الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ولا جنب»، كذا عند المؤلف، ومسلم، وغيرهما، وبه يعلم أنه لا يجوز دخول المسجد لجنب، وحائض، ونفساء ولو على سبيل المرور إلا إذا كان بيته في فناء المسجد وليس له ممرٌّ إلا في المسجد، وجوز الشافعي عبور المسجد لهن على الإطلاق، والحديث حجة عليه، فإن المساجد لم تُبْنَ إلا للعبادة، والمرور لغير حاجة ضرورية فيه ليس من العبادة في شيء أصلًا، بل هو غير جائز على أنه يُكْرَهُ المرور في المساجد، واتخاذها طريقًا لغير الجنب إجماعًا، فالجنب من باب أولى، فافهم، ويدل لهذا ما قاله عليٌّ، وابن عباس رضي الله عنهما في تأويل هذه الآية {وَلَا جُنُبًا}؛ أي: لا تصلوا في حالة الجنابة إلا عابري سبيل؛ أي: مسافرين غير واجدين للماء ({حَتَّى تَغْتَسِلُوا}) أو تيمموا، فتزول الجنابة، وهذا متعلق بـ {لَا تَقْرَبُوا} ، فهو غاية للنهي عن القربان حال الجنابة، وفي الآية: تنبيه على أن المصلي ينبغي له أن يحترز عمَّا يلهيه، ويغسل قلبه، ويزكِّي نفسه عما يجب تطهيرها عنه، ({وَإِن كُنتُم مَّرْضَى}) جمع مريض؛ كالجرحى جمع جريح، والمراد به مرض يخاف معه إذا استعمل الماء ازداد مرضه، أو امتد، أو غيرهما، وذلك بغلبة الظن إما بتجربة، أو بإخبار طبيب مسلم، كما تقدم، ({أَوْ عَلَى سَفَرٍ})؛ أي: مسافرين وهو أن يكون بعيدًا عن العمران ومواضع الماء، ولما ثبت أن الحكم لم يتعلق بغير المرض والسفر، بل بمعنى فيهما؛ وهو العجز عن استعمال الماء؛ ثبت أن الحكم كذلك في كل موضع يحقق العجز، وثبت به صحة قول الإمام الأعظم رضي الله تعالى عنه في إجازة التيمم للجنابة في المصر إذا عدم الماء الحار؛ فليحفظ، ({أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِّنكُم مِّنَ الغَائِطِ})؛ أي: فأحدث، ({أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ})؛ أي: جامعتموهن، قال حبر هذه الأمة وترجمان القرآن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما:(الملامسة، واللمس، والمس، والمباشرة، والإفضاء، والرفث كنايات عن الوطء) انتهى، ({فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً}) مطلقًا كافيًا، حقيقة أو حكمًا كما قدمناه؛ ({فَتَيَمَّمُوا})؛ أي: اقصدوا، فالقصد شرط فيه؛ لأنَّه النية ({صَعِيدًا})؛ أي: وجه الأرض من تراب، ورمل، وحجر، وغيرها ({طَيِّبًا})؛ أي: طاهرًا؛ ({فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ}) أي: بالاستيعاب، ({وَأَيْدِيكُمْ})؛ أي: إلى المرافق ({إِنَّ اللهَ كَانَ عَفُوًّا غَفُورًا} [النساء: 43])؛ أي: كثير العفو، وكثير المغفرة؛ حيث سهل وخفف عليكم بإقامة الصعيد الطيب مقام الماء مع كثرة المغفرة لذنوبكم، وقد ذكرنا الآيتين بتمامهما؛ لثبوتهما في «الفرع» ، وفي رواية: ({فَتَيَمَّمُوا
…
} إلى قوله: {تَشْكُرُونَ} )، وفي أخرى: ({وَإِن كُنتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا
…
})؛ الآية، وفي أخرى
(1)
: ({وَإِن كُنتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا
…
} إلى قوله: {تَشْكُرُونَ} ) هذا في الآية الأولى، وأما الثانية؛ ففي رواية: ({يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى
…
} إلى قوله: {عَفُوًّا غَفُورًا} )، وفي أخرى: ({يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ
…
}؛ الآية إلى قوله: {إِنَّ اللهَ كَانَ عَفُوًّاغَفُورًا} ).
وزعم ابن حجر فقال: (قدم الآية التي في سورة المائدة على الآية التي من سورة النساء لدقيقة؛ وهي أن لفظ التي في المائدة: {فَاطَّهَّرُوا}، ففيها إجمال، ولفظ التي في النساء: {حَتَّى تَغْتَسِلُوا}، ففيها تصريح بالاغتسال، وبيان للتطهير المذكور).
قلت: قد ردَّ هذا صاحب «عمدة القاري» : بأنه لا إجمال في قوله تعالى: {فَاطَّهَّرُوا} ؛ لأنَّ معناه: طهروا أبدانكم كما ذكرنا، وتطهير البدن هو الاغتسال، ولا إجمال لا لغة ولا اصطلاحًا على ما لا يخفى، انتهى.
وزعم العجلوني: أنا ما قاله ابن حجر ظاهر؛ لأنَّ قوله: {فَاطَّهَّرُوا} معناه: أوجدوا الطهارة وهي صادقة بطهارة أعضاء الوضوء، وبطهارة جميع البدن وبكونها بنيَّة أو بغيرها فهي مجملة، وأما قوله:{حَتَّى تَغْتَسِلُوا} ؛ فمدلوله غسل جميع الأعضاء؛ إذ حقيقة الاغتسال جريان الماء على جميع البدن، إذا علمت هذا؛ ظهر لك اندفاع الاعتراض.
قلت: وهذا غير صحيح.
وقوله: (إن ما قاله
…
) إلخ هذا ظاهر له فقط، غير ظاهر لغيره من العلماء، وظهوره مردود عليه، فإن قوله:{فَاطَّهَّرُوا} معناه: طهِّروا أبدانكم من الجنابة، وهو المراد من الآية بالإجماع، وهو دال عليه بخصوصه؛ لأنَّ اللفظ لا يحتمل غيره بخلاف الطهارة، فإنها تعم الصغرى والكبرى، وليست بمرادة هنا، بل المراد الكبرى فقط بدليل صيغة المبالغة وهي تدل على غسل جميع البدن، كما لا يخفى، وهذا هو الاغتسال، فلا إجمال فيها أصلًا.
وقوله: (وبكونها بنيَّة أو بغيرها) هذا لا يقال: إنَّ فيه إجمالًا؛ لأنَّ النيَّة ليست بشرط في الوضوء والغسل عند الجمهور، ومن شرطها استدل بالسنة لا بالكتاب، فلا دخل لها في ذلك، كما لا يخفى على أنه كيف يقال:(مجمل) وقد اقترن بقوله قبله: {وَإِن كُنتُمْ جُنُبًا} ، ولا ريب أن الجنابة تحل جميع البدن فيتعين أن المعنى: طهروا أبدانكم من الجنابة، ولا يجوز، ولا يُفْهَمُ شرعًا ولا لغة أنه يكفي الجنب غسل الأعضاء فقط؛ لأنَّ غسل جميع البدن ثابت إجماعًا شرعًا ولغة، على أنه كيف يكون فيه إجمال وقد قدم سبحانه حكم الطهارة الصغرى في أول الآية؟ وهو يدل صريحًا على أن المراد هنا الطهارة الكبرى، وهو لا يحتمل غيرها أصلًا؛ فليحفظ.
ومن ادَّعى غير ذلك؛ فهو تعصب وتعنت، والحق أحق أن يتبع، وما بعد الحق إلا الضلال؛ فافهم والله تعالى أعلم بالأحوال.
(1)
[باب الوضوء قبل الغسل]
هذا (باب) بيان حكم (الوضوء قبل الغُسل)؛ بضمِّ الغين المعجمة؛ أي: قبل أن يشرع في الاغتسال هل هو واجب أم سنة أم مستحب؟ كذا قاله صاحب «عمدة القاري» ، ومن قدَّر الاستنان أو الاستحباب؛ لم يصب؛ لأنَّ هذا الوضوء فيه خلاف بين العلماء، كما يأتي؛ فلا تكون الترجمة مع هذا التقدير شاملة؛ لاختلافهم بخلاف عبارة «عمدة القاري» ، فإنها شاملة لجميع الأقوال التي للعلماء؛ لأنَّ الفعل إما حكمه الوجوب أو السنية أو الاستحباب؛ فليحفظ.
وهذه الترجمة موجودة في أكثر النسخ ساقطة في بعضها؛ فافهم.
وزعم ابن حجر: بأن الوضوء قبل الغسل؛ أي: استحبابه، قال الشافعي في «الأم» :(فرض الله تعالى الغسل مطلقًا لم يذكر فيه شيئًا يبدأ به قبل شيء، فكيفما جاء به المغتسل؛ أجزأه إذا أتى بغسل جميع بدنه) انتهى.
واعترضه إمام الشارحين صاحب «عمدة القاري» فقال: قلت: إن كان النص مطلقًا ولم يذكر فيه شيئًا؛ يبدأ به، فعائشة رضي الله عنها ذكرت عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم أنه كان يتوضأ كما يتوضأ للصلاة قبل غسله فيكون سنة غير واجب، أما كونه سنة؛ فلفعله صلى الله عليه وسلم، وأما كونه غير واجب؛ فلأنَّه يدخل في الغسل؛ كالحائض إذا أجنبت يكفيها غسل واحد، ومنهم من أوجبه إذا كان محدثًا قبل الجنابة، وقال داود: يجب الوضوء والغسل في الجنابة المجردة بأن يأتي الغلام أو البهيمة، أو لف ذَكَرَهُ بخرقة فأنزل، وفي أحد قولي الشافعي: يلزمه الوضوء في الجنابة مع الحدث، وفي قول آخر يقتصر على الغسل، لكن يلزمه أن ينوي الحدث والجنابة في قول يكفي نية الغسل، ومنهم من أوجب الوضوء بعد الغسل، وأنكره علي بن أبي طالب، وابن مسعود رضي الله عنهما، وعن عائشة رضي الله عنها قالت:(كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يتوضأ بعد الغسل)، رواه مسلم والأربعة، انتهى كلامه.
وزعم العجلوني فقال: (إن أراد الاعتراض على الشافعي؛ فلا يرد؛ لأنَّه قال فرض الله الغسل مطلقًا، فلا يضر ورود البيان في السنة، على أن هذا البيان في الحقيقة ليس لفرض الغسل، بل لأمر مندوب يتعلق به، وإن أراد الاعتراض على ابن حجر؛ فكذلك لا يرد؛ لأنَّه قال: والاختيار في الغسل ما روت عائشة رضي الله عنها، وأما تقديره حكم الوضوء وإن كان شاملًا للوجوب كما يقول به داود؛ فهو أكثر فائدة من تقدير استحبابه، لكنه إنَّما يتم إن كان داود يقول بوجوبه قبل الغسل، وإلا؛ فلا، وفي تعبيره بقوله: «إن كان النص مطلقًا» إشعار بالتوقف فيه ولا خفاء في كونه مطلقًا ومجملًا كما قررناه في الآية) انتهى.
قال العبد الضعيف: وهذا ممنوع.
وقوله: (إن أراد الاعتراض على الشافعي) قلت: هو لم يعين الاعتراض على الشافعي، بل قصد بهذا الكلام بيان الحكم لكل أحد من الناس، وقوله:(فلا يرد) بل هو وارد؛ لأنَّ قوله: (فرض الله الغسل) يلزم تقييده بأن يكون النص مطلقًا على أنه قد ورد البيان في السنة له.
وقوله: (فلا يضر ورود البيان في السنة) ممنوع، بل يضر؛ لأنَّه لو لم يرد البيان منها لم يعلم كيفية هذا الغسل.
وقوله: (على أن هذا البيان في الحقيقة
…
) إلخ ممنوع أيضًا؛ لأنَّ الشافعي في أحد قوليه يلزمه الوضوء في الجنابة
(1)
في الأصل: (أخر)، وليس بصحيح.
مع الحدث، وإن داود يقول: يجب الوضوء والغسل في الجنابة المجردة، فلا ريب أن هذا يكون لفرض الغسل؛ لأنَّه لو لم يوجد الوضوء لم يصحَّ الغسل في زعمهما.
وقوله: (بل لأمر مندوب) ممنوع، بل هو لأمر مفروض كما علمت، فكأنه جعل الوضوء عندهما من فرض الغسل، إن وجد؛ صح، وإلا؛ فلا، فكيف يقال: فلا يضر البيان؟ وما هو إلا قول بارد.
وقوله: (وإن أراد الاعتراض على ابن حجر) علمت أنه لم يعين بذلك ابن حجر، بل قصد بيان الحكم لكل واحد من الناس.
وقوله: (فكذلك لا يرد
…
) إلخ ممنوع، بل هو وارد، وكلامه مردود عليه.
وقوله: (لأنَّه قال: والاختيار في الغسل
…
) إلخ ممنوع؛ لأنَّه عام يحتمل الوجوب، والسنية، والاستحباب، ولم يبيِّن واحدًا منها عند قوله: هذا بل عدل عنه، وقدر في الترجمة الاستحباب وهو قاصر.
وقوله: (وأما تقديره حكم الوضوء
…
) إلخ هذا اعتراف منه بأن عبارة «عمدة القاري» هي الصحيحة؛ لأنَّها شاملة للوجوب القائل به داود.
وقوله: (فهو أكثر فائدة من تقدير استحبابه) قلت: بل هو الفائدة بعينها، ولا فائدة في ذلك؛ لأنَّه قاصر على قول من أقوال العلماء بخلاف تقدير الحكم، فإنه عام يشمل الأحكام كلها.
وقوله: (لكنه
…
) إلخ هذا الاستدراك ممنوع بعد أن علمت أن داود يقول بوجوبه قبل الغسل لا بعده.
وقوله: (وفي تعبيره
…
) إلخ ممنوع، بل ليس فيه إشعار بالتوقف أصلًا، بل فيه قطع ويقين في كونه غير مجمل، وغير مطلق؛ لأنَّ النص لا يحتمل غيره لا سيما والقرينة عينته، بل فيه قرائن التعيين.
وقوله: (كما قررناه في الآية) ممنوع؛ لأنَّه قد علمت رده فيما سبق مفصلًا، فلا تغفل، قال في «منهل الطلاب» : فإن قيل: ما فائدة تقديم الوضوء مع أنه يجب غسل جميع البدن؟ قلت: لأنَّ فيه إعمالًا لنص إيجاب الوضوء، ولنص إيجاب الغسل، واتباعًا للسنة، وحتى تنقَّى أعضاء الوضوء؛ لأنَّها لا تخلو عن أوساخ؛ كالرجلين، فيتعاهدها كما يتعاهد المؤقين، والمنخرين، والفم، والأذنين، فإذا اغتسل؛ فقد ارتفع عنه الحدث الأكبر والأصغر سواء نوى أو لم ينو؛ لأنَّ النية ليست بشرط عند الجمهور، فإن نوى؛ كان أكمل؛ لأنَّها سنة، وعن مالك أنه ينوي به رفع حدث الجنابة في تلك الأعضاء فإن نوى الفضيلة؛ لزمه إعادة غسلها، والمعتمد عند الشافعية: أنه إذا تجردت جنابته عن الحدث الأصغر يكفيه أن ينوي بوضوئه سنة الغسل، وإلا؛ فلا بد من نية رفع الحدث الأصغر، والله تعالى أعلم.
[حديث: أن النبي كان إذا اغتسل من الجنابة بدأ فغسل يديه]
248 -
وبه قال: (حدثنا عبد الله بن يوسف) هو التنيسي (قال: حدثنا مالك) هو ابن أنس الأصبحي، (عن هشام) هو ابن عروة، (عن أبيه)؛ هو عروة بن الزبير بن العوام رضي الله عنه، (عن عائشة زوج النبيِّ) الأعظم صلى الله عليه وسلم؛ الصديقة بنت الصديق رضي الله عنها:(أن النبيَّ) الأعظم صلى الله عليه وسلم كان إذا اغتسل)؛ أي: أراد أن يشرع في الاغتسال (من الجنابة)؛ يعني: لأجل الجنابة، فـ (من) للسببية، قال في «عمدة القاري» : فإن قلت: لم ذكر في ثلاثة مواضع بلفظ الماضي وهي قولها: (بدأ)، و (فغسل)، و (ثم توضأ)، وذكر البواقي بلفظ المضارع، وهي قوله:(يدخل)، و (فيخلل)، و (يصب)، و (يفيض)؟
قلت: النكتة فيه أن (إذا) إذا كانت شرطية؛ فالماضي بمعنى المستقبل، والكل مستقبل معنًى، وأما الاختلاف في اللفظ؛ فللإشعار بالفرق بما هو خارج من الغسل وما ليس كذلك، وإن كانت ظرفية؛ فما جاء ماضيًا؛ فهو على أصله، وعدل عن الأصل إلى المضارع؛ لاستحضار صورته للسامعين) انتهى؛ (بدأ)؛ بالهمزة في آخر، من البداءة، وهي الفعل الأول (فغسل يديه)؛ أي: ثلاثًا إلى الرسغين قبل أن يدخلهما في الإناء، كما في رواية ابن عيينة في هذا الحديث عن هشام، وهذا هو الغسل المشروع عند القيام من النوم، ويشهد له هذه الرواية، ويحتمل أن هذا الغسل لأجل التنظيف مما به يكره، وقولها: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان
…
) إلخ يدل على الملازمة والتكرار، وهو يدل على استحباب غسل يديه قبل الشروع في الوضوء والغسل إلا إذا كان عليهما
(1)
شيء مما يجب إزالته؛ فحينئذٍ يكون واجبًا، كذا قرره صاحب «عمدة القاري» ، وهذا الغسل غير الغسل الذي في الوضوء، فلا تكفيه عن تثليث الوضوء لما في «مسلم» في هذا الحديث:(فيفرغ بيمينه على شماله، فيغسل فرجه)، ولما عند ابن خزيمة:(يصب من الإناء على يده اليمنى، فيفرغ عليها فيغسلها، ثم يصب على شماله، فيغسل فرجه ويتوضأ وضوءه للصلاة)، ومثله عند أبي داود، والترمذي، فهذا يدل على أنه يغسلهما؛ ليكون متناولًا الماء بآلة طاهرة لمزيد التنظيف، ويؤيده قوله في الحديث:«ثم يتوضأ كوضوئه للصلاة» ، فلا شك في التغاير، وهو ظاهر عبارة «الهداية» ، و «التنوير» ، وزيادة غسل الفرج فائدة عظيمة؛ لأنَّه مظنة النجاسة، فيفيض الماء عليه بيده اليمنى، ويغسله باليسرى حتى ينقيه وإن لم يكن به نجاسة كما فعله عليه السلام؛ ليطمئن قلبه بوصول الماء إلى الجزء الذي ينضم حال القيام وينفرج حال الجلوس، وبهذا يعلم وجه تسميته فرجًا، وإنما وسطه بين غسل اليدين والوضوء؛ لأنَّه مظنة النجاسة فيطمئن قلبه بزوالها حتى لا تشيع على بدنه ولو كانت قليلة فيتنجس، والمراد بالفرج قُبل الرجل والمرأة، وقد يطلق على الدبر أيضًا، كما في «المغرب» للعلامة المطرزي، وفي «البرجندي» :(والمراد به هنا: القبل والدبر وإن اختص لغة بالقبل)، كذا في «منهل الطلاب» ، (ثم يتوضأ) ولأبي ذر:(ثم توضأ)(كما يُتوضَّأ للصلاة) مبني للمفعول أو للفاعل؛ أي: مثل وضوء الصَّلاة فيثلث الغسل، ويأتي بجميع سننه وآدابه كما في «البحر» ، قال:(ويمسح رأسه هو الصحيح)، وفي «البدائع» : أنه ظاهر الرواية عن الإمام الأعظم، وروى الإمام الحسن عن الإمام الأعظم أنه لا يمسحه؛ لأنَّه لا فائدة فيه؛ لأنَّ الإسالة تقوم مقام المسح، لكن المذهب المصحح أنه يمسحه كما نص عليه في «مبسوط شيخ الإسلام» ؛ لأنَّه أتمُّ للغسل، وهذا الوضوء قبل الغسل سُنَّة كما دل عليه الحديث، كما دل على أنه لا يؤخر غسل رجليه سواء كان في مستنقع الماء أو لا، وهو ظاهر إطلاق «الكنز» ، و «التنوير» ، لكن ظاهر حديث ميمونة الآتي يدل على أنه يؤخر غسلهما سواء كان في مستنقع الماء أو لا، وهو ظاهر إطلاق الأكثرين، ووفق بين الحديثين في «البحر» : بأنه إن كان في مستنقع الماء؛ فيؤخر، وإن كان على شيء مرتفع؛ كقبقاب أو كرسي؛ لا يؤخر، وصحَّحه في «المجتبى» ، وجزم به في «الهداية» ، و «الكافي» ، و «المبسوط» ، قال في «البحر» :(والظاهر: أن الخلاف في الأولوية لا في الجواز)، كذا في «منهل الطلاب» ، وروى هذا الحديث مسلم من طريق أبي معاوية عن هشام، وقال في آخره:(ثم أفاض على سائر جسده، ثم غسل رجليه)، وهذه الزيادة تفرَّد بها أبو معاوية عن هشام دون أصحابه، وقول البيهقي: إنها صحيحة، يرده: أن الحفاظ قد تكلموا في رواية
(2)
أبي معاوية وعلى فرض صحتها؛ فالمحفوظ في حديث عائشة هو الأول، أو يحمل على أنه أعاد غسلهما؛ لاستيعاب الغسل بعد أن كان غسلهما في الوضوء، فيوافق ما في حديث الباب، وهذا هو الأفضل عند الشافعي ومالك على المشهور، وقيل: يؤخر إلى ما بعد الفراغ من الغسل؛ لحديث ميمونة، وعن مالك: إن كان في موضع وسخ؛ أخَّرهما، وإلا؛ فلا، وزعم ابن حجر أن الروايات عن عائشة تحمل على أكثر الوضوء، ويستدل برواية أبي معاوية على جواز التفريق في الوضوء.
قلت: وهذا غير صحيح، فإن الوضوء ليس له أكثر ولا أقل شرعًا بخلافه لغة، فكأنه خلط معناه اللغوي بالمعنى الشرعي مع أن المقام هنا والمراد معناه الشرعي، فإن كان الوضوء ناقصًا؛ فلا يقال: إنه توضَّأ، ولا تصح معه الصَّلاة، كما لا يخفى.
وقوله: (ويستدل
…
) إلخ هذا غير ظاهر، بل الظاهر منها أنه يستدل بروايته على عدم
(1)
في الأصل: (عليها)، ولعل المثبت هو الصواب.
(2)
في الأصل: (روايته)، وليس بصحيح.