الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الأعظم، وفي رواية:(رسول الله) صلى الله عليه وسلم : والجملة فعلية محلها نصب، إمَّا على الحال، وإمَّا على أنها مفعول ثان لـ (سمعت) على قولين مشهورين:(لا يتفِلن)؛ بكسر الفاء في «الفرع» ، ويجوز الضم؛ أي: لا يبزقن (أحدكم بين يديه)؛ يعني: قدامه، والمراد: جهة وجهه، (ولا عن يمينه)؛ لشرف اليمين، (ولكن عن يساره أو تحت رجله)؛ بالإفراد؛ أي: اليسرى، وكلمة (أو) فيه ليست للشك، بل للتنويع؛ يعني: أنه مخير بين هذا وهذا.
قال إمام الشَّارحين: (ومطابقته للترجمة ظاهرة؛ لأنَّ معنى: «لا يتفلن» : لا يبزقن، والتفل شبيه بالبزق، وهو أقل منه، أوله البزق، ثم التفل، ثم النفث، ثم النفخ) انتهى.
قلت: وليس في هذا الحديث أيضًا تقييد بحالة الصلاة إلا في رواية آدم الآتية، وحديث أنس السابق في باب (حك البصاق باليد من المسجد)، وكأنه جنح المؤلف إلى أن المطلق محمول على المقيد، كما ذكرناه آنفًا؛ فافهم.
وقدمنا المنع منه في الجهة اليمنى مطلقًا داخل الصلاة وخارجها، وسواء كان في المسجد أو في غيره، وروي عن مالك وغيره: أنه لا بأس به خارج الصلاة؛ لما في حديث أبي هريرة حيث قال: «فإن عن يمينه ملكًا» ، فخصه بحالة الصلاة أخذًا من علة النهي المذكور؛ لأنَّه لا يكون عن يساره ملكًا، وحديث:«إن الكرام الكاتبين لا يفارقان العبد إلا عند الخلاء والجماع» فضعيف لا يحتج به، كما قدمناه، والله تعالى أعلم؛ فافهم.
(36)
[بابٌ: لِيَبْزُقْ عَنْ يَسَارِهِ أَوْ تَحْتَ قَدَمِهِ الْيُسْرَى
.]
هذا (بابٌ)؛ بالتنوين (ليبزق)؛ بالزاي، وفي رواية أبي ذر عن الكشميهني:(ليبصق)؛ بالصاد المهملة، ومعناهما واحد (عن يساره أو تحت قدمه اليسرى) وكلمة (أو) فيه للتنويع، وذكر المؤلف في هذا الباب حديثين؛ أحدهما: عن أنس بن مالك، وقد تكرر، وفيه القيد بحالة الصلاة، والآخر: عن أبي سعيد الخدري، وليس فيه القيد بالصلاة على ما سيجيء، والمناسبة بين البابين ظاهرة.
[حديث: إن المومن إذا كان في الصلاة فإنَّما يناجي ربه]
413 -
وبالسند إلى المؤلف قال: (حدثنا آدم)؛ بالمد: هو ابن أبي إياس، وهو غير منصرف؛ للعلمية والعجمة، وقيل: ليس فيه علمية، بل العجمة ووزن الفعل (قال: حدثنا شعبة) : هو ابن الحجاج (قال: حدثنا قتادة) : هو ابن دعامة التابعي المفسر (قال: سمعت أنس بن مالك) : هو الأنصاري، خادم النبيِّ الأعظم صلى الله عليه وسلم أنَّه (قال) جملة فعلية محلها نصب مفعول ثان أو حال:(قال النبيُّ) الأعظم صلى الله عليه وسلم حين رأى نخامة في جدار قبلة المسجد النبوي: (إنَّ المؤمن) يعني: صفته، وحقه، وسريرته (إذا كان في الصلاة) وإفادة (كان) الدوام والاستمرار؛ يعني: في كل صلاة، سواء كانت فرضًا، أو واجبةً، أو نفلًا، أو صلاة جنازة، أو عيد، أو نحوها
(1)
؛ (فإنما يناجي ربَّه) عز وجل، والمناجاة والنجوى: هو السر بين الاثنين، يقال: ناجيته؛ أي: ساررته، ومناجاة الربِّ مجاز؛ لأنَّ القرينة صارفة عن إرادة المعنى الحقيقي؛ إذ لا كلام محسوسًا بينهما إلا من طرف العبد، فيكون المراد لازم المناجاة، وهو إرادة الخير والبركة، ويجوز أن يكون من باب التشبيه؛ كأنه شبَّه العبد وتوجهه إلى ربِّه في الصلاة وما فيها من القراءة والأذكار وطلب الرحمة والغفران بمن يناجي مولاه ومالكه، فمن شرائط حسن الأدب: أن يقف محاذيه، ويُطرِق رأسه، ويراعي جهة أمامه حتى لا يصدر من تلك الهيئات شيء وإن كان الله تعالى منزهًا عن الجهات؛ لأنَّ الآداب الظاهرة والباطنة مرتبط بعضها ببعض، انتهى.
(فلا يبزقنَّ) بالزاي ونون التأكيد الثقيلة (بين يديه)؛ يعني: قُدامه، والمراد: جهة وجهه، (ولا عن يمينه)؛ لشرف اليمين؛ لأنَّها خصت بالشيء النفيس؛ كدخول المسجد، والخروج من الخلاء، وغير ذلك مما فيه تشريف، (ولكن عن يساره)؛ لعدم شرفها؛ لأنَّها خصت بالشيء الحقير؛ كالخروج من المسجد، والدخول في الخلاء، وغير ذلك مما فيه حقارة؛ والمعنى: ولكن ليبزق عن يساره، (أو تحت قدمه)؛ أي: اليسرى، كما في الحديث السابق، وكلمة (أو) فيه للتنويع، فهو مخير بين هذا وهذا، وفيه المطابقة للترجمة، لكن لم يصرح في الحديث تقييد القَدم باليسرى، لكنه عُلم من الحديث السابق، فهو مطابق، وحُمِل المطلق على المقيد، وقد تقدم في باب (حكِّ البزاق) : أنَّه يدفنه، وأن كفارتها دفنها، وفي الحديث: شرف اليمين على اليسار، وفيه: أن الصلاة أعظم العبادات؛ لكونها مناجاة الربِّ عز وجل، وفيه: أن البزاق إنَّما يباح عن اليسار أو تحت القدم مع دفنها، كما في الحديث السابق، والله أعلم.
[حديث: أن النبي أبصر نخامة في قبلة المسجد فحكَّها بحصاة]
414 -
وبالسند إليه قال: (حدثنا علي) زاد الأصيلي: (ابن عبد الله) : هو المديني، ولابن عساكر:(أخبرنا علي)(قال: حدثنا) ولابن عساكر: (أخبرنا)(سفيان) هو ابن عيينة (قال: حدثنا الزهري) : هو محمد بن مسلم بن شهاب المدني، (عن حُميد) بضمِّ الحاء المهملة
(بن عبد الرحمن) : هو ابن عوف القرشي الزهري المدني، (عن أبي سعيد) : هو سعد بن مالك الخدري رضي الله عنه، وفي رواية ابن عساكر كما في «الفرع» :(عن أبي هريرة) بدل (أبي سعيد).
قال إمام الشَّارحين: (وهو وهم، ووافقه في هذا ما ذكره البخاري في آخر الحديث: «وعن الزهري
…
» إلخ، فظن أنه عن أبي هريرة وأبي سعيد معًا وفرَّقهما) انتهى؛ فافهم.
(أنَّ النبيَّ) الأعظم صلى الله عليه وسلم : أراد أن يصلي في مسجد، فدخل، ثم (أبصر) : ناقصة، فتقتضي مفعولين؛ أحدهما: قوله: (نُخامة)؛ بضمِّ النون؛ ما يخرج من الصدر، والثاني: ملقاة (في) جدار (قبلة المسجد)؛ أي: النبوي، (فحكَّها) بالكاف؛ أي: أزال أثرها من الجدار (بحَصَاة)؛ بفتح المهملتين؛ صغار الحجر، وفي رواية المستملي:(بحصا).
قلت: والظاهر أن الهاء المثناة سقطت من الناسخ سهوًا؛ لأنَّ الرسم واحد؛ فافهم.
(ثم نهى أن يبزق الرجل) ومثله المرأة والصغير (بين يديه)؛ أي: قدامه؛ يعني: جهة وجهه، والنهي يقتضي التحريم، كما قدمناه، وهو الأصح، وهو قول الإمام الأعظم والجمهور، وقيل: إنه للتنزِّيه، وهو شاذ، وبه قال الشافعي، (أو عن يمينه) وكلمة (أو)
(2)
؛ للتنويع؛ يعني: لا يفعل هذا ولا هذا، (ولكن) يبصق (عن يساره)؛ لحقارة اليسار، (أو تحت قدمه اليسرى) كذا في أكثر الروايات، وفي رواية أبي الوقت:(وتحت)؛ بواو العطف، ووقع في رواية مسلم عن أبي هريرة: (ولكن عن يساره تحت
(1)
في الأصل: (نحوهما)، والمثبت هو الصواب.
(2)
في الأصل: (أول)، وليس بصحيح.
قدمه)؛ بحذف كلمة (أو)، وكذا وقع للبخاري من حديث أنس في أواخر (الصلاة)، ورواية كلمة (أو) أعم وأشمل، قاله الشَّارح.
وزعم الكرماني فإن قلت: لفظ (عن يساره) شامل لقدمه اليسرى، فما فائدة تخصيصها بالذِّكر؟ قلت: ليس شاملًا لها؛ إذ جهة اليمين والشمال غير
(1)
جهة التحت والفوق، انتهى.
ورده إمام الشَّارحين: (بأن فيه تناقضًا
(2)
) انتهى.
قلت: ووجهه أن اليسار -أي: يسار الواقف- يتناول الجهة كلها فوق وتحت، والقدم اليسرى مختصٌ بموضع القدم من تحت، فليس هو شامل لها، وبينهما فرقٌ بيِّنٌ
(3)
، وإنما خصَّها؛ لاحتمال الدفن، ويؤيده قوله:(وكفَّارتها دفنها).
وزعم الكرماني فإن قلت: هذه الترجمة مقيدة بالقدم اليسرى، ولفظ الحديث ليس فيه تقييد القدم باليسرى، قلت: يُقيَّدُ به عملًا بالقاعدة المقررة من تقييد المطلق.
وردَّه إمام الشَّارحين: (بأن لفظ الحديث: «أو تحت قدمه اليسرى»، وكأن في نسخته قد سقطت منه لفظة «اليسرى»، فبنى هذا السؤال والجواب على هذا) انتهى.
قلت: لفظة (اليسرى) ثابتة في جميع الروايات، وليس لأحدٍ روايةٌ بإسقاطها، فنسخة الكرماني خطأ، وبنى عليها كلامه من غير تدبرٍ ولا تفحص، فإنا قد عَهِدنا الشراح يجمعون نسخًا متعددة؛ لأجل المراجعة في ضبط الألفاظ على الوجه الصحيح، ولم نعهد أن أحدًا يتصدر لشرح مثل هذا الكتاب، وليس عنده إلا نسخة واحدة، فليس هذا دَأَب المحصلين؛ فافهم.
(وعن الزهري) هو محمد بن مسلم: (سمع حُميدًا) : هو ابن عبد الرحمن السابق، (عن أبي سعيد) أي: الخدري (نحوَه)؛ بالنَّصب؛ يعني: مثل الحديث السابق، وأشار المؤلف بهذا إلى أن الزهري روى هذا الحديث من وجهين؛ أحدهما: بالعنعنة، والآخر: صرح فيه بسماعه من حميد، وزعم الكرماني أن هذا تعليق، واعترضه ابن حجر بأنَّه وهم، بل هو موصول، ورده إمام الشَّارحين، فقال:(ظاهر الأمر أنه تعليق، ودعوى أنه موصول يحتاج إلى دليل، ولم يبين وجه ذلك) انتهى.
قلت: يعني: أن البيِّنة للمدَّعي، فالمدَّعي بشيء إذا لم يبين حجته؛ لم يقبل منه؛ لأنَّه خبر محتمل لوجهين؛ أرجحهما الثاني؛ فافهم.
(37)
[باب كفَّارة البزاق في المسجد]
هذا (باب) بيان (كفارة) خطيئة (البُزَاق) بضمِّ الموحدة، وفتح الزاي (في المسجد) بدفنه، والألف واللام فيه للجنس؛ أي: في كل مسجد، ولو كان مصلَّى عيد وجنازة.
قال إمام الشَّارحين: (والكفَّارة على وزن «فَعَّالة»؛ للمبالغة؛ كقتَّالة وضرَّابة، وهي من الصفات الغالبة في باب الاسمية، وهي عبارة عن الفعلة والخَصْلة التي من شأنها أن تكفر الخطيئة؛ أي: تسترها وتمحوها، وأصل المادة من الكفر، وهو الستر، ومنه سمي الزَّراع كافرًا؛ لأنَّه يستر الحَب في الأرض، وسُمِّي المخالف لدين الإسلام كافرًا؛ لأنَّه يستر الدين الحق، والتكفير: هو فعل ما يجب بالحديث، والاسم منه: الكفَّارة) انتهى.
[حديث: البزاق في المسجد خطيئة]
415 -
وبالسند إلى المؤلف قال: (حدثنا آدم)؛ بالمدِّ: هو ابن أبي إياس (قال: حدثنا شعبة) : هو ابن الحجاج (قال: حدثنا قتادة) : هو ابن دعامة التابعي المفسر (قال: سمعت أنس بن مالك) هو الأنصاري: أنَّه (قال: قال النبيُّ) الأعظم صلى الله عليه وسلم والجملة فعلية محلها نصب على الحال، أو مفعول ثان لـ (سمعت)(البُزَاق)؛ بضمِّ الموحَّدة، وفتح الزاي؛ ما يخرج من الفم (في المسجد) الألف واللام فيه للجنس، فيشمل كل مسجد، ومثله مصلَّى الجنازة والعيدين.
قال إمام الشَّارحين: (وهو ظرف للفعل، فلا يُشترط كون الفاعل فيه حتى لو بصق من هو خارج المسجد فيه؛ تناوله النهي) انتهى.
قلت: لأنَّه حينئذٍ يصدق عليه أنه بصق في المسجد، وفي رواية مسلم:(التفل في المسجد)؛ بالمثناة الفوقية، وفي رواية أبي داود:(وكفَّارته أن تواريه)؛ أي: تغيِّبه؛ يعني: تدفنه (خطيئة)؛ أي: إثم، وأصلها بالهمزة، ولكن يجوز تشديد التحتية، قاله إمامنا الشَّارح.
قلت: فأفاد أن الرواية بالهمز، ويجوز التشديد؛ فافهم.
(وكفَّارتها) أي: الخطيئة (دفنها)؛ أي: في تراب المسجد، ورمله، وحصائه إن كانت هذه الأشياء فيه، وإلا؛ فيخرجه، وروى أبو داود من حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من دخل هذا المسجد، فبزق فيه أو تنخَّم؛ فليحفر فليدفنه، فإن لم يفعل؛ فليبزق في ثوبه، ثم ليخرج به» ، وقوله:«فإن لم يفعل» ؛ أي: فإن لم يحفر أو لم يمكن الحفر؛ فليبزق في ثوبه، وروى الطبراني في «الأوسط» عن ابن عبَّاس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «البزاق في المسجد خطيئة، وكفَّارته دفنه» ، وإسناده ضعيف، وزعم النووي أن هذا في غير المسجد، وأما المصلِّي في المسجد؛ فلا يبزق إلا في ثوبه.
قلت: وما زعمه مخالف لصريح الأحاديث، ولهذا قال القاضي عياض:(البزاق إنَّما يكون خطيئة إن لم يدفنه، فمن أراد دفنه؛ فليس بخطيئة).
قال إمام الشَّارحين: (ويرد على ما زعمه النووي أحاديث كثيرة، وكلها تدل على أن ذلك كان في المسجد، فقد روى أحمد في «مسنده» من حديث سعد بن أبي وقاص مرفوعًا بإسناد حسن: «من تنخَّم في المسجد؛ فليغيب نخامته أن تصيب جلد مؤمن أو ثوبه، فيؤذيه»، وروى أحمد أيضًا والطبراني بإسنادٍ حسن من حديث أبي أمامة مرفوعًا: «من تنخَّع في المسجد، فلم يدفنه؛ فسيِّئة، وإن دفنه؛ فحسنة»، وفي حديث أبي ذرٍّ عند مسلم: «وجدت في مساوئ أعمال أمتي النُّخامة تكون في المسجد لا تدفن»، قال القرطبي: «فلم يثبت لها حكم السيِّئة بمجرد إيقاعها في المسجد، بل فيه وبتركها غير مدفونة»، وروى سعيد بن منصور عن أبي عبيدة: أنه تنخَّم في المسجد ليلة، فنسي أن يدفنها حتى رجع إلى منزله، فأخذ شعلة من نار، ثم جاء فطلبها حتى دفنها، ثم قال: الحمد لله الذي لم تكتب عَلَيَّ خطيئة) انتهى.
قلت:
(1)
في الأصل: (عين)؛ ولعله تحريف.
(2)
في الأصل: (تناقض)، وليس بصحيح.
(3)
في الأصل: (فرقا بينا)، وليس بصحيح.