الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فذكره، انتهى.
وقوله: (حدثنا صخر) بالصاد المهملة، والخاء المعجمة، آخره راء (بن جُويرية)؛ بضمِّ الجيم، تصغير الجارية -بالجيم- البصري أبو نافع التميمي الثقة، مقول:(وقال عفان)؛ فافهم، (عن نافع)؛ مولى ابن عمر القرشي العدوي، (عن ابن عمر) عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنه:(أن النبيَّ) الأعظم صلى الله عليه وسلم قال: أَراني)؛ بفتح الهمزة؛ أي: أرى نفسي، فالفاعل والمفعول عبارتان عن معبِّر واحد، وهذا من خصائص أفعال القلوب، وفي رواية المستملي:(رآني)؛ بتقديم الراء، والأول أشهر، وفي رواية مسلم:(أراني في المنام)، وفي رواية الإسماعيلي:(رأيت في المنام)، فعلى هذا؛ هو من الرؤيا، كذا قاله في «عمدة القاري» .
وقال الكرماني: (وفي بعض النسخ: (أُراني)؛ بضمِّ الهمزة؛ ومعناه: أظن نفسي، واعترضه ابن حجر: بأن الضمة وهم، ورده في «عمدة القاري» : (بأنه ليس بوهم، والعبارتان تستعملان
(1)
) انتهى.
زعم العجلوني فقال: (لعل المراد من الوهم؛ أي: من حيث الرواية ولئن سلم أن التوهيم مطلقًا لجهة أن (أُرى) بضمِّ الهمزة للظن، والمراد هنا اليقين) انتهى.
قلت: وفيه خبط، بل المراد أن الفتح والضم مستعمل من حيث الرواية والمعنى، وكونها بمعنى الظن لا ينافي اليقين؛ لأنَّ الصيغة صيغة ظن، والمراد بها اليقين، كما لا يخفى، فاندفع الوهم وثبت استعمال الضم؛ فليحفظ.
وزعم القسطلاني أن رواية المستملي بتقديم الراء خطأ؛ لأنَّه إنَّما أخبر عما رآه في النوم، انتهى، يعني: وأن هذه تقتضي اليقظة.
قلت: ولا يلزم من إخباره عما رآه في النوم أنها تقتضي اليقظة؛ لأنَّه يجوز أن يكون قصد بذلك جبريل؛ يعني: أنه رآه في المنام؛ فافهم فلا خطأ في الرواية؛ لأنَّ توجيهها ممكن سائغ، فالحكم عليها بالخطأ خطأ ظاهر؛ فليحفظ.
وقوله: (أتسوَّك بسواك) : جملة محلها النصب مفعول ثان، أو حال، والأول أظهر؛ فافهم، (فجاءني رجلان)؛ أي: ملكان على صورة رجلين، أو رجلان حقيقة وهو الظاهر، وهذا على كون (أراني) مَناميَّة؛ لما قدمنا أن (أراني) معناه: أرى نفسي في المنام، وقال ابن حجر في «المنحة» :(وعلى فتح همزة (أراني) وضمها هو إخبار عما رآه في النوم).
قلت: فقد اعترف باستعمال الضم في (أراني)، فكيف زعم عليه بالوهم، وما هو إلا تعصب على الكرماني، وتبعه العجلوني فتعصب على «عمدة القاري» ، وهو ممنوع؛ فافهم.
(أحدهما أكبر من الآخر) لعل أحدهما الأكبر هو الأب والأصغر الابن، وكأنه عليه السلام لا يعرفهما قبل ذلك، (فناولت) أي: أعطيت (السواك الأصغر منهما)؛ أي: من الرجلين يحتمل بطلب منه، ويحتمل بغير طلب، والظاهر الثاني حتى تظهر مزية السواك وفضائله، وزعم العجلوني: أن هذا على حد قول الشاعر:
ولست بالأكثر منهم حصى
…
. . . . . . . . . .
فيأتي فيه ما قيل في ذاك، انتهى.
قلت: وفيه نظر.
(فقيل لي) القائل له جبريل عليه السلام كما سيذكره من رواية ابن المبارك: (كبر)؛ أي: قدم الأكبر في السن، (فدفعته) أي: السواك (للأكبر منهما)؛ امتثالًا لأمره، وظاهره: أنه ناوله، ثم أخذه منه وناوله للأكبر، لكن المراد: أنه ناوله الأصغر، فلم يتناوله ولم يستعمله حين قيل له:(كبر)، فدفعه للأكبر، والحال أن السواك لم يخرج من يده إلا إلى الأكبر؛ فافهم، (قال أبو عبد الله) أي: المؤلف (اختصره)؛ أي: متن الحديث، ومعنى الاختصار ههنا أنه ذكر محصل الحديث وحذف بعض مقدماته، كذا قاله في «عمدة القاري» (نُعيم)؛ بضمِّ النون مصغَّرًا، هو ابن حمَّاد المروزي الخزاعي الأعور، سكن مصر، وقال أحمد: كنا نسميه الفارض؛ لأنَّه كان من أعلم الناس بالفرائض، وسئل عن القرآن فلم يجب بما أرادوه منه، فحبس بسامراء
(2)
حتى مات في السجن سنة ثمان وعشرين ومئتين زمن خلافة أبي إسحاق بن هارون الرشيد، (عن ابن المبارك)؛ هو عبد الله، (عن أسامة)؛ بالسين المهملة، هو ابن زيد الليثي-بالمثلثة- المدني، وقد تكلم فيه، ولهذا ذكره البخاري استشهادًا، مات سنة ثلاث وخمسين ومئتين، كذا في «عمدة القاري» ، (عن نافع) مولى ابن عمر، (عن ابن عمر) رضي الله عنهما، قال في «عمدة القاري» :(ورواية نعيم هذه وصلها الطبراني في «الأوسط» عن بكر بن سهل عنه بلفظ: «أمرني جبريل عليه السلام أن أكبر»، ورواه الإسماعيلي من طريقين؛ فذكره، وفيه قال: إن جبريل عليه السلام أمرني أن أدفع إلى أكبرهم)، وأخرجه أحمد والبيهقي بلفظ: (رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يستن، فأعطاه أكبر القوم، ثم قال:«إن جبريل عليه السلام أمرني أن أكبر» ، وهذا يقتضي أن تكون القضية وقعت في اليقظة، وتلك الرواية صريحة أنها في المنام، فكيف التوفيق؟
قلت: التوفيق بينهما أن رواية اليقظة لما وقعت أخبرهم النبيُّ عليه السلام بما رآه في النوم، فحفظ بعض الرواة ما لم يحفظ الآخرون، ومما يشهد له ما رواه أبو داود عن عائشة رضي الله عنها قالت:(كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستن وعنده رجلان؛ أحدهما أكبر من الآخر، فأوحي إليه في فضل السواك أن كبر)؛ أي: أعط السواك أكبرهما، وإسناده صحيح، قال: ففيه تقديم حق الأكابر من جماعة الحضور وتبديته على من هو أصغر منه، وهو السنة أيضًا في السلام، والتحية، والشراب، والطيب، ونحو ذلك، ومن هذا المعنى تقديم ذي السن بالركوب، وشبهه من الإرفاق، وكذا المشي، والكلام، والطعام، وقال المهلب:(تقديم ذي السن أولى في كل شيء ما لم يترتب القوم في الجلوس، فإذا ترتبوا؛ فالسنة تقديم ذي الأيمن فالأيمن) وهو صحيح؛ أي: لدلالة أحاديث أخر عليه، وقال الكرماني:(فيه: دليل على تقديم حق الأكبر من الجماعة الحاضرين، والبداءة به) انتهى.
قلت: وقوله: (والبداءة به) ليس على إطلاقه؛ لأنَّ هذا حالة الابتداء ما لو ابتدأ بغيره؛ فالأفضل تقديم من على يمين الذي ابتدأ به؛ فافهم.
وقال ابن المنيِّر: (وانظر في جلساء صاحب المنزل إذا أراد تقديم أحدهم للإمامة وعلى يمينه الأصغر وغيره الأكبر وتساوت الصفات في ذلك، هل يقدم الأيمن أو الأكبر، الظاهر الأكبر؛ لأنَّه لا مدخل لليمين في فضيلة الإمامة بخلاف السن).
قلت: فإذا اجتمع فيهم أكبر على اليمين وأكبر على اليسار؛ يُقَدَّمُ من على اليمين على الظاهر، وإذا اجتمع أكبر على اليمين وأصغر على اليسار لكنه أعلم؛ ينبغي أن يَقَدَّمُ الأصغر؛ لأنَّه أعلم بأحكام الصَّلاة واليمين ليس منها.
وقال في «عمدة القاري» : (وفيه: أن استعمال سواك الغير غير مكروه إلا أن السنة فيه أن يغسله، ثم يستعمله) انتهى.
قلت: ويدل لهذا ما رواه أبو داود عن عائشة قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعطيني السواك لأغلسه، فأبدأ به فأستاك، ثم أغسله، ثم أدفعه إليه)، وهذا يدل على عظيم فطنتها وأدبها حيث إنها لم تغسله ابتداءً حتى لا يفوتها الاستشفاء بريقه عليه السلام، ثم غسلته تأدُّبًا وامتثالًا، ويحتمل أن المراد بأمرها بغسله: تطييبه وتليينه بالماء قبل أن يستعمله، والله تعالى أعلم؛ فافهم.
(75)
[باب فضل من بات على الوضوء]
هذا (باب فضل) أي: ثواب (من بات) أي: نام (على الوضوء)؛ بالألف واللام في رواية أبي ذر، وفي رواية غيره:(على وضوء)؛ بدون الألف واللام، كذا في «عمدة القاري» ، وتبعه ابن حجر، وزعم القسطلاني أن رواية أبوي
(3)
ذر والوقت، والأصيلي بالتنكير، ورواية غيرهم بالألف واللام.
قلت: والظاهر الأول.
وقال في «عمدة القاري» : («بات» : من البيتوتة، يقال: بات يبيت، وبات يبات بيتوتة، وبات يفعل كذا؛ إذا فعله ليلًا، وظل يفعل كذا؛ إذا فعله نهارًا) انتهى.
[حديث: إذا أتيت مضجعك فتوضأ وضوءك للصلاة]
247 -
وبه قال: (حدثنا محمَّد بن مُقاتل) بضمِّ الميم، أبو الحسن المروزي (قال: أخبرنا) وفي رواية: (حدثنا)(عبد الله) هو ابن المبارك (قال: أخبرنا سفيان)؛ هو الثوري، وقيل: يحتمل سفيان بن عيينة أيضًا؛ لأنَّ عبد الله يروي عنهما، وهما يرويان عن منصور، لكن الظاهر أنه الثوري؛ لأنَّهم قالوا: أثبت الناس في منصور هو سفيان الثوري، كذا قاله في «عمدة القاري» ؛ فافهم، (عن منصور)؛ بالصاد المهملة، هو ابن المعتمر؛ بالعين المهملة، (عن سعْد)؛ بسكون العين المهملة (بن عُبيدة)؛ بضمِّ العين المهملة، مصغر عبدة، بن حمزة؛ بالزاي، الكوفي،
(1)
في الأصل: (مستعملان)، ولعل المثبت هو الصواب.
(2)
في الأصل: (بسامر)، وليس بصحيح.
(3)
في الأصل: (أبي)، وليس بصحيح.
وكان يرى رأي الخوارج، ثم تركه، وهو ختن أبي عبد الرحمن السلمي، مات في ولاية ابن هبيرة على الكوفة، وليس في الكتب الستة سعد بن عبيدة سواه، كذا في «عمدة القاري» ، (عن البَرَاء) بتخفيف الموحدة، والراء (بن عازب
(1)
))؛ بالزاي
(2)
، الصحابي الجليل رضي الله تعالى عنه (قال: قال لي النبي) الأعظم صلى الله عليه وسلم: إذا أتيت)؛ بقصر الهمزة؛ أي: إذا أردت أن تأتي (مضجَعك)؛ بفتح الجيم، من ضجَع يضجَع من باب (منَع يمنَع)، وعن القرطبي: كسرها أيضًا؛ كالمطلع، وفي «عمدة القاري» : ويروى: «مضجعك» أصله مضتجعك، من باب الافتعال، لكن قُلِبَتِ التاء طاء؛ والمعنى: إذا أردت أن تأتي مضجعك؛ (فتوضأ) كما في قوله تعالى: {فَإِذَا قَرَأْتَ القُرْآنَ فَاسْتَعِذْ} [النحل: 98]؛ أي: إذا أردت قراءته، والفاء في جواب (إذا) (وضوءك للصلاة)؛ أي: مثل وضوء الصَّلاة، والمراد به الوضوء الشرعي؛ أي: وصل عقبه ركعتين سنته، قال في «عمدة القاري» :(وقد روى هذا الحديث الشيخان من طرق عن البَرَاء بن عازب، وليس فيها ذكر الوضوء إلا في هذه الرواية، وكذا عند الترمذي) انتهى، ويندب هذا الوضوء أيضًا للجنب، وزعم ابن حجر أن ظاهره استحباب تجديد الوضوء لكل من أراد النوم ولو كان على طهارة، ويحتمل أن يكون مخصوصًا بمن كان محدثًا، انتهى.
قلت: وظاهر كلامه اعتماد الأول وهو فاسد؛ لأنَّ الذي صرح به العلماء أن المطلوب أن ينام على طهارة لما في «سنن أبي داود» عن معاذ مرفوعًا: «ما من مسلم يبيت على طهارة فيستعار من الليل فيسأل الله خيرًا من الدنيا والآخرة؛ إلا أعطاه إياه» ، فيفيد أن الوضوء مخصوص بمن كان محدثًا وهو المتعيَّن، ولهذا قال في «عمدة القاري» :(فيه: أن الوضوء عند النوم مندوب إليه مرغوب فيه، وكذلك الدعاء؛ لأنَّه قد يقبض روحه في نومه فيكون قد ختم عمله بالوضوء والدعاء الذي هو أفضل الأعمال، ثم إن هذا الوضوء مستحب وإن كان متوضئًا؛ كفاه ذلك الوضوء؛ لأنَّ المقصود النوم على طهارة؛ مخافة أن يموت في ليلته، وليكون أصدق لرؤياه، وأبعد من تلاعب الشيطان به في منامه) انتهى؛ ولهذا كان ابن عمر يجعل الدعاء آخر عمله، فإذا تكلَّم بعده؛ استأنف ذلك لينام عليه اقتداء بالشارع في قوله:«واجعلهن آخر ما تكلم به» ؛ فليحفظ، والله أعلم.
وقوله: (ثم اضطجع على شقك الأيمن) هذا أيضًا من سنن النوم مطلقًا ليلًا أونهارًا؛ لأنَّ النبيَّ الأعظم صلى الله عليه وسلم كان يحب التيامن في شأنه كله، ولأنَّه يتعلق القلب على الجانب الأيمن، فلا يثقل في النوم، فيكون أسرع إلى الانتباه؛ ليقوم إلى ورده من تهجُّد أو غيره؛ بخلاف النوم على الشق الأيسر، فإنه يستغرق في النوم؛ لاستراحته فيفوته ذلك العمل، ولأن النوم بمنزلة الموت، فيستعد له بالهيئة التي يكون عليها في قبره، فيكون فيه تذكير بالموت، والقبر، وغيرهما من أحوال الآخرة، وقال الكرماني:(إن النوم على الشق الأيمن يكون أسرع إلى انحدار الطعام كما هو مذكور في «الطب»)، ورده صاحب «عمدة القاري» : بأن المذكور في (الطب) خلاف هذا؛ فافهم.
قالوا: النوم على الأيسر أروح للبدن، وأقرب إلى انهضام الطعام، ولكن اتباع السنة أولى، انتهى.
وقال العجلوني: (ما نقله في «عمدة القاري» لا ينافي ما نقله الكرماني، فإن ذاك في انحدار الطعام، وهذا في انهضامه).
قلت: وهو فاسد، بل فيه منافاة لا تخفى، فإن الانحدار غير الانهضام؛ لأنَّ الأول يكون بعد الثاني، ويمكن التوفيق بين العبارتين بما نقله ابن الجوزي، قال:(إن الأطباء يقولون ينبغي أن يضطجع على الجانب الأيمن ساعة، ثم ينقلب إلى الأيسر فينام، فإن النوم على اليمين سبب لانحدار الطعام؛ لأنَّ قصبة المعدة تقتضي ذلك، والنوم على اليسار يهضم؛ لاشتمال الكبد على المعدة) انتهى؛ فتأمل.
(ثم قل: اللهم؛ [أسلمت] وجهي إليك)؛ أي: استسلمت، كذا فسروه وليس بوجه، والأوجه أن يفسر (أسلمت) : بسلَّمت ذاتي إليك منقادة لك طائعة لحكمك؛ لأنَّ المراد من الوجه الذات، كذا قاله صاحب «عمدة القاري» ، قال العجلوني: لعل غرضه من هذا الكلام أن «أسلمت» متعد، فكيف يفسر: باستسلمت اللازم؟ بل حقه أن يفسر: بسلَّمت المضعَّف؛ ليكون متعدِّيًا إلى (وجهي)، لكن قوله: لأنَّ المراد من الوجه الذات يظهر أن للتعليل به وجهًا
(3)
، وقد يجاب بأن تفسيرهم له بما ذكر تفسير معنًى لا إعراب.
قلت: لقد أنصف أولًا، ثم عدل، وقوله: (وقد يجاب
…
) إلخ ممنوع؛ فإن هذا تفسير إعراب لا معنًى، كما لا يخفى؛ فافهم.
ثم قال صاحب «عمدة القاري» :وجاء في رواية أخرى: (أسلمت نفسي إليك)، والوجه والنفس ههنا بمعنى الذات، ويحتمل أن يراد به الوجه حقيقة، ويحتمل أن يراد به القصد، وكأنه يقول: قصدتك في طلب سلامتي، وقيل: إن معنى الوجه: القصد والعمل الصالح، وكذا جاء في رواية أخرى:(أسلمت نفسي إليك، ووجهت وجهي إليك)، فجمع بينهما، فدل على تغايرهما، ومعنى (أسلمت) : سلَّمت، واستسلمت: أي سلَّمتها لك؛ إذ لا قدرة لي ولا تدبير بجلب نفع، ولا دفع ضرٍّ، فأمرها مفوَّض إليك تفعل بها ما تريد، واستسلمت لما تفعل، فلا اعتراض عليك فيه، وفيه: إشارة إلى أن جوارحه منقادة لله تعالى في أوامره ونواهيه) انتهى كلام «عمدة القاري» .
قلت: وهذا يدل على أن تفسيرهم بما ذكر تفسير إعراب لا تفسير معنًى؛ فليحفظ.
(وفوضت) من التفويض؛ وهو التسليم؛ أي: رددت (أمري إليك) وبرئت من الحول والقوة إلا بك، فاكفني همه، وتولَّني صلاحه، ففيه: إشارة إلى أن أموره الخارجة والداخلة مفوَّضة إليه لا مدبِّر لها غيره تعالى، (وألجأت) بالهمز؛ أي: أسندت (ظهري إليك) يقال: لجأت إليه لَجَأً؛ بالتحريك، وملجأ والتجأت إليه بمعنًى، والموضع أيضًا لجأ وملجأ وألجأته إلى الشيء: اضطررته إليه؛ والمعنى هنا: توكلت عليك، واعتمدتك في أمري كما يعتمد الإنسان بظهره إلى ما يسنده، وأتى بقوله:(وألجأت ظهري إليك) بعد قوله: (وفوضت أمري إليك)؛ إشارة إلى أنه بعد تفويض أموره التي يفتقر
(4)
إليها، وبها معاشه، وعليها مدار أمره يلتجأ إليه مما يضره ويؤذيه من الأسباب الداخلة عليه والخارجة، كذا قرره إمام الشارحين رحمه الله تعالى (رغبةً)؛ بالغين المعجمة؛ أي: طمعًا في ثوابك، (ورهْبةً)؛ بسكون الهاء؛ أي: خوفًا من عقابك، وهما منصوبان على المفعول له على طريقة اللَّفِّ والنشر؛ أي: فوضت أمري (إليك)؛ رغبة، وألجأت ظهري عن المكاره والشدائد إليك؛ رهبةً منك، ويجوز أن يكون انتصابهما على الحال بمعنى راغبًا وراهبًا.
فإن قلت: كيف يتصور أن يكون راغبًا وراهبًا في حالة واحدة؛ لأنَّهما شيئان متنافيان؟
قلت: فيه حذف؛ تقديره: راغبًا إليك، وراهبًا إليك، كذا قرره في «عمدة القاري» .
قلت: فقوله: (إليك) متعلق بـ (رغبة ورهبة)، ويجوز أن يتعلق بـ (رغبة)، ومتعلق بـ (رهبة) محذوف؛ لدلالة المقام عليه؛ أي: منك.
ثم قال إمام الشارحين: فإن قلت: إذا كان التقدير: راهبًا منك، كيف استعمل بكلمة (إلى)، والرهبة لا تستعمل إلا بكلمة (من)؟
قلت: (إليك) متعلق بـ (رغبة)، وأعطى لـ (الرهبة) حكمها، والعرب تفعل ذلك كثيرًا؛ كقول الشاعر:
ورأيت بعلك في الوغى
…
متقلدًا سيفًا ورمحا
والرمح لا يتقلد، وكقول الآخر:
وعلفتها تبنًا وماء باردًا
والماء لا يعلف. انتهى كلامه.
(لا ملجأ)؛ بالهمزة، ويجوز التخفيف، (ولا منجى)؛ بالألف؛ لأنَّه مقصور من نجا ينجو، والمنجى (مفعل) منه، ويجوز همزه للازدواج، وإعرابهما مثل إعراب (عصًا)، كذا في «عمدة القاري» .
قلت: وهذا يقتضي أنهما مقصوران؛ فتأمل (منك إلا إليك) قال في «عمدة القاري» : (وفي هذا التركيب) خمسة أوجه؛ لأنَّه مثل: لا حول ولا قوة إلا بالله، والفرق نصبه وفتحه بالتنوين، وعند التنوين تسقط الألف، ثم إنهما إن كانا مصدرين يتنازعان
(1)
في الأصل: (عاذب)، ولعل المثبت هو الصواب، وكذا في الموضع اللاحق.
(2)
في الأصل: (بالذال)، والمثبت موافق لما في كتب التراجم.
(3)
في الأصل: (وجه)، ولعل المثبت هو الصواب.
(4)
في الأصل: (مفتقر)، ولعل المثبت هو الصواب.