الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ألَّا يكون من كلامه، وهو الأظهر، وبه صرح أبو نعيم في «المستخرج» ، فإذا كان كذلك؛ يكون من كلام المؤلف، أورده عقيب كلام عمر بعد انتهائه، انتهى، ثم قال: وإنما أخَّر إسناد عمر عن كلامه وعادته تقديم الإسناد؛ لأنَّه قد ظفر بإسناده بعد وضع هذا الكلام، فألحقه بالأخير، على أنَّا قلنا: إنَّ هذا الإسناد ليس بموجود عند جماعة، أو للفرق بين إسناد الأثر وإسناد الخبر؛ فافهم.
[حديث: إن الله لا يقبض العلم انتزاعًا]
100 -
وبه قال: (حدثنا إسماعيل بن أبي أُويس) بضم الهمزة والسين المهملة (قال: حدثني) بالإفراد (مالك) الإمام، (عن هشام بن عروة، عن أبيه) عروة، (عن عبد الله بن عمرو بن العاصي) رضي الله عنهما: أنَّه (قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم أي: كلامه حال كونه (يقول) : عبَّر بالمضارع حكاية لحال الماضي، وذلك في حجة الوداع كما عند أحمد والطبراني:(إنَّ الله لا يقبض العلم) : جملة محلها الرفع خبر (إنَّ)؛ أي: من الناس (انتزاعًا)؛ بالنصب على الحال أو المفعولية المطلقة (ينتزعه) -وفي رواية: (ينزعه)
(1)
- بزيادة مثناة فوقية بين النون والزاي (من العباد) بأن يمحوه من صدورهم أو يرفعه إلى السماء، والمحو من الصدور جائز في القدرة، إلا أن هذا الحديث دل على عدم وقوعه، (ولكن يقبض العلم بقبض) أرواح (العلماء) وموت حملته، وهذا من قبيل إقامة الظاهر موضع المضمر؛ لزيادة التعظيم كما في قوله:{اللهُ الصَّمَدُ} [الإخلاص: 2] بعد قوله: {قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ} [الإخلاص: 1]، وكان مقتضى الظاهر: أن يقال: هو الصمد، ولكن يقبضه، (حتى) ابتدائية (إذا لم يُبقِ)؛ بضم التحتية وكسر القاف: من الإبقاء، وفيه ضمير يرجع إلى الله تعالى؛ أي: حتى إذا لم يُبقِ الله تعالى (عالمًا)؛ بالنصب على المفعولية، وفي رواية:(يَبق)؛ بفتح التحتية، من البقاء، و (عالمٌ)؛ بالرفع على الفاعلية، وفي رواية مسلم:(حتى إذا لم يترك عالمًا).
فإن قلت: (إذا) للاستقبال، و (لم) لقلب المضارع ماضيًا، فكيف يجتمعان؟!
قلت: لما تعارضا؛ تساقطا فبقي على أصله، وهو المضارع، أو تعادلا، فيفيد الاستمرار.
(اتخذ الناسُ)؛ بالرفع على الفاعلية (رُؤُوسًا)؛ بضم الراء والهمزة، والتنوين، جمع: رأس، ولأبي ذر كما في «عمدة القاري» :(رُؤَسَاء)؛ بفتح الهمزة، وفي آخره همزة آخر مفتوحة، جمع: رئيس، والأول: أشهر؛ فليحفظ (جُهَّالًا)؛ بضم الجيم وتشديد الهاء، جمع: جاهل؛ بالنصب صفة لـ (رؤوسًا)، (فسُئلوا)؛ بضم السين المهملة، والضمير مفعول ناب عن الفاعل؛ أي: فسألهم السائلون، (فأفتوا) لهم (بغير علم) وعند المؤلف في (الاعتصام) :(فأفتوا برأيهم)(فضلُّوا) من الضلال؛ أي: في أنفسهم، (وأضلُّوا) من الإضلال؛ أي: أضلُّوا السائلين.
فإن قلت: الإضلال ظاهر، وأما الضلال؛ فإنما يلزم أن لو عُمل بما أُفتيَ وقد لا يعمل به؟
قلت: إن إضلاله للغير ضلال له، عمل بما أفتى به أو لم يعمل، والمراد بالجهل: القدر المشترك بين المركب؛ وهو عدم العلم بالشيء مع اعتقاد العلم به، وبين البسيط؛ وهو عدم العلم بالشيء لا مع اعتقاد العلم به المتناول لهما، وهو عامٌّ يتناول القضاة والنوَّاب؛ لأنَّ الحكم بالشيء مستلزم للفتوى به.
(قال الفرَبْري)؛ بكسر الفاء وفتحها، مع فتح الراء وإسكان الموحدة، نسبة إلى فربر: قرية من قرى بخارى على طرق جيحون، أبو عبد الله محمد بن يوسف بن مطر، المتوفى سنة عشرين وثلاثمئة، عن تسع وثمانين سنة، فسمع من المؤلف مرتين: مرة بفربر، وأخرى ببخارى، وسمع من قتيبة، فشارك المؤلف في الرواية عنه:(حدثنا عباس)؛ بالموحدة والمهملة، وفي رواية: بإسقاط (قال: الفربري) : (قال: حدثنا قتيبة) : ابن سعيد أحد مشايخ المؤلف: (قال: حدثنا جَرير) بفتح الجيم، ابن عبد الحميد الضبي، أبو عبد الله الرازي الكوفي، (عن هشام) : ابن عروة بن الزبير بن العوام (نحوه)؛ أي: نحو حديث مالك، ورواية الفربري هذه أخرجها مسلم عن قتيبة، عن جرير، عن هشام به، واستدل به بجواز خلوِّ الزمان عن المجتهد، وهو مذهب الجمهور خلافًا للحنابلة، وأن الرئاسة الحقيقية هو الفتوى، وهذا الحديث خرج مخرج العموم، والمراد به الخصوص؛ لقول النبيِّ الأعظم عليه السلام:«لا تزال طائفة من أُمتي ظاهرين على الحق حتى يأتي أمر الله» ، وتمامه في «عمدة القاري» .
(35)
[باب هل يجعل للنساء يوم على حدة في العلم]
هذا (بابٌ) بالتنوين: (هل) للاستفهام (يُجعَل) بصيغة المجهول (للنساء يومٌ) بالرفع مفعوله ناب عن الفاعل (على حِدَة)؛ بكسر الحاء المهملة وتخفيف الدال؛ أي: على انفراده (في العلم) وفي رواية: (يَجعَل)؛ بصيغة المعلوم؛ أي: يجعل الإمام، و (يومًا)؛ بالنصب مفعوله.
[حديث: قالت النساء للنبي: غلبنا عليك الرجال]
101 -
وبه قال: (حدثنا آدمُ) : ممنوع من الصرف؛ للعلمية والعجمة أو وزن الفعل، وهو ابن أبي إياس (قال: حدثناشعبة) : هو ابن الحجاج (قال: حدثني) بالإفراد (ابن الأَصبهاني)؛ بفتح الهمزة، وقد تكسر، وقد تبدل باؤها فاء، عبد الرحمن بن عبد الله الكوفي وأصبهان: مدينة بعراق العجم (قال: سمعت أبا صالح ذَكْوان)؛ بفتح الذال وسكون الكاف، غير منصرف، حال كونه (يحدِّث عن أبي سعيد الخدري) : سعد بن مالك رضي الله عنه (قال)؛ أي: أبو سعيد: (قال النساء) وفي رواية: بإسقاط (قال) الأولى، وفي آخر:(قالتْ النساء)؛ بتاء التأنيث، وكلاهما جائز في فعل اسم الجمع (للنبيِّ) الأعظم صلى الله عليه وسلم: غلبَنا)؛ بفتح الموحدة (عليك الرجالُ)؛ بالرفع فاعله؛ أي: بملازمتهم لك كل الأيام يتعلمون أمور الدين ونحن نساء ضعفة لا نقدر على مزاحمتهم، (فاجعل) عطف على محذوف، تقديره: انظر لنا؛ أي: عيِّن (لنا يومًا) من الأيام تعلمنا فيه يكون منشؤه (من نفسك)؛ أي: من اختيارك لا من اختيارنا، أطلق الجعل والمراد لازمه؛ وهو التعيين.
فإن قلت: عطف الجملة الخبرية وهي (فوعدهنَّ) على الإنشائية وهي (فاجعل لنا)؛ ممنوع عند جماعة.
أجيب: بأن العطف ليس على قوله: (فاجعل لنا يومًا)، بل العطف على جميع الجملة من قوله:(غلبنا عليك الرجال، فاجعل لنا يومًا من نفسك)، كذا قرره في «عمدة القاري» .
(فوعدهنَّ) عليه السلام (يومًا) مفعول ثانٍ لـ (وعد)؛ أي: ليعلمهن فيه (لقيهنَّ فيه)؛ أي: في اليوم الموعود به، واللقاء إما بمعنى الرؤية، وإما بمعنى الوصول، والجملة محلها النصب صفة لـ (يومًا)، ويجوز أن يكون استئنافًا، (فوعظهن)؛ أي: فوفى عليه السلام بوعده ولقيهن ووعظهن بمواعظ، فالفاء فصيحة، (وأمرهنَّ) بأوامر دينية؛ (فكان) : الفاء فصيحة (فيما قال لهن)؛ أي: الذي قاله لهن، خبر (كان)، وقوله:(ما منكن امرأة) : اسم (كان)، وفي رواية:(ما منكن من امرأة)، و (من) : زائدة لفظًا، و (امرأة) : مبتدأ، و (منكن) : حال منها مقدم عليها، وخبر المبتدأ الجملةُ التي بعد أداة الاستثناء المفرَّغ
(2)
، إعرابه على حسب العوامل (تقدم ثلاثة من وُلْدها)؛ بضم الواو وسكون اللام، جمع ولد، وهو يقع على الذكر والأنثى، وفي رواية:(ثلاثًا)؛ بدون هاء؛ أي: ثلاث نسمة، وهي تطلق على الذكر والأنثى أيضًا (إلا كان) التقديم (لها حجابًا)؛ بالنصب خبر (كان)، وفي رواية:(حجابٌ)؛ بالرفع، على أنَّ (كان) تامة؛ أي: وُجِد لها حجابٌ (من النار) وعند المؤلف في (الجنائز) : (إلا كن لها حجابًا)، على تقدير الأنفس، وفي (الاعتصام) :(إلا كانوا لها حجابًا)؛ أي: الأولاد.
فإن قلت: كيف يقع الفعل مستثنًى؟
قلت: على تقدير الاسم؛ أي: ما امرأة مقدمة إلا كائنًا لها حجاب، كذا في «عمدة القاري» .
(فقالت امرأة) هي أم سليم كما عند أحمد والطبراني، أو أم أيمن كما عند الطبراني في «الأوسط» ، أو أم بشر كما بيَّنه المؤلف.
قلت: وهو محمول على تعدُّد القصة، والظاهر الأول.
(و) من قدم (اثنين) ولكريمة: (واثنتين)؛ بالتأنيث، (فقال) عليه السلام:(و) من قدم (اثنين) ولكريمة: (واثنتين) أيضًا؛ يعني: أن حكم الاثنين حكم الثلاثة؛ لاحتمال أنه أوحي إليه في الحين بأن يجيب بذلك وهو غير ممتنع، والرجل كالمرأة؛ لأنَّ حكم المكلفين على السواء، إلا إذا دل دليل على الخصوص، وعند المؤلف في (الرقاق) من حديث أبي هريرة ما يدل على أن الواحد كالاثنين، وهو قوله عليه السلام:«يقول الله عز وجل: ما لعبدي المؤمن عندي جزاء إذا قبضت صفيَّه من أهل الدنيا، ثم احتسبه إلا الجنة» ، وأي صفي أعظم من الولد؛ فتأمل.
102 -
وبه قال: (حدثنا) وفي رواية: بالإفراد (محمد بن بشار) الملقب ببندار (قال: حدثنا غُندر)؛ بضم الغين المعجمة: محمد بن جعفر البصري (قال: حدثنا شعبة) : ابن الحجاج، (عن عبد الرحمن ابن الأصبهاني، عن) أبي صالح (ذكوان) فأفاد المؤلف هنا تسمية ابن الأصبهاني المبهم في الرواية المارة، (عن أبي سعيد)؛ أي: الخدري، كما في رواية، (عن النبيِّ) الأعظم صلى الله عليه وسلم بهذا)؛ أي: بالحديث السابق.
(وعن عبد الرحمن ابن الأصبهاني) الواو عاطفة على قوله: (عن عبد الرحمن)، فالحاصل: أن شعبة يرويه عن عبد الرحمن بإسنادين، فهو موصول، وزعم الكرماني أنه معلق، قال القسطلاني: وهو وهم، وإليه أشار في «عمدة القاري» ؛ فافهم.
(قال: سمعت أبا حازم)؛ بالمهملة والزاي: سلمان الأشجعي الكوفي، المتوفى في خلافة عمر بن عبد العزيز، (عن أبي هريرة) عبد الرحمن بن صخر (قال) وفي رواية: بالواو عطفًا على محذوف؛ تقديره: مثله؛ أي: مثل حديث أبي سعيد، وقال:(ثلاثة لم يبلغوا الحِنث)؛ بكسر المهملة وبالمثلثة؛ أي: الإثم؛ والمعنى: أنهم ماتوا قبل بلوغهم التكليف، فلم تكتب عليهم الآثام، وإنما خص الحكم بالذين لم يبلغوا وهم الصغار؛ لأنَّ قلب الوالدين على الصغير أرحم وأشفق دون الكبير؛ لأنَّ الغالب على الكبير عدم السلامة من مخالفة والديه وعقوقهم، وفي «الترمذي» و «ابن ماجه» عن ابن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من قدم ثلاثة من الولد
(1)
في الأصل: (بنزعه).
(2)
في الأصل: (مفرغ)، ولعل المثبت هو الصواب.
لم يبلغوا الحنث؛ كانوا له حصنًا حصينًا من النار»، فقال أبو ذر: قدمت اثنين، قال:«واثنين» ، قال أُبيُّ بن كعب: قدمت واحدًا، قال:«وواحدًا» ، قال الترمذي: غريب، فهذا يدل صريحًا على أن الواحد كالاثنين والثلاثة.
وفي الحديث: دليل على أن أولاد المؤمنين في الجنة، وهو قول الجمهور، وأمَّا أطفال الأنبياء؛ ففي الجنة بالإجماع، وسيأتي تمامه.
(36)
[باب من سمع شيئًا فراجع حتى يعرفه]
هذا (باب من سمع شيئًا) فلم يفهمه كما في روايةٍ (فراجع) الذي سمعه منه، وللأصيلي:(فراجع فيه)، وفي رواية:(فراجعه)(حتى يعرفه)؛ أي: يعرف ما سمعه كما هو في حقه.
[حديث: أنَّ عائشة كانت لا تسمع شيئًا لا تعرفه]
103 -
وبه قال: (حدثنا سعيد ابن أبي مريم) : الجمحي البصري، المتوفى سنة أربع وعشرين ومئتين، ونسبه لجدِّ أبيه، فإن أباه الحكم بن محمد بن أبي مريم (قال: أخبرنا نافع بن عمر) وفي رواية: (ابن عمر الجمحي) : وهو ابن عبد الله القرشي المكي، المتوفى سنة تسع وستين ومئة بمكة (قال: حدثني) بالإفراد (ابن أبي مُليكة)؛ بضم الميم: عبد الله -بالتكبير- ابن عبيد الله -بالتصغير-: (أنَّ عائشة) بفتح الهمزة، وأصله: بأنَّ عائشة (زوج النبيِّ) الأعظم صلى الله عليه وسلم ورضي عنها (كانت) محله الرفع خبر (أنَّ)(لا تسمع) وفي رواية: (لا تستمع)؛ بمثناتين فوقيتين، بينهما مهملة (شيئًا) مجهولًا موصوفًا بصفة (لا تعرفه إلَّا راجعت فيه) النبيِّ الأعظم عليه السلام (حتى) أي: إلى أن (تعرفه) وإنما جمع بين (كانت) الماضي وبين (لا تسمع) المضارع؛ استحضارًا للصورة الماضية وحكاية عنها، (وأنَّ النبيَّ) الأعظم صلى الله عليه وسلم : عطف على قوله: (أنَّ عائشة)(قال) : جملة محلها الرفع خبر (أنَّ)(مَن) : موصولة مبتدأ، و (حوسب) : جملة صلتها و (عذب) : خبر المبتدأ؛ أي: استحق العذاب، (قالت عائشة) رضي الله عنها:(فقلت) : عطف على (قال)
…
إلخ: (أ) كان كذلك (وليس يقول الله تعالى) وإنما قدر؛ لأنَّ همزة الاستفهام تقتضي الصدارة، وحرف العطف يقتضي تقدم الصدارة، و (يقول) : خبر (ليس)، واسمها ضمير الشأن، أو أن (ليس) بمعنى (لا)؛ أي: أولا يقول الله تعالى: ({فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا}) مفعول مطلق ({يَسِيرًا})[الانشقاق: 8] : صفته؛ أي: سهلًا لا يناقش فيه، (قالت)؛ أي: عائشة: (فقال) أي: النبيُّ الأعظم عليه السلام: (إنما ذلكِ)؛ بكسر الكاف خطاب للمؤنث، والأصل فيه (ذا) : وهو اسم يشار به إلى المذكر، فإن خاطبت؛ جئت بالكاف، فقلت: ذاك وذلك، فاللام زائدة، والكاف للخطاب، وفيها أن ما يومئ إليه بعيد، ولا موضع لها من الإعراب، وهو ههنا مبتدأ، وخبره قوله:(العَرض)؛ بفتح العين، من عرضت عليه كذا؛ أي: أظهرته وأبرزته، (ولكن) للاستدراك (من) موصولة متضمن معنى الشرط، وقوله:(نوقش) فعل الشرط (الحسابَ)؛ بالنصب مفعول (ناقش) ثانٍ، والأول الضمير في (نوقش) ناب عن الفاعل؛ أي: من ناقشه الله الحساب، والمناقشة: الاستقصاء في الحساب حتى لا يترك منه شيء؛ أي: من استقصي حسابه؛ (يهلِكْ)؛ بكسر اللام وإسكان الكاف، جواب الشرط، ويجوز رفع الكاف؛ لأنَّ الشرط إذا كان ماضيًا؛ جاز في الجواب الوجهان، والحديث عام في تعذيب من حوسب، والآية تدل على عدم تعذيب بعضهم وهم أصحاب اليمين، فالمراد من الحساب في الآية: العَرض؛ يعني: الإبراز والإظهار، وهو أن يعرف ذنوبه، ثم يتجاوز عنه.
وفي الحديث: فضل عائشة، وأنه عليه السلام لم يتضجر من المراجعة.
وفيه: إثبات الحساب والعرض، وإثبات العذاب يوم القيامة، وتفاوت الناس في الحساب، وظاهر قول ابن أبي مُليكة -أنَّ عائشة كانت لا تسمع شيئًا إلَّا راجعت فيه-: الإرسال؛ لأنَّ ابن أبي مليكة تابعيُّ لم يدرك مراجعتها النبيَّ الأعظم عليه السلام، لكن قولها:(فقلت: أوليس) يدل على أنه موصول، كذا حققه في «عمدة القاري» ، والله تعالى أعلم.
(37)
[باب ليبلغ العلم الشاهد الغائب]
هذا (بابٌ) بالتنوين: (ليبلِّغِ العلمَ)؛ بالنصب (الشاهدُ)؛ بالرفع (الغائبَ)؛ بالنصب؛ أي: ليبلغ الحاضر الغائب العلم، فـ (الشاهد) : فاعل، و (الغائب) : مفعول أول له وإن تأخر في الذكر، و (العلم) : مفعول ثان، واللام في (ليبلغ) : لام الأمر، وفي الغين الكسر على الأصل في حركة التقاء الساكنين، والفتح لخفته (قاله)؛ أي: رواه عبد الله (ابن عباس) رضي الله عنهما، فما وصله المؤلف في (الحج)، (عن النبيِّ) الأعظم صلى الله عليه وسلم ولفظه كما في «عمدة القاري» :(أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم خطب الناس يوم النحر، فقال: «أيها الناس؛ أي يوم هذا؟» قالوا: يوم حرام، وفي آخره: «اللهم؛ هل بلَّغت»، قال ابن عباس: فوالذي نفسي بيده؛ إنها لوصية إلى أمته، فليبلغِ الشاهد الغائب)؛ أي: العلم، فالعلم مقدر في الحديث، وليس هو رواية بالمعنى، كما زعمه بعضهم؛ لأنَّ العلم المأمور بتبليغه مقدر في الحديث، ومعلوم علمًا بديهيًّا، والقرينة تعيِّنه؛ فافهم.
[حديث: إن مكة حرَّمها الله ولم يحرِّمها الناس]
104 -
وبه قال: (حدثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي (قال: حدثني) بالإفراد، وفي رواية: بالجمع (الليث) : ابن سعد المصري (قال: حدثني) بالإفراد (سعِيد)؛ بكسر العين: المقبري، وفي رواية:(سعيد بن أبي سعيد)، وفي أخرى:(هو ابن أبي سعيد)، (عن أبي شُرَيح) بضم المعجمة، وفتح الراء، وبالمهملة، اسمه خويلد بن عمرو بن صخر على الأصح-كما في «عمدة القاري» - الخزاعي العدوي الكعبي، المتوفى سنة ثمان وستين، الصحابي رضي الله عنه:(أنَّه قال لعَمرو بن سعِيد)؛ بفتح العين في الأول، وكسرها في الثاني: ابن العاصي بن أمية القرشي الأموي، المعروف بالأشدق، قتله عبد الملك بن مروان بعد أن أمَّنه سنة سبعين من الهجرة، قال في «عمدة القاري» :(وليست له صحبة ولا كان من التابعين بإحسان، ووالده مختلف في صحبته) انتهى (وهو يبعث البُعوث)؛ بضم الموحدة، جمع البعث؛ بمعنى المبعوث، والجملة اسمية وقعت حالًا؛ والمعنى: يرسل الجيوش (إلى مكة)؛ لقتال عبد الله بن الزبير، وذلك أنَّه لمَّا توفي معاوية؛ وجه يزيد إلى عبد الله بن الزبير يستدعي منه بيعته، فخرج من مكة ممتنعًا من بيعته، فغضب يزيد وأرسل إلى مكة يأمر واليها يحيى بن حكيم يأخذ ببيعة عبد الله، فبايعه، وأرسل إلى يزيد ببيعته، فقال: لا أقبل حتى يؤتى به موثَّقًا في وثاق، فأتى ابن الزبير إلى الحرم، وقال: إنِّي عائذ بالبيت، فأبى يزيد وكتب إلى عمرو بن سعيد أن يوجه إليه جندًا، فبعث إليه هذه البعوث.
قال الشيخ الإمام بدر الدين العيني: وابن الزبير عند علماء السنة أولى بالخلافة من يزيد وعبد الملك؛ لأنَّه بويع لابن الزبير قبل هؤلاء، وهو صاحب النبيِّ الأعظم عليه السلام، ونقل ذلك عن مالك، وكان امتناعه سنة إحدى وستين من الهجرة.
(ائذن لي) أمر من (أذن يأذن)، وأصله: اأْذن، قلبت الهمزة الثانية ياء؛ لسكونها وانكسار ما قبلها، يا (أيها الأمير) حذف منه حرف النداء (أحدثْك)؛ بالجزم؛ لأنَّه جواب الأمر (قولًا)؛ بالنصب مفعول ثان لـ (أحدث)(قام به النبيُّ) الأعظم، وفي رواية:(رسول الله) صلى الله عليه وسلم : جملة محلها النصب صفة (قولًا)(الغدَ)؛ بالنصب على الظرفية؛ وهو اليوم الثاني (من يوم الفتح)؛ يعني: فتح مكة، وكان في عشرين من رمضان في السنة الثامنة من الهجرة (سمعته أذناي) : فاعله، وأصله: أذنان لي، فلما أضيف إلى ياء المتكلم؛ سقطت نون التثنية، والجملة محلها النصب صفة أخرى لـ (القول)، (ووعاه قلبي)؛ أي: حفظه وتحقق فهمه، وتثبت في تعقُّل معناه، وفي قوله:(سمعته أذناي) : إشارة منه إلى مبالغته في حفظه ونفي عن أن يكون سمعه من غيره، كما جاء في حديث النعمان بن بشير:(وأهوى النعمان بإصبعيه إلى أذنيه)، (وأبصرته عيناي) : أصله: عينان لي، فلما أضيف إلى ياء المتكلم؛ سقطت نون التثنية، وهذا زيادة في تحقُّق السماع والفهم عنه بالقرب منه والرؤية، وأنَّ سماعه ليس اعتمادًا على الصوت بل بالرؤية، وكل ما في الإنسان من الأعضاء اثنان؛ كالأذن والعين؛ فهو مؤنث، بخلاف الأنف ونحوه، كما في «عمدة القاري» (حين تكلَّم) النبيُّ الأعظم عليه السلام، و (حين) : منصوب على الظرفية، وهو ظرف لـ (قام) و (سمعت) و (وعاه) و (أبصرت) (به) أي: بالقول الذي أحدثك؛ (حمد الله) تعالى: جملة وقعت بيانًا لـ (تكلم)، (وأثنى عليه) عطف على (حمد) من عطف العام على الخاصِّ، (ثم قال) عليه السلام:(إنَّ مكة حرمها الله) عز وجل: جملة محلها الرفع خبر (إنَّ)؛ أي: من يوم خلق الله السماوات والأرض، ولا تنافي بين هذا وبين ما روي: أنَّ إبراهيم عليه