الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وعن رجل ذبح قبل أن يرميَ، قال:«لا حرج» ، ثم قال:«عباد الله؛ وضع الله عنكم الحرج والضيق، فتعلَّموا مناسككم؛ فإنَّها من دينكم» .
قال الحافظ الطحاوي: أفلا يرى إلى أنَّه أمرهم بتعلُّم مناسكهم؛ لأنَّهم كانوا لا يُحسنونها، فدل ذلك على أنَّ الحرج الذي رفعه الله عنهم هو لجهلهم بأمر المناسك لا لغير ذلك، فعلم ما قرَّرناه: أنَّ الترتيب في أعمال الحج واجبٌ يتعلَّق الدمُ بتركه، وهذا مذهب إمامنا رئيس المجتهدين الإمام الأعظم التابعي الجليل، والإمام مالك، وابن جُبير، والحسن، والنَّخَعي، وقتادة وغيرهم، فلو حلق قبل أن يذبح؛ فعليه دمٌ، وإن كان قارنًا؛ فعليه دمان عندنا.
وقال الإمام زفر: إذا حلق قبل أن ينحر؛ فعليه ثلاثة دماء؛ دمان
(1)
للقِران، ودم للحلق قبل النحر، وقال الإمام أبو يوسف والإمام محمد: عليه دمٌ واحد، وقال الإمام الشافعي وأحمد ابن حنبل: الترتيب في الأعمال المذكورة في الحديث سُنَّة، فلا شيء بتركه، واستدلا بالحديث المذكور، وقالا: معنى قوله: «لا حرج» ؛ أي: لا شيء عليك مطلقًا من الإثم، لا في الترتيب، ولا في ترك الفدية، ولا حجة لهما في الحديث؛ لما علمتَ أنَّه أسقط الحرج للنسيان وعدم العلم، ولعله لم يبلغهما الأحاديث الواردة في ذلك؛ فتأمَّل.
وفي الحديث جواز سؤال العالم راكبًا، وماشيًا، وواقفًا، وجواز الجلوس على الدابة وهي واقفة للحاجة، والله أعلم.
(24)
[باب من أجاب الفتيا بإشارة اليد والرأس]
هذا (باب من أجاب الفتيا)؛ أي: باب في بيان المفتي الذي أجاب المستفتي في فتياه، (بإشارة اليد والرأس)، والمناسبة بين البابين ظاهرة، ولفظ (باب) ساقط عند الأصيلي كعادته.
[حديث: أن النبي سئل في حجته فقال: ذبحت قبل أن أرمي]
84 -
وبه قال: (حدثنا موسى بن إسماعيل) أبو سلَمة؛ بفتح اللام: التبوذكي البصري، (قال: حدثنا وُهَيب)؛ بضم الواو، وفتح الهاء، وسكون التحتية، آخره موحَّدة: ابن خالد الباهلي البصري، المتوفى سنة خمس أو تسع وستين، (قال: حدثنا أيوب) السختياني البصري، (عن عكرمة)؛ بكسر العين وإسكان الكاف: مولى ابن عباس، (عن ابن عباس) عبد الله، رضي الله تعالى عنهما، (أنَّ النبي) الأعظم صلى الله عليه وسلم سُئل)؛ بضم السين المهملة، (في حجته)؛ بفتح الحاء المهملة وكسرها؛ أي: الوداع، (فقال)؛ أي: السائل: (ذبحت) هديي، (قبل أن أرمي) الجمرة هل علي حرج؟ (فأومأ)؛ أي: أشار عليه السلام، وفي رواية:(قال: فأوما)(بيده) الكريمة حال كونه قد (قال)، وفي رواية:(فقال) : (لا حرج) عليك، وللأصيلي:(ولا حرج) بالواو؛ أي: امض
(2)
في فعلك لا حرج عليك؛ لأنَّك جاهل ناسي، و (على) حالية، قال: يكون جمع بين الإشارة والنطق، ويَحتمل أن يكون (قال) بيانًا لقوله:(فأومأ)، ويكون من إطلاق القول على الفعل، كذا في «عمدة القاري» .
(وقال) ذلك السائل أو غيره: (حلقت) رأسي، (قبل أن أذبح) هديي؛ أي: قبل ذبحه، فـ (أن) مصدريَّة، (فأومأ)؛ أي: أشار عليه السلام، (بيده) الشريفة، (ولا حرج)؛ أي: امض في فعلك ولا إثم عليك؛ لأنَّك لا تعلم المناسك وأحكامَها.
وهذه الأحاديث مطلقة، وما رويناه مقيَّد، فيُحمل المطلق على المقيَّد، على أنَّ الأحاديث التي استدل بها إمامنا الأعظم مثبتة، وغيرَها نافية، ومن القواعد المقرَّرة عند المحقِّقين: أنَّ المثبت مقدَّم ومرجَّح على النافي؛ فافهم.
[حديث: يقبض العلم ويظهر الجهل والفتن]
85 -
وبه قال: (حدثنا المكي بن إبراهيم) بن بَشِير؛ بفتح الموحدة، وكسر المعجمة، آخره راء: ابن فرقد، أبو السكن البلخي، المتوفى سنة أربع عشرة ومئتين ببلخ عن ثمان وثمانين سنة، (قال: أخبرنا حنظلة) زاد الأصيلي: (بن أبي سفيان)؛ أي: ابن عبد الملك.
(عن سالم) بن عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، (قال: سمعت أبا هريرة) عبد الرحمن بن صخر؛ أي: كلامَه، (عنِ النبي) الأعظم صلى الله عليه وسلم قال: يُقبَض)؛ بضمِّ أوَّله على صيغة المجهول، (العلمُ)؛ أي: بموت العلماء، وهو تفسير لقوله في الرواية المارَّة:(يُرفع العلم).
(ويَظهر)؛ بفتح أوَّله على صيغة المعلوم، (الجهل)، وظهوره لازمُ قبضِ العلم، فذِكره تأكيدٌ وإيضاح، (والفتنُ) بالرفع عطفًا على الجهل، وفي رواية: بإسقاط لفظ (الجهل)، (ويَكثر)؛ بفتح أوَّله بصيغة المعلوم، (الهَرْج)؛ بفتح الهاء، وسكون الراء، آخره جيم: الفتنة والاختلاط والقتال.
(قيل: يا رسول الله؛ وما الهرج؟ فقال: هكذا بيده فحرَّفها) بتشديد الراء، (كأنَّه يريد القتل)، فكأن الراوي فهم من تحريف يده وحركتها كالضارب أنَّه يريد القتل، والظاهر أنَّ هذا زيادة من الراوي عن حنظلة، وفيه إطلاق القول على الفعل، و (الفاء) في (فحركها) تفسيريَّة، مفسِّرة لقوله:(هكذا)، وتمامه في «عمدة القاري» .
[حديث: ما من شيء لم أكن أريته إلا رأيته]
86 -
وبه قال: (حدثنا موسى بن إسماعيل) التبوذكي، (قال: حدثنا وُهيب) هو ابن خالد الباهلي، (قال: حدثنا هشام) هو ابن عروة بن الزبير بن العوَّام، (عن فاطمة) بنت المنذر بن الزبير بن العوام، وهي زوجة هشام بن عروة وبنت عمِّه.
(عن أسماء) بنت أبي بكر الصديق زوجة الزبير، وكان عبد الله بن أبي بكر شقيقها، وعائشة وعبد الرحمن أخواها لأبيها، وهي ذات النطاقين، المتوفاة في مكة في جماد الأولى سنة ثلاث وسبعين بعد قتل ابنها عبد الله بن الزبير، وقد بلغت المئة ولم يسقط لها سِنٌّ ولم يتغيَّر لها عقل، أنَّها (قال: أتيت عائشة) بالنصب مفعول، ومنع التنوين منه؛ لأنَّه غير منصرف؛ للعلمية والتأنيث، أم المؤمنين رضي الله عنها.
(وهي تصلي) جملة اسمية وقعت حالًا من عائشة، (فقلتُ) لها:(ما شأن الناس) قائمين فزعين، (فأشارت) عائشة (إلى السماء) تعني: انكسفت الشمس، (فإذا الناس)؛ أي: بعضهم، (قيام) لصلاة الكسوف، و (إذا) للمفاجأة، وما بعده مبتدأ وخبر، (فقالت)؛ أي: عائشة: (سبحان الله) مفعول مطلق التُزِمَ إضمارُ فعله، تقديره: أُسَبِّحُ الله سبحان؛ أي: تسبيحًا، معناه: أنزِّهُه.
(قلت: آية؟) بهمزة الاستفهام وحذفها، خبرٌ لمبتدأ محذوف؛ أي: أهي آية؛ أي: علامة لعذاب الناس كأنَّها مقدمة له، قال تعالى:{وَمَا نُرْسِلُ بِالآيَاتِ إِلَّا تَخْوِيفًا} [الإسراء: 59]، أو علامة لقرب زمان القيامة، (فأشارت) عائشة (برأسها؛ أي: نعم) تفسير لقوله: (إشارة).
وقال أهل الهيئة: إنَّ الكسوف سببه حيلولة القمر بينها وبين الأرض، فلا يرى حينئذٍ إلَّا لون القمر، وهو كَمِدٌ لا نورَ له، وذاك لا يكون إلَّا في آخر الشهر عند كون النيِّرين في إحدى عقدتي الرأس والذنب، وله آثار في الأرض، وهذا إن كان غرضهم أنَّ الله تعالى أجرى سُنَنَه بذلك كما أَجرى باحتراق الحطب اليابس عند مساس النار، فلا بأس به، وإن كان غرضهم أنَّه واجب عقلًا وله تأثيرٌ بحسب ذاته؛ فهو باطل؛ لما عُلم أنَّ جميع الحوادث مسندَةٌ إلى إرادة الله ولا مؤثِّر في الوجود إلَّا الله تعالى.
قالت أسماء: (فقمت) في الصلاة، (حتى) إلى أن (علاني)؛ بالعين المهملة وتخفيف اللام، من علوت الرجل غلبتُه، وفي رواية:(تجلَّاني)؛ بالفوقية والجيم وتشديد اللام؛ أي: علاني؛ أي: غلبني، (الغَشي)؛ بفتح المعجمة الأولى وسكون الثانية، آخره مثناة خفيفة، وبكسر الشين المعجمة وتشديد الياء أيضًا، بمعنى: الغشاوة، وهي الغطاء.
وفي الأصل: تحرك الخلط الصفراوي يصعد بخاره للدماغ بسبب الحركة، وهنا بطول القيام، والمراد به هنا الحالة الغريبة القريبة منه، فأطلقت (الغشي) عليها مجازًا، ولهذا قالت:(فجعلتُ) من الأفعال الناقصة، و (التاء) اسمه، وقوله:(أصبُّ على رأسي الماء) جملة من الفعل والفاعل المستتر والمفعول: محلُّها النصب خبر (جعل)، وإنَّما صبَّتْ في تلك الحالة الماء البارد؛ لأنَّه يُطفئ حرارة البخار، ويُسكِن تهيُّج الصفراء، ويجلو البصر.
(فحمِد الله) عز وجل (النبي) الأعظم صلى الله عليه وسلم؛ أي: قال: الحمد لله، (وأثنى عليه) بأن شكره وذكره بصفات الكمال، فهو من عطف العام على الخاص، (ثم قال) عليه السلام، (ما) نافية، (مِن) زائدة للتأكيد، (شيء) اسم (ما)، (لم أكن) جملةٌ محلُّها رفع صفة لـ (شيء)، (أُريته)؛ بضم الهمزة، جملةٌ محلُّها النصب خبر (لم أكن)، ولا يصحُّ جعلها حالًا خلافًا لمن زعمه.
(إلَّا رأيتُه) استثناء مفرَّغ، فتُلغى فيه (إلَّا) من حيث العمل لا من حيث المعنى؛ أي: رؤيته عين حقيقة؛ بأنْ كُشف له وأُزيلت الحجب عنه، فرأى ربَّه عز وجل بلا كيف ولا كيفيَّة؛ لأنَّه ممَّا لم يمنعه العقل، وكذا كلُّ شيء يصحُّ شرعًا رؤيته، حال كوني، (في مَقامي)؛ بفتح الميم الأولى وكسر الثانية؛ أي: مكاني، زاد في رواية:(هذا) خبر لمبتدأ محذوف؛ أي: هو هذا، ويؤوَّل بالمشار إليه.
(حتى الجنة والنار) يجوزُ فيهما الرفع، والنصب، والجرُّ، أمَّا الرفع؛ فعلى أنَّ (حتى) ابتدائية، و (الجنة) مبتدأ محذوف الخبر، و (النار) عطفٌ عليه؛ أي: حتى الجنة مرئية، وأمَّا النصب؛ فعلى أن تكون (حتى) عاطفة عطفت (الجنة) على الضمير المنصوب في (رأيته)، وأمَّا الجر؛ فعلى أن تكون (حتى) جارَّة فرآهما حقيقةً أو صُوِّرتا له في الحائط كما يتمثَّل المرئيات في المرآة، ويدلُّ له ما في المؤلف في (الكسوف) : فقال عليه السلام: «الجنة والنار ممثلين في قبلة هذا الجدار» ، وفي «مسلم» : «إنِّي صُوِّرتْ لي الجنة والنار، فرأيتُهما دون
(3)
هذا الحائط»، وتمامه في «عمدةالقاري» .
(1)
في الأصل (دمين) والصواب أنها بدل من (ثلاثة) المبتدأ.
(2)
في الأصل (امضي).
(3)
في الأصل: (بدور) تبعًا لـ «عمدة القاري» .
(فأُوحي)؛ بضمِّ الهمزة على صيغة المجهول (إليَّ: أنَّكم)؛ بفتح الهمزة: مفعول (أوحي) نائب عن الفاعل (تُفتنون) جملة محلُّها الرفع خبر (أنَّ)؛ أي: تُمتحنون وتُختبرون (في قبوركم) وهو دليل على ثبوت عذاب القبر، (مثلَ أو قريبًا)؛ بحذف التنوين في الأول وإثباته في الثاني، وفي رواية: بحذفه فيهما مع حذف الألف، وفي أخرى: بإثباته فيهما مع ثبوت الألف.
(لا أدري أيُّ ذلك) لفظ (مثل أو قريبًا)، (قالت أسماء؟)، و (أيُّ) مرفوع على الابتداء، خبرُه قوله:(قالت أسماء)، وضميرُ المفعول محذوف؛ أي: قالته، ويجوز أن تكون (أي) استفهاميَّة وموصولة، فإن كانت استفهاميَّة؛ يكون فعل الدراية معلقًا بالاستفهام؛ لأنَّه من أفعال القلوب، ويجوز أن تكون (أي) مبنيَّة على الضم مبتدأ حذف صدر صلتها؛ تقديره: لا أدري أي ذلك هو قالته، وإن كانت موصولة؛ تكون (أي) منصوبة إمَّا مفعول لـ (أدري) أو بـ (قالت) سواء كانت موصولة أو استفهاميَّة، وتمامه في «عمدة القاري» .
(من فتنة المسيح)؛ بالحاء المهملة، إنَّما سُمِّي مسيحًا؛ لأنَّه يمسح الأرض، أو لأنَّه ممسوح إحدى العينين، وفرَّق بعضهم بينه وبين عيسى ابن مريم بأن يقال فيه: المسِّيح كـ (سكِّيت)؛ بتشديد السين المهملة؛ لأنَّه مُسح خلقه؛ أي: شوِّه، ويقال لعيسى: مسيح؛ بالتخفيف، وقال آخرون: يقال له: بالخاء المعجمة؛ لأنَّه خلق خلقًا ملعونًا، وبالمهملة لعيسى؛ لأنَّه خلق خلقًا حسنًا.
(الدَّجَّال)؛ بتشديد المعجمة، (فَعَّال) من الدَّجَل؛ وهو الكذب وخلط الحقِّ بالباطل، وتقدير الرواية الأولى: مثل فتنة الدجال أو قريبًا من فتنة الدجال، فحذف ما كان (مثل) مضافًا إليه وترك على هيئته قبل الحذف، وجاز الحذف؛ لدلالة ما بعدَه.
وأمَّا وجه الثانية: فهو أن يكون (مثل) أو (قريب) كلاهما مضافان إلى (فتنة المسيح)، ويكون قوله:(لا أدري أيُّ ذلك قالت أسماء؟) معترضة بين المضاف والمضاف إليه، مؤكِّدة لمعنى الشك المستفاد من كلمة (أو).
وأمَّا وجه الثالثة: فهو أن يكون (مِثلًا) منصوبًا على أنه صفة لمصدر محذوف، و (أو قريبًا) عطفًا عليه، والتقدير: تُفتنون في قبوركم فتنةً مِثلًا -أي: مماثلًا- من فتنة المسيح الدجَّال أو فتنةً قريبًا من فتنة المسيح الدجال، وتمامه في «عمدة القاري» .
(يقال) للمفتون: (ما علمك) مبتدأ وخبر، والجملة مقول القول، وإنَّما عُدِل عن خطاب الجمع إلى المفرد؛ لأنَّ السؤال عن العلم يكون لكلِّ واحد بانفراده واستقلاله، وتمامه في «عمدة القاري» .
(بهذا الرجل) عليه السلام، ولم يقل: بي؛ لأنَّه حكاية عن قول الملكين السائلين المسمِّيَيْن بمنكر ونكير، ولم يقولا
(1)
له: رسول الله؛ لئلَّا يلقَّنَ منهما إكرامَ الرسول، فيُعظِّمُه تقليدًا لهما لا اعتقادًا، (فأمَّا) للتفصيل وفيه معنى الشرط فلذا دخلت الفاء في جوابها، (المؤمن أو الموقن)؛ أي: المصدِّق بنبوة النبي الأعظم عليه السلام، (لا أدري بأيهما)، وفي رواية:(أيُّهما المؤمن أو الموقن)، (قالت أسماء) الشك من فاطمة بنت المنذر، (فيقول) جواب (أمَّا)؛ أي: المقبور المفتون: (هو محمَّد) مبتدأٌ وخبر، (هو رسول الله) مبتدأٌ وخبر، هو (جاءنا) جملة من الفعل والفاعل والمفعول، خبر مبتدأ محذوف؛ أي: هو جاءنا (بالبينات)؛ أي: المعجزات الدالة على نبوته (والهدى)؛ أي: الدلالة الموصلة إلى البغية، (فأجبنا)؛ أي: قبلنا نبوَّته معتقدين حقيتها معترفين بها، (واتَّبعنا) فيما جاء به إلينا، أو الإجابة تتعلق بالعلم والاتباع بالعمل، وفي رواية: زيادة الهاء في آخرهما، وحذف ضمير المفعول من الأولى للعلم به، (هو محمد)، وفي رواية: (وهو محمد صلى الله عليه وسلم.
(ثلاثًا) منصوب على أنَّه صفة لمصدر محذوف؛ أي: يقول المؤمن: هو محمَّد قولًا ثلاثًا؛ أي: ثلاث مرات، ولفظ (ثلاثًا) ذُكر للتأكيد، فلا يكون المقول إلَّا ثلاث مرات، فاندفع أن يقال: يلزم أن يكون (هو محمد) مقولًا تسع مرَّات؛ فافهم.
(فيقال) له: (نَمْ) فعل أمر، حال كونك، (صالحًا)؛ أي: منتفِعًا بإيمانك وعملك، (قد علمنا إنْ)؛ بكسر الهمزة؛ أي: الشأن، (كنت لموقنًا به)؛ أي: إنَّك موقنٌ به، و (اللام) هي الفارقة بين المخففة والنافية عند البصريين، وقال الكوفيُّون:(إنْ) بمعنى (ما)، و (اللام) بمعنى (إلَّا)، كقوله تعالى:{إِن كُلُّ نَفْسٍ لَّمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ} [الطارق: 4]؛ أي: ما كل نفس إلَّا عليها حافظ، ويكون التقدير هنا: ما كنت إلَّا موقنًا، وحكى السفاقسي بفتح الهمزة على جعلها مصدريَّة؛ أي: علمنا كونك موقنًا به، بناءً على أنَّ (اللام) اجتُلبتْ للفرق، لا للابتداء.
(وأمَّا المنافق)؛ أي: غير المصدق بقلبه لنبوَّته، (أو المرتاب)؛ أي: الشاكُّ، وأصله: مرتيب؛ بفتح المثناة التحتية في المفعول وكسرها في الفاعل من الريب، قالت فاطمة:(لا أدري أيُّ ذلك قالت أسماء) رضي الله عنها، (فيقول) (الفاء) في جواب (أمَّا)؛ أي: المفتون: (لا أدري، سمعتُ الناسَ) حالَ كونهم (يقولون شيئًا فقلتُه)؛ أي: قلت ما كان الناس يقولونه، وفي رواية: وذكر الحديث بتمامه؛ وهو أنَّه يقال له: لا دريت ولا تليت، ويضرب بمطارق من حديد ضربة، فيصيح صيحة يسمعها من يليه غير الثقلين، نسأل الله العافية.
وفي الحديث دليل على أنَّ الجنة والنار مخلوقتان، وسأل اليهود عمر عن قوله تعالى
(2)
: {جَنَّةٍ عَرْضُهَا} الآية [آل عمران: 133] : وأين تكون النار، فقال لهم عمر: أرأيتُم إذا جاء الليل فأين يكون النهار، فقالوا له: لقد نزعت ممَّا في التوراة، وفيه سؤال منكر ونكير، وخروج الدجَّال، وسُنِّيَّة صلاة الكسوف، وحضور النساء الجماعات، وجواز السؤال من المصلي.
وفيه دليل على امتناع الكلام في الصلاة ولو كلمة، وهو مذهب إمامنا الإمام الأعظم وأتباعهرضي الله عنه، وفيه جواز الإشارة ولا كراهة فيها إذا كانت لحاجة، وهو مذهبنا أيضًا، وجواز العمل اليسير في الصلاة وأنَّه لا يبطلها، وهو مذهبنا، وأنَّ الغشي لا ينقض الوضوء ما دام العقل والفهم باقيًا، وهو مذهبنا، وأمَّا صبُّ الماء؛ فالمراد به بعمل قليل؛ بحيث لا يعدُّه الناظر كثيرًا، وإلَّا لفسدت الصلاة، والله أعلم.
(25)
[باب تحريض النبي وفد عبد القيس على أن يحفظوا الإيمان
…
]
هذا (باب تحريض) وهو بالضاد المعجمة وكذا بالمهملة، بمعنًى واحد، وهو الحث على الشيء، خلافًا لمن زعم أنَّ المهملة تصحيف؛ فافهم، (النبي) الأعظم صلى الله عليه وسلم وفد) جماعة، (عبد القيس) القبيلة المشهورة، (أنْ يحفظوا الإيمان والعلم) عطف خاص على عام، (ويخبروا به مَن وراءَهم) من الناس.
(وقال مالك بن الحُويرث)؛ مصغَّر الحارث؛ بالمثلثة، ابن حشيش؛ بفتح المهملة وبالشين المعجمة المكررة، وقيل: بضم المهملة، ابن عوف بن جندع الليثي، أبو سليمان، المتوفى بالبصرة سنة أربع وتسعين، ممَّا وصله المؤلف في (الصلاة)، ومسلم كذلك.
(قال لنا النبي) الأعظم، وفي رواية:(رسول الله)، صلى الله عليه وسلم؛ أي: لمَّا قدم عليه في ستةٍ مِن قومه، وأسلم، وأقام عنده أيامًا، وأذن له بالرجوع:(ارجعوا إلى أهليكم) جمع الأهل، وهو يُجمع مكسَّرًا على (الأهال) و (الأهالي)، ومُصَحَّحًا بالواو والنون نحو:(الأهلون)، وبالألف والتاء نحو:(الأهلات)، (فعلِّموهم) أمر دينهم، وفي رواية:(فعِظوهم)؛ أي: ذكِّروهم.
[حديث: مرحبًا بالقوم -أو: بالوفد- غير خزايا ولا ندامى]
87 -
وبه قال: (حدثنا محمد بن بَشَّار)؛ بفتح الموحدة والشين المعجمة، ابن عثمان البصري، (قال: حدثنا غُندَر)؛ بضم الغين المعجمة وفتح الدال المهملة، محمد بن جعفر الهذلي البصري، (قال: حدثنا شعبة) هو ابن الحجَّاج، (عن أبي جمرة)؛ بالجيم والراء، نصر بن عمران البصري، أنَّه (قال: كنت أترجم)؛ أي: أعبِّر، (بين ابن عباس) زمن ولايته بالبصرة مِن قِبَل علي بن أبي طالب (وبين الناس) فأعبِّرُ لهم ما يقول ابن عباس، وله ما يقولونه، (فقال) ابن عباس:(إنَّ وفدَ) جماعة، (عبد القيس) بن أَفْصَى؛ بفتح الهمزة، وسكون الفاء، وفتح الصاد المهملة، أربعة عشر رجلًا، والوفد: اسمٌ جمع، لا جمعٌ لـ (وافد)، وهم القوم يأتون رُكبانًا، (أتَوا النبي) الأعظم عام الفتح، وفي الرواية السابقة:(لما أتَوا [رسول] الله)، صلى الله عليه وسلم قال) لهم:(مَنِ الوافد أو) قال لهم:
(1)
في الأصل: (يقولان).
(2)
زيد في الأصل: (في).