الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الصلاة في الشمس، وكذلك القمر والنجوم، فمن أين للعجلوني ذلك؟! فتنبه.
(فأراد) أي: المصلي المفهوم من: (صلى) وقدامه شيء من هذه الأشياء (به) أي: بفعله المذكور من صلاته إليها (وجه الله تعالى) أي: ذاته تعالى، وسقط لفظ (تعالى) من نسخة، وكذلك سقط لفظ (وجه) لغير أبوي ذر والوقت، وأشار المؤلف بهذه الترجمة: إلى أنَّ الصلاة إلى شيء مما ذكر لا تكون مكروهة إذا قصد به وجه الله تعالى، ولم يقصد الصلاة إليه، وعند أئمتنا الأعلام يكره ذلك مطلقًا؛ لأنَّ فيه التشبه بعبدة هذه الأشياء المذكورة ظاهرًا، وروى ابن أبي شيبة في «مصنفه» عن ابن سيرين: أنه كره الصلاة إلى التنور، وقال:(بيت نار) انتهى.
قلت: وقد يقال: إن مراد المؤلف بهذه الترجمة: إلى أنَّ الصلاة تكره إلى هذه الأشياء، وإن قصد بها وجه الله تعالى، يدل عليه: أنه خص التنور بالذكر؛ للإشارة إلى ما ذكر عن ابن سيرين آنفًا، فإنَّه مطلق يشمل ما إذا قصد بها وجه الله، وسيأتي بيانه؛ فافهم.
(وقال الزهري) : هو محمد بن مسلم ابن شهاب المدني، وهذا تعليق وصله المؤلف في باب:(وقت الظهر عند الزوال) مطولًا (أخبرني) بالإفراد (أنس) زاد الأصيلي: (ابن مالك رضي الله عنه أنه (قال: قال النبيُّ) الأعظم صلى الله عليه وسلم: عُرضت)؛ بضمِّ العين المهملة مبني للمفعول؛ أي: صورت ومثلت خارج الصلاة (عليَّ) بفتح التحتية (النار) أي: الجهنمية، يحتمل عرضها الله عليه بأن كشف الستر ورفع الحجاب عنه عليه السلام حتى رآها كما وقع له صبيحة الإسراء، وفي صلاة النجاشي؛ حيث أزيلت الحُجُب فرأى مسجد بيت المقدس، ورأى جنازة النجاشي، وبينه وبين ذلك مسافة بعيدة، لكن الظاهر: أنه رأى صورتها وصفتها لاحقيقتها؛ فافهم
(وأنا أصلي) جملة حالية؛ أي: وأنا أريد الصلاة؛ لأنَّ العرض لا يكون إلا قبل الصلاة؛ فافهم، ففيه المطابقة للترجمة من حيث إنَّه شاهد النار وهو في الصلاة، وفيه كلام سيأتي، ففيه جواز صلاة
(1)
المرء وبين يديه نار ونحوها، لكن مع الكراهة عند الإمام الأعظم ومن تبعه؛ لأنَّ فيه التشبه بعبادة المذكورات ظاهرًا.
وزعم الشافعية على ما نقله ابن حجر أن الصلاة صحيحة، ولا كراهة عندهم، وقال العجلوني:(إذا عرضت له في الصلاة ولم يمكنه التنحي عنها؛ فلا كراهة) انتهى.
قلت: ومفهومه أنه إذا أمكنه التنحي عنها، ولم يتنح وصلى؛ فصلاته مكروهة، كما هو في مذهبنا؛ فافهم.
[حديث: أُريت النار فلم أر منظرًا كاليوم قط أفظع]
431 -
وبالسند إلى المؤلف قال: (حدثنا عبد الله بن مَسْلَمَة)؛ بفتحات: هو القعنبي البصري، (عن مالك) : هو ابن أنس الأصبحي المدني، (عن زيد بن أسلم)؛ بصيغة الفعل الماضي: هو المدني، مولى عمر بن الخطاب رضي الله عنهما، (عن عطاء بن يَسَار)؛ بفتح التحتية، وتخفيف المهملة، هو المدني القاص الهلالي مولى أم المؤمنين ميمونة رضي الله عنها، (عن عبد الله بن عبَّاس) حبر هذه الأمة، وترجمان القرآن رضي الله عنهماأنَّه (قال: انخسفت الشمس)؛ أي: انكسفت.
روى جماعة أنَّ الكسوف يكون في الشمس والقمر، وروى جماعة فيهما، بالخاء المعجمة، وروى جماعة في الشمس: بالكاف، وفي القمر: بالخاء، وهو الكثير في اللغة، وهو اختيار الفراء، يقال: كسفت الشمس وكسفها الله وانكسفت، وخسف القمر وخسفه الله وانخسف.
قال الأزهري: (خسف القمر، وكسفت الشمس؛ إذا ذهب ضوءها).
وقال أبو عبيدة: (خسف القمر؛ ذهب ضوءه، وقيل: الكسوف: أن يكسف ببعضهما، والخسوف: أن يخسف بكلِّهما قال تعالى: {فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الأَرْضَ} [القصص: 81]، وقال: الكسوف في الوجه: الصفرة والتغير).
وقال ابن حبيب في «شرح الموطأ» : (الكسوف: تغير اللون، والخسوف: انخسافهما، وكذلك تقول لعين الأعور إذا انخسفت وغارت في جفن العين، وذهب نورها، وضياؤها).
وفي «شرح الفصيح» : (كسفت الشمس: اسودت في رأي العين من ستر القمر إياها عن الأبصار، وبعضهم يقول: كسفت مبنيًّا لما لم يسم فاعله، وانكسفت).
وعن أبي حاتم: (الكسوف: ذهاب ضوء بعض الشمس؛ لخفاء بعض جرمها) وتمامه في «عمدة القاري» .
قلت: وسبب الكسوف وكذا الخسوف؛ حيلولة الأرض بينهما؛ لأنَّ الأرض والسماء كلاهما كروية، فالشمس والقمر يدوران في قنطرة البروج، فإذا وصل القمر أو الشمس إلى المنطقة؛ تحول الأرض بينهما؛ فيحصل ذلك وتمامه في محله؛ فافهم.
(فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أي: صلاة الكسوف، وهي سنَّة عند الإمام الأعظم والجمهور، وقيل: واجبة، وهي ركعتان؛ كهيئة النفل من غير أذان ولا إقامة، بركوع واحد، بإمام الجمعة، بدون جهر بالقراءة ولا خطبة، وهذا بيان الأقل، فإن صلى أربعًا، أو أكثر كل شفع بتسليمة أو كل شفعين؛ فهو مخير، لكن الأفضل الأربع كما في «البحر»، وسيأتي في بابه تمامه إن شاء الله (قال) أي: النبيُّ الأعظم صلى الله عليه وسلم بعد فراغه من صلاته (أُرِيت) بضمِّ الهمزة، وكسر الراء، مبني للمفعول؛ أي: أبصرت، وحذفت الهمزة بعد الراء؛ لأجل التخفيف؛ أي: أراني الله تعالى رؤية عين (النار) بالنصب: مفعول ثان لـ (رأى)، بمعنى: أبصر؛ لتعديته له بالهمزة؛ أي أبصرتها بعيني في الصلاة، كما وقع له ليلة المعراج أنه رآها ببصره الشريف، أعاذنا الله منها، والظاهر: أنه رأى صورتها، وصفتها، لا حقيقتها؛ فافهم.
(فلم أر مَنظَرًا) أي: موضع نظر، وهو بفتح الميم وفتح
(2)
الظاء المشالة، فإن ماضيه:(نظر) كـ (ضرب) و (سمع)، كما في «القاموس» ، وأما نظر بمعنى: فكَّر؛ فهو كـ (نصر)، كما فيه أيضًا (كاليوم) الكاف للتشبيه، بمعنى: مثل، وهو صفة للمنظر بمعنى: الزمان، فاليوم صفة له، ويجوز أن يكون صفة لمصدر محذوف؛ أي: رؤية مثل رؤية اليوم، والأول أظهر؛ فافهم.
(قَطٌّ) : هي ظرف لاستغراق زمان مضى؛ فتختص بالنفي مشتقة من قطنطه؛ أي: قطعته؛ فمعنى (مافعلته قَطُّ)؛ أي: ما فعلته فيما مضى من عمري، وهي بفتح القاف، وتشديد الطاء المهملة المضمومة في أفصح اللغات، وقد تكسر على أصل التقاء الساكنين، وقد تتبع قافه طاءه في الضم، وقد تخفف طاؤه مع ضمِّها
(1)
في الأصل: (الصلاة)، وليس بصحيح.
(2)
في الأصل: (بكسر)، ولعل المثبت هو الصواب.
وإسكانها، وبنيت؛ لتضمُّنها معنى: مذ وإلى؛ إذ المعنى: مذ أن خلقت إلى الآن، وإنَّما بنيت على حركة؛ لئلَّا يلتقي ساكنان، وعلى الضَّمَّة تشبيهًا بالغايات، كذا في «عمدة القاري» ؛ فليحفظ.
(أفظعَ)؛ بالنصب، صفة لقوله: منظرًا، وفيه حذف تقديره: فلم أرَ منظرًا أفظع، مثل منظر اليوم، وأفْظَع: بالفاء الساكنة، قبلها همزة، وبالظاء المشالة، آخره عين مهملة؛ أفعل تفضيل، وصلته محذوفة؛ أي: منه، نحو قوله تعالى:{وَأَعَزُّ نَفَرًا} [الكهف: 34] أو أفظع؛ بمعنى: فظيع، مثل أكبر بمعنى: كبير، والفظيع: الشنيع؛ الشديد المجاوز المقدار، يقال: فظُع الأمر- بالضمِّ- فظاعة فهو فظيع؛ أي: شديد شنيع جاوز المقدار، وكذلك: أفظع الأمر فهو منفظع، وأُفظِعَ الأمر -على ما لم يسمَّ فاعله-؛ أي: نزل به أمر عظيم، فإن قلت: أفظع -أفعل- ولا يستعمل إلا بـ (من)، قلت: أفظع هنا بمعنى: فظيع؛ فلا يحتاج إلى (من) أو يكون على بابه، وحذف منه كما في:(الله أكبر)؛ أي: أكبر من كل شيء، كذا قرره إمام الشَّارحين بزيادة.
ومطابقة هذا الحديث للترجمة من حيث إنَّه عليه السلام شاهد النار وهو في صلاته، وفيه كلام: قال ابن بطال: (الصلاة جائزة إلى كل شيء، إذا لم يقصد الصلاة إليه، بل قصد بها الله تعالى والسجود لوجهه خالصًا، ولا يضره استقبال شيء من المعبودات وغيرها، كما لم يضرَّه عليه السلام ما رآه في قبلته) انتهى.
قلت: لم يتعرض لكون ذلك مكروهًا أم لا، كما أنَّ المؤلف أجمل ترجمته، ولم يبيِّن أنَّه يكره ذلك أو لا يكره، لكنَّ إيراده الحديثين المذكورين في الباب يدلُّ: على احتمال عدم الكراهة؛ لأنَّه عليه السلام لا يصلي صلاة مكروهة، وقد يقال عليه: إن صلاته عليه السلام لا توصف بالكراهة؛ لكونه هو المشرع، ولهذا قال إمام الشَّارحين: لا يتم الاستدلال بهذا للمؤلف من وجوه:
الأول: ما ذكره القاضي السروجي في «شرح الهداية» فقال: (لا دلالة في هذا الحديث على عدم الكراهة؛ لأنَّه عليه السلام قال: «أُريت النار» ولا يلزم أن تكون أمامه متوجهًا إليها، بل يجوز أن تكون عن يمينه أو يساره أو غير ذلك).
الوجه الثاني: ما ذكره هو أيضًا فقال: (ويحتمل أن يكون ذلك وقع له قبل شروعه في الصلاة) انتهى.
الوجه الثالث: ما ذكره الإسماعيلي بقوله: (ليس ما أراه الله تعالى نبيَّه عليه السلام من النار حين أطلعه عليها بمنزلة نار يتوجه المرء إليها وهي معبودة لقوم، ولا حكم ما أُري ليخبرهم كحكم من وضع الشيء بين يديه أو رآه قائمًا موضوعًا، فجعله أمام مصلاه وقبلته).
الوجه الرابع: ما ذكره السفاقسي: (ليس في الحديث ما بوب عليه؛ لأنَّه لم يفعله مختارًا، وإنَّما عرض ذلك؛ لمعنى أراده الله تعالى، ورؤيته عليه السلام للنار رؤية عين، كشف الله عنها فأراه إياها، وكذلك الجنة، كما كشف له عن المسجد الأقصى) انتهى.
وقد انتهت الجهالة لابن حجر، فأجاب عن ذلك حيث قال: كأنَّ البخاري كوشف بهذا الاعتراض فعجَّل بالجواب عنه حيث صدر الباب بالمعلَّق عن أنس، ففيه:«عرضت علي النار وأنا أصلي» ، وثنَّى بحديث ابن عبَّاس وفيه ما يقتضي أنه رآها أمامه؛ حيث قالوا له بعد انصرافه: يا رسول الله؛ رأيناك تناولت شيئًا في مقامك، ثم رأيناك تكعكعت؛ أي: تأخَّرت إلى خلف، فأجابهم: بأنَّ ذلك بسبب كونه رأى النار، ولا فرق بين القريب والبعيد من المصلي؛ لما في حديث أنس المعلَّق هنا، والموصول في «التوحيد» من قوله:«لقد عرضت علي الجنة والنار آنفًا في عرض هذا الحائط» انتهى.
وردَّه إمام الشَّارحين فقال: هذا كلام تمجُّه الأسماع، وتستمجه الطباع، وانظر إلى هذا الأمر الغريب العجيب؛ شخص يكاشف اعتراض شخص يأتي بعده بمدة مقدار خمس مئة سنة، أو أكثر، ويجيب عنه بتصدير هذا الباب الذي فيه حديث أنس معلقًا، وحديث ابن عبَّاس موصولًا، ومع هذا لا يتم الجواب بما ذكره، ولا يتم الاستدلال به للبخاري، وبيان ذلك: أنَّ قوله: «وأنا أصلي» في حديث أنس، يحتمل أن يكون المعنى: وأنا أريد الصلاة، ولا مانع من هذا التقدير، وأما تناوله الشيء وتأخره إلى خَلْف في حديث ابن عبَّاس؛ لا يستلزم أن يكون ذلك بسبب رؤيته النار أمامه، ولا يستحيل أن يكون ذلك بسبب رؤيته إياها من يمينه أو شماله أو غير ذلك.
وقوله وفي
(1)
جوابه: (أنَّ ذلك بسبب كونه رأى النار)؛ مسلَّم أن ذلك كان بسبب كونه أُري النار، ولكن لا نسلِّم أنَّه كان بسبب كون رؤيته النار أمامه، ولئن سلمنا؛ فنقول: لنا جوابان آخران غير الأربعة المذكورة:
أحدهما: أنَّه عليه السلام أريها في جهنم، وبينه وبينها ما لا يحصى من بعد المسافة، فعدم كراهة صلاته عليه السلام كان لذلك.
والآخر: يجوز أن يكون ذلك منه عليه السلام، رؤية علم روحي باطلاعه وتعريفه من أمورها تفصيلًا ما لم يعرفه قبل ذلك) انتهى كلامه رضي الله عنه
واعترضه العجلوني، فزاد في الطنبور نغمة حيث قال: (وقوله: «انظر إلى هذا الأمر الغريب
…
» إلى آخره، لعلَّه نظير الفنقلة من المؤلفين، وقوله: «يحتمل أن يكون المعنى
…
» إلى آخره، انظر ارتكابه خلاف الظاهر، لا سيما في الأول من غير سبب، وقوله: «ولئن سلمنا
…
» إلى آخره كأنَّه غفل عما للمؤلف في «التوحيد» ، وفيه:«لقد عُرضت عليَّ الجنة والنار أنفًا في عرض هذا الحائط» ، فتأمل منصفًا، ولا تكن في الأمور متعسِّفًا) انتهى.
قلت: لقد تعسَّف العجلوني فيما قاله، ولم يُنصِف، فهو مثل:{أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ} [البقرة: 44]
لا تنه عن خلق وتأتي مثله
…
. . . . . . . . . . . . . .
فقوله: (لعله نظير الفنقلة من المؤلفين)؛ كلام بارد، وكيف ينسب مثل هذا الكلام إلى المؤلفين؟! فإن الفنقلة: الإتيان باللفظ على غير صيغته الأولى بدون تغيير المعنى، وهذا
(1)
تكرر في الأصل: (وفي).