:(إن الميت نجس، وما ذاك إلا لتنجسه بالموت)، وإن كان له قولًا بالطهارة؛ فقد وافق أهل العراق وهو منقول عن مالك أيضًا، كما قدمناه.
وقوله: (إذا لم يكن
…
) إلخ؛ يعني: إذا كان الحي مستجمرًا بالأحجار وحمله آخر وصلى به؛ فصلاته صحيحة.
قلت: وفيه أن الحجر غير مزيل للنجاسة، بل تبقى عينها بعد الاستجمار، بخلاف الماء، ألا ترى أنه لو وقع في الماء القليل؛ فإنه ينجسه، وما هذا [إلا من] التناقض، فحفظت شيئًا وغابت عنك أشياء؛ فافهم.
ونقل ابن العربي الإجماع على طهارة الشهيد بعد الموت، والأنبياء عليهم السلام أحياء في قبورهم) انتهى.
قلت: ولهذا يعفى عن دم الشهيد ما دام عليه، ولو وقع الشهيد في الماء القليل؛ لا يفسده إلا إذا سال منه الدم؛ فافهم.
وأما مدمن شرب الخمر؛ فالصحيح في مذهب الإمام الأعظم أن عرقه طاهر، وقيل: إنه نجس؛ لأنَّه لما صار الخمر عادة له ويتغذى منه؛ كالماء؛ كان عرقه نجسًا، والصحيح الأول؛ فليحفظ.
وقال في «عمدة القاري» : (وفي الحديث استحباب احترام أهل الفضل وأن يوقرهم جليسهم ومصاحبهم، فيكون على أكمل الهيئات، وأحسن الصفات، وقد استحب العلماء لطالب العلم أن يحسن حاله عند مجالسة شيخه، فيكون متطهرًا متنظفًا بإزالة الشعوث المأمور بإزالتها؛ نحو: قص الشارب، وقلم الأظفار، وإزالة الروائح المكروهة، وغير ذلك، وفيه: التسبيح عند التعجب من الشيء واستعظامه).
وقال: (وفيه: من الآداب أن العالم إذا رأى من تابعه أمرًا يخاف عليه فيه خلاف الصواب؛ سأله عنه، وقال له صوابه، وبين له حكمه).
قال: (وفيه: جواز انصراف الجنب في حوائجه قبل الاغتسال ما لم يفته وقت الصَّلاة).
وقال: (وفيه: أن النجاسة إذا لم تكن عينًا في الأجسام لا يضرها، فإن المؤمن طاهر الأعضاء، فإن شأنه المحافظة والنظافة) انتهى.
وزعم ابن حجرأن في الحديث: استحباب استئذان التابع للمتبوع إذا أراد أن يفارقه.
ورده صاحب «عمدة القاري» : (بأن هذا بعيد؛ لأنَّ الحديث المذكور لا يفهم منه ذلك لا من عبارته، ولا من إشارته، ولا في التابع والمتبوع؛ لأنَّ أبا هريرة لم يكن في تلك الحالة تابعًا للنبيِّ صلى الله عليه وسلم في مشيه، وإنما لقيه النبيُّ صلى الله عليه وسلم في بعض طرق المدينة، كما هو نص الحديث) انتهى.
واعترضه ابن حجر في «الانتقاض» ، فزعم أن ذلك مبلغهم من العلم، أما توجيه الدعوى؛ فإنها مأخوذة من قوله:«أين كنت؟» ؛ لأنَّه لما لقيه؛ ماشاه، كما في رواية الباب الذي يليه:(ثم انخنس فتفقده، فلما رجع إليه؛ قال له: «أين كنت؟»)، فلو كان استأذنه في التوجه للاغتسال؛ لم ينكر عليه، فيؤخذ منه استحباب الاستئذان، وإنكار كون أبي هريرة تابعًا والنبيُّ [صلى الله عليه وسلم] متبوعًا معاندة، لا سيما وقد وقع في رواية الباب الذي بعده:(فمشيت معه)، ومن العجب أن المعترض غفل عن اعتراضه هذا فقال: من حسن الأدب مع من مشى مع رئيسه ألا ينصرف عنه، ولا يفارقه حتى يعلمه بذلك؛ لقوله لأبي هريرة:«أين كنت؟» ، فدل على استحباب ألَّا يفارقه حتى يعلمه؛ فانظر وتعجب) انتهى.
قلت: ويناسب القول هنا وهو زاد في الطنبور نغمة: حفظت شيئًا وغابت عنك أشياء؛ فإن قوله: (أما توجيه الدعوى
…
) إلخ فاسد غير ظاهر؛ لأنَّ هذا الباب ليس له تعلق في الباب الذي بعده، وقد ظهر التفاوت والاختلاف بينهما لمن له أدنى ذوق في العلم في رجاله، ومتنه، وألفاظه، كما لا يخفى على من له أدنى فطنة، فأين يؤخذ الاستنباط في باب من باب آخر؟ ويستدل لباب من باب آخر، أما علمت أن كل باب مترجم بترجمة خاصة به، وأحاديثه خاصة به أيضًا، فكيف يسمع هذا الكلام؟ وما هو إلا معارضة ومكابرة بالمحسوس على أن قوله مأخوذ
(2)
من قوله: «أين كنت؟
…
إلخ» فاسد أيضًا، فإنه لا يفهم هذا منه؛ لأنَّ غايته السؤال عن حاله في أي مصلحة كان، فهذا لا يدل على ما قاله هذا القائل، وما هو إلا رجم بالغيب.
وقوله: (فتفقده) هذا ليس موجودًا في هذا الباب ولا في الباب الذي بعده عند جميع الرواة، فمن أين جاء به؟ فهو محض افتراء وكذب مختلق مصنوع، وقد زعم الشافعية أنه حافظ والحافظ هو المتقن وهو الذي يضبط ألفاظ الرواة، فزيادته لفظة:(فتفقده) لم توجد عند الرواة في البابين، فمن أين له هذه اللفظة؟ وهذا يدل على عدم حفظه وإتقانه، وأنه كآحاد الناس؛ فافهم ذلك.
وقوله: (فلما رجع إليه
…
) إلخ هذا ترويج لكلامه وهو لا يفيد ما زعمه، كما لا يخفى.
وقوله: (فلو كان استئذانه
…
) إلخ ممنوع؛ فإنه لم يحصل منه ذلك أصلًا لا قولًا، ولا فعلًا، ولا دلالة، فمن أين يؤخذ منه استحباب الاستئذان؟ وما هو إلا مأخذ أوهى من بيت العنكبوت، وباطل لا دليل عليه.
وقوله: (وإنكار كون أبي هريرة
…
) إلخ فاسد ومحض افتراء؛ لأنَّ رواية الباب الذي بعده لا تدل عليه؛ لما علمت أن هذا الباب والباب الذي بعده لا تعلق لأحدهما في الآخر؛ لأنَّ ما ذكر في هذا الباب قصة واحدة، وكذلك ما ذكر في الباب الذي بعده قصة واحدة، لا تعلق لأحدهما في الأخرى، فكيف يستدل على هذا بما في الباب الذي بعده؟ وما هو إلا استدلال فاسد، ومكابرة ظاهرة، ومعاندة، وتعصب، وشدة بني إسرائيل.
وقوله: (لا سيما
…
) إلخ هذا غاية دليله ولا يخفى فساده؛ لأنَّه لا يدل على ما زعمه هذا القائل الذي قال ولا يدري ما يقول.
وقوله: (وهذا المعترض
…
) إلخ هذا يقال له: مبين الحق لأهل الغفلة والعناد وهو لم يغفل أصلًا، بل الغافل المخطئ هذا القائل؛ فإن في الباب الذي بعد هذا الباب يدل صريحًا لما قاله إمام الشارحين: (أن من حسن الأدب
…
) إلخ؛ لقول أبي هريرة في الباب الآتي: (فأخذ بيدي، ومشيت معه حتى قعد فانسللت منه
…
) إلى أن قال: (ثم جئت وهو قاعد، فقال: «أين كنت يا أبا هريرة؟»)؛ يعني: لمَ
(3)
ذهبت ولمْ تعلمني بذهابك؟ فهو يدل صريحًا على أنه عليه السلام استحب ألا يفارقه حتى ينصرف معه، كما لا يخفى وقد خفي هذا على المتعنت، فمنعه واعترض ولا يخفى أن اعتراضه مردود عليه؛ فإنه لم يفهم ما تضمنه قصة هذا الباب ولا ما تضمنه القصة في الباب بعده، فخلط هذه القصة في القصة الآتية.
وقوله: (فانظر وتعجب) لا نظر ولا تعجب في هذا؛ لأنَّه قد استدل بدليل صريح يفهمه من له أدنى ذوق في العلم، وإنما النظر والتعجب في كلام هذا القائل حيث ركب فيه متن عَمياء، وخبط خبط عشواء وقال ولا يدري ما يقول، فهذا كلام ابن حجر رئيس الشافعية، وقرَّ أن خراب الدنيا إذا مُثِّل هذا رئيس؛ فافهم.
وزعم العجلوني فقال: ظن صاحب «عمدة القاري» أن الآتي في الباب الثاني قصة أخرى؛ لأنَّه ماشاه فيها، وأما هنا؛ فقال:(لقيه) ولم يقل: ماشاه، فلذا أبدى ما أبداه في الثاني وإن كان تابعًا للكرماني في ذلك، وأما هنا؛ فاعترض على من أبدى، والظاهر: كما يفهم من ابن حجر أنها قصة، وأنه هنا ماشاه أيضًا لما لقيه وانخنس عنه حين قعد مستخفيًا؛ فتأمل.
قلت: كل الديوك ادكدكت ما بقي إلا أبا أنبرة، فهذا كلام فاسد؛ لأنَّ قوله: (ظن
…
) إلخ هذا ليس بظن؛ لأنَّه يحتمل الأمرين، بل هو حق ويقين؛ فإن الذي في الباب الآتي قصة أخرى بدليل اختلاف الرجال، والمتن، والألفاظ، وهو دليل على اختلاف القصة، كما لا يخفى.
وقوله: (فلذا أبدى
…
) إلخ الحق أن هذا
(1)
في الأصل: (واقفون)، وليس بصحيح.
(2)
في الأصل: (مأخوذة)، ولعل المثبت هو الصواب.
(3)
في الأصل: (لما)، وليس بصحيح.
يفهم من الثاني لا من الأول؛ لاختلاف الألفاظ بينهما، وكل لفظ يدل على استنباط على حدة لا تعلق له بغيره لا كما زعمه ابن حجر، فإنه غير مصيب، كما لا يخفى.
وقوله: (وإن كان تابعًا
…
) إلخ ليس يفهم منه أنه تابعه؛ لأنَّه لم يتعرض له بشيء، بل ذكر هذا من فهمه وحذاقته؛ فليس فيه ما يدل على أنه تابع له.
وقوله: (وأما هنا
…
) إلخ؛ فإنه لما لم يكن في حديث الباب هنا من كونه ماشاه، بل فيه:(لقيه) وهو لا يدل على المماشاة؛ لأنَّ اللقي الاجتماع بالشخص فقط من غير مماشاة ولا غيرها، كما دل على ذلك كلام أهل اللغة، فاعتراضه عليه متوجه صواب، كما لا يخفى على أولي الألباب.
وقوله: (والظاهر
…
) إلخ ممنوع؛ فإن حق الظاهر أن يظهر من لفظ الحديث لا من كلام هذا القائل؛ لأنَّه يقرر ويتكلم على حسب مراده وهو غير مصيب؛ فلا يعتمد عليه؛ لوقوع الخلل فيه على أنه لا يفهم هذا الظاهر من كلامه، بل إنه لما اضمحل كلامه؛ استند إلى رواية الباب الآتي وهي لا تفيده شيئًا؛ لأنَّ بينهما فرقًا بيِّنًا فهذا الظاهر غير ظاهر، بل مبني على ما فهمه وهو فهم سقيم، على أن الحق الذي هو أحق أن يتبع: أن ما ذكر في هذا الباب قصة غير القصة التي ذكرت في الباب الآتي، فهما قصتان مختلفتان رجالًا، ومتنًا، وألفاظًا، وغير ذلك.
وقوله: (وأنه هنا ماشاه أيضًا
…
) إلخ ممنوع؛ فإنه لم يذكر في الحديث هنا أنه ماشاه لما لقيه، ولا انخنس عنه حين قعد، فإن ذلك كله غير مذكور هنا ولا يفهم منه لا قولًا، ولا فعلًا، ولا إشارةً، ولا دلالةً، وغاية: ما فيه أنه لقيه في الطريق وانخنس عنه فيه، وهذا ظاهر في عدم دلالته على ما زعمه هذا القائل، وليس فيه أنه قعد مستخفيًا، ولا ما يدل على ما زعمه هذا الزاعم، فكيف يثبت شيئًا في الحديث وهو غير مذكور فيه؟ وما هو إلا افتراء وجراءة، وكيف يجعلهما قصة واحدة؟ وما هي إلا دعوى باطلة لا دليل عليها، فقد زاد في الطنبور نغمة هذا القائل وحذا حذو ابن حجر في التعصب، والتعنت، والمكابرة الظاهرة، والعناد، ومن دق الباب؛ سمع الجواب، كما لا يخفى على أولي الألباب؛ فافهم.
وزعم ابن حجر أنه بوَّب على استحباب استئذان التابع ابنُ حبان، وفيه الرد على من زعم أن الجنب إذا وقع في البئر فنوى الاغتسال؛ أن ماء البئر ينجس.
ورده صاحب «عمدة القاري» فقال: (قلت: هذا الرد مردود حينئذٍ؛ لأنَّ الحديث لا يدل عليه أصلًا، والحديث يدل بعبارته أن الجنب ليس بنجس في ذاته، ولم يتعرض إلى طهارة غسالته إذا نوى الاغتسال) انتهى.
فكيف قال ابن حجر ما قال؟ ولا يلزم من تبويب ابن حبان أنه يستفاد من الحديث هنا؛ فانظر وتعجب من هذه المحاولة والمكابرة، حيث إنه يستدل من كتاب على كتاب آخر من غير تدبر ولا فهم، ودأبه الخلط والخبط، ومن دق الباب؛ سمع الجواب.
قال إمام الشارحين صاحب «عمدة القاري» : (وفي الحديث: ائتلاف قلوب المؤمنين، ومواساة الفقراء، والتواضع لله تعالى، واتباع أمر الله تعالى؛ حيث قال جل ذكره: {وَلَا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ} [الأنعام: 52]) انتهى.
واعترضه العجلوني فقال: ما قاله من ائتلاف قلوب المؤمنين والتواضع لله تعالى؛ مسلَّم؛ لقوله له: «أين كنت؟» ، وأما قوله:(ومواساة الفقراء، واتباع أمر الله)؛ فأخذهما منه غير ظاهر؛ لأنَّه ليس فيه أنه أعطاه شيئًا واساه به، ولا أنه أتاه فلم يطرده، بل فيه أنه عاتبه على الذهاب، إلا أن يراد بالمواساة ولو في الآنة القول والتفقد وباتباع الله تعالى؛ إذ لازم للنهي المذكور) انتهى.
قلت: قوله: (مسلم؛ لقوله له: «أين كنت؟»)، وأيضًا لقوله:(لقيه)؛ ومعنى اللقي: الاجتماع، ومن لازم الاجتماع السلامُ، والتحية، وتطييب القلوب.
وقوله: (وأما قوله
…
) إلخ؛ فإنه مأخوذ من قوله: (لقيه)، ويلزم من اللقي -وهو الاجتماع- المواساة بالأقوال، ولا ريب أن السلام والسؤال عن الحال حال الاجتماع فيه مواساة ظاهرة، كما لا يخفى، وفيه أيضًا اتباع أمر الله عز وجل حيث إنه حين جاء إليه لم يطرده، بل فرح به وواساه بقوله:«أين كنت؟» .
وقوله: (فأخذهما منه غير ظاهر) ممنوع؛ لأنَّ أخذهما ظاهر كما علمت وهو غير خفي على من له أدنى ذوق في العلم.
وقوله: (لأنَّه ليس فيه أنه أعطاه شيئًا
…
) إلخ ممنوع أيضًا؛ فإن المواساة كما تكون بالفعل تكون بالقول، بل القول أبلغ وأطيب للنفس، على أنه عليه السلام لم يكن يحب الدنيا ولا أصحابُه الكرام، بل كانوا مقبلين على الآخرة، فالمواساة بالقول عندهم وغيرهم ممن أقبل على الآخرة أولى، وأحسن، وأطيب للخواطر، وهذا القائل كان يتبع المشايخ الذين يفعلون التهاليل المنكرة التي لا تخلو عن دخول بيوت الأيتام، والقعود على ثيابهم، والشراب من مائهم، وأخذ الدراهم من أموالهم؛ فلهذا نبه بالمواساة بإعطاء شيء من الدنيا ولم يعلم أنها فانية وحبها رأس كل خطيئة.
وقوله: (ولا فيه أنه أتاه، فلم يطرده) ممنوع؛ فإن قوله في الحديث: (ثم جاء فقال: «أين كنت؟») دليل ظاهر على أنه أتاه فلم يطرده؛ لأنَّ المجيء هو الإتيان، كما لا يخفى على أهل البيان، وفيه الاتباع لأمر الله عز وجل كما في الآية، فكيف يقول هذا القائل: (ولا فيه
…
) إلخ وما هو إلا مكابرة ظاهرة وتعنت وعناد.
وقوله: (بل فيه أنه عاتبه على الذهاب) ممنوع، بل فيه أنه واساه بالقول وهو أبلغ من الفعل في قوله:(لقيه)، وفي قوله:(ثم جاء، فلم يطرده)، وغير ذلك.
وقوله: (إلا أن يراد
…
) إلخ هذه مناقضة لكلامه؛ حيث نفى في أول كلامه، ثم أثبت هنا المواساة بالقول والتفقد والاتباع لله عز وجل في الآية؛ لأنَّها نهي، فالنبيُّ الأعظم صلى الله عليه وسلم فعل كما أمره ربه عز وجل، مع أنه على خلق عظيم، لطيف بأصحابه، رقيق القلب بهم، رحيم بهم صلى الله عليه وسلم، اللهم؛ عطف قلبه علينا، واحشرنا تحت لوائه يا أرحم الراحمين.
(24)
[باب الجنب يخرج ويمشى في السوق وغيره]
هذا (بابٌ)؛ بالتنوين ويجوز تركه وإضافته إلى ما بعده، لكن يحتاج حينئذٍ إلى أن يقدر الجواب؛ نحو أن يقول له ذلك أو يجوز ذلك ونحوهما، وعند الانفصال لا يحتاج إلى ذلك، كذا قاله صاحب «عمدة القاري»
قلت: والوجهان مبنيان على الرفع أو الجر في قوله: (الجنب) ومثله الحائض، والنفساء (يخرج)؛ أي: من بيته (ويمشي)؛ بالواو عطف على قوله: (يخرج)، وفي بعض النسخ:(يخرج يمشي)؛ بدون واو العطف، فإن صحت هذه الرواية؛ يكون (يمشي) في موضع النصب على الحال المقدرة، كذا قاله في «عمدة القاري» .
وزعم العجلوني فقال: (المناسب جعله خبر الجنب بعد خبر، على حد زيد عالم تاجر) انتهى.
قلت: وهو ممنوع؛ فإن المناسب للمقام هو الأول وهو الأظهر؛ لأنَّ الخروج والمشي صفتان كل منهما غير لازمة، بخلاف زيد عالم تاجر، فإن العلم والتجارة كل منهما صفة لازمة له، فما قاله في «عمدة القاري» ؛ هو الحق، وما زعمه العجلوني؛ باطل؛ فافهم.
(في السوق وغيره)؛ بالجر عطف على قوله: (في السوق)، والضمير فيه عائد إليه؛ والمراد به: البيت، وكذا الصحراء والبستان؛ يعني: يخرج من بيته إلى السوق إلى الصحراء إلى البستان، وغير ذلك، وزعم ابن حجر أنه يحتمل الرفع عطفًا على (يخرج) من جهة المعنى.
قال صاحب «عمدة القاري» : أخذ كلامه هذا القائل من كلام الكرماني؛ فإنه قال: يحتمل رفعه بأن يراد نحو: يأكل وينام عطف على (يخرج) من جهة المعنى، انتهى.
قال: (قلت: وفيه تعسف لا يخفى) انتهى كلامه.
وتبعه البرماوي حيث قال: (وفيه تكلفٌ بلا ضرورة) انتهى.
وزعم العجلوني أن الظاهر أن الكرماني -وتبعه ابن حجر- أراد أن (غيره) معطوف عطف مفردات على ما قبله؛ لأنَّ المراد بـ (غيره) : يأكل، وينام، ونحو ذلك، والضمير على الرفع عائد على (يخرج ويمشي)؛ فحقه التثنية، لكنه أفرده؛ نظرًا لتأويلهما بالمذكور، ويجوز رفعه على أنه مبتدأ وضميره عائد على الجنب، والمراد بـ (غيره) : الحائض