الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عليه السلام أرسل إلى الملائكة، وهو ظاهر قوله تعالى:{لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا} [الفرقان: 1]، (وأعطيت الشفاعة)؛ أي: العظمى، أو التي لأهل الصغائر والكبائر، أو من ليس له عمل صالح إلا التوحيد، أو لرفع الدرجات في الجنة، أو في إدخال قوم الجنة بلا حساب، انتهى، وتمامه فيما قدمناه في (التيمم)، لكنَّ الشفاعة العظمى لا يشاركه بها أحد من الأنبياء وغيرهم، أمَّا غيرها؛ فيشاركه بها الأنبياء والعلماء وغيرهم؛ فافهم، والله أعلم.
(57)
[باب نوم المرأة في المسجد]
هذا (باب) حكم (نوم المرأة في المسجد) سواء كانت حرة أو أمة، فإذا أمِنَت على نفسها، ولم يكن لها مسكن؛ فيجوز نومها فيه، كما يجوز لها السكنى فيه أيضًا، كذا أطلق الشراح، وينبغي تقييده بما إذا لم تكن حائضة، فإنَّ في حال حيضها لا يجوز لها النوم ولا السكنى في المسجد، كما لا يخفى.
[حديث: أن وليدة كانت سوداء]
439 -
وبالسند إلى المؤلف قال: (حدثنا عبيد)؛ بضمِّ أوله؛ مصغرًا غير مضاف، وفي رواية: عبيد الله (بن إسماعيل) هو الكوفي الهَبَّاري، بفتح الهاء وتشديد الموحدة، وعبد الله: اسمه في الأصل كما ثبت في هذه الرواية، وعبيد: لقبه غلب عليه، وعرف به (قال: حدثنا أبو أسامة) : هو حماد بن أسامة الهاشمي الكوفي، (عن هِشام)؛ بكسر الهاء هو ابن عروة، (عن أبيه) : هو عروة بن الزبير بن العوام المدني، (عن عائشة) هي الصديقة بنت الصديق الأكبر رضي الله عنهما:(أنَّ)؛ بفتح الهمزة (وَليدة)؛ بفتح الواو مكبرًا؛ يعني: أمة، والوليدة في الأصل: الطفلة، وقد تطلق على الأَمَة وإن كانت كبيرة، وفي «المخصص» : إذا ولد المولود، فهو وليد ساعة تلده أمه، والأنثى وليدة، وفي «المحكم» : الجمع: ولدان، كذا في «عمدة القاري» (كانت سوداء)؛ يعني: كانت امرأة كبيرة سوداء، ولم يذكر أحد اسمها، قاله إمام الشَّارحين (لحي من العرب) أي: لقبيلة منهم، ومتعلق اللام محذوف تقديره: كانت لحي من العرب، وهي في محل نصب على الوصفية، ولم يذكر أحد اسم الحي التي كانت لهم، قاله إمام الشَّارحين، (فأعتقوها) أي: الوليدةَ قومُها، (فكانت معهم) أي: لم تخرج عنهم، (قالت) أي: الوليدة: (فخرجت صبية) لم يقف على اسمها إمام الشَّارحين (لهم) أي: لهؤلاء الحي، وروى ثابت في «الدلائل» من طريق أبي معاوية عن هشام، فزاد فيه: أنَّ الصبية كانت عروسًا، فدخلت في مغتسلها، وكان (عليها) أي: الصبية (وشاح أحمر)؛ بكسر الواو، وبضمِّها، وتبدل همزة مكسورة، فيقال: الإشاح على البدل من الواو؛ وهو خيطان من لؤلؤ وجوهر منظومان يخالف بينهما، معطوف أحدهما على الآخر، والجمع: أوشحة، ووشح، ووشائح وفي «المخصص» :(الوشاح: من وسط إلى أسفل، ولا يكون الوشاح وشاحًا حتى يكون منظومًا بلؤلؤ أو ودع)، وفي «الجامع» :(الوشاح: خرز تتوشح المرأة به، ويقال له أيضًا: الوشجن)، وفي «المغيث» :(الوشاح: قلادة)(من سُيور)؛ بضمِّ المهملة، جمع سَير؛ بفتحها، وهو ما يقطع من الجلد غالبًا، وفي «المنتهى» :(إشاح: وهو ينسج من أديم عرضًا، وينظم عليه الجواهر، فيكون نظمان؛ أحدهما معطوف على الآخر، والجمع: وشح)، وفي «الصحاح» (الوشاح: ينسج من أديم عرضًا، ويرصع بالجواهر، وتشده المرأة بين عاتقها وكشحها)، وقال الداودي:(الوشاح: ثوب؛ كالبُرد، ونحوه)، قال في «المصابيح» :(هذا يصلح تفسيرًا لما في الحديث) انتهى.
قلت: فيه نظر؛ لأنَّ الوشاح هو من الجلد بدليل قوله: (من سيور) وهو: ما يقطع من الجلد، وكان عليه اللؤلؤ، فهذا يخالف ما زعمه؛ فافهم.
(قالت) أي: الوليدة، وزعم القسطلاني، وتبعه العجلوني؛ أي: عائشة.
قلت: وهو غير ظاهر؛ لأنَّ عائشة لم تحضر القصة، وإنَّما الوليدة الحاضرة، وهي تقص القصة على عائشة، ويدل عليه ما رواه ثابت في «الدلائل» وفيه:(أنَّ الصبية كانت عروسًا، فدخلت في مغتسلها، فوضعت الوشاح)، فهذا يدل على أنَّ القائل ذلك هي الوليدة، ويدل عليه أيضًا آخر الحديث؛ حيث قالت عائشة: فحدثتني بهذا؛ فافهم.
(فوضعته) أي: الوشاح على الأرض، أو شيء؛ لأجل الاغتسال (أو وقع منها) بالشك من الراوي، والظاهر أنَّه من عائشة، وروى ثابت في «الدلائل» : فوضعت الصبية الوشاح، من غير شك (فمرت به) أي: بالوشاح، وسقطت لفظة (به) للأربعة (حُدَيَّاة)؛ بضمِّ الحاء وفتح الدال المهملتين، وتشديد التحتية، بعدها ألف، وفي آخره تاء، قال إمام الشَّارحين: والأصل فيها أن يقال حُديْأة؛ بهمزة مفتوحة بعد التحتية الساكنة؛ لأنَّها مصغر (حدأة) على وزن (عنبة)، ولكن أبدلت الهمزة ياء، وأدغمت الياء في الياء، فصارت حدية، فقيل: حصلت الألف من إشباع الفتحة، وقيل: إنَّها كلمة موضوعة بلفظ التصغير مرادفة لـ (الحدأة)، وقال أمامنا الشَّارح: (وجمع الحدأة: حدء
(1)
مقصور [و] مهموز نص عليه ثعلب)، وقال ابن قتيبة:(وجمعه حدان)، وقال ابن سيده:(والحداء أيضًا؛ بالمد والكسر: جمع الحدأة وهو نادر)، وقال ابن عديس:(ومن العرب من يسميها أيضًا الحِدَو؛ بكسر الحاء وفتح الدال المهملتين بعدها واو ساكنة)، قال أبو منصور:(ومنه قول ابن عبَّاس «لا بأس بقتل الحدو»)، وقال ابن عديس:(وهي الحدى؛ مثل العزى، وأهل الحجاز يقولون لها: حديَّة، يشددون التحتية ولا يهمزون، والجمع: حدادي، وعن أبي حاتم أنَّه خطَّأهم في هذا، وقال ابن الأنباري: (الحداء جمع حدأة، وربما فتحوا الحاء فقالوا: حدأة وحداء، والكسر أجود)، وفي «الموعب» :(هي طائر يأكل الجرزان).
قال إمام الشَّارحين: (هي الطائر المعروف الذي هو من الفواسق الخمس المأذون بقتلهن في الحل والحرم) انتهى.
قلت: وهي معروفة يقال لها: شوحة، تأكل الجيف.
(وهو) أي: الوشاح (مُلقًى)؛ بضمِّ الميم: اسم مفعول؛ أي: مرميٌّ على الأرض، أو على السرير ونحوه، والجملة محلها نصب على الحال من الوشاح أو من ضميره، (فحسِبته) أي: ظنت الحدياة الوشاح (لحمًا) أي: سمينًا؛ لأنَّه كان من جلد أحمر، وعليه اللؤلؤ، وهذا لا ينافي كونه مرصعًا باللؤلؤ والجواهر؛ لأنَّ بياض اللؤلؤ والجوهر على حمرة الجلد يصير كاللحم السمين المرغوب فيه لمن يأكله، (فخطَفته)؛ بفتح الطاء المهملة، وزعم القسطلاني وتبعه العجلوني أنَّه بكسر الطاء المهملة على الأفصح، انتهى.
قلت: وفتح الطاء أيضًا فصيح؛ لأنَّه من باب نصر ينصُر؛ فافهم، والخطف: الأخذ بالقوة والقهر بدون حق مترتب.
(قالت) أي: الوليدة: (فالتمسوه) أي: طلب هؤلاء الحي الوشاح المذكور بالسؤال والتفتيش عنه، (فلم يجدوه)؛
(1)
في الأصل: (حدة).
أي: الوشاح عند الصبية، وفي الكلام حذف وهو: أنَّ الصبية التمست وشاحها أولًا، فلم تجده فسألت عنه الحي المذكور، فالتمسوه ثانيًا، فلم يجدوه؛ فافهم.
(قالت) أي: الوليدة: (فاتهموني به) أي: بأخذ الوشاح المذكور؛ يعني: بسرقته (قالت) أي: الوليدة لا عائشة كما زعم القسطلاني وتبعه العجلوني: (فطفقوا) أي: شرعوا (يفتشون)؛ أي: يكشفون عن ثيابها وينظرون ثيابها، هل الوشاح معها؟ ويؤيد ما قلناه رواية الأصيلي وابن عساكر:(يفتشوني)؛ بضمِّير المتكلم، فهو يدل على أنَّ هذا قول الوليدة، وزعم العجلوني أنَّ هذه الرواية على حكاية لفظ الوليدة، انتهى.
قلت: هو غير ظاهر؛ لأنَّ هذا ليس بقول عائشة، بل هو قول الوليدة؛ لأنَّها المخبرة عن حالها في ذلك، وهذا هو الحقيقة، وما زعمه محاولة وخروج عن الظاهر؛ فافهم.
(حتى) أي: إلى أن (فتشوا قبُلها)؛ بضمِّ القاف والموحدة؛ أي: فرجها، فإن قلت كان القياس أن يقال:(قبلي)، بياء المتكلم.
قلت: إن كان هذا من كلام عائشة؛ فهو على الأصل، وإن كان من كلام الوليدة؛ فهو من باب الالتفات، أو من باب التجريد، فكأنَّها جردت من نفسها شخصًا وأخبرت عنه، والظاهر: أنَّه من كلام الوليدة، كذا قاله إمام الشَّارحين، وكذا استظهر أنَّه من كلام الوليدة ابن حجر العسقلاني في «فتحه» .
قلت: وهذا هو الظاهر، ويدل عليه رواية الأصيلي وابن عساكر السابقة، وكذلك رواية المؤلف في (أيام الجاهلية) :(حتى فتشوا قبلي) بياء المتكلم؛ فليحفظ
(قالت) أي: الوليدة (والله إني لقائمة معهم) أي: مع هؤلاء الحي (إذ مرت الحدياة) أي: المذكورة، وكلمة (إذ) على أربعة أقسام؛ أحدها: أن تكون اسمًا للزمن الماضي، والثالث في استعمالها: أن تكون ظرفًا، و «إذ» ههنا من هذا القبيل، وتمامه في موضعها، قاله إمام الشارحين.
قلت: وهي وإن كانت ظرفًا إلا أنَّها ههنا للمفاجأة؛ فافهم.
زاد ثابت في «الدلائل» : (قالت: فدعوت الله أن يبرئني، فجاءت الحدياة، وهم ينظرون)(فألقته) أي: رمت الحدياة الوشاح المذكور (قالت) أي: الوليدة: (فوقع) أي: الوشاح (بينهم) أي: بين هؤلاء الحي (قالت) أي: الوليدة: (فقلت) أي: لهؤلاء الحي: (هذا) أي: الوشاح المذكور هو (الذي اتهمتموني به) أي: نسبتموني إلى سرقته (زعمتم) أي: أني أخذته، فحذف مفعول (زعمت)؛ للقرينة الدالة عليه، بل صرح به في نسخة، قال الأصمعي:(الزعم: الكذب)، وقال الواحدي:(وأكثر ما يستعمل بمعنى فيمالا يتحقق)، قال ابن المظفر:(أهل العربية يقولون: زعم فلان؛ إذا شك فيه ولم يدر لعله كذب أو باطل)، وقال شريح:(زعموا: كنية الكذب) انتهى.
فقولها: (زعمتم) تريد: كذبتم علي (وأنا منه بريئة)؛ الجملة حالية، والضمير في (منه) يرجع إلى الزعم الذي يدل عليه (زعمتم) ويجوز أن يرجع إلى الوشاح؛ أي: من أخذه؛ قاله إمام الشَّارحين.
قلت: والذي يظهر أنَّ المعنى الثاني أوفق للمقام، وإن كان المعنى الأول صحيحًا؛ فتأمل.
(وهو ذا هو) قال إمام الشَّارحين: فيه أوجه من الإعراب:
الأول: أن يكون (هو) الأول مبتدأً و (ذا) خبره، و (هو) الثاني خبر بعد خبر، ويكون (هو) الأول راجعًا
(1)
إلى الوشاح و (ذا) إشارة إلى المُلقى.
الثاني: أن يكون (هو) الثاني تأكيدًا للأول.
الثالث: أن يكون تأكيدًا لـ (ذا).
الرابع: أن يكون بيانًا له.
الخامس: أن يكون (ذا) مبتدأ ثانيًا، وخبره (هو) الثاني، والجملة خبر المبتدأ الأول.
السادس: أن يكون (هو) ضمير الشأن، ويكون (ذا) مع (هو) الثاني جملة، أو الثاني خبرًا
(2)
محذوفًا والجملة تأكيدًا للجملة.
السابع: أن يكون (ذا) منصوبًا على الاختصاص.
ووقع في رواية أبي نعيم (وها هو ذا)، وفي رواية ابن خزيمة (وهو ذا) كما ترون، انتهى.
(قالت) أي: عائشة، قاله الشَّارح وتبعه الشرَّاح:(فجاءت)؛ أي: الوليدة؛ أي: بعد ما هاجرت من بلاد هؤلاء الحي (إلى رسول الله) وللأصيلي: (إلى النبي الأعظم) صلى الله عليه وسلم؛ أي: إلى مدينته المنورة حتى تشرفت برؤيته، (فأسلمت)؛ أي: على يديه، (قالت)؛ أي: عائشة: (فكانت)؛ أي: الوليدة، وللكشميهني (فكان)، قلت: والظاهر: أنها بمعنى: وجد، وقوله (لها خباء) خبر ومبتدأ، و (في المسجد) متعلق بـ (وجد).
وزعم العجلوني أن (كان) في هذه الرواية على إسناد (كان) إلى خباء في (لها خباء) و (لها) خبرها مقدم، والأقرب جعله حالًا والخبر (في المسجد)
(3)
انتهى.
قلت: وهو غير ظاهر مع ما فيه من التعسف؛ فافهم، و (الخِباء) : بكسر الخاء المعجمة وتخفيف الموحدة، وبالمد؛ وهي خيمة تكون من وبر، أو صوف، وهي على عمودين أو ثلاثة وما فوقها.
وقال أبو عبيدة: (الخباء لا يكون إلا من شعر).
قلت: وفيه نظر، ففي «المخصص» :(الخباء: يكون من وبر، أو صوف، ولا يكون من شعر).
وقال الكلبي: (بيوت العرب ستة: مظلة من شعر، خباء من صوف، بجاد من وبر، خيمة من شجر، أقنة
(4)
من حجر، قبة من أدم).
وقال ابن دريد: (الأخبية: بيوت الأعراب، فإذا ضخم الخباء؛ فهو بيت، والخباء مشتق من خبأت خبيئًا، ويقال: تخبأت).
وعن الفارسي: (أصل هذه الكلمة التغطية)، وعن ابن السكيت:(أخبينا خباء: نصبناه، واستخبيناه: نصبناه ودخلنا فيه) انتهى.
(في المسجد)؛ أي: النبوي، ويجوز أن يكون الجار والمجرور حال و (ال) في (المسجد) للعهد؛ أي: المعهود عن عائشة، وهو مسجده عليه السلام (أو حِفْش) بكسر الحاء المهملة، وسكون الفاء آخره شين معجمة؛ وهو بيت صغير قريب السمك، مأخوذ من الانحفاش؛ وهو الانضمام، وذكر ابن عديس: أنه الصغير من بيوت الأعراب، وقيل الحفش: بالفتح والكسر والاسكان: وبفتح الفاء: البيت القريب السمك من الأرض وجمعه: أحفاش وحفاش، وفي «المخصص» :(أنه من الشعر، لا من الآجر)، وفي «المغرب» :(استعير من حفش المرأة؛ وهو درجها)، وقال أبو عبيد:(هو البيت البردي، وقيل: الخرب)، وقال الجوهري:(وهو وعاء المغازل).
قلت: (لكنه استعير للبيت الصغير) قاله إمام الشَّارحين.
وكلمة (أو) للشك من عائشة (قالت)؛ أي: عائشة: (فكانت)؛ أي: الوليدة (تأتيني فتحدِّث عندي)؛ بلفظ المضارع، أصله: تتحدث من التحدث، فحُذفت إحدى التاءين، فعند سيبويه: المحذوف التاء الثانية؛ لأنَّ الثقل نشأ منها، وقيل: هي الأولى؛ لأنَّها زائدة، كذا في
(1)
في الأصل: (راجع)، ولعل المثبت هو الصواب.
(2)
في الأصل: (خبر)، ولعل المثبت هو الصواب.
(3)
في الأصل: (بالمسجد).
(4)
في الأصل: (أفتتة)، ولعله تحريف.