الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وحذف العاطف على جعله جملة استئنافية كالتعليل للإكثار جوابًا للسؤال عنه.
(من المهاجرين)(من) بيانية؛ أي: الذين هاجروا من مكة إلى المدينة، (كان يَشغَلهم)؛ بفتح أوله وثالثه من باب (فتح يفتح)، وحكي ضم أوله من الرباعي؛ أي: الإشغال، وهو غريب، كما في «عمدة القاري» ، (الصَّفْق)؛ بالرفع فاعل، والجملة خبر (إن)؛ بفتح الصاد المهملة وإسكان الفاء كناية عن التبايع؛ لأنَّهم كانوا يضربون بالأيدي عند عقد البيع، (بالأسواق) جمع: سوق يذكر ويؤنث، سمي به؛ لقيام الناس على سوقهم فيه.
(وإن إخواننا من الأنصار) : الأوس والخزرج أصحاب المدينة الذين آووا رسول الله عليه السلام، ونصروه بأنفسهم وأموالهمرضي الله عنه، (كان يشغلهم العمل في أموالهم) يريد به الزراعة، وفي «مسلم» :(كان يشغلهم عمل أرضهم)، وفي رواية:(كان يشغلهم على أراضيهم)، (وإن أبا هريرة) عدل عن قوله: إني؛ لقصد الالتفات، وعند المؤلف في «البيوع» :(وكنت امرءًا مسكينًا من مساكين الصفة)، (كان يلزم رسول الله صلى الله عليه وسلم من الملازمة، (بِشبَع)؛ بكسر المعجمة وفتح الموحدة، وفي رواية:(لشبع) باللام، وكلاهما؛ أي: الموحدة واللام؛ للتعليل، وروي:(ليشبع)؛ بلام كي، و (بشبع)؛ بصورة المضارع المنصوب؛ أي: لأجل شبع، (بطنه)؛ يعني: أنه كان يلازم قانعًا بالقوت لا مشتغلًا بالتجارة ولا بالزراعة رضي الله عنه.
(ويحضر ما لا يحضرون)؛ أي: من أحوال النبي الأعظم عليه السلام، فيشاهد ما لا يشاهدون، (ويحفظ ما لا يحفظون) من أقواله عليه السلام، فيسمع ما لا يسمعون، فهذا إشارة إلى المسموعات، وذاك إلى المشاهدات.
لا يقال هذا الحديث يعارضه ما تقدم من حديث أبي هريرة: (ما من أصحاب النبي عليه السلام أحد أكثر حديثًا عنه مني، إلا ما كان من عبد الله بن عمرو فإنه كان يكتب ولا أكتب)؛ لأنَّا نقول: إن عبد الله كان أكثر تحملًاوأبو هريرة أكثر رواية.
فإن قلت: كيف يكون الأكثر تحملًا وهو داخل تحت عموم المهاجرن.
أجيب: هو أكثر من جهة ضبطه بالكتابة وتقييده بها، وأبو هريرة أكثر من جهة السماع، والله أعلم.
ويؤخذ من الحديث: طلب حفظ العلم والمواظبة على طلبه.
وفيه: فضل أبي هريرة، وفيه طلب التقلل من الدنيا وفضله، وإيثار العلم على طلب المال.
وفيه: جواز الإخبار عن نفسه بفضيلته إذا اضطر وأمن الإعجاب، وجواز التجارة والزراعة، وجواز الاقتصار على الشبع، وفيه تفصيل:
فالأكل فرض: وهو ما يدفع به الهلاك عن نفسه.
ومندوب: وهو ما زاد ليتمكن من الصلاة قائمًا ويسهل الصوم.
ومباح: وهو ما يزاد على الشبع لزيادة قوة البدن.
وحرام: وهو الزائد عليه إلا لقصد التقوى على صوم الغد، أو لئلا يستحي الضيف الحاضر فلا بأس بأكله فوق الشبع لذلك، ولا تجوز الرياضة بتقليل الأكل حتى يضعف عن أداء العبادة المفروضة قائمًا، فلو على وجه لا يضعفه؛ فمباح ورياضة هذا مذهب إمامنا الإمام الأعظم رئيس المجتهدين التابعي الجليل، الذي غفر الله له ولمن اتبعه على مذهبه إلى يوم القيامة.
[حديث: ابسط رداءك]
119 -
وبه قال: (حدثنا أحمد بن أبي بكر) القاسم أو زرارة بن الحارث بن زرارة بن مصعب بن عبد الرحمن بن عوف الزهري العوفي، زاد في رواية:(أبو مصعب) كنيته، قاضي المدينة المتوفى سنة اثنين وأربعين ومئتين عن اثنين وتسعين سنة، (قال: حدثنا محمد بن إبراهيم بن دينار) المدني الأنصاري المفتي بالمدينة المتوفى سنة اثنين وثمانين ومئة.
(عن ابن أبي ذِئب)؛ بكسر الذال المعجمة، محمد بن عبد الرحمن بن المغيرة بن الحارث القرشي المدني العامري، قال ابن حنبل: كان ابن أبي ذئب أفضل من مالك إلَّا أن مالكًا أشد تنقية للرجال منه، المتوفى بالكوفة سنة تسع وخمسين ومئة عن تسع وسبعين سنة، (عن سعيد) بن أبي سعيد (المَقبُري)؛ بفتح الميم وضم الموحدة، المدني.
(عن أبي هريرة) : عبد الرحمن بن صخر رضي الله عنه، (قال: قلت: يا رسول الله)، وفي رواية:(قلت لرسول الله صلى الله عليه وسلم، (إني أسمع منك حديثًا كثيرًا) : صفة لقوله: (حديثًا)؛ لأنَّه باعتبار كونه اسم جنس يطلق على الكثير والقليل، (أنساه) : جملة محلها النصب صفة أخرى لقوله: (حديثًا)، والنسيان جهل بعد العلم، والفرق بينه وبين السهو: أن النسيان زوال العلم عن الحافظة والمدركة، والسهو زواله عن الحافظة فقط، والفرق بين السهو والخطأ أن السهو ما يتنبَّه صاحبه بأدنى تنبيه، والخطأ ما لا يتنبه به، والنسيان حالة تعتري الإنسان من غير اختياره توجب غفلة عن الحفظ، والغفلة ترك الالتفات بسبب أمر عارض، كما أوضحه في «عمدة القاري» .
(قال)، وفي رواية:(فقال)؛ أي: النبي الأعظم عليه السلام لأبي هريرة: (ابسط رِداءك)؛ بكسر الراء، (فبسطته) : عطف على (ابسط)، وعطف الخبر على الإنشاء فيه خلاف، والذي يمنعه يقدَّر شيئًا والتقدير لما قال ابسط رداءك: امتثلت أمره فبسطه، (قال: فغرف) عليه السلام، (بيديه) ولم يذكر المغروف ولا المغروف منه؛ لأنَّه لم يكن إلَّا إشارة محضة، فكأنَّه أخذ شيئًا من فيض فضل الله تعالى ورمى به في رداء أبي هريرة، ومثل ذلك في عالم الحسِّ.
(ثم قال عليه السلام له (ضمُّه)؛ بالهاء مع ضم الميم؛ تبعًا للضاد، وفتحها وهي رواية أبي ذر وكسرها؛ لأنَّ الساكن إذا حرِّك؛ حرِّك بالكسر، وفك الإدغام فيصير: اضممه، وفي رواية:(ضم) بلا هاء وعلى الأولى فالضمير فيه يرجع إلى الحديث، يدل له ما روي (فغرف بيديه ثم قال: ضم
…
)؛ الحديث.
(فضممته)؛ أي: الرداء حال المقالة فقط، (فما نسيت شيئًا بعده)؛ أي: بعد الضم، وفي رواية: بدون الهاء بضم الدال؛ لقطعه عن الإضافة فبني على الضم، وفي بعض طرق الحديث عند المؤلف:(«لن يبسط أحد منكم ثوبه حتى أقضي مقالتي هذه ثم يجمعها إلى صدره فينسى من مقالتي شيئًا أبدًا»، فبسطت نمرة ليس علي ثوب غيرها حتى قضى النبي عليه السلام مقالته ثم جمعتها إلى صدري، فوالذي بعثه بالحق؛ ما نسيت من مقالته تلك إلى يومي هذا).
وفي «مسلم» : (أيُّكم يبسط ثوبه فيأخذ)؛ فذكره بمعناه، ثم قال:(فما نسيت بعد ذلك اليوم شيئًا حدثني به)، ففي قوله:(بعد ذلك اليوم) : دليل على العموم، وعلى أنه بعد ذلك لم ينس شيئًا سمعه منه عليه السلام، لا أن ذلك خاص بتلك المقالة، كما يعطيه ظاهر قوله:(من مقالته تلك) ويعضد العموم تنكير شيئًا بعد النفي، فإنَّه يدل على العموم؛ لأنَّ النكرة في سياق النفي تدل عليه، فدل على العموم في عدم النسيان لكل شيء من الحديث وغيره.
فإن قلت: ما هذه المقالة؟!
قلت: هي مبهمة في جميع الطرق، إلا أنَّه صرح بها أبو نعيم في «الحلية» قال: قال عليه السلام: «ما من رجل يسمع كلمة أو كلمتين مما فرض الله فيتعلمهن ويعلمهن إلا دخل الجنة» ، كذا قرره في «عمدة القاري» ، وما زعمه ابن حجر فليس بشيء؛ فافهم.
وفي الحديث: معجزة النبي الأعظم عليه السلام، كما لا يخفى.
وبه قال: (حدثنا إبراهيم بن المنذر) المدني، (قال: أخبرنا ابن أبي فُدَيك)؛ بضم الفاء وفتح الدال المهملة، أبو إسماعيل محمد بن إسماعيل بن أبي فديك، دينار المدني الليثي، المتوفى سنة مئتين، (بهذا)؛ أي: بهذا الحديث، فساقه المؤلف في (علامات النبوة) بهذا الإسناد بعينه، (أو قال)، وفي رواية:(قال)؛ أي: ابن أبي فديك.
(غرف بيده فيه)؛ بالإفراد مع زيادة فيه، والضمير للثوب، وفي رواية وعليها كتب صاحب «عمدة القاري» قال:(يحذف بيده إلى فيه) من الحذف؛ بالحاء المهملة، والذال المعجمة، والفاء؛ أي: يرمي، والذي في (علامات النبوة) ليس فيه إلَّا الغرف، فادعى ابن حجر أن رواية (يحذف) تصحيف، ورده في «عمدة القاري» بأن صاحب «المطالع» لم ينبه عليه وأنه لم يثبت أنه تصحيف، فيطلب منه الدليل ولم يوجد، وسقط في رواية قوله: (حدثنا إبراهيم
…
) إلخ والله تعالى أعلم.
[حديث: حفظت من رسول الله وعاءين]
120 -
وبه قال: (حدثنا إسماعيل) بن أبي أويس، (قال: حدثني)؛ بالإفراد، وفي رواية: بالجمع، (أخي) : عبد الحميد بن أبي أويس، (عن ابن أبي ذئب) : محمد بن عبد الرحمن القرشي المدني السابق قريبًا، (عن سعيد) بن أبي سعيد (المقبُري)؛ بضم الموحدة، (عن أبي هريرة) رضي الله عنه، (قال: حفظت عن)، وفي رواية:(من)، (رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهي أصرح لتلقينه من النبي الأعظم عليه السلام بلا واسطة.
(وعاءين)؛ بالنصب مفعول (حفظت)، تثنية وِعاء؛ بكسر الواو مع المد الظرف الذي يحفظ فيه الشيء، جمعه: أوعية، وهو من ذكر المحل وإرادة الحال فيه، والمراد نوعين
من العلم.
(فأما) للتفصيل، (أحدهما)؛ أي: أحد الوعاءين من نوعي العلم؛ (فبَثثته) : جواب (أما)، ودخلت عليه الفاء؛ لتضمنها معنى الشرط، وهو بموحدة مفتوحة ومثلثتين بعدهما مثناة فوقية؛ أي: نشرته وكشفته، زاد الإسماعيلي:(في الناس)، (وأما) الوعاء (الآخر) منهما، (فلو بثثته)؛ أي: نشرته وكشفته للناس؛ (قطع) : جواب (لو)، وفي رواية:(لقطع) باللام، (هذا البلعومُ) : مرفوع بإسناد قطع إليه، وهو مفعول ناب عن الفاعل، وفي رواية الإسماعيلي:(لقطع هذا) يعني رأسه، فكنى به عن القتل، فأراد بالأول: الذي حفظه من السنن المذاعة لو كتبت؛ لاحتمل أن يملأ منها وعاء، وبالثاني: ما كتمه من أخبار الفتن، وأشراط الساعة، وما عرف به النبي الأعظم عليه السلام من فساد الدين على يد أغيلمة سفهاء قريش.
وكان أبو هريرة يقول: (لو شئت ان أسميهم بأسمائهم لسميتهم لكني خشيت على نفسي) فلم يصرح بهم، فالأمر بالمعروف على هذا، وكان يقول:(أعوذ بالله من رأس سنة ستين وإمارة الصبيان)، يشير بذلك إلى خلافة يزيد بن معاوية؛ لأنها كانت سنة ستين من الهجرة، فاستجاب الله دعاءه فمات قبلها، فإنه لو حدث بهذه الأحوال؛ لقطع البلعوم.
وقالت المتصوفة: المراد بالأول: علم الأحكام والإطلاق، وبالثاني: علم الأسرار المصون عن الأغيار المختص بالعلماء بالله من أهل العرفان.
قال القسطلاني في «شرحه» : لكن في كون هذا هو المراد نظر؛ لأنَّه لو كان كذلك؛ لما وسع أبو هريرة كتمانه مع ما ذكره من قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ
…
} [البقرة: 159] إلى آخر الآيتين الدالة على ذم كتمان العلم، وأيضًا فإنَّه نفى بثه على العموم من غير تخصيص، فكيف يستدل به لذلك، وأبو هريرة لم يكشف مستوره؟! فمن أين علم أن الذي كتمه هو هذا؟!
فمن ادعى ذلك؛ فعليه البيان، فقد ظهر أن الاستدلال به لهم فيه نظر ظاهر، انتهى كلامه.
قلت: وكذا قوله عليه السلام: «من كتم علمًا؛ ألجمه الله بلجام من نار يوم القيامة» ، ولو كانت الأحاديث التي لم يحدث بها من الحلال والحرام؛ لما وسعه كتمها بحكم الآية والحديث الدالة على ذم الكتمان، ولا ريب أن أبا هريرة أعلم وأحرى بالأحكام، فلو كان المراد به ذلك؛ لكشفه ونشره بين الناس ودخل تحت الأحاديث الدالة على فضل العلم وتعليمه.
وقال الشيخ الإمام بدر الدين العيني: (إن كان المراد من الثاني هو ما قالته المتصوفة يشترط فيه أن لا تدفعه القواعد الإسلامية ولا تنفيه القوانين الإيمانية؛ إذ ما بعد الحق إلا الضلال) انتهى.
قلت: فأشار به إلى أنه لو كان مطابقًا للشريعة المطهرة؛ فلا يتصور كتمانه من أبي هريرة، وإن كان غير مطابق لها؛ فهو ما قدمناه من أمور الفتن وحكام الجور وغيرها.
(قال أبو عبد الله)؛ أي: المؤلف، كما في رواية المستملي، (البُلعوم)؛ بضم الموحدة، (مجرى الطعام)؛ أي: في الحلق وهو المري، كذا فسره القاضي والجوهري، وقال الفقهاء: الحلقوم: مجرى النفس، والمري: مجرى الطعام والشراب، وهو تحت الحلقوم، والبلعوم تحت الحلقوم، وقال ابن بطال: البلعوم: الحلقوم وهو مجرى النفس إلى الرئة، والمري: مجرى الطعام والشراب إلى المعدة فتصل بالحلوق، والمقصود: أنه كنى بذلك عن القتل، كما في «عمدة القاري» .
قلت: وما قدمناه هنا يدل على بطلان قول من قال في زماننا: أن ذنوب أهل البيت النبوي صوري لا معنوي؛ أي: بحسب الصورة ذنب لا في المعنى، وأن المغفرة لهم محققة بدون توبة، وأنهم خير الخلق بدون استثناء الأنبياء والمفضلين من الصحابة، مستدلًا بقوله تعالى:{لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ البَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا} [الأحزاب: 33]، وبقول الشيخ الأكبر محي الدين بن العربي في «الفتوحات» .
قلت: وهذا باطل؛ لأنَّه لم يوجد قول لأحد من المذاهب الأربعة المجمع عليها بذلك، وقد قال النبي الأعظم عليه السلام:«من أحدث شيئًا لم يكن في الشريعة فهو رد» ، والآية المستدل بها معناها أنَّه تحرم عليهم الصدقة؛ لأنَّها أوساخ الناس، والتمييز بالعمائم، والتعظيم، والاحترام وغير ذلك، وما ذكره من معناها فهو مردود؛ لأنَّه لم يقل به أحد من المفسرين قديمًا وحديثًا.
وقال عليه السلام: «من فسَّر القرآن برأيه كبَّه الله في النار يوم القيامة» ، ويدل لهذا قوله تعالى حكاية عن نوح:{يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلَا تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ} [هود: 46]، فابن نوح لما التجأ
(1)
إلى الجبل وأنه يعصمه من الماء عند الغرق؛ أخرجه الله تعالى من أهله وجعله في النار، وكذا أبو طالب عمُّ المصطفى عليه السلام، وكذا أبو جهل، وأبو لهب؛ فإنَّهم جميعًا في النار، كما نطق بذلك الكتاب والسنة، فلو كانت الذنوب مغفورة لهم بدون توبة؛ لغفر لهم وأدخلوا الجنة، وهذا يدل على بطلان قوله أيضًا: من أنه لا يختم لأحد منهم بالكفر، وأن الله شاء المغفرة لهم، وبطلان هذا ظاهر؛ فإنَّ الموت على الإيمان أو على الكفر لا يعلمه أحد أصلًا؛ لقوله عليه السلام:«إن العبد ليعمل بعمل أهل النار وإنه من أهل الجنة، ويعمل بعمل أهل الجنة وإنه من أهل النار» ، رواه الشيخان.
وقال تعالى: {يَغْفِرُ لِمَن يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَن يَشَاءُ} [آل عمران: 129]، ومشيئته تعالى مختصَّة به لا يعلمها أحد من خلقه، وهو مذهب أهل السنة والجماعة من الماتريدية والأشعرية وإجماع المسلمين، ويدلُّ لذلك قوله تعالى:{إِنَّ اللهَ لَا يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ} [النساء: 48]، فجميع الآيات الدالة على المغفرة مقرونة بالمشيئة، وقال تعالى:{يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ مَن يَأْتِ مِنكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا العَذَابُ ضِعْفَيْنِ} [الأحزاب: 30].
قال الإمام القرطبي: (لو فعل أحدٌ منهم شيئًا يوجب الحدَّ مرة؛ يُحدُّ مرتين؛ لهذه الآية، وقال عليه السلام: «من أبطأ به عمله؛ لم يسرع به نسبه»، ويدل لذلك قوله تعالى: {فَلَاأَنسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يَتَسَاءَلُونَ} [المؤمنون: 101]).
وأما قول الشيخ الأكبر فقد قال علماؤنا الأعلام: يحرم مطالعة كتب الشيخ الأكبر وقد أتى أمر سلطاني بالنهي عن بيعها، وشرائها، ومطالعتها، وقال الإمام الشعراني: في العهود الصغرى أخذ علينا العهود أن نمنع الناس من مطالعة كتب الشيخ الأكبر؛ لعدم فهم معناها، اهـ.
فالتفاضل الحقيقي بين الناس إنَّما هو بالتقوى، فلا يفيد الشريف النسب نسبه إذا لم يكن من أهل التقوى، ويفيد الوضيع النسب بالتقوى، قال الله تعالى:{إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللهِ أَتْقَاكُمْ} [الحجرات: 13]، وقد ألف رسالة في ذلك وذكر الأحاديث الواردة في حق أهل البيت منها منكر، ومنها ضعيف، ومنها موضوع من الشيعة، وقد ركب فيها متن عمياء وخبط خبط عشواء، وقال فيها ولا يدري ما يقول، وقد وافقه عليها بعض ممن يدعي العلم، وكتب له عليها فضلَّ وأضلَّ، وجمهور العلماء الأعلام ورئيسهم الإمام محقق المعقول والمنقول شيخ الإسلام والمسلمين شيخنا الشيخ عبد الله أفندي الحلبي أدمنا بحياته فلم يلتفت إليها، ولا عرجوا عليها، بل ردوها ولم يكتب أحدٌ عليها، ووقع خبط بين العلماء بديارنا الشريفة الشامية من أجل هذه الرسالة البدعة المنكرة، وأجمع الجمهور على بطلانها وردِّها ولله الحمد والمنة.
اللهم إنِّي أسألك علمًا نافعًا، وقلبًا خاشعًا، ورزقًا واسعًا، وعملًا متقبلًا، وجاهًا عريضًا، وأولادًا كثيرة بجاه الأنبياء وأصحابهم والمجتهدين وأتباعهم، وأن يحفظنا من الزيغ والضلال، ويوفقنا لما يحب ويرضى إنه على كل شيء قدير، وصلى الله عليهم أجمعين.
(43)
[باب الإنصات للعلماء]
هذا (باب الإنصات)؛ بكسر الهمزة: السكوت والاستماع، (للعلماء)؛ أي: لأجل ما يقولونه، فاللام للتعليل.
[حديث: أن النبي قال له في حجة الوداع: استنصت الناس]
121 -
وبه قال: (حدثنا حَجاج)؛ بفتح الحاء، ابن منهال الأنماطي، (قال: حدثنا شعبة) : هو ابن الحجاج، (قال: أخبرني)؛ بالإفراد، (علي بن مُدْرِك)؛ بضم الميم وكسر الراء، النخعي الكوفي، المتوفى سنة عشرين ومئة، (عن أبي زُرْعَة)؛ بضم الزاي، وسكون الراء،
(1)
في الأصل (التجئ).