الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
صيغة المعلوم أو المجهول، وللأصيلي:(يتَمَضمَض)؛ بزيادة مثناة فوقية مفتوحة كالتحتية قبلها وفتح الميمين، (من اللبن) إذا شربه.
[حديث: أن رسول الله شرب لبنًا فمضمض]
211 -
وبالسند قال: (حدثنا يحيى ابن بُكير)؛ بضم الموحدة مصغرًا، نسبه لجده؛ لشهرته به، وإلا؛ فهو يحيى بن عبد الله بن بُكير المصري، (وقُتَيْبَة)؛ بضم القاف، وفتح المثناة الفوقية، وإسكان التحتية، وفتح الموحدة: هو ابن سعيد، أبو رجاء الثقفي (قالا: حدثنا الليث)؛ بالمثلثة: هو ابن سعد المصري، (عن عُقيل)؛ بضم العين المهملة مصغرًا: هو ابن خالد، (عن ابن شهاب) : محمد بن مسلم الزهري، (عن عبيد الله) بالتصغير (بن عبد الله) بالتكبير (بن عُتْبَة)؛ بضم العين المهملة، وسكون الفوقية، وفتح الموحدة: ابن مسعود رضي الله عنه، (عن ابن عباس) رضي الله عنهما:(أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم شرِب) بكسر الرَّاء (لبنًا) : زاد مسلم: (ثم دعا بماء)، (فمضمض) فاه، (وقال) عليه السلام:(إنَّ له) أي: للبن (دَسَمًا)؛ بفتحتين منصوبًا، اسم (إن)؛ أي: زهومته، وهو ما يظهر على اللبن من الدهن، وقال الفاضل جار الله الزمخشري:(الدسم: من دَسَمَ المطرُ الأرضَ؛ إذا لم يبلغ أن يبل الثرى، وأمَّا الدُّسْم -بضم فسكون-: هو الشيء القليل)، وجملة المقول بيان لعلة المضمضة من اللبن، فيدل على استحبابها من كل شيء دسم، ويؤخذ منه استحباب غسل اليدين للتنظيف، وقال البغوي:(المضمضمة مستحبة عند أكل ما له دسومة، أو يبقى في الفم منه بقية تصل إلى باطنه في الصلاة) انتهى؛ أي: أو يعالج بلسانه في ذهابها من بين أسنانه؛ لأنَّه يخل بالخشوع، ويشغل البال، وربما تفسد صلاته من كثرة الحركات؛ فافهم.
(تابعه)؛ أي: تابع عقيلًا (يونسُ)؛ أي: ابن يزيد الأيلي، وحديثه موصول عند مسلم، (وصالح بن كَيسان)؛ بفتح الكاف، وحديثه موصول عند أبي العباس السراج في «مسنده»؛ كلاهما (عن الزهري) : وتابعه الأوزاعي أيضًا، كما عند المؤلف في (الأطعمة)، لكن رواه ابن ماجه والطبراني بلفظ:(حدثنا الأوزاعي)، وإسنادهما حسن بلفظ:«مضمضوا من اللبن؛ فإن له دسمًا» ؛ بصيغة الأمر، وهو محمول على الاستحباب؛ لما رواه أبو داود بسند حسن عن أنس:(أنَّ النبي عليه السلام شرب لبنًا، فلم يتمضمض ولم يتوضأ)، وروي عن ابن عباس راوي الحديث:(أنه شرب لبنًا فمضمض، ثم قال: لو لم أتمضمض ما باليت)، وقال ابن شاهين: حديث أنس ناسخ لحديث ابن عباس، ولم يذكر من قال فيه بالوجوب حتى يحتاج إلى دعوى النسخ، والظاهر أنه ليس بمنسوخ؛ لما رواه أحمد بن منيع في «مسنده» ، بسند صحيح عن أنس رضي الله عنه: أنه كان يُمَضْمِضُ من اللبن ثلاثًا، فلو كان منسوخًا؛ لما فعله بعد النبي صلى الله عليه وسلم، كذا في «عمدة القاري» ، وتمامه فيه؛ فافهم.
(53)
[باب الوضوء من النوم]
هذا (باب) حكم (الوضوء من النوم) : اللام فيه للجنس، فيشمل القليل والكثير؛ أي: هو واجب مستحب منه، (و) باب (من لم ير مِنَ الَّنعْسة)؛ بسكون العين المهملة؛ وهي فتور في الحواس، وتسمى: الوَسَن؛ بالتحريك، والمشهور التفرقة بين النوم والنعاس، وهو ظاهر كلام المؤلف، فإنَّ من سكنت حواسه بحيث يسمع كلام من حضر في مجلسه ولا يفهم معناه؛ فهو ناعس، وإن زاد على ذلك؛ فهو نائم، ومن علامات النوم الرؤيا، ومن علامات النعاس سماع كلام الحاضر عنده وإن لم يفهم، وفي «منهل الطلاب» :(النعاس: أول النوم، والوسن: ثقل النوم، والرقاد: النوم الطويل، وقيل: السِّنَة: ثِقَل في الرأس، والنعاس: ثِقَل في العين، والنوم في القلب) انتهى.
وزعم ابن حجر أن ظاهر كلام المؤلف: أن النعاس يسمى نومًا، ورده في «عمدة القاري» ، فقال: (لا نسلم أن ظاهر كلام البخاري يدل على عدم التفرقة، فإنه عطف: «ومن لم ير
…
» إلخ على «الوضوء من النوم» ) انتهى؛ أي: والعطف يقتضي المغايرة كما هنا، وذكره للتنبيه على أنه لا وضوء منه إذا كان خفيفًا، وكونه مغايرًا له هو المشهور، وعطفه على ما قبله ظاهر؛ فافهم.
وقد تكلَّم العجلوني على عبارة «عمدة القاري» بكلام لا طائل تحته حيث ثبت أن كلام صاحب «عمدة القاري» ما نقلناه، وهي النسخة الصحيحة، وكلامه في أول الباب يدل على هذا، فاخترع العجلوني نسخة محرَّفة، وتصدَّى إلى الردِّ، فركب متن عمياء، وخبط خبط عشواء؛ فافهم.
(والنَّعستين)؛ تثنية نَعسة؛ بفتح النُّون؛ للمرَّة من النَّعْس؛ بفتح فسكون، وفعله: نعس، من باب (نصر)، ومن قال: نَعُس؛ بالضم؛ فقد أخطأ، كما نبَّه عليه في «عمدة القاري» ، وفيه:(وبعض بني عامر يقول: ينعَس -بالفتح- يقال: نعس ينعس نعسًا ونعاسًا؛ فهو ناعس ونعسان، وامرأة نعسى، وقال ابن السكيت وثعلب: لا يقال: نعسان) انتهى.
(أو الخفقة) : للمرة، من خَفَق يَخْفِق خفقًا، من باب (ضرب)؛ إذا حرك رأسه وهو ناعس، وقال ابن الأثير: خفق؛ إذا نعس، وقال ابن التين: الخفقة: النعسة، وإنما كرر؛ لاختلاف اللفظ، قال ابن حجر: وهو من الخاص بعد العام، قال في «عمدة القاري» :(على قول ابن التين بين النعسة والخفقة مساواة، وعلى قول بعضهم عموم وخصوص؛ بمعنى: أن كل خفقة نعسة، وليس كل نعسة خفقة، ويدل عليه ما قاله أهل اللغة: خفق رأسه؛ إذا حركه، وهو ناعس)، وتمامه فيه، وفي «مسلم» من حديث أنس:(كان أصحاب رسول الله عليه السلام ينتظرون الصلاة، فينعسون حتى تخفق رؤوسهم، ثم يقومون إلى الصلاة)، ومعنى (تخفق رؤوسهم)؛ أي: تسقط أذقانهم على صدورهم.
وقوله: (وُضوءًا)؛ بضم الواو؛ بالنصب مفعول (ير) السابق، فلو زادت الخفقة على الواحدة، أو النعسة على الثنتين؛ يجب الوضوء؛ لأنَّه حينئذ يكون نائمًا مستغرقًا، أفاده في «عمدة القاري» ، وتبعه القسطلاني.
قلت: وهو ظاهر تقييد المؤلف، ويدل له ما في «مسلم» في قصة صلاة ابن عباس مع النبي عليه السلام بالليل قال:(فجعلت إذا أغفيت؛ أخذ بشحمة أذني)، فدل على أن الوضوء لا يجب على غير المستغرق، وروى ابن المنذر عن ابن عباس أنه قال: وجب الوضوء على كل نائم إلا من خفق خفقة، فالزيادة دليل الاستغراق، وبهذا اضمحلَّ ما زعمه العجلوني من أن الزيادة غير لازمة، وأن المدار على النوم، انتهى، لأنَّه إذا كان المدار على النوم ولم نعتبر الزيادة؛ لا يعلم النائم من الناعس، ولا يعلم الفرق بينهما؛ فافهم.
[حديث: إذا نعس أحدكم وهو يصلي فليرقد حتى يذهب عنه النوم]
212 -
وبه قال: (حدثنا عبد الله بن يوسف)؛ أي: التِّنِّيسي (قال: أخبرنا مالك)؛ أي: ابن أنس الأصبحي، (عن هشام)؛ أي: ابن عروة، كما في روايةٍ، (عن أبيه)؛ أي: عروة بن الزبير بن العوام، (عن عائشة) : أم المؤمنين رضي الله عنها: (أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إذا نَعَس) بفتح العين المهملة على صيغة الماضي (أحدكم) خطاب خاص أريد به عام (وهو يصلي) : جملة اسمية محلها نصب على الحال؛ (فليَرقُد)؛ بفتح [التحتية وضم] القاف؛ أي: فلينم استحبابًا؛ أي: بعد فراغه وإتمامه صلاته، لكنه يتجوز، ويخفف فيها، وعند النسائي من طريق أيوب عن هشام:(فلينصرف)؛ أي: بعد أن يتم صلاته لا أنه يقطعها بمجرد النعاس، كما زعمه المهلب حيث حمله على ظاهره، ويرده قوله تعالى:{وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ} [محمد: 33]، (حتى يذهب عنه النوم) : فالشرط سبب للجزاء، وهنا النعاس سبب للنوم، أو سبب للأمر بالنوم، واستظهر الأول الكرماني على حد: اضرب زيدًا تأديبًا، ولا ينافي ما ذكر من الأمر بالنوم ما جاء في حديث ابن عباس من نومه في بيت ميمونة، وأنه قال:(قمت إلى الصلاة، فجعلت إذا أغفيت؛ يأخذ بشحمة أذني)، ولم يأمره بالنوم؛ لأنَّه جاء تلك الليلة ليتعلَّم، ففعل ذلك ليكون أثبت له؛ فتأمل.
واختلف في أن النوم عينه ناقض فيكون حدثًا، أو ما لا يخلو عنه النائم فيكون ليس بحدث؛ فقال في «المبسوط» وتبعه شراح «الهداية» بالثاني، وهو الصحيح، كما في «الفتاوى الشلبية» و «السراج» ، واختاره فخر الدين الزيلعي، وحكى الاتفاق عليه، ويدل له حديث أبي داود وغيره:«العينان وكاء السَّه، فمن نام؛ فليتوضأ» ، وقال بعضهم بالأول، وبه قال إسحاق، والحسن، والمزني، ويدل له عموم حديث صفوان المروي عند ابن خزيمة، وفيه:«إلا من غائط أو بول أو نوم» ، فسوَّى بينها في الحكم.
وفيه: أنه لا يلزم من اقترانها في اللفظ مساواتها في الحكم، وهذا في حقنا؛ أمَّا في حق النبي الأعظم عليه السلام؛ فمن خصائصه أنَّه لا ينتقض وضوءه بالنوم مطلقًا، وألحق به بقية الأنبياء عليهم السلام؛ لحديث ابن عباس المذكور في هذا «الصحيح» :(نام رسول الله عليه السلام حتى سمعت غطيطه، وصلى ولم يتوضأ)، وللحديث المشهور:«نحن معاشر الأنبياء تنام أعيننا ولا تنام قلوبنا» .
وقوله: (فإن أحدكم إذا صلى وهو ناعس)؛ بلفظ اسم الفاعل؛ (لا يدري لعلَّه يستغفر)؛ أي: يريد أن يستغفر (فيسب نفسه)؛
أي: يدعو على نفسه، كما صرح به النسائي؛ تعليل للرقاد أو للأمر به، والفاء في (فيسب) : عاطفة على (يستغفر)، فهو مرفوع، كهو على حذفها الموجود في بعض الأصول، قال ابن مالك:(جاء في «فيسب» الرفع، باعتبار عطف الفعل على الفعل، والنصب باعتبار أنه جواب لـ «لعلَّ»، فإنها مثل «ليت»)، وجملة (وهو ناعس) : حالية أو معترضة؛ كقوله: (وهو يصلي)، والفائدة في تغيير الأسلوب بين التركيبين حيث قال في الأول:(نعس) بالماضي، وهنا بلفظ اسم الفاعل، كما قال في «عمدة القاري» :(الدلالة على أنه لا يكفي تجدد أدنى نعاس وانقضاؤه في الحال، بل لا بدَّ من ثبوته بحيث يفضي إلى عدم درايته بما يقول ويقرأ، والفرق بينهما كالفرق بين ضرب زيد قائمًا وقام ضاربًا، وهو احتمال القيام بدون الضرب في الأول، والعكس في الثاني، وإنما اختار ما اختار في كل منهما؛ لأنَّ الحال قيد وفضلة، والأصل في الكلام ما له القيد، ففي الأول: لا شك أن النعاس هو علة الأمر بالرقاد لا الصلاة، فهو المقصود الأصلي في التركيب، وفي الثاني: الصلاة علة للاستغفار؛ لأنَّ تقدير الكلام: فإن أحدكم إذا صلى وهو ناعس؛ يستغفر، فلفظ (لعلَّه يستغفر) : خبر (إنَّ)، ولفظ:(لا يدري) وقع موقع جزاء (إذا) إن جعلناها شرطية، وإلا؛ فخبر (إنَّ) هو جملة:(لا يدري)، وجملة:(لعلَّه يستغفر) : معمول لـ (لا يدري)، والمراد من (لعلَّه يستغفر) : يريد الاستغفار، فلا ينافي أنه يسب؛ أي: يدعو على نفسه، كما سبق؛ فافهم.
ويحتمل أن يكون علة النهي خشية أن يوافق ساعة الإجابة، والترجي هنا عائد إلى المصلي لا إلى المتكلم به؛ أي: لا يدري أمستغفر هو أم سابٌّ مترجيًّا الاستغفار؟ وهو في الواقع بضد ذلك، أو يستغفر؛ بمعنى: يتمكن من الاستغفار والسب؛ كما أن المترجي بين حصول المرجو وعدمه ومتمكن منهما لا على السوية.
ووجه الدلالة من الحديث على الترجمة: أنه أمره بالرقاد، فلولا أن صلاته في هذه الحالة قريبة للبطلان؛ لما أمره بذلك، فدلَّ على أن ما لا يخلو عنه النائم ناقض؛ لأنَّه علله بأنَّه يختلط، فلا يدري أيسب أم يستغفر؟ وذلك من النوم المزيل للعقل، فيكون بمنزلة من سكر، وقد قال الله تعالى:{لَا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ} [النساء: 43]، ومن ثَمَّ أُلحِق بالنوم غيره من كل ما يزيل العقل؛ كالجنون والإغماء والسكر؛ لأنَّ ذلك أبلغ في الذهول من النوم الذي هو مظنة الحدث، وقد يقال: أشار المؤلف بذكر النوم في الترجمة إلى الحديث المشهور عن علي رضي الله عنه: «العينان وكاء السَّه، فمن نام؛ فليتوضأ» ، وأخرجه مسلم وأبو داود في (الصلاة)؛ فتأمل.
وقال المهلب: (وفي قوله: «فإن أحدكم
…
» إلخ: إشارة إلى العلَّة الموجبة لقطع الصلاة، فمن صار في هذه الحالة؛ فقد انتقض وضوءُه بالإجماع)، واعترض بأن الإشارة إنَّما هي إلى جواز قطع الصلاة أو الانصراف إذا سلَّم منها، وأما النقض؛ فلا يتبين من الحديث؛ لأنَّ جريان ما ذكر على اللسان ممكن من الناعس، مع أنَّه قائل بأن قليل النوم لا ينقض، فكيف بالنعاس؟! وما ادعاه من الإجماع منقوض، فقد صح عن أبي موسى الأشعري، وابن عمر، وسعيد بن المسيب: أن النوم لا ينقض مطلقًا، انتهى.
وفيه نظر، فإن الإشارة في الحديث إلى التجوز والتخفيف في الصلاة لا إلى جواز قطعها؛ لأنَّه غير جائز، وقد قال الله تعالى:{وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ} [محمد: 33]، والصلاة خير الأعمال، فلا ريب في عدم جواز قطعها؛ فافهم.
واستظهر في «عمدة القاري» أن الإشارة إلى اقتصار إتمام ما هو فيه، وعدم استئناف صلاة أخرى، قال:(فتماديه على ما كان فيه يدل على أن النعاس اليسير لا ينافي الطهارة)، وتمامه فيه.
اللهم إني أسألك بما في المؤلَّف من الأحاديث النبوية، وبجاهِ قائلها عليه السلام أن تفرج عنا وعن المسلمين، فإنه قد ضاق الحال، وطال المآل، آمين.
[حديث: إذا نعس أحدكم في الصلاة فلينم حتى يعلم ما يقرأ]
213 -
وبه قال: (حدثنا أبو مَعْمَر)؛ بفتح الميمين بينهما عين ساكنة: عبد الله بن عمرو المقعد (قال: حدثنا عبد الوارث)؛ بالمثلثة: هو ابن سعيد بن ذكوان التنوري (قال: حدثنا أيوب)؛ أي: السختياني، (عن أبي قِلَابة)؛ بكسر القاف وتخفيف اللام والموحدة: عبد الله بن زيد الجرمي، (عن أنس)؛ أي: ابن مالك رضي الله عنه، (عن النبي) الأعظم صلى الله عليه وسلم : أنه (قال: إذا نعَس) بفتح العين المهملة (في الصلاة)؛ بحذف الفاعل؛ للعلم به، وفي رواية:(إذا نعس أحدكم في الصلاة)، فصرح به، وفي رواية:(إذا نعس أحدكم)؛ بإسقاط قوله: (في الصلاة)؛ (فلينم)؛ أي بعد إتمامها، أو يتجوز ويخفف في صلاته، ويتمها وينم، لا أنه يقطعها؛ فافهم، (حتى يعلمَ) بالنصب لا غير (ما يقرأ)؛ أي: الذي يقرؤه أو شيئًا يقرؤه، أو مصدرية، لا استفهامية، كما في «عمدة القاري» ، ويمكن توجيهه عربية، لكنه بعيد معنًى؛ فتأمل.
وليس هذا خاصًّا بنافلة الليل، كما قاله المهلب، وعلله: بأن الفريضة ليست في أوقات النوم، وليس فيها من التطويل ما يوجب
(1)
ذلك؛ لأنَّا نقول: العبرة لعموم اللفظ لا لخصوص السبب، فالفرض كذلك إذا أمن فيه بقاء الوقت.
وفي النوم مذاهب؛ أحدها: أنه ناقض للوضوء، وذلك بأن نام غير متمكن فيه من المقعدة -يعني: المخرج- من الأرض؛ بأن نام مضجعًا أو متوركًا أو مستلقيًا على القفا، وهو مذهب الإمام الأعظم والجمهور.
الثاني: أن النوم غير ناقض بحال، وهو مذهب أبي موسى الأشعري، والأوزاعي، والأعرج.
الثالث: أنه ناقض للوضوء على كل حال متمكنًا أو لا، قليلًا أو كثيرًا، وهو مذهب الحسن وإسحاق ابن راهويه.
الرابع: كثير النوم ناقض دون قليله، وهو قول الزهري، وربيعة، وإحدى الروايتين عن الأوزاعي، ومالك، وأحمد.
الخامس: إذا نام في الصلاة راكعًا أو ساجدًا على الصفة المسنونة بأن أبدى ضبعيه، وجافى بطنه عن فخذيه؛ فإنه لا يَنْتَقِضُوضوءُه، وكذا إذا نام جالسًا، ومثله ما إذا نام كذلك خارج الصلاة؛ فإنه لا ينتقض وضوءُه، وهو مذهب الإمام الأعظم، وداود، وسفيان الثوري، وغيرهم؛ لحديث مسلم عن أنس قال:(إن الصحابة كانوا ينامون ثم يصلون ولا يتوضؤون)، ولقوله عليه السلام:«لا يجب الوضوء على من نام جالسًا أو قائمًا أو ساجدًا حتى يضع جنبه، فإذا اضطجع؛ استرخت مفاصله» ، رواه أصحاب «السنن» .
السادس: لا ينقض إلا نوم الراكع والساجد، وهو رواية عن أحمد، والصحيح عنه: أن النوم مطلقًا ناقض إلا النوم اليسير عرفًا من جالس أو قائم.
السابع: أنه لا يَنْقُضُ إلا نوم الساجد، وهو مروي عن أحمد.
الثامن: لا يَنْقُضُ النومُ في الصلاة بكل حال وينقض خارجها، وهو قول الشافعي.
التاسع: من نام ساجدًا في مصلاه؛ فليس عليه وضوء، وإن نام ساجدًا في غير مصلاه؛ فعليه الوضوء، وهو قول ابن المبارك.
ولو نام وهو متمكن من الأرض، لكنه مستند إلى حائط أو غيره، بحيث لو أزيل المستند؛ سقط النائم؛ اختلف فيه؛ فذهب الحافظ الطحاوي وصاحب «الهداية» والقدوري أنه ينتقض وضوءُه، وروى الإمام أبو يوسف عن الإمام الأعظم: أنه لا ينتقض وضوءُه، وهو ظاهر الرواية، وبه أخذ عامة العلماء، وهو الصحيح.
وينقضه ارتفاع مقعدة قاعد نائم على الأرض قبل انتباهه وإن لم يسقط على الأرض في ظاهر المذهب؛ لزوال المقعدة، وقيل: إن انتبه لما سقط؛ فلا ينتقض، وإن استقر نائمًا، ثم انتبه؛ انتقض؛ لوجود النوم مضجعًا، هذا قول الإمام الأعظم رضي الله عنه، قال في «التبيين» : وهو ظاهر الرواية، وفي «فتح القدير» : وعليه الفتوى، وبه جزم في «السراج» ، وهو الصحيح، كما في «المضمرات» .
ومن به انفلات ريح هل ينتقض وضوءُه بالنوم؟ أجاب العلامة الشلبي في «حواشي التبيين» : بعدم النقض؛ بناء على ما هو الصحيح من أن النوم نفسه ليس بناقض، وإنما الناقض ما يخرج، ومن ذهب إلى أن النوم نفسه ناقض؛ لزمه نقض وضوء من به انفلات ريح بالنوم، انتهى.
قال في «الخانية» : (النعاس لا ينقض الوضوء، وهو قليل النوم لا يشتبه عليه أكثر ما يقال ويجري عنده) انتهى، وظاهره عدم اشتراط الفهم بل السماع فقط، وبالسماع عبر في «السراج» ، و «التاترخانية» ، و «التبيين» ، والذي في «الدر المختار» تبعًا لـ «البحر» معزوًّا
(2)
لشروح «الهداية» التعبير بـ (يفهم)، وظاهره اشتراط الفهم.
فالحاصل: أن اشتراط السماع متفق عليه، وإنما الخلاف في فهم ما يسمعه بحيث لو سئل عما تكلم بحضرته؛ لأجاب بأكثره؛ فإنه غير ناقض اتفاقًا، أما إذا لم يجب بالأكثر، بل بأقل منه؛ فيكون حينئذ ناقضًا، والفهم مستلزم للجواب؛
(1)
في الأصل: (جوب).
(2)
في الأصل: (معزيًّا)، ولعل المثبت هو الصواب.