الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
في اللفظ.
(قال)؛ أي: إسماعيل بن [أبي] خالد، (سمعت قيس بن أبي حازم)؛ بالحاء المهملة والزاي، (قال: سمعت عبد الله بن مسعود) رضي الله عنه؛ أي: كلامَه حالَ كونِه (قال: قال النبي) الأعظم صلى الله عليه وسلم: لا حسدَ)، فـ (لا) لنفي الجنس، و (حسد) اسمه مبني على الفتح، وخبرُه محذوف؛ أي: جائز، (إلَّا في اثنتين) بتاء التأنيث؛ أي: خصلتين، وللمؤلف:(اثنين) بغير تاء؛ أي: شيئين (رجلٌ) بالرفع على تقدير: إحدى الاثنتين خصلةُ رجلٍ، فلمَّا حذف المضاف اكتسب المضاف إليه إعرابَه، والنصب على إضمار (أعني رجلًا)، وهي رواية ابن ماجه، والجرُّ على أنَّه بدل من (اثنين)
(1)
، وعلى رواية (اثنتين) بالتاء؛ فهو بدل أيضًا على تقدير حذف المضاف؛ أي: خصلةُ رجلٍ؛ لأنَّ (اثنتين) معناه: خصلتين، كما مر، (آتاه الله) بالمدِّ؛ أي: أعطاه (مالًا) من الحلال (فسُلِّط) بضمِّ السين، وفي رواية:(فسلَّطه) بالهاء، وعبَّر بـ (سلَّط)؛ ليدُلَّ على قهر النفس المجبولة على الشُّحِّ (على هلَكَته) بفتح اللام والكاف؛ أي: إهلاكه (في الحق) لا في التبذير.
(ورجلٌ) بالأوجه الثلاثة (آتاه الله) بالمدِّ أيضًا؛ أي: أعطاه، (الحكمة)؛ أي: القرآن، كما في حديث أبي هريرة:«لا حسد إلَّا في اثنتين؛ رجل علمه الله القرآن فهو يتلوه آناء الليل والنهار، ورجل آتاه الله مالًا فهو يهلكه- وفي رواية: ينفقه- في الحق» ، (فهو يقضي بها) بين الناس، (ويعلمها) لهم، أطلق الحسد وأراد الغبطة، من باب إطلاق اسم المسبب على السبب، ومعنى الحسد هنا: شدة الحرص والرغبة، كنَّى بالحسد عنهما؛ لأنَّهما سببه والداعي إليه، ولهذا سماه المؤلف اغتباطًا، ويدُلُّ له ما ذكره المؤلف في (فضائل القرآن) من حديث أبي هريرة ولفظه:«فقال: ليتني أوتيت مثل ما أوتي فلان، فعملت مثل ما يعمل» ، فلم يتمنَّ السلب، وإنَّما تمنَّى أن يكون مثلَه، وقد تمنَّى ذلك الصالحون والأخيار.
وفيه قول بأنَّه تخصيصٌ لإباحة نوع من الحسد، وإخراجٌ له عن جملة ما حُظر منه، كما رُخِّص في نوع من الكذب وإن كانت جملتُه محظورة، فالمعنى: لا إباحة في شيء من الحسد إلَّا فيما كان هذا سبيله؛ أي: لا حسد محمودٌ إلَّا هذا، وقيل: إنَّه استثناء منقطع بمعنى: لكن في اثنين، وإذا أنعم الله على أخيك نعمةً فكرهتها وأحببتَ زوالَها فهو حرام، إلَّا نعمة أصابها كافر، أو فاجر، أو مَن يستعين بها على فتنة أو فساد، ويُستدَلُّ بهذا الحديث على أنَّ الغنيَّ الشاكر الذي قام بشروط المال أفضلُ من الفقير الصابر، وتمامه في «عمدة القاري» .
(16)
[باب ما ذكر في ذهاب موسى في البحر إلى الخضر]
هذا (باب ما ذَكر في ذهاب)؛ بالفتح (موسى) وفي رواية زاد: صلى الله عليه وسلم هو ابن عمران بن يصهر بن قاهت بن لاوي بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم، قيل: عاش مئة وعشرين
(2)
سنة، وقيل: مئة وستين
(3)
سنة، وكانت وفاته في التيْه في سابع آذار لمضيِّ ألف سنة وست مئة وعشرين سنة من الطُّوفان، وموسى: معرَّب موشى؛ بالشين المعجمة، سمَّته به آسية بنت مُزاحم امرأة فرعون لمَّا وجدوه في التابوت، وهو اسم اقتضاه حاله؛ لأنَّه وجد بين الماء والشجر، فـ (مو) بلغة القبط: الماء، و (شى) : الشجر، فعُرِّب فقيل: موسى.
(في البحر) خلاف البَرِّ، سُمِّي به؛ لعمقه واتِّساعه، وهو ملتقى بحر فارس والروم، وقيل: بحر المغرب وبحر الزُّقاق، فبحر فارس ينبعث من بحر الهند شمالًا، وبحر الروم: هو بحر إفريقية والشام يمتد من البحر الأخضر إلى المشرق، وبحر إفريقية: هو بحر طرابلس الغرب، وبحر الغرب: هو البحر الأخضر الذي لا يُعرف منه إلَّا ما يلي الغرب؛ لأنَّ المراكب لا تجري فيه، وبحر الزُّقاق بين طَنجة وبرِّ الأندلس.
(إلى الخَضِر عليهما السلام؛ بفتح الخاء وكسر الضاد المعجمتين، وقد تسكَّن الضاد مع كسر الخاء وفتحها، واسمه بَلْيا؛ بفتح الموحدة، وسكون اللام، آخره مثناة تحتية، ويقال: إبَلْيا بزيادة الهمزة، وقيل: اسمه خضر، وقيل: أرميا، وقيل: اليسع، وقيل: عامر، والمشهور الأول، وهو ابن مَلْكان؛ بفتح الميم وإسكان اللام، ابن فالغ بن عابر بن شالخ بن أرفخشد بن سام بن نوح عليه السلام، وقيل: خضرون بن عمائيل بن الغنز بن العيص بن إسحاق بن إبراهيم عليه السلام، وقيل: هو ابن حلفياء، وقيل: ابن قابيل ابن آدم، وقيل: ابن آدم لصلبه.
وكان في زمن ذي القرنين الأكبر الذي كان في زمن إبراهيم، وكان وزيره، وإنَّه شرب من ماء الحياة، والصحيح: أنَّه كان متقدِّمًا على زمن ذي القرنين.
وهو نبيٌّ على الصحيح، وقيل: إنَّه وليٌّ، وقيل: إنَّه من الملائكة، وهو غريب، وقيل: إنَّه مرسَل، فهو نبيٌّ معمَّر محجوبٌ عن الأبصار على الصحيح، وأنَّه باق إلى يوم القيامة، قيل: لأنَّه دَفن آدم بعد خروجهم من الطوفان، فنالتْه دعوة أبيه آدم بطول الحياة، وقيل: لأنَّه شرب من عين الحياة، والقول بحياته قولُ جمهور العلماء، والصالحين، والعامة، وأنكر حياته المؤلف وغيرُه من المحدِّثين، وقيل: لا يموت إلَّا في آخر الزمان حتى يرتفع القرآن، وفي «مسلم» :(أنَّ الدجَّال يقتل رجلًا) قال الراوي: إنَّه الخَضِر.
(فإن قلت) : إنَّ الترجمة تُفيد أنَّ موسى ركب البحر لمَّا توجَّه في طلب الخَضِر، مع أنَّه ثبت عند المؤلف أنَّه خرج إلى البحر وإنَّما ركب في السفينة هو والخَضِر بعد أن التقيا.
(أجيب) : بما روى عبدُ بن حُميد عن أبي العالية: (أنَّ موسى التقى بالخَضِر في جزيرة من جزائر البحر) اهـ، والتوصُّل إلى جزيرة في البحر لا يقع إلَّا بسلوك البحر، وبما رواه أيضًا من طريق الرَّبيع بن أنس قال:(انجابَ الماء عن مسلك الحوت فصار طاقة مفتوحة فدخلها موسى على أثر الحوت حتى انتهى إلى الخَضِر)، فهذان الأثران الموقوفان برجال ثقات يوضِّحان أنَّه ركب البحر إليه، كذا في «عمدة القاري» ؛ فليحفظ.
(و) باب (قوله تعالى: {هَلْ أَتَّبِعُكَ}) حكايةً عن خطاب موسى الخَضِر عليهما السلام، سأله أن يعلِّمَه من العلم الذي عنده ممَّا لم يقف عليه موسى، وكان له ابتلاءً؛ حيث لم يَكِل العلم إلى الله تعالى، وهو لا ينافي نبوَّتَه وكونَه صاحبَ شريعةٍ؛ لأنَّه راعى الأدب والتَّواضع فاستجهل نفسه واستأذن أن يكون تابعًا له.
({عَلَى أن تُعَلِّمَنِ
…
})؛ أي: على شرط أن تعلمني، وهو في موضع الحال من الكاف، (الآية [الكهف: 66]) بالنصب على تقدير: اذكر الآية، وبالرفع على أن يكون مبتدأ محذوف الخبر؛ أي: الآية بتمامها، وزاد الأصيلي باقي الآية؛ وهو قوله:{مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا} [الكهف: 66]؛ أي: علمًا ذا رُشْد، وهو إصابة الخير، وقرأ يعقوب وأبو عمرو وغيرُهما: بفتحهما
(4)
، وهما لغتان، وهو مفعول {تُعَلِّمَنِ} ، ومفعول {عُلِّمْتَ} العائد محذوف، وكلاهما منقول من (عَلِمَ) الذي له مفعول واحد، ويجوز أن يكون علة لـ {أَتَّبِعُكَ} ، أو مصدرًا بإضمار فعله.
[حديث: بينما موسى في ملإ من بني إسرائيل]
74 -
وبه قال: (حدثني) بالإفراد، وفي رواية: بالجمع، (محمد بن غُرَير)؛ بغين معجمة مضمومة، وراء مكررة، الأولى منهما مفتوحة، بينهما مثناة تحتية ساكنة، ابن الوليد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف، أبو عبد الله القرشي (الزهريِّ) المدني، نزيل سمرقند.
(قال: حدثنا يعقوب بن إبراهيم) بن سعد، أبو يوسف القرشي المدني الزهري، المتوفى ببغداد، سنة ثمان ومئتين في شوال، (قال: حدثني) بالإفراد، وفي رواية: بالجمع، (أبي) : إبراهيم بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف، أبو يعقوب القرشي المدني الزهري، شيخ محمد بن إدريس الشافعي (عن صالح) بن كَيسان؛ بفتح الكاف، التابعي، المتوفى وهو ابن مئة ونيف وستين سنة، ابتدأ بالتعليم وهو ابن تسعين سنة، (عن ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري أنه (حدَّث)، وفي رواية:(حدثه)، (أنَّ عُبيد الله)؛ بالتصغير، (ابن عبد الله)؛ بالتكبير، ابن عُتبة (أخبره عن ابن عباس) عبد الله رضي الله عنه، (أنَّه تمارى)؛ أي: تجادل وتنازع، (هو)؛ أي: ابنُ عباس، (والحُرُّ)؛ بضم الحاء المهملة وتشديد الراء، (ابن قَيْس)؛ بفتح القاف، وسكون التحتية، آخره مهملة، (ابن حِصْن)؛ بكسر الحاء وسكون الصاد المهملتين، الصحابي (الفَزاري)؛ بفتح الفاء، والزاي، ثم الراء، نسبةً إلى فزارة بن شيبان (في صاحب موسى) عليه السلام، هل هو الخَضِر أم غيره؟ (فقال ابن عباس) رضي الله عنهما:(هو خضر)؛ بفتح أوله وكسر ثانيه، أو بكسر أوله وإسكان ثانيه،
(1)
في الأصل: (اثنتين)، ولعل المثبت هو الصواب.
(2)
في الأصل: (عشرون).
(3)
في الأصل: (ستون).
(4)
أي: فتح الراء والشين؛ أي: (رَشَدًا).
وإنَّما لم يُدخل على (خضر) آلة التعريف وفي الترجمة ذكره معرَّفًا مع أنَّه عَلَمٌ؛ لأنَّ بعض الأعلام دخول التعريف عليه لازم؛ نحو: النجم والثريا، وبعضها غير لازم؛ نحو: الحارث، والخضر من هذا القسم، والعَلَم إذا لُوحظ فيه معنى الوصف؛ يجوز إدخال التعريف عليه؛ كالعباس والحسن وغيرهما، ولم يذكر مقالة الحُرِّ بن قيس، قال بعضهم: لم أقف على شيءٍ من طرق هذا الحديث، قلت: مقالته قد تمت، وما بعدها إنَّما كان قول أُبيٍّ بحضور الحُرِّ بن قيس وعبد الله بن عباس، فالحديث مقالة الجميع؛ فافهم.
(فمر بهما)؛ أي: بابن عباس والحُرِّ بن قيس (أُبيُّ بن كعب)؛ أي: ابن المنذر الأنصاري، أقرأ هذه الأمة، المتوفى سنة تسع عشرة، وقيل: عشرين، وقيل: ثلاثين بالمدينة، كذا في «عمدة القاري» ، وفي خارج باب الشرقي [في] ديارنا الشامية قبةٌ مُهابةٌ وتحتَها قبرٌ جليلٌ عظيمٌ، المشهور عند العامَّة أنَّه أُبيُّ بن كعب، يُقصد بالزيارة، والدعاءُ عنده لا يُرَدُّ؛ فتأمَّل، (فدعاه) أي: ناداه (ابن عباس) رضي الله عنهما، وروي:(فمرَّ بهما أُبيُّ بن كعب فدعاه ابن عباس فقال: يا أبا الطُّفيل؛ هلمَّ إلينا)، (فقال: إنِّي تماريت) أي: اختلفتُ (أنا وصاحبي هذا) الحُرُّ بن قيس، وأتى بتأكيد المعطوف عليه بالضمير المنفصل؛ لتحسين العطف، ويجوز أن ينتصب على المفعول معه، (في صاحب موسى) عليه السلام (الذي سأل موسى) ربَّه، وزاد في رواية: صلى الله عليه وسلم (السبيل)؛ أي: الطريق الموصل (إلى لُقِيِّه)؛ بضم اللام، وكسر القاف، وتشديد المثناة التحتية؛ أي: إلى الاجتماع معه؛ حيث قال: (ادللني اللَّهُمَّ عليه)، (هل سمعت النبي) الأعظم صلى الله عليه وسلم يذكر شأنه؟) جملة حالية، (قال) أُبيُّ بن كعب:(نعم؛ سمعت رسول الله)، وفي رواية:(النبي) الأعظم صلى الله عليه وسلم، زاد في رواية:(يَذكر شأنَه) حالَ كونِه (يقول: بينما) بالميم (موسى) عليه السلام (في ملأ) بالقصر: الجماعة أو الأشراف (من بني إسرائيل) هم أولاد يعقوب عليه السلام؛ لأنَّ إسرائيل هو اسم يعقوب، وأولاده اثنا عشر؛ وهم: يوسف، وبنيامين، وداني، ويفتالي، وزابلون، وجاد، ويساخر، وأشير، وروبيل، ويهوذا، وشمعون، ولاوي، وهم الذين سماهم {الأسباط} [البقرة: 136]، وسمُّوا بذلك؛ لأنَّ كلَّ واحد منهم وَلد قبيلة، والأسباط في كلام العرب: الشجر الملتف
(1)
الكثير الأغصان، والأسباط من بني إسرائيل؛ كالشعوب من العجم والقبائل من العرب، وجميع بني إسرائيل من هؤلاء المذكورين؛ (جاءه رجل) جواب (بينما)، وفي رواية:(إذ جاءه رجل)، والفصيح في جوابه ترك (إذ) و (إذا)، قال بعضهم: لم أقف على تسمية الرجل، قلت: لعلَّه جبريل جاءه بصفة رجل، كما جاء لنبينا عليه السلام بصفة أعرابي؛ كما تقدَّم؛ فافهم، (فقال) لموسى عليه السلام:(هل تعلم أحدًا أعلم) بالنصب صفة لـ (أحد)(منك؟ قال)، وفي رواية:(فقال)، (موسى: لا) أعلم أحدًا أعلم مني، وجاء في (التفسير) :«فسأل: أي الناس أعلم؟ فقال: أنا، فعتب الله عليه إذ لم يَرُدَّ العلمَ إليه» ؛ أي: عتب مخصوص، s) زاد الأصيلي: عز وجل (إلى موسى) عليه السلام: (بلَى)؛ بفتح اللام، وفي رواية:(بل)، وهي للإضراب؛ أي: أوحى الله إليه: لا تقل: لا؛ بل (عبدنا خضر) أعلم منك؛ أي: قل: الأعلم عبد خضر، وعلى هذه الرواية فالمناسب أن يقول: عبد الله أو عبدك، وأجيب: بأنَّه ورد على سبيل الحكاية عن الله تعالى، فموسى أعلم على الجملة، والعموم ممَّا لا يمكن جهل الأنبياء بشيء منه، والخضر أعلم على الخصوص ممَّا أُعلم من الغيوب وحوادث القدر ممَّا لا يعلمُ الأنبياءُ منه إلَّا ما أُعلموا من غيبه، ولهذا قال له الخضر:«إنَّك على علم من علم الله علَّمك لا أعلمه، وأنا على علم من علم الله علَّمنيه لا تعلمه» ، وهذا مثلُ قول نبينا الأعظم صلى الله عليه وسلم:«إنِّي لا أعلم إلَّا ما علَّمني ربي» ، وإنما أُلجئ موسى للخضر؛ للتأديب لا للتعليم.
(فسأل موسى) عليه السلام (السبيل) أي: الطريق الموصل (إليه)؛ أي: إلى الخضر، فقال: اللَّهُمَّ ادللني عليه، (فجعل الله له) أي: لأجله (الحوتَ) بالنصب مفعول (جعل) أول، والحوت: السمكة (آيةً)؛ أي: علامة، بالنصب مفعول ثان، (وقيل له) : يا موسى؛ (إذا فقَدت)؛ بفتح القاف؛ أي: لم تجد (الحوت؛ فارجع، فإنك ستلقاه)، وذلك لمَّا قال موسى: أين أطلُبُه؟ قال تعالى له: على الساحل عند الصخرة، قال: يا رب كيف لي به؟ قال: تأخذ حوتًا في مكتل، فحيث فقدتَه؛ فهو هناك، فقيل: أخذَ سمكةً مملوحة، وقال لفتاه: إذا فقدت الحوت؛ فأخبرني.
(وكان) وفي رواية: (فكان)(يتَّبع)؛ بتشديد المثناة الفوقية (أثر الحوت في البحر)؛ أي: ينتظر فقدانه، فرقد موسى عليه السلام، فاضطرب الحوت ووقع في البحر، قيل: إنَّ يوشع حمل الخبز والحوت في المكتل فنزلا ليلة على شاطئ عين تسمى عين الحياة، فلمَّا أصاب السمكة روح الماء وبرده؛ عاشت، وقيل: توضأ يوشع من تلك العين، فانتضح الماء على الحوت، فعاش ووقع في الماء، فاستيقظ موسى وطلب من يوشع الخبز والحوت؛ ليأكل منه.
(فقال لموسى فتاه) يوشع بن نون بن إليشامع بن عميهوذ بن بارص بن بعدان بن تاجن بن تالخ بن راشف بن رافح بن بريعا بن أفراييم بن يوسف بن يعقوب عليه السلام، و (يُوشَع)؛ بضم المثناة التحتية وفتح الشين المعجمة، و (نون) مصروف كنوح، وإنَّما قال: فتاه)؛ أي: صاحبه؛ لأنَّه كان يخدمه ويتبعه، وقيل: كان يأخذ عنه العلم: ({أرأيت})؛ أي: أخبرني، وهو مقول القول ({إذ}) بمعنى حين، وفيه حذفٌ؛ تقديره: أرأيت ما دهاني إذ ({أوينا}) أي: رقدنا ({إلى الصخرة})؛ الحجر الكبير، وهي التي دون نهر الزيت بالمغرب، ({فإنِّي}) الفاء تفسيرية ({نسيت الحوت})؛ أي: نسيت تفقده وما يكون منه، مما جعل أمارة على الظفر بالطلبة من لقاء الخضر، ({وما أنسانيه إلا الشيطان أن أذكره})؛ أي: وما أنساني ذكرَه إلَّا الشيطان، وإنَّما نسبه له؛ هضمًا لنفسه، فهو اعتذارٌ عن نسيانه بشغل الشيطان له بوساوسه، أو دهش لمَّا رأى من الآيات الباهرة، ({قال}) أي: موسى: ({ذلك}) مبتدأ؛ أي: فقدان الحوت، وقوله:({ما كنا نبغي}) خبره، و {ما} موصولة، و {كنا نبغي} صلتها؛ أي: ذلك الذي كنا نطلبه علامة على المقصود، ({فارتدا}) رجعا ({على آثارهما})؛ أي: من الطريق الذي سلكاه، يقصَّان ({قَصصًا}) بالنصب على المصدرية؛ أي: يتبعان آثارهما اتِّباعًا، ({فوجدا}) [الكهف: 63 - 64] (خضرًا) عليه السلام (فكان من شأنهما) أي: موسى والخضر (الذي قصَّ اللهُ عز وجل في كتابه)، وفي رواية: (ما قصَّ الله
…
) إلى آخره، من قوله:{قَالَ لَهُ مُوسَى هَلْ أَتَّبِعُكَ} إلى قوله: {وَيَسْأَلُونَكَ عَن ذِي القَرْنَيْنِ} [الكهف: 66 - 83].
وفي الحديث: جواز التماري في العلم من غير تعنُّت، وفيه: الرجوع إلى أهل العلم عند التنازع، وفيه: طلب العالم الزيادة من العلم، وفيه: ندب التواضع، وفيه: حمل الزاد وإعداده في السفر، وهو لا ينافي التوكل، خلافًا لمن نفاه، وفيه: قبول خبر الواحد الصدوق، والله تعالى أعلم.
(17)
[باب قول النبي: اللهم علمه الكتاب]
هذا (باب قول النبي) الأعظم صلى الله عليه وسلم: اللهم علمه)؛ أي: فهِّمْه أو حفِّظْه (الكتاب)؛ أي: القرآن، والضميرُ يرجع لابن عباس؛ لتقدُّمِ ذكرِه مِن غلبته للحُرِّ بن قيس بدعائه عليه السلام، وهذا لفظ حديث وضعه ترجمةً على صورة التعليق، ثم ساقه مُسندًا، وهل يُقال لمثله: مرسلًا أم لا؟ فيه خلاف.
[حديث: اللهم علمه الكتاب]
75 -
وبه قال: (حدثنا أبو مَعْمَر)؛ بميمين مفتوحتين بينهما عين ساكنة مهملة، آخره راء، عبد الله بن عمرو بن أبي الحجاج البصري المُقْعَد -بضم الميم، وسكون القاف، وفتح العين- المنقري القدري، الموثق من ابن معين، المتوفى سنة تسع وعشرين ومئتين (قال: حدثنا عبد الوارث) بن سعيد بن ذكوان التميمي العنبري، أبو عبيدة البصري، المتوفى بها في المحرَّم سنة ثمانين ومئة (قال: حدثنا خالد) بن مهران الحذَّاء، أبو المَنازل؛ بفتح الميم، ولم يكن بحذَّاء وإنَّما كان يجلس إليهم ينظر شغلهم في النعل، المتوفى سنة إحدى وأربعين ومئة (عن عِكرمة)؛ بكسر العين، مولى ابن عباس، أبو عبد الله المدني، البربري الأصل، المتوفى بالمدينة سنة خمس أو ست أو سبع أو خمس عشرة ومئة عن ثمانين سنة، (عن ابن عباس) عبد الله رضي الله عنه (قال: ضمَّني رسولُ الله) وفي رواية: (النبي) الأعظم صلى الله عليه وسلم إلى نفسه أو إلى صدره، كما في رواية مُسَدَّد عن عبد الوارث، (وقال) عطف على (ضمَّ) :(اللَّهُمَّ) أصله: يا اللهُ، فحذف حرف النداء وعوض
(1)
في الأصل: (الملتفت)، وهو تحريف.