الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بإظهار أنه رواية، وصرح به أخرى ولم يذكر عليًّا رضي الله عنه، ثم ذكر بعد ذلك روايات، وقال: لم يقل أحد منهم عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم غير الحمامي وليس هو من شرط هذا الكتاب) انتهى؛ فافهم.
(فأمروه) أي: الرجل المجامع، فالضمير المنصوب فيه يرجع إلى المجامع الذي دل عليه قوله:(إذا جامع) وهذا من قبيل قوله تعالى: {اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} [المائدة: 8]؛ أي: العدل أقرب للتقوى، كذا في «عمدة القاري» .
وزعم العجلوني أنه ليس من هذا القبيل إلا أن يكون سقط من نسخة صاحب «عمدة القاري» (الرجل).
قلت: وهذا ليس بشيء؛ فإنه سواء سقط لفظ (الرجل) أو وجد؛ فهو من هذا القبيل، ومنعه تعصب وعناد، والضمير المرفوع يرجع إلى هؤلاء الصحابة المذكورين، ويحتمل إرجاع الضمير المنصوب إلى زيد بن خالد الذي سأل عثمان عن الرجل الذي جامع امرأته ولم ينزل؟ وعلى هذين الوجهين؛ فلا التفات في قوله:(فأمروه) أصلًا، كما أنه لا التفات فيه أيضًا على أنه من مقول عطاء بن يسار الراوي عن زيد بن خالد؛ فيكون مرسلًا؛ لأنَّ المقام للغيبة والسائل للصحابة المذكورين عثمان بن عفان رضي الله عنهم أجمعين، هذا ما ارتضاه إمام الشارحين وتبعه العجلوني، وإليه جنح القسطلاني وهو الحق؛ فليحفظ.
وزعم ابن حجر أن فيه التفاتًا؛ لأنَّ الأصل أن يقول: فأمروني.
ورده صاحب «عمدة القاري» فقال: (قلت: وليس فيه التفات أصلًا؛ لأنَّ عثمان رضي الله عنه سأل هؤلاء الصحابة عن المجامع الذي لم يُمنِ، فأمروه بذلك؛ أي: بغسل الذكر والوضوء، والإشارة ترجع إلى الجملة باعتبار المذكور) انتهى.
وأجاب ابن حجر في «الانتقاض» ؛ فزعم أن إنكاره الالتفات مكابرة ولو كان الذي قدره محتملًا، لكن لم يتحقق أنه كان هناك رجل سأل، وإنما صور زيد المسألة في رجل وقع له ذلك ماذا يفعل؟ لا أن رجلًا بعينه سأله عن ذلك، فالضمير لزيد بن خالد، وأمرهم له أعم من أن يكون وقع له بنفسه، فالحكم في حقه ذلك، أو وقع لغيره وتولى هو السؤال عنه، وأنه في حق الرجل ذلك، وأما جزم المعترض بأن عثمان هو الذي سأل الأربعة المذكورين؛ فغلط منه لا سلف له فيه، وإنما الذي جزم به الأئمَّة أن زيد بن خالد لما سأل عثمان؛ فأجابه بما ذكر سأل بعده الأربعة المذكورين، فوافقوا عثمان، انتهى.
قلت: وهذا فاسد، وإثبات الالتفات عناد وتعصب بارد؛ فإن الضمير في قوله:(فأمروه) المنصوب عائد إلى الرجل في قوله: (أرأيت إذا جامع الرجل امرأته)، كما رجع إليه ضمير قوله:(يتوضأ)، وهذا ظاهر على من له أدنى ذوق في العلم، وعليه؛ فلا التفات فيه أصلًا؛ لأنَّ زيد بن خالد لما سأل عثمان عن الرجل إذا جامع امرأته ولم يُمنِ، وأجابه: بأنه يتوضأ ويغسل ذكره؛ فقد اكتفى بهذا الجواب؛ لأنَّ عثمان ثالث خلفاء سيد المرسلين؛ فلا ريب أنه يكتفى بجوابه، ولما رأى عثمان أنه قد يقع في نفس السائل شيء بادر وسأل هؤلاء الصحابة المذكورين؛ حتى يكون الجواب واحدًا متفقًا عليه، ويزول ما في نفس السائل، فالسائل لهم عثمان رضي الله عنه، ولأن مثل هذا السؤال قد يستحى بذكره؛ فربما سأل زيد عثمان خفية، وعثمان سأل هؤلاء جهرًا، وعلى كل حال؛ فالسائل عثمان رضي الله عنه، وعليه فلا التفات فيه أصلًا خلافًا لما زعمه هذا القائل، فقوله: (إن إنكاره
…
) إلخ، بل إثبات الالتفات فيه هنا معاندة وشدة؛ لأنَّه خلاف الظاهر المتبادر من اللفظ.
وقوله: (ولو كان الذي
…
) إلخ هذا الاحتمال هو الحق؛ لأنَّه الموافق لظاهر لفظ الحديث، وغيره مصادمة للحديث.
وقوله: (لكن لم يتحقق
…
) إلخ فاسد، بل تحقق ذلك؛ لأنَّ قوله:(أرأيت إذا جامع الرجل امرأته) يدل على أن الضمير عائد إلى الرجل المذكور الذي صدر منه هذا الفعل، فقد تحقق أنه كان هناك رجل
(1)
سأل، كما لا يخفى.
وقوله: (وإنما صور زيد المسألة
…
) إلخ ممنوع باطل؛ فأي مانع يمنع من أن يكون رجلًا بعينه سأله عن ذلك، ثم هو سأل عن ذلك عثمان؟
وقوله: (فالضمير
…
) إلخ فاسد، بل الضمير لعثمان رضي الله عنه، وأمرهم بذلك إنَّما كان لعثمان رضي الله عنه؛ لأنَّ قوله: (قال عثمان: سمعته
…
) إلخ.
وقوله: (فسألت عن ذلك) صريح في أن السائل كان عثمان رضي الله عنه؛ لأنَّ الضمير لا يعود إلا إلى أقرب مذكور، وأقرب المذكور إنَّما هو عثمان، فالضمير يعود إليه، والسائل عثمان؛ لأنَّ ضمير المتكلم في قوله:(فسألت) إنَّما يرجع إليه، كما لا يخفى، فكيف خفي هذا على هذا القائل المتعصب؟! فقوله: (وأما جزم المعترض
…
) إلخ باطل وفاسد؛ لأنَّ ظاهر الحديث المذكور يدل بمنطوقه ومفهومه على أن السائل عثمان رضي الله عنه، فالحديث سلفه ومستنده وهو ليس بغلط، كما زعمه هذا القائل المتعنت؛ لأنَّ الغلط الذي لا يدل عليه ظاهر الحديث، أما إذا دل الحديث على شيء؛ فلا يسع أحدًا أن يقول أنه غلط، والقائل به مفترٍ ومتعصب ومتعنت لا يلتفت إليه.
وقوله: (وإنما الذي جزم به الأئمَّة
…
) إلخ ممنوع؛ فإن أراد بالأئمَّة: شراح «الصحيح» ؛ فغير مسلم وفساده ظاهر، فقد أجمعوا على أن الضمير لعثمان والسائل لهم عثمان رضي الله عنه، وإن أراد غيرهم؛ فيحتاج إلى ذكرهم على أنه ليس لأحد أن يدَّعي هذه الدعوى الباطلة، ومن ادَّعاها؛ فلا يسع أحدًا أن يقول عنه: إنه إمام، بل ولا طالب من الطلبة الصغار؛ لأنَّ هذه بعيدة أصلًا، ولم يدل دليل على أن الصحابة المذكورين وجهوا الأمر إلى زيد بن خالد حتى يكون فيه التفاتٌ
(2)
، بل إنَّما وجهوا الأمر للرجل الدال عليه إذا جامع ولم يُمنِ، فالحق الذي لا يرجع إلا إليه أن الضمير في (فأمروه) يعود على الرجل، وأن السائل للصحابة عثمان، وليس في ذلك التفات أصلًا، كما لا يخفى على من له أدنى ذوق في العلم، ومن دق الباب؛ سمع الجواب، والله ولي الصواب، ولا يخفى هذا على أولي الألباب.
(بذلك)؛ أي: بغسل الذكر والوضوء دون الغسل؛ لأنَّ إلزام الوضوء من حيث إنه يخرج منه المذي، وغسل الذكر من حيث إن المذي نجس، فهو ناقض نجس، فلذلك أمروه بذلك.
وعند الإسماعيلي: (فقالوا مثل ذلك عن النبيِّ الأعظم صلى الله عليه وسلم، فصرح بالرفع بخلاف ما أورده المؤلف هنا، لكن قال الإسماعيلي: (لم يقل أحد ذلك غير الحمامي، وليس هو من شرط المؤلف)، نعم؛ روى عن عثمان، وعلي، وأُبيِّ بن كعب رضي الله عنهم أنهم أفتوا بخلافه، ولهذا قال ابن المديني شيخ المؤلف:(إن حديث زيد بن خالد شاذ)، وقال أحمد:(فيه علة).
وأجيب: بأن كونهم أفتوا بخلافه لا يقدح في صحة الحديث؛ فكم من حديث صحيح وهو منسوخ، فلا منافاة بينهما، فقد كان الحكم في ابتداء الإسلام هكذا، ثم جاءت السنة بوجوب الغسل، ثم أجمعوا عليه بعد ذلك، وعلله الحافظ أبو جعفر الطحاوي بأنه مفسد للصوم وموجب للحد والمهر وإن لم ينزل، فكذلك الغسل، والظاهر: أن هؤلاء الصحابة المذكورين لم يبلغهم النسخ سوى من أفتى منهم بخلافه، وقدمنا أول الباب غيرهم من الصحابة، وكذا من التابعين، وأهل الظاهر وأن ما نقل عنهم قد روي عن بعضهم ما يخالفه وانعقد الإجماع على خلافه وأنه منسوخ؛ فافهم.
(قال يحيى) هو ابن أبي كثير: (وأخبرني) بالإفراد (أبو سَلَمَة)؛ بفتحات، هو ابن عبد الرحمن، كذا في رواية الأكثرين، وسقط في رواية أبي ذر:(قال يحيى) فقط، والأول هو المراد؛ لأنَّه معطوف على قوله:(قال يحيى: وأخبرني أبو سَلَمَة: أن عطاء بن يسار) فهو معطوف على الإسناد الأول، فيكون هذا داخلًا في الإسناد؛ فبهذا يندفع قول من يقول: إن ظاهره معلق، والدليل عليه أيضًا ما رواه مسلم من طريق عبد الصمد بن عبد الوارث، عن أبيه بالإسنادين جميعًا، كذا قاله صاحب «عمدة القاري» :(أن عُروة)؛ بضمِّ العين المهملة (بن الزُّبير)؛ بضمِّ الزاي، هو ابن العوام (أخبره: أن أبا أيُّوب)؛ هو خالد بن زيد بن كليب بن النجار الأنصاري الخزرجي رضي الله عنه الذي نزل عليه النبيُّ الأعظم صلى الله عليه وسلم لما قدم المدينة فأقام عنده حتى بنى بيوته ومسجده، وروي عن سَعِيْد بن المسيِّب: أن أبا أيُّوب الأنصاري أخذ من شعرات لحية رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئًا، فقال له: «لا يصيبك
(1)
تكرر في الأصل: (رجل).
(2)
في الأصل: (التفاتًا)، ولعل المثبت هو الصواب.
السوء يا أبا أيُّوب»، لزم الجهاد في حياة المصطفى صلى الله عليه وسلم وبعده إلى أن توفي في غزاة القسطنطينية سنة اثنتين وخمسين، ودفن بها، وهي دار خلافة بني عثمان، وقبره هناك مشهور معظم، بنى عليه السلطان محمَّد الفاتح جامعًا عظيمًا، وجعل على مرقده الشريف قبة عظيمة، يزار ويتبرك به وهو مشهور باستجابة الدعاء وهو رضي الله عنه جدي وسندي وعمدتي وإليه أنتسب وشفيعي عند سيد العالمين، فنسبي متصل به، ولولا الإطالة؛ لذكرته، ونعم هذا الجد والسند، اللهم؛ احشرنا في زمرته تحت لواء سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم.
(أخبره: أنه سمع ذلك)؛ أي: الحكم المذكور؛ وهو غسل الذكر والوضوء دون الغسل فيمن جامع ولم ينزل (من رسول الله صلى الله عليه وسلم فتذكير الإشارة بالاعتبار المذكور، قال الدارقطني: (فيه وهم؛ لأنَّ أبا أيُّوب لم يسمعه من رسول الله عليه السلام، وإنما سمعه من أُبي بن كعب، عن رسول الله عليه السلام، قال ذلك هشام عن أبيه، عن أبي أيُّوب، عن أُبيِّ بن كعب.
ورده صاحب «عمدة القاري» بأن قوله: (لم يسمعه من رسول الله عليه السلام نفي، وقد جاء هذا الحديث من وجه آخر عن أبي أيُّوب عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم، وهو إثبات، والإثبات يقدم على النفي، على أن أبا سَلَمَة بن عبد الرحمن بن عوف أكبر قدرًا، وسنًّا، وعلمًا من هشام بن عروة، وحديث الإثبات رواه الدارمي، وابن ماجه.
فإن قلت: حكي عن أحمد أن حديث ابن خالد المذكور معلول؛ لأنَّه ثبت عن هؤلاء الخمسة الفتوى بخلاف ما في هذا الحديث.
قلت: كونهم أفتوا بخلافه لا يقدح في صحة الحديث؛ لأنَّ كم من حديث منسوخ وهو صحيح، فلا منافاة بينهما، ألا ترى أُبيًّا رضي الله عنه كان يرى الماء من الماء؛ لظاهر الحديث، ثم أخبر عنه سهل بن سعد: أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم جعل الماء من الماء رخصة في أول الإسلام، ثم نهى عن ذلك، وأمره بالغسل، وأما الذي يستنبط من حديث الباب أن الذي يجامع امرأته ولم ينزل منيه؛ لا يجب عليه الغسل وإنما يغسل ذكره ويتوضأ، وهذا منسوخ؛ لما بيناه، ومذهب الجمهور: هو أن إيجاب الغسل لا يتوقف على إنزال المني، بل متى غابت الحشفة في الفرج؛ وجب الغسل على الرجل والمرأة، ولهذا جاء في رواية أخرى في الصحيح:(وإن لم ينزل)، وقال أصحابنا: التقاء الختانين يوجب الغسل مع تواري الحشفة، أما نفس الملاقاة بين الفرجين من غير تواري؛ فلا يوجب الغسل وإنما يوجب الوضوء عند الإمام الأعظم، والإمام أبي يوسف، وقال الإمام محمَّد: لا يوجبه أيضًا ما لم يظهر المذي، وقال في «المحيط» : لو أتى المرأة وهي بكر؛ فلا غسل ما لم ينزل؛ لأنَّ بقاء البكارة دليل عدم الإيلاج، ولكن إذا جومعت البكر فيما دون الفرج فحبلت؛ فعليهما الغسل؛ لوجود الإنزال، فإنه لا حبل بدونه، كذا في «عمدة القاري» ؛ فليحفظ.
[حديث: يغسل ما مسَّ المرأة منه ثم يتوضأ ويصلي]
293 -
وبه قال: (حدثنا مسدد) هو ابن مسرهد (قال: حدثنا يحيى) هو ابن القطان، (عن هِشام) بكسر الهاء؛ هو ابن عروة (قال: أخبرني) بالإفراد (أَبي)؛ بفتح الهمزة، هو عروة بن الزبير بن العوام، وأشار بقوله:(أخبرني أبي)؛ لدفع ظن ظان أنه أُبيٌّ بضمِّ الهمزة، وهو أُبيُّ بن كعب لكونه في الإسناد؛ فليحفظ نبه عليه في «عمدة القاري» (قال: أخبرني) بالإفراد (أبو أيُّوب)؛ هو خالد بن زيد الأنصاري النجاري الخزرجي جدي وأستاذي وسندي رضي الله عنه، (قال: أخبرني) بالإفراد (أُبيُّ)؛ بضمِّ الهمزة (بن كعب) رضي الله تعالى عنه (أنه قال)؛ أي: أبي: (يا رسول الله)، وفي الرواية الأولى أن أبا أيُّوب سمعه من النبيِّ الأعظم صلى الله عليه وسلم ولا منافاة بينهما؛ لأنَّه لا مانع من كونه سمعه تارة من النبيِّ الأعظم عليه السلام، وتارة أخرى من أُبيِّ بن كعب، وذكره الواسطة تكون للتقوية أو لغرض آخر؛ لأنَّ الطريقين مختلفان في اللفظ والمعنى وإن توافقا في بعض الأحكام مع جواز سماعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن أُبيِّ بن كعب كليهما، كذا قرره صاحب «عمدة القاري» ؛ فليحفظ، (إذا جامع الرجل المرأة) وفي رواية:(امرأته)؛ أي: أو أمته؛ يعني: أفتنا يا رسول الله فيما إذا جامع الرجل امرأته، (فلم يُنْزل؟)؛ بضمِّ التحتية، وسكون النون؛ أي: لم ينزل منيه (قال)؛ أي: النبيُّ الأعظم صلى الله عليه وسلم (يَغْسل)؛ بفتح التحتية، وسكون الغين المعجمة؛ أي: الرجل المجامع (ما مس المرأة منه) متعلق بـ (يغسل) وضميره للرجل، أو بـ (مس)، وضميره عائد إلى (ما)، والمراد به: العضو، أو بيان لـ (ما) الموصولة أو الموصوفة، ومحلها النصب على أنها مفعول (يغسل)؛ أي: يغسل الرجل المذكور العضو الذي مس فرج المرأة من أعضائه.
وقال الكرماني: (فإن قلت: المقصود منه بيان ما أصابه من رطوبة فرج المرأة، فكيف يدل عليه وظاهر أن ما مس المرأة من يد أو رجل ونحوها لا يجب غسله؟ قلت: فيه إما إضمار أو كناية؛ لأنَّ تقديره: يغسل عضوًا مس فرج المرأة، أو هو من إطلاق اسم اللازم؛ وهو مس المرأة، وإرادة الملزوم؛ وهو إصابة رطوبة فرجها) انتهى.
واعترضه العجلوني فزعم أن كلًّا من العضو الذي مسته الرطوبة مأمور بغسله، وكذا الرطوبة، لكن ظاهر الحديث يدل على أنه العضو المعبر عنه بـ (ما)؛ لأنَّه الذي يمس المرأة، ويحتمل إرادة الرطوبة على حذف مضاف؛ أي: رطوبة ما مس المرأة، فالحديث قابل للأمرين معًا، وكل منهما يصح أن يقصد، لا أن المقصود هو الرطوبة لا غير، وغسل أحدهما يلزم منه غسل الآخر، وشمول الحديث لما ادَّعى الكرماني أنه ظاهر، غير ظاهر؛ فإن السؤال دال على أن ما يمس المرأة منه رطوبة الفرج، وكذا دعواه أن المقصود منه بيان ما أصاب من رطوبة فرج المرأة وإن كان ظاهرًا في أحدهما، انتهى.
قلت: وهو غير ظاهر؛ لأنَّ المأمور بغسله إنَّما هو العضو الذي مس فرج المرأة؛ لما عليه من الرطوبة الحاصلة من المذي منهما في الفرج، فيتلطخ العضو بذلك؛ فلهذا أمره بغسله وهذا ظاهر الحديث ودال عليه، لا ما قاله هذا القائل من أن كلًّا من العضو
…
إلخ؛ لأنَّ هذا لا يدل عليه ظاهر الحديث وفيه خبط وخلط، كما لا يخفى.
وقوله: (ويحتمل إرادة
…
) إلخ هذا الاحتمال غير ظاهر أيضًا؛ لأنَّ الحديث لا يدل عليه؛ لأنَّ قوله: (ما مس المرأة منه) صريح في أنه العضو الذي مس فرج المرأة؛ لتنجسه بالرطوبة المخالطة للمذي في الفرج، لا إرادة الرطوبة فقط؛ لأنَّ الحديث غير دال عليها ولم يشعر بها، كما لا يخفى، فقوله: (فالحديث قابل للأمرين
…
) إلخ ممنوع؛ لأنَّه لا دليل يدل على هذا وما هو إلا مصادمة للحديث، ولا يصح أن يقصد أحدهما دون الآخر؛ لأنَّ فائدة الأمر بالغسل إنَّما هو لأجل ما على العضو مما ذكرنا، فهما أمران متلازمان لا يصح قصد أحدهما بدون الآخر.
وقوله: (وشمول الحديث
…
) إلخ غير ظاهر؛ لأنَّ السؤال دالٌّ على أن ما يمس المرأة منه العضو الذي مسها لا الرطوبة فقط، فكلام الكرماني ظاهر، كما لا يخفى.
وقوله: (وكذا دعواه
…
) إلخ، فإنه ظاهر أيضًا؛ لأنَّ المقصود بيان العضو الذي مس فرج المرأة بغمسه رطوبة فرجها المخلوطة بالمذي الموجود منهما، ولا ريب أن ظهور المذي ناقض للوضوء؛ فأمره بالوضوء، وكل ناقض نجس، فالمذي نجس وقد اختلط برطوبة الفرج، فلهذا أمره بغسل ذكره، ويدل على هذا: ما تقدم من الأحاديث التي صرحت بأنه يغسل ذكره، فهذا هو العضو الذي مس المرأة من الرجل، وهذا القائل داء به التعصب والتشديد ولا جرم، فإن كل من دق الباب سمع الجواب، والله ولي الصواب، كما لا يخفى على أولي الألباب؛ فافهم، والله أعلم.
وفي يوم السادس عشر رجب سنة سبع وسبعين ومئتين وألف نزل ثلج ومطر فعم الأسطحة ودلفت ووقع برد وشرد ونعوذ بالله من غضبه، وسخطه، والنار، ونسأله رضاه والجنة يا أرحم الراحمين وصلى الله على سيدنا محمَّد وعلى