الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وهذا لفظ الشافعي، وقال الحافظ أبو بكر الحازمي:(رواه خلَّاد بن أسلم عن سفيان بسنده، فقال: «من ماء نصراني»؛ بالتذكير، والمحفوظ ما رواه الشافعي: «نصرانية»؛ بالتأنيث)، وفي «الأم» للشافعي:(من جر نصرانية)؛ بالهاء في آخرها، وفي «المهذب» لأبي إسحاق:(جر نصراني)، وقال:(صحيح)، وذكر ابن فارس في «حلية العلماء» : هذا سلاخة عرقوب البعير يُجْعَل وعاء للماء.
ولا بأس باستعمال الماء الذي في أواني أهل الكتاب وغيرهم للتوضؤ والاغتسال؛ لأنَّ الأصل: الطهارة ما لم يتيقن النجاسة، وكذا لا بأس باستعمال ثيابهم والصلاة بها؛ لأنَّ الأصل الطهارة، واحتمال النجاسة أمر مشكوك فيه، واليقين لا يزول بالشك، أمَّا إذا علم نجاستها؛ فلا شك بفساد الصلاة معها، هذا مذهب الإمام الأعظم، وأصحابه، والأوزاعي، والثوري، والشافعي، وأصحابه، وقال ابن المنذر:(لا أعلم أحدًا كرهه إلا أحمد وإسحاق)، قال في «عمدة القاري» :(قلت: وتبعهما أهل الظاهر، واختلف قول مالك في هذا، فقيل: لا يجوز، وقيل: يجوز مع الكراهة، وانفرد النخعي بكراهة فضل المرأة إذا كانت جُنُبًا) انتهى.
ووقع في رواية كريمة: بحذف الواو من قوله: (ومن بيت)، قال في «عمدة القاري» :(وهذا غير صحيح؛ لأنَّهما أثران مستقلان، كما سبق).
فإن قلت: ما وجه تطابق هذا الأثر للترجمة؟!
قال الكرماني: (هو مناسب لترجمة الباب من فعل عمر رضي الله عنه ذكر الأمر الأول أيضًا، وإن لم يكن مناسبًا لها؛ لاشتراكهما في كونهما من فعله؛ تكثيرًا للفائدة، واختصارًا في الكتاب، ويُحْتَمَلُ أن يكون هذا قضية واحدة؛ أي: توضأ من بيت نصرانية بالماء الحميم، ويكون المقصود ذكر استعمال سؤر المرأة النصرانية، وذكر الحميم إنَّما هو لبيان الواقع، فتكون المناسبة للترجمة ظاهرة).
ورده في «عمدة القاري» بأن هذا منه لعدم اطلاعه على كتب القوم، فظن أنه أثر واحد، وقد عرفت أنهما أثران مستقلان، ثم ادَّعى أن الأمر الأخير مناسب للترجمة، فهيهات أن يكون مناسبًا؛ لأنَّ الباب في وضوء الرجل مع امرأته وفضل وضوء المرأة، فأي واحد من هذين مناسب لهذا وأثر واحد من هذين لا يدل على ذلك؟! أما توضؤ عمر بالحميم؛ فلا يدل [على شيء من ذلك ظاهرًا، وأمَّا توضؤ عمر من بيت نصرانية؛ فهل يدل على أن وضوءه كان من فضل هذه النصرانية؟ فلا يدل]
(1)
ولا يستلزم ذلك، فمن ادَّعى ذلك؛ فعليه البيان بالبرهان.
وقال ابن حجر: (الثاني مناسب لقوله: «وفضل وضوء المرأة»؛ لأنَّ عمر توضأ بمائها، وفيه دليل على جواز التطهير بفضل وضوء المرأة المسلمة؛ لأنَّها لا تكون أسوأ حالًا من النصرانية).
ورده في «عمدة القاري» : (بأن الترجمة: فضل وضوء المرأة، والنصرانية هل لها فضل وضوء حتى يكون التطابق بينه وبين الترجمة؟ وقوله:«من بيت نصرانية» لا يدل على أن الماء كان من فضل استعمال النصرانية، ولا أنَّ الماء كان لها، وما سبق من الروايات:«من ماء نصرانية» ، أو «في جر نصرانية» ، وهو أيضًا لا يدلُّ على أنه كان من فضل استعمالها، والذي يدلُّ عليه
(2)
هذا الأثر جواز استعمال مياههم، ولكن يُكْرَهُ استعمال أوانيهم وثيابهم سواء فيه أهل الكتاب وغيرهم) انتهى.
وتبعه القسطلاني حيث قال: (ولم يظهر لي مناسبته للترجمة؛ لأنَّ توضؤ عمر من بيت النصرانية لا يدلُّ على أنَّه كان من فضل ما استعملته، بل الذي يدل عليه جواز استعمال مياههم، ولا خلاف في استعمال سؤر النصرانية؛ لأنَّه طاهر خلافًا لأحمد، وإسحاق، وأهل الظاهر) انتهى كلامه.
واعترضه العجلوني وقال: (يمكن الجواب عن الأول: بأنَّ النصرانية إذا طُلِبَ منها الغسل لتحل لحليلها المسلم؛ فيُطلَبُ منها الوضوء؛ لأجل الغسل، وحينئذ فيحتمل أن يكون الماء من فضل استعمال وضوئها، فيندفع الاعتراض الثاني أيضًا، ولئن قلنا: إنَّما لا يُطْلَبُ منها الوضوء، فهي يطلب منها الغسل، وحكم الباقي من مائه حكم الباقي من الوضوء، أو يراد بالوضوء: الوضوء اللغوي؛ فتأمل).
قلت: وهذا خبط وخلط، فأي دليل على أنَّ النصرانية التي أخذ من بيتها عمر الماء كانت تحت مسلم؟! فهذه دعوىولا بدَّ لها من بيان ببرهان، ولئن سلَّمنا أنَّها كانت تحت مسلم؛ فمن أين يطلب منها الوضوء لأجل الغسل وهي كافرة غير مخاطبة بفروع الشريعة؟ كما ذكره أهل الأصول، على أنَّه الواجب على المسلمة الغسل إذا كانت جنبًا أو حائضًا، والوضوء ليس بواجب عليها، فالكافرة التي غير مخاطبة بالأولى، وقوله: (ولئن قلنا
…
) إلخ: هذا قول مردود أيضًا، فإنَّها لا يُطْلَبُ منها الغسل أيضًا، فلو كانت حائضًا
(3)
وانقطع دمها لدون العشرة؛ يسع زوجها وطؤها ووسعها أن تتزوج بآخر؛ لأنَّه لا اغتسال عليها؛ لعدم الخطاب، كما في «منهل الطلاب» ، وقوله:(أو يراد بالوضوء اللغوي) : ممنوع، فإنَّ المراد هنا: الوضوء الشرعي، والكلام فيه لا اللغوي، كما لا يخفى على أولي الألباب.
[حديث: كان الرجال والنساء يتوضؤون في زمان رسول الله جميعًا]
193 -
وبه قال: ([حدثنا] عبد الله بن يوسف) أي: التِّنِّيسي (قال: أخبرنا مالك)؛ أي: ابن أنس الأصبحي، (عن نافع) مولى ابن عمر، (عن عبد الله بن عمر)؛ أي: ابن الخطاب، وفي رواية:(عن ابن عمر) رضي الله عنهما: (أنه قال: كان الرجال والنساء)؛ أي: جنسهما؛ لما تقرر في الأصول أن الجمع المحلى بالألف واللام للاستغراق ما لم يدل دليل على الخصوص، فإن دل عليه؛ فهو له كما هنا؛ للقرينة العادية التي تخصِّصه بالبعض، قاله الكرماني، قال في «عمدة القاري» : الجمع مثل «الرجال» و «النساء» وما في معناه من العام المتناول المجموع، ثم إذا عُرِّف باللام؛ يكون مجازًا عن الجنس، مثلًا إذا قلت: فلان يركب الخيل، ويلبس الثياب البيض؛ يكون للجنس؛ للقطع بأن ليس القصد إلى عهد واستغراق، فلو حلف لا يتزوج النساء، ولا يشتري العبيد، ولا يكلم الناس؛ يحنث بالواحد إلا أن ينوي العموم، فلا يحنث قط؛ لأنَّه نوى حقيقة كلامه، ثم هذا الجنس بمنزلة النكرة تخصُّ في الإثبات، كما إذا حلف لا يركب الخيل؛ يخصُّ البر
(4)
بركوب واحد، ثم قول ابن عمر رضي الله عنهما:(كان الرجال والنساء) إثبات، فيقع على الأقل بقرينة العادة وإن كان يحتمل الكل، وقوله:(جميعًا) ينافي وقوعه على الأقل، قلت: معناه مجتمعين، فالاجتماع راجع إلى حالة كونهم يتوضؤون لا إلى كون الرجال والنساء مطلقًا؛ فافهم.
وقال الزمخشري: (الألفاظ ليست في وضعها للعموم ولا للخصوص، بل هي موضوعة للجنس، لكن يُسْتَفَادان من القرائن والأمور الخارجية المنضمة إليهما) انتهى، لا يقال: إنه لا يصح التمسك بهذا؛ لأنَّ المراد: البعض؛ لقيام القرينة عليه بذلك، واجتماع الكل متعذِّر، فلا يكون حجة لعدم الإجماع؛ لأنَّا نقول: ليس التمسك بالإجماع؛ لأنَّه لا يُتَصَوَّر الإجماع إلا بعد وفاة الرسول عليه السلام، بل بأن الرسول عليه السلام قرَّرهم على ذلك، ولم يُنْكِرْ عليهم، فيكون ذلك حجة للجواز، وقد ذكر أهل الأصول أن قول الصحابة:(كان الناس يفعلون) ونحو ذلك حجة في العمل ولا سيما إذا قيد الصحابي ذلك بزمنه عليه السلام، فيكون حكمه الرفع عند الجمهور، أفاده في «عمدة القاري» .
وقوله: (يتوضؤون في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم : جملة محلها النصب خبر (كان)، وقوله:(جميعًا)؛ بالنصب على الحال من فاعل (يتوضؤون)؛ أي: يتوضؤون مجتمعين من إناء واحد، كذا زاده ابن ماجه، وأخرجه أبو داود وزاد فيه:(ندلي فيه أيدينا)، وعند الدارقطني بلفظ:(من الميضأة)، وفي رواية القعنبي زاد فيه بلفظ:(في الإناء الواحد).
قال في «عمدة القاري» : (ولا شك أن الأحاديث يفسر بعضها بعضًا، وظاهر الحديث: يدل على جواز تناول الرجال والنساء الماء في حالة واحدة، وحكى ابن التين عن قوم: أن الرجال والنساء كانوا يتوضؤون جميعًا من موضع واحد؛ هؤلاء على حدة وهؤلاء على حدة، قلت: الزيادة في الحديث، وهي قوله:«من إناء واحد» يرد عليهم، وكأنهم استبعدوا اجتماع الرجال والنساء الأجنبيات، وأجاب ابن التين عن ذلك بما حكاه عن سحنون أن معناه: كان الرجال يتوضؤون ويذهبون، ثم تأتي النساء فيتوضأن، قلت: هذا خلاف الذي يدل عليه قوله: «جميعًا» ؛ فإن الجميع لغة: ضد التفريق، ومع هذا؛ فقد جاء صريحًا وحدة الإناء في «صحيح ابن خزيمة» في هذا الحديث من طريق معتمر، عن عبيد الله بن عمر، عن نافع، عن ابن عمر: أنه أبصر النبي عليه السلام وأصحابه يتطهرون والنساء معهم من إناء واحد يتطهر كلهم منه، وهذا محمول على ما قبل نزول آية الحجاب، وأمَّا بعده؛ فيختص بالزوجات والمحارم، كذا قرره في «عمدة القاري» .
قال ابن حجر: (يستفاد من الحديث أن المؤلف يرى ذلك).
ورده في «عمدة القاري» : (بأن المؤلف وضع هذا المروي لبيان جواز وضوء الرجال والنساء من إناء واحد،
(1)
ما بين معقوفين سقط من الأصل، وهو مثبت من «عمدة القاري» .
(2)
في الأصل: (على)، ولعل المثبت هو الصواب.
(3)
في الأصل: (حائض).
(4)
كذا في الأصل، وفي «عمدة القاري» :(إذا حلف أن يركب الخيل؛ يحصل البر).
ومع هذا لا يطابق الحديث للترجمة؛ لأنَّ المذكور فيها شيئان، والحديث ليس فيه إلا شيء واحد).
وقال الكرماني: (يدل على الأول صريحًا، وعلى الثاني التزامًا) انتهى؛ أي: لأنَّ الرجال والنساء إذا توضؤوا من إناء واحد؛ فإن الرجل يكون مستعملًا لفضل المرأة، قاله العجلوني.
قلت: وفيه نظر؛ فإن الرجال والنساء إذا توضؤوا من إناء واحد؛ لا يخلو إمَّا أن يكونوا على التعاقب واحدًا بعد آخر، أو كلهم سواء، فإن كان الأول؛ فإن كان النساء قبل الرجال؛ فدلالته على الترجمة ظاهرة، لكن يرده قوله:(جميعًا)، فإن معناه: عدم التفريق، وإن كان الثاني؛ فلا يكون فيه دلالة، ولا يكون الرجل توضأ من فضل المرأة؛ فافهم.
ومع هذا، فإنه روي:(أنه عليه السلام نهى أن يتوضأ الرجل بفضل المرأة)، وأجيب: بأن حديث الباب الدَّال على الإباحة أصح، فإن قيل: مقتضاه الإباحة إذا استعملا جميعًا، والتنازع إنَّما هو في فضل وضوء المرأة، وأجيب: بأن النهي للاستحباب، أو المراد بالنهي عن فضل أعضائها: هو ما تساقط من أعضائها، والجواز على ما بقي من الماء، وبذلك جمع الخطابي والنووي، قلت: وإذا حُمِلَ النهي على المتساقط؛ لم يبقَ للتخصيص بها فائدة، بل الرجل مثلها، ففيه دلالة على نجاسة الماء المستعمل؛ فافهم.
وما أجاب به العجلوني: (من أن النجاسة إذا وقعت في الماء قبل أن يتوضأ أو معه حكمها سواء، فكذا أن وضوء كل واحد منهما مع الآخر لا يفسد عليه الماء؛ فكذا وضوءها قبله، فالقبلية والمعية سواء) فيه نظر، وهذا قياس مع الفارق، والفرق أنهم إذا توضؤوا جميعًا من إناء واحد؛ لا يفسد الماء، أمَّا إذا توضؤوا على التعاقب؛ فالباقي مستعمل؛ فتأمل.
قال في «عمدة القاري» : وفيه: دليل على جواز وضوء الرجل والمرأة من إناء واحد، وأمَّا توضؤ الرجل من فضل المرأة سواء خلت به أم لا؛ فمذهب الإمام الأعظم، ومالك، والشافعي: أنه يجوز، قال البغوي وغيره:«ولا كراهة فيه للأحاديث الصحيحة» ، وقال أحمد وداود:«لا يجوز إن خلت به» ، وروي هذا عن عبد الله بن سرجس والحسن البصري، وروي عن أحمد كمذهبنا، وعن ابن المسيب والحسن: كراهة فضلها مطلقًا، وحكى أبو عمرو فيها خمس مذاهب؛ أحدها: أنه لا بأس أن يغتسل الرجل بفضلها ما لم تكن جنبًا أو حائضًا، والثاني: يكره أن يتوضأ بفضلها وعكسه، والثالث: كراهة فضلها له والرخصة في عكسه، والرابع: لا بأس بشروعهما معًا ولا خير في فضلهما، وهو قول أحمد، والخامس: لا بأس بفضل كل منهما شرعا جميعًا وخلا كل واحد منهما به، وعليه فقهاء الأمصار.
أمَّا اغتسال الرجال والنساء من إناء واحد؛ فقد نقل الحافظ الطحاوي، والقرطبي، والنووي الاتفاق على جواز ذلك، قال ابن حجر:(وفيه نظر لما حكاه ابن المنذر عن أبي هريرة: أنه كان ينهى عنه، وكذا حكاه ابن عبد البر عن قوم)، قال في «عمدة القاري» :(قلت: في نظره نظر؛ لأنَّهم قالوا الاتفاق دون الإجماع، فهذا القائل لم يعرف الفرق بين الاتفاق والإجماع) انتهى، وقد حذا حذو هذا القائل العجلونيُّ حيث قال:(والمعروف عدم الفرق بينهما لغة واصطلاحًا) انتهى، قلت: ولعل عدم الفرق معروف عند أهل عجلون، أما عند العلماء الأعلام من أهل اللغة والاصطلاح؛ فالفرق بينهما ظاهر، أما الإجماع لغة؛ فالعزم على الشيء، يقال: أجمع على كذا؛ أي: عزم عليه، وفي الاصطلاح: فقال أهل الأصول: هو اتفاق مجتهدي عصر من أمَّة محمد عليه السلام على أمر شرعي، فهذا مخصوص بالمجتهدين فما فوقهم إلى وفاته عليه السلام، وأمَّاالاتفاق؛ ففي اللغة: التعاهد، يقال: اتفقوا على كذا؛ أي: تعاهدوا عليه، وفي الاصطلاح: اتفاق أصحاب المجتهدين على أمر شرعي، قاله أحد المجتهدين، مثاله: انعقاد الإجماع على انتقاض الطهارة عند وجود القيء والمس معًا، فمأخذ الانتقاض عندنا: القيء، وهو بالاتفاق ناقض، وعند الشافعي: المس ناقض اتفاقًا، فلو قُدِّرَ عدم كون القيء ناقض؛ فنحن لا نقول بالانتقاض بالمس، فلم يبق الإجماع، ولو قُدِّرَ عدم كون المس ناقضًا؛ فالشافعي لا يقول بالانتقاض، فلم يبق الإجماع أيضًا.
والحاصل: أن الإجماع مخصوص بما بعد وفاة النبي الأعظم عليه السلام إلى عصر المجتهدين، والاتفاق مخصوص بأصحاب المجتهدين؛ فافهم واحفظ.
ثم قال في «عمدة القاري» : (وروي جواز اغتسال الرجال والنساء من [إناء] واحد عن تسعة من الصحابة؛ وهم علي بن أبي طالب عند أحمد قال: «كان عليه السلام وأهله يغتسلون
(1)
من إناء واحد»، وحديث ابن عباس عند الطبراني في «الكبير» من حديث عكرمة عنه:«أنه عليه السلام وعائشة اغتسلا من إناء واحد من جنابة وتوضأا جميعًا للصلاة» ، وحديث جابر عند ابن أبي شيبة في «مصنفه» قال:«كان عليه السلام وأزواجه يغتسلون من إناء واحد» ، وحديث أنس عند المؤلف قال:«كان عليه السلام هو والمرأة من نسائه يغتسلون من الإناء الواحد» ، ورواه الطحاوي عن أبي بكرة القاضي، وحديث أبي هريرة عند البزار في «مسنده» قال:«كان عليه السلام وأهله يغتسلون من إناء واحد» ، وحديث عائشة عند الطحاوي والبيهقي قالت:«كنت اغتسل أنا ورسول الله عليه السلام من إناء واحد، فيبدأ قبلي» ، وحديث أم سلمة عند الطحاوي وابن ماجه قالت:«اغتسلت أنا ورسول الله عليه السلام من إناء واحد» ، وحديث أم هانئ عند النسائي:«أنه عليه السلام اغتسل هو وميمونة من إناء واحد في قصعة فيها أثر العجين» ، وحديث ميمونة عند الترمذي عن ابن عباس قال: قالت: «كنت اغتسل أنا ورسول الله عليه السلام من إناء واحد من الجنابة» ، وقال:«حديث حسن صحيح» ؛ فهذه الأحاديث كلها حجة على من يَكْرَهُ أن يتوضأ الرجل بفضل المرأة، أو تتوضأ المرأة بفضل الرجل.
وبقي الكلام في ابتداء أحدهما قبل الآخر، وحديث عائشة المار وقولها:«فيبدأ قبلي» يدل على كراهة توضؤ الرجل من فضل المرأة، ويردُّه ما في أبي داود عن ابن عباس: أن بعض أزواجه عليه السلام اغتسلت من جنابة، فجاء عليه السلام ليتوضأ منها أو يغتسل، فقالت له: يا رسول الله؛ إني كنت جنبًا، فقال عليه السلام:«إن الماء لا يجنب» ، وروى الطحاوي وابن ماجه عن أم صفية الجهنية قالت:«ربما اختلفت يدي ويد رسول الله عليه السلام في الوضوء من إناء واحد» ، وهذا في حق الوضوء، قال الحافظ الطحاوي:«وهذا يدل على أن أحدهما كان يأخذ من الماء بعد صاحبه» ).
ثم قال في «عمدة القاري» : (وروي عن عبد الله بن سرجس قال: نهى النبي عليه السلام أن يغتسل الرجل بفضل المرأة، والمرأة بفضل الرجل، ولكن يشرعان
(2)
جميعًا، وأخرجه الحافظ الطحاوي والدارقطني، وروي أيضًا من حديث الحكم بن عمر الغفاري قال:«نهى النبي عليه السلام أن يتوضأ الرجل بفضل وضوء المرأة» ، أخرجه أبو داود، والترمذي، وابن ماجه، والطحاوي.
والبيهقي قال: «نقل عن أحمد أن الأحاديث الواردة في منع التطهير بفضل المرأة وفي جواز ذلك مضطربة» ، قال:«لكن صح عن الصحابة المنع فيما إذا دخلت به» ، ولكن يعارض هذا ما روي بصحة الجواز عن جماعة من الصحابة الذين ذكرناهم، وأشهر الأحاديث عند المانعين حديث عبد الله بن سرجس، وحديث الحكم الغفاري، أمَّا حديث ابن سرجس؛ فإنه روي موقوفًا ومرفوعًا، قال البيهقي:«الموقوف أولى بالصواب» ، وقال المؤلف:«أخطأ من رفعه» ).
قال في «عمدة القاري» : (الحكم للرافع؛ لأنَّه زاد، والراوي قد يفتي بشيء ثم يرويه مرة أخرى، ويجعل الموقوف فتوى، فلا يعارض المرفوع، وصححه ابن حزم مرفوعًا من حديث عبد العزيز بن المختار الذي في «مسنده»، والشيخان أخرجا له، ووثقه ابن معين وأبو زرعة، فلا يضره وقف من وقفه، وأما حديث الحكم الغفاري؛ فقال الترمذي: «حديث حسن»، ورجحه ابن ماجه، وصححه ابن حبان، والفارسي، وابن قدامة، فقول النووي: «اتفق الحفاظ على ضعفه» غريب) انتهى، وقدمنا وجه الجمع بينهما؛ فافهم، والله تعالى أعلم.
(44)
[باب صب النبي وضوءه على المغمى عليه]
هذا (باب صبِّ النبي) الأعظم صلى الله عليه وسلم وَضوءه)؛ بفتح الواو: الماء الذي توضأ به، مفعول المصدر المضاف لفاعله، وقوله:(على المُغْمَى عليه)؛ بضم الميم، وإسكان المعجمة، وفتح الميم؛ متعلق به، مِن (أُغمي عليه)، يقال: أُغمي عليه -بضم الهمزة- فهو مغمًى عليه، وغُمِي عليه -بضم الغين المعجمة وتخفيف الميم- فهو مغمي عليه؛ بصيغة المفعول؛ لأنَّ
(1)
في الأصل: (يغتسلوا).
(2)
في الأصل: (شرعا)، ولعل المثبت هو الصواب.